[size=32]
جدل تاريخي يتجدد
المسيحيون واليهود .. هل عانوا تهميشا إسلاميا ؟[/size]
عنكاوا دوت كوم-محيط - شيماء عيسىيهود مصر لم يعرفوا عزلة الأوروبيين ..
تربص اليهود لا ينتهي رغم تسامح دولة الأندلس
ورقة تونسية : القرآن أعلى حقوق الذميين .. والفقهاء تشددوا
الرسول عامل مسيحيي تغلب ونجران بحزم .. وولاؤهم للعرب ظل قويا
أهل الكتاب لهم الاحتكام لقضائهم في الإسلام
مطالب بلجنة تاريخية محكمة للدراما العربية
المهاجرون لإسرائيل محيت أسماؤهم من ذاكرة العرب“المهمشون في مصر والعالم العربي” كان عنوان المؤتمر الذي انطلق صباح أمس بحضور مؤرخين عرب بارزين، وقد ركزت أبحاثهم على وضعية الأقليات وأدبيات الجماعات المهمشة والتهميش المهني وأثر الحقبة الاستعمارية والمجتمع والسلطة في تكريس أوضاع هؤلاء تاريخيا.
والمؤتمر الذي شهدته كلية الآداب بجامعة القاهرة، ونظمه مركز ، الدراسات التاريخية ، دارت حلقته النقاشية الأولى حول الأقليات بين التهميش والاندماج؛ وقد نوقشت أوضاع الأقليات اليهودية في مجتمع الأندلس العربي القديم وفي مصر خلال النصف الأول من القرن العشرين وتحديدا بحارة اليهود، ثم وضعيتهم بالخليج في نفس الحقبة ، كما نوقش وضع المسيحيين العرب قبل دخول الإسلام وبعده بنحو قرنين.
وأشاد المشاركون بالمؤتمر بالمجهود الكبير الذي اضطلع به منظمو هذا الحدث من حيث اختيار الباحثين المشاركين والأوراق وبالتأكيد أبدوا إعجابهم بموضوع المؤتمر الذي يخوض بمساحات شائكة كثيرة لم تحظ بالدرس التاريخي الكافي من قبل العرب، وهي مساحة المهمشين والأقليات ودوائر التأثير والتأثر المجتمعية من حولهم.
لكن ذلك لم يمنع انتقاد البعض لغياب الرؤية المنهجية بترتيب النقاشات كي لا تبدو مفككة ولا يربطها رابط موضوعي في كل حلقة بحثية، إضافة لغياب تعريفات منهجية استهلالية لسبب اعتبار جماعة ما مهمشة في ظرف تاريخي بعينه.
حارة اليهودعن هذه الحارة دارت ورقة د. محمد عفيفي وقد ركز على اندماجهم بالمجتمع خلال العصر العثماني وقد اتسم بتسامح كبير معهم، وتذكر الباحث التاريخي البارز مشاهداته للحارة في الطفولة، وكيف ارتبط بالمنطقة التاريخية التي تضمها كحي الصاغة والموسكي بالأزهر ، وكان يشاهد بالحارة بيوتا بسيطة وورش حرفية، وحين يسأل والدته عن اليهود، تخبره بأنهم لم يعودوا هنا، فيندهش إلى أين ذهبوا إذن!
بيت في حارة اليهودويؤكد “عفيفي” الأمين السابق للمجلس الأعلى للثقافة، أن حارة اليهود لم تكن جيتو مغلقا على غرار ما جرى لهم بأوروبا، فمن ناحية كانت الحارة ملاذ البسطاء من اليهود وأبناء الطبقة المتوسطة الدنيا، أما الأثرياء والميسورين فقد سكنوا في النصف الأول من القرن العشرين بمناطق مختلفة كالعباسية وجاردن سيتي وأحياء بالإسكندرية، وصار بينهم أسماء وعائلات بارزة ، وبعضهم لعب دورا وطنيا كبيرا
ولو تأملنا حياة اليهود بالحارة، سنجد أنهم كانوا متعايشين تماما مع المصريين، مسلمين ومسيحيين، وكان البيت أحيانا يكون له بابان ، واحد يطل على الحارة والآخر مطل على حارة النصارى المجاورة.
