الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 60487مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: لقاء مهم مع الدكتور همام عبدالخالق الإثنين 7 ديسمبر 2015 - 6:38
لقاء مهم مع الدكتور همام عبدالخالق
[size=32]د. همام عبدالخالق يكشف بعض أسرار البرنامج النووي العراقي[/size] [size=32]تفاصيل المفاوضات الصعبة مع الخبراء الفرنسيين لبناء مفاعل تموز النووي[/size] [size=32]كيف انقذت جارية الرشيد وزير النفط من غضب صدام حسين؟[/size]
[size=32]الجزء الاول[/size]
[size=32]أبو البرنامج النووي العراقي يكشف وقائع مما مضى.. همام عبد الخالق: جارية الرشيد أنقذت وزير النفط من أمر صدام مغادرة جلسة مجلس الوزراء[/size] [size=32]-الصحاف يعرض فضائل عامر رشيد العبيدي أمام صدام[/size] [size=32]-أيام في موقع بديل قبل الإعتقال بقوة أمريكية[/size] [size=32]-مفاوضات مع النيجر وعمليات تنقيب لإكتشاف مناجم الخام[/size] [size=32]-عكاشات وأبو صخير مصدرا الحصول على اليورانيوم العراقي[/size] الجزء الاول: احمد عبد المجيد مضى نحو 15 عاماً على آخر لقاء جمعني مع وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق د. همام عبد الخالق. وتقود المصادفات، الصحفي مثلي احياناً، الى فرص غير مدرجة على اجندته، وهو ما حدث معي، قبل ايام، وانا أزور الشارقة لحضور معرضها الدولي للكتاب. كانت المصادفة سارة بالنسبة لي عندما اقترح عليّ زميل مغترب زيارة الدكتور عبد الخالق للأطمئنان على صحته. وكانت اللياقة تقتضي مني طلب الأذن منه مباشرة، لاسيما وانه يعاني من وعكة صحية فاتصلت به من هاتف زميلي وعرضت أمنيتي فرحب من دون تردد. وقلت هي فرصة مزدوجة اني أرد اليه فضلين ظلا راسخين في اعماقي، وكانا وراء تغيير مسار مجمل أحوالي. الفضل الأول ان الدكتور عبد الخالق ،اطال الله في عمره،أسهم في انصافي ،عندما قدمت لدراسة الماجستير ضمن قناة المتميزين، ولم يظهر اسمي بسبب تلاعب وجدته متحيزا لصالح زميلين آخرين، فقدمت اليه استرحاماً فتابعه وأنصفني. لقد كان قبولي في الدراسات العليا عام 1994 انعطافه لم أدرك اهميتها إلا بعد نحو عقد من الزمان. وأما فضله الثاني الذي لن أنساه أيضاً فهو سرعة استجابته لطلب قدمته بنقل خدماتي الوظيفية من وزارة الثقافة والاعلام الى وزارة التعليم العالي التي كان يتولاها للمرة الثانية، بعد نحو خمس سنوات من استيزاره لحقيبة الثقافة والاعلام للمدة من 1997 لغاية 2001. وكنت قد انهيت دراسة الدكتوراه في قسم الاعلام بكلية الآداب بجامعة بغداد عام 2000، وزاولت التدريس محاضراً ، في السنة الاولى لتخرجي قبل ان اطلب اليه قبول نقلي الى التعليم، وتلك حكاية طويلة رافقتها ظروف صعبة ضاغطة كنت أمر بها. وكانت الوزارة يومها قد استحدثت كلية الاعلام للمرة الأولى وألحقتها بالجامعة الأم. كان الدكتور عبد الخالق يعاني آثار انفلونزا شديدة، لكن طبيعته العراقية المرحبة والكريمة دفعته الى الضغط على اوجاعه وقبول استقبالنا في شقته المتواضعة التي يسكنها في الطابق العاشر، وذلك انسجاما مع تقاليد زيارات المجاملة. نعم هي متوارية وضيقة ، لكن روح الثقافة والعلم التي يتحلى بها جعلتها فسيحة بحجم امارة .