وكان اليهود متجانسين مع المصريين ولا يشعرون بكونهم أقلية، وإن اختاروا تخصيص بعض المحال لليهود ارتباطا بعقيدتهم، كمحلات الجزارة والأسماك ونحوها .
واليهود لم يكونوا كلهم متصهينين وكثير منهم لم يفضل السفر لإسرائيل وقت اغتصابها للأرض الفلسطينية، وقد جرى تضييق كبير عليهم بعد سنة 1948 وهو العام المرتبط بالحرب العربية الصهيونية، وما تلا ذلك من حريق القاهرة وشمل محال اليهود وحارتهم، ولكن على أية حال، اضطر معظم اليهود للسفر، ولكنهم اختلفوا في الوجهة، فمنهم من فضل أوروبا وهم الميسورون، ومنهم من ذهب لإسرائيل لأسباب معظمها مادية قبل أن تكون عقيدية أو سياسية. وقد كانت الوعود تنهال لجذب اليهود لتلك البقعة المغتصبة من أرض العرب.
<div class="wp-caption alignnone">
<p class="wp-caption-text">معبد يهودي</p>
ويلاحظ أن موقع الحارة نفسه بداخل القاهرة الفاطمية وهو ما يشي بعدم عزلة اليهود، وأنه بداخل داخل حارة اليهود وجد معبد الفرنج للبنادقة ومسجد وكنيس يهودي للقرائين وكانوا يتملكون عمارات وقف ويتبادلون الأراضي مع المسلمين
وتعقيبا، أكد مقرر الندوة د. عاصم دسوقي، أن خلافات اليهود بالحارة المصرية كانت معظمها عقيدية توراتية، وهي بين اليهود القرائين والسامريين، ولكنها لم تكن خلافات اجتماعية، وأكد رأي د. محمد عفيفي بأن المستشرقين أمثال مايكل ولتر لم ينصفوا حين ذهبوا إلى حين يهود مصر قطنوا بحارة طلبا للحماية من البطش.
من جانبه أشار د. سيد العشماوي إلى أن التراث الشعبي للمصريين ظل يتعامل مع اليهود بصورتهم النمطية المرتبطة بالحرص والتربص ، وإن نعم اليهود في معظم الدول الإسلامية بظروف مواتية خاصة من ناحية لجوئهم لمحاكم خاصة لوجود إجازة فقهية بذلك.
وعلق نائب رئيس جامعة صفاقس د. عبدالواحد المكني، على ذكر مسلسل “حارة اليهود” بأنه بالفعل يطرح وجهة نظر مختلفة ولكنه كمثل الأعمال الدرامية العربية يحتاج لضبط تاريخي علمي، وطالب بفرض لجان تحكيم تاريخية مؤهلة على كل الدراما العربية لمنع خلط الأوراق والاستسهال.
أسوار يهود الأندلسعن هذه الجماعة تحدثت د. زينب حسن، في ورقة ركزت على ،وضعية اليهود تحت الحكم الإسلامي حيث فرقت بين التهميش الذي تضطر إليه الأقليات وبين الانعزال الذي تختاره بإرادتها، وتؤكد أن اليهود ينطبق عليهم الحال الثانية .
وقد وصف مؤرخو العالم عصر اليهود في ظل حكم الأندلس بالذهبي، وقد كانوا يعيشون بالمدن الكبرى
<p class="wp-caption-text">صورة تعبيرية - يهود</p>
وكان اليهود يعيشون عادة بأحياء خاصة بهم لإقامة شعائرهم الدينية، وكان هذا اختيار نابع منهم ولكن يكن مفروضا بأية حال من السلطة الحاكمة المسلمة، وكانوا يرفضون بيع أملاكهم لمن يسمونهم بالأغيار ، مسلمين او مسيحيين! بل وزادوا بأن بنوا أسوارا حول أحيائهم ببعض المدن التي عاشوا فيها!
وكان لجوء أحد اليهود للقضاء الإسلامي يثير حفيظة السلطات اليهودية وجزاؤه حرمان ذلك الفرد من قبل الكنيسة، وبالفعل فقد احتكم اليهود لقضائهم
لكن الأهم أن اليهود لم يكونوا بعيدين عن بلاط الخلفاء فكانوا وزراء وكتاب وجباة ضرائب وأطباء ومنهم طبيب الخليفة عبدالرحمن الثالث حسداي بن شفروط، ووزير باديس بن حبوس حاكم مملكة غرناطة ويدعى اسماعيل بن النغريلة، وعين يوسف بن تاشفين اليهودي قمينال وزيرا وطبيبا ملكيا، ولعل أشهر هؤلاء هو موسى بن ميمون المفكر والوزير المعروف
وقد لعب نفر من اليهود أدوارا سلبية لخداع السلطة المسلمة ومنهم بن صماتة الذي تخابر مع الإسبان الأعداء للدولة الإسلامية فتجمع العامة وقتلوه .
لكن ذلك لم يمنع أن اليهود أثروا الحياة الثقافية الأندلسية بمؤلفات هامة، ومنها كتاب المحاضرة لموسى بن عزرا، ودلالة الحائرين لموسى بن ميمون.
الأخوان صالح وداودهذان الأخان يمثلان علامة بارزة بمسيرة الغناء الكويتي، وقد كانا ينتميان لعائلة عزرا المعروفة بالطرب والموسيقى، ومعظم يهود الكويت كانوا في الحقيقة عراقيين مهاجرين بالقرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وتورد د. نور الحبشي بورقتها أن الأخوين قد كونا فرقة موسيقية بالكويت سرعان ما ذاع صيتها،وقد حظيا بمباركة من السلطة فكانا مقربين من عائلة الصباح الحاكمة، ومع ذلك قررا الهجرة للعراق من جديد وتقديم حفلات موسيقية بجو أرحب فنيا وأكثر ثراء ، وهنا التقيا بالفنانة القديرة سليمة مراد ولحنا لها أهم أغنياتها كـقلبك صخر جلمود، والتي تغنت بها كوكب الشرق أم كلثوم في زيارتها النادرة للعراق.
الاخوان صالح وداود الكويتيانوقد استطاع الأخوان أن يثريا فن العزف على العود وكتابة النوت الموسيقية بشكل كبير، ودشنا ملهى للفن والموسيقى يضم كبار الأسماء بالعراق، ومع ذلك قررا في خمسينات القرن العشرين السفر لإسرائيل أملا في تكريس وجودهم الفني بمجتمع من اليهود.
لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، لقد عانى الفنانان العراقيان من عزلة كبيرة بتل أبيب، ورغم أن شارعا هناك يسمى باسمهما “الأخوان الكويتيان” لكن حظهما في حياتهما من الشهرة والتقدير لم يكن كبيرا !
وعن ذلك علق د. عبدالواحد المكني بقوله أن الذاكرة الجمعية للشعوب انتقائية، وقد حذفت الشعوب العربية من ذاكرتها كل اليهود الذين ماتوا بإسرائيل، كما نالهم ما نالهم من تهميش في حياتهم، بخلاف من ماتوا بأوطانهم أو بأوروبا .
مسيحيو الجزيرة العربية. في ورقة أثارت الجدل كثيرا ، تحدثت د. سلوى بلحاج صالح الباحثة التونسية البارزة عن “الجماعات المسيحية العربية في دار الإسلام خلال القرون الهجرية الأربعة الأولى”
أما سبب الجدل، فكان تأكيدها بحسب وثائق اطلعت عليها في الفاتيكان والمكتبات العربية وغيرها من المرويات بأن الرسول (ص) وخليفته عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أبديا تشددا تجاه مسيحيي قبيلة تغلب الكبرى وقبيلة نجران ، لم يكن له سند ظاهر بكتاب الله!
مسيحيو الشرقوعلى حين سعى بعض الباحثين الكبار بقاعة الندوة لأن يوضحوا بأن سبب تشدد الرسول معهم لم يكن سوى لجوء هذه القبائل في فترة من الفترات للاستقواء بالدولة البيزنطية المعروفة بعدائها للدعوة الإسلامية الوليدة، وهو ما اقتضى حزما في التعامل مع هذه الأمور، فكان من رسول الله بعد أن رفض سادة هذه القبائل وقساوستها بأن يخضعوا للجزية والتي كانت مثارا للعار عند العرب، أو أن يدخلوا بدين الله، كان منه أن أمرهم بعدم تنصير أبنائهم وذهب لمضاعفة الجزية عليهم .
وفي إشارة تاريخية أوضحت الباحثة أن المسيحيين العرب قبل دخول الإسلام انقسموا لأتباع مذهب النسطورية واليعقوبية، والخلاف بينهما حول بشرية المسيح عليه السلام وألوهيته، بحسب المعتقد المسيحي، وكانت قبيلتا تغلب وبنو الحارث بنجران من أكبر القبائل التي تدين بالمسيحية وقد سكنت بمساحة واسعة من العراق والشام واليمن وكانت معروفة بنفوذها وقوتها العسكرية .
كان مسيحيو تغلب يتمتعون بالقوة والبأس الشديد قبل دخول الإسلام، وأسست لهم أسقفية كبيرة قريبا من نهر الفرات وقد كان رسول الله يغضب من معتقدهم الذي يدعي ألوهية المسيح، بخلاف مسيحيي نجران الذين اعتقدوا بطبيعته شبه البشرية .
<div class="wp-caption alignnone"><img class=" " src="
http://moheet.com//gallery/2015/moheet_40/20151129_140252_1394.jpg" alt="" width="350" height="254" />
<p class="wp-caption-text">العهدة العمرية</p>
وكان عمر رضي الله عنه يسعى لإخضاعهم وإدخالهم بالإسلام غير أنهم رفضوا وأصروا على دينهم في مجملهم وفي مقابل ذلك أخرجهم عمر من زمرة أهل الكتاب، وبرغم ذلك فإنهم انحازوا لعروبتهم في كل الحروب التي خاضها العرب ضد الدولة البيزنطية، كما تقول الباحثة، ما يؤكد أن نزعة العروبة كانت أقوى من الدين لديهم.، لكن تشي الوثائق بأن قوتهم زالت تماما مع توالي الخلافات الإسلامية وخاصة بعهد الخلافة العباسية حيث تشرذموا وضاع صوتهم .
وحين تعود الباحثة للاستشهاد بواقعة نصارى نجران الشهيرة ولقائهم برسول الله وقد دعاهم للإسلام فأبوا وانتهى الأمر بمصالحة وضريبة جماعية للنجرانيين بعد ما جرى من “مباهلة” أي “ملاعنة” وهنا حذرهم الحكماء من لعنة الأنبياء، لكن الباحثة تصف الإجراءات ضدهم بـ “المجحفة”! وهذا ما أثار استياء عدد من الباحثين الذين أكدوا أن أفعال الرسول لا تخرج عن سياق القرآن الكريم وهديه، وأن الظرف الاجتماعي لابد من الأخذ به عندما نتحدث عن اضطهاد أو تهميش لأقلية دينية، وقد كان المسيحيون المغايرون بالعقيدة يتعرضون للويلات بالعالم كله ولم يكن هناك أفضل من حالهم في ظل عهد الرسول وقد أستوصى بساكني الأديرة ولكنه رفض تواطؤ بعضهم ضده وتأليبهم أعدائه فكان لابد من الحزم بمنطق القائد السياسي.
وتستطرد الباحثة : جرى لإبراشية مسيحيي نجران ما جرى لبني تغلب حيث تلاشى أثرها وتراجع أعداد التابعين لها لأربعة آلاف بعد أن كانوا 40 ألفا، وتجد الباحثة أن الفقهاء المسلمين وضعوا مسيحيي العرب في صف “أهل الحرب” رغم أنهم “أهل ذمة” كما يصفهم القرآن الكريم وأهل كتاب، وقد جعلهم بعض الفقهاء أحيانا في صف الكافرين الخارجين عن دولة الإسلام أو السلام، وبعضهم ذهب لمعاملتهم كالمجوس ومنع الأكل من ذبائحهم وتمييز لباسهم وهو ما أثار انتقادات أيضا وردد البعض أنها أقوال المستشرقين لان الفقه الإسلامي يضع بابا كاملا لمعاملة أهل الذمة، ولم يكن السائد في أي عصر من العصور أن عومل المسيحيون كأهل حرب، إلا بظروف محددة جرت بها التباسات تاريخية مؤسفة واختلاط بين السياسي والفقهي عند رجال الدين .
<div class="images">
<div class="image">
</div>