ولم افاجأ بالاستقبال الودي والحار الذي لمسناه منه. قدم القهوة الينا بنفسه . رفض قيامنا من أجل مساعدته. وبدا في غاية السعادة وهو يستقبل أثنين من تلاميذه وزملائه السابقين ، كما بدا كريما وهو يضع امامنا الحلوى، ومرتديا الدشداشة وفوقها العباءة النجفية. لعلها واحدة من الاشياء التي رغب بحملها في حقائبه وهو يودع العراق في اخر ليلة، غداة اطلاق سراحه من سجن المطار الذي كان يعرف امريكيا باسم ( كوبر). وكان طبيعيا ان يتلقى مني السؤال : كيف تمت عملية اعتقاله بعد 9 نيسان 2033؟ وماهي الملابسات التي رافقت ذلك؟ وقال (كنا ، انا والدكتور فهد الشكرة وزير التربية يومها في موقع بديل. كنا في منزل لازمناه ، اياما عدة ، قبل ان اجد نفسي مضطرا الى رفض الانتظار في هذا الموقع . قلت سأذهب الى منزلي مهما كلفني ذلك. وكنت عرفت ان اسمي ضمن قائمة المطلوبين من القوات الامريكية. قلت ليأتوا الى منزلي ويعتقلونني .كنت موقنا ،تماما، انني بريء ولم أمارس او افعل شيئا يضر بمصلحة وطني، ولذلك اثرت ترك الموقع البديل ورفض عرض قدم لي من اقاربي بمغادرة العراق سرا. وفعلا وصلت منزلي ، ولم تمر ساعات حتى دهمت قوة عسكرية مدججة بأنواع من الاسلحة المنزل وتم الاعتقال). واضاف :(امضيت في الاعتقال ثلاث سنوات. واحمد الله انني لم أر او اصادف عراقيا واحدا في المعتقل ضمن الملاك الاداري. كانوا جميعا من الامريكيين، لأنني اكره رؤية عراقي يمارس دور سجان ضدي و أمثالي من أبناء جلدته. لقد خدم كل واحد منا وطنه عقودا. وكنا مثالا للنزاهة واحترام الخدمة العامة ، كما انني أشقى اذ أرى عراقيا في هذا المكان. انني أعتبر الجميع مواطنين. أليسوا هم يحملون هوية بلادي؟). وفيما كان زميلي الذي رافقته في الزيارة يحاول شحذ ذاكرة الدكتور عبد الخالق عن ايام الدراسة الاعدادية ، وابرز زملاء رحلته في منطقة الاعظمية كنت استعيد تفاصيل حادثة شهدها اجتماع لمجلس الوزراء كان الرئيس السابق صدام حسين يرأس الجلسة. وتدل واقعة من ايام الدراسة المستوى المتقدم لتفكير الدكتور عبد الخالق وجدية التعامل مع طلبات اساتذته. ففي احد الايام عزم معاون مدير المدرسة الثانوية ، تفريق مجموعة مؤلفة من ثلاثة طلبة كان هو من بينهم. وبرغم توسلاتهم بإعادة لم شملهم في شعبة واحدة ، إلا ان المعاون اشترط طلبا تعجيزيا لتنفيذ رغبتهم هو جلب فتوى من مفتي بغداد حصرا. ومن اجل هذه الغاية ذهب الثلاثة الى جامع العساف في الاعظمية، الذي كان المفتي الراحل يؤمه. فصلوا الجماعة خلفه وتحدثوا اليه ، فما كان من المفتي إلا كتابة ورقة تناشد المعاون اعادة المجموعة الى الشعبة التي يرغبون بها. وقال (لازلت أتذكر كيف جلس الرجل وقد كان طاعنا في السن ، على مدرج المسجد وكتب بخط واضح وجميل. أنني نادم على عدم الاحتفاظ بهذه الوثيقة). وقال (كانت مفاجأة غير متوقعة من المعاون الذي لم يتصور قيام طلبة بهذه الاعمار بمهمة صعبة من قبيل انتزاع رجاء او مناشدة المفتي).
أما الحادثة التي رأيت التحقق منها من الدكتور عبد الخالق فتتعلق بأمر الرئيس السابق لوزير النفط عامر رشيد العبيدي مغادرة جلسة منعقدة لمجلس الوزراء، وملخصها ان احتكاكا جرى بين العبيدي ووزير الداخلية السابق محمد زمام عبد الرزاق بشأن مسألة تخص مهمات الوزارتين. وبرغم ان الحادثة وقعت خلال مسافة الطريق، التي قطعتها حافلات صغيرة خاصة تنقل الوزراء الى موقع الاجتماع ، وكان على الاغلب في تكريت، إلا ان الوزير عبد الرزاق اشتكى امام صدام من أسلوب (تطاول) العبيدي عليه من غير مسوغ، وهو عضو في القيادة القطرية لحزب البعث. ولم يحطنا الدكتور همام بالتفاصيل السالفة التي ذكرها لي محافظ البنك المركزي السابق المرحوم عصام رشيد حويش ، الذي كان حاضرا أيضا، بل بدأ الحديث من حيث اطلق صدام أمره، والطلب الى العبيدي مغادرة جلسة مجلس الوزراء وعد نفسه خارج المنصب في تلك اللحظة. وكان المبدأ ان العبيدي بدا حادا وافتقد القدرة على ايضاح ملابسات الحادث. وقال يبدو ان مشكلة حصلت بين الاثنين. وقبيل فض الجلسة وانتهاء جدول الاعمال، طلب محمد زمام الكلام وتحدث عن قيام العبيدي بالتطاول عليه. وكان ممكنا ساعتها ان يرد العبيدي بإيضاح الحقيقة بهدوء أو طلب الاعتذار مما قد يفسر انه تطاول على عضو القيادة، لقد كان متوترا وفقد القدرة على الامساك بالهدوء. فما كان من الرئيس إلا الطلب من العبيدي مغادرة الاجتماع ومن الحماية ايصاله فورا الى الجهة التي يرتأيها). وفعلا غادر العبيدي المكان. بعد ارتداء غطاء الرأس (البيرية) واداء التحية العسكرية ، في تلك اللحظة ساد الجلسة صمت رهيب، وكأن الطير على رؤوس نحو 40 مسؤولا رفيعا ، بين وزير ومن هم بدرجتهم،
وجاءت المفاجأة من الدكتور عبد الخالق وقال : (رفعت يدي وطلبت الأذن بالحديث فمنحني الرئيس الفرصة . وقلت لدي واقعة من التاريخ. وعلى الفور انتبه الرئيس. واستذكرت ما قرأته في بطون الكتب عن الخليفة العباسي هارون الرشيد). واضاف : (قلت كان للرشيد جارية مقربة اليه، جميلة وذكية، لكنها ضعيفة البنية. وبينما كانت ترفع ابريقا ثقيلا مصنوعا من النحاس عادة، سقط من يديها على قدم الرشيد ، فصرخ بوجهها غاضبا من الألم لكنها بادرته بتلاوة الآية الكريمة (والكاظمين الغيظ) . فقال الرشيد كظمنا. واستكملت الجارية: (والعافين عن الناس) ، فرد الرشيد لقد عفونا ، واستطردت الجارية بذكر بقية الآية الكريمة ، (والله يحب المحسنين). فقال لها الرشيد انت حرة)، وواصل الدكتور همام بقية الواقعة وقال :(قلت يا سيدي انك من أصل ذلك السلف العظيم . وأرجوك ان تعفو عن زميلنا الفريق عامر رشيد ، لأنه وزير ناجح وانا أدرك مبلغ محبتك له.
وهنا وللتاريخ اذكر – يقول الدكتور همام – ان الاخ ابو زياد، محمد سعيد الصحاف، رفع يديه طالبا الحديث وشرع، بعد ان أذن له الرئيس،باستعراض مأثر الفريق عامر وتعداد مناقبه في العمل والحياة). واضاف الدكتور همام (ان الرئيس ظل يتأمل الحضور وفض الاجتماع لكن دعا المرحوم طارق عزيز الى اصطحابه. وفهمنا بعد حين ان الرئيس عفا عن الفريق عامر وعد الموضوع منتهيا. وفعلا مارس واجباته في وزارة النفط في اليوم التالي. وخارج الاجتماع سألني بعض زملائي ومنهم وزير العدل منذر الشاوي : كيف حضرت في ذهنك هذه الواقعة؟). وعلقت، من جهتي، على الفور (ان الله عندما يقدم المساعدة يهيئ أصحاب الخير الى الحضور). وهزّ الدكتور همام رأسه موافقا.
وتوحي تفاصيل هذه الواقعة ، من بين امور عدة، ان عضو القيادة محمد زمام لم يكن يتوقع قيام اثنين من زملائه الوزراء التكنوقراط، بالتجرؤ على الانتصاف لغريمه، ومناشدة الرئيس العفو عنه، فيما يملك العبيدي حضورا مريحا دفع زملاءه للانتصاف له والدفاع عنه امام الرئيس. كما يفهم من الواقعة ان صدام كان يستعين بطارق عزيز وطه ياسين رمضان، في اتخاذ قرارات صعبة بالنسبة له من قبيل العودة عن اعفاء الوزراء من مناصبهم او توجيه اللوم والتقريع لهم اذا استوجب الأمر ذلك، ويفهم ثالثا وأيضا، ان الاجتماعات التي يرأسها صدام تشهد، احيانا، صراعا خفيا، حينما تحين المناسبة او يتوجب الموقف طرح القضايا والملفات الساخنة، بين الحمائم التي يتزعمها عزيز والصقور التي يقودها رمضان. ويمضي الدكتور همام معظم ساعات يومه بالمطالعة والتأليف وبرغم عزوفه عن متابعة معظم اخبار العراق، فانه حرص على توثيق بعض المحطات البارزة في قطاعي التعليم العالي والبحث العلمي والطاقة الذرية التي تابع ورافق برنامجها الى درجة اني اعده أبا لهذا البرنامج الذي وصل الى مرحلة متقدمة اقلقت اسرائيل وتسببت بتداعيات لا حصر لها في الوضع العراقي بالنسبة للإدارة الامريكية. وعلى صعيد التعليم أنجز الدكتور همام اربعة كتب بتعاون مشترك، الاول استراتيجيات التعليم التقني – تحديات التعليم التقني العربي ورؤى المستقبل، والثاني استراتيجية التعليم العالي في العراق في اطار سياسات العلم والتكنولوجيا. أما الثالث فقد صدرعن المنظمة العربية للتنمية الادارية التابعة للجامعة العربية بعنوان استراتيجية الجودة والاعتماد الاكاديمي في ظل سياسات العلم والتكنولوجيا. والرابع بعنوان الادارة الاستراتيجية للجامعات – مداخل فلسفية وتطبيقات ميدانية. وعلى صعيد البرنامج النووي فانه اصدر كتاب استراتيجية البرنامج النووي في العراق في اطار سياسات العلم والتكنولوجيا، والثاني التفتيش عن اسلحة الدمار الشامل في العراق – دور لجان التفتيش وفرقها في تدمير العراق والتمهيد لاحتلاله. وفي هذا الأخير وجد الدكتور همام نفسه منقادا لكشف العديد من الحقائق المرة، التي لم تكن تفاصيلها واضحة او ان مؤلفين اخرين، قد عرضوها ناقصة أو تغافلوا عنها. وقال لي: (ان ما دفعني الى كتابة رؤيتي في هذا الموضوع هو حرصي على الحقيقة ورغبتي في تأكيد علمية وسلمية البرنامج النووي العراقي الذي تمتد جذوره الى حقبة الخمسينات من القرن الماضي). ونهض صوب خزانة ملحقة بصالة الاستقبال وعاد حاملا نسخا من الكتب المذكورة. وقال هاك. وأحسست كما لوانه اراد ابلاغي رسالة مؤداها (ان ما تبحث عنه ستجده فيها). وها انا اقتبس منها بعض الاسرار، التي ظلت في ذمة التاريخ حتى قيض للدكتور همام وفريق عمله كشفها بالأدلة وشواهد الاثبات. { وكان عليّ اولا ان اتحرى عن مكان انتاج اليورانيوم. واسأل كيف تسنى للعراق الحصول على هذا الخام الثمين؟ يقول الدكتور همام في كتابه الأول: (ان العراق بلد غني بالثروات المعدنية، وقد أجري له في السبعينيات أول مسح جيولوجي وتحرّ معدني جاد وشامل استخدم فيه أحدث التكنولوجيات في حينها. ولم يعتمد العراق في هذا الصدد على شركات اجنبية فقط، بل كان الجيولوجيون العراقيون في طليعة من أدى هذه المهمة، إذ جابت الفرق الجيولوجية العراقية أرض البلاد من شماله الى جنوبه. وأشارت الدراسات والمسوحات، التي أجرتها لجنة الطاقة الذرية العراقية مع مؤسسة المسح الجيولوجي والتنقيب المعدني في منتصف السبعينيات، إلى وجود خامات اليورانيوم بنسب قليلة ، لكن ذات جدوى اقتصادية، في صخور الفوسفات الموجودة في منطقة عكاشات في الصحراء الغربية. ووقّعت وزارة الصناعة والمعادن مع شركة بلجيكية عقدا لإنتاج مركّبات الفوسفات للأسمدة، ثم وقّعت عقدا اخر لاستخلاص خامات اليورانيوم. وكانت منظمة الطاقة الذرية العراقية قبل ذلك تسعى إلى تأمين كمية كافية من خامات اليورانيوم لتمكن الباحثين من إجراء تجارب تحضير مركّبات اليورانيوم الداخلة في صناعة الوقود النووي لمفاعلات المحطات، ودراسة خواصها. وتعاقدت لهذا الغرض مع دولة النيجر، واستوردت كمية بقيت دون استخدام ، بعد أن بدأت منشأة عكاشات بإنتاج خام اليورانيوم عن طريق استخلاصه من الصخور الفوسفاتية، وبعد أن اكتملت مختبرات تصنيع الوقود. كما أسفرت عمليات التنقيب الجيولوجي والتحرّي المعدني التي قامت بها وزارة الصناعة والمعادن عن اكتشاف منجم لخامات اليورانيوم في منطقة أبو صخير في محافظة النجف. والمنجم هو من النوع المفتوح، ويمكن كشط سطحه العلوي ليبدأ حفر وجمع الخامات. وقد بدأت لجنة الطاقة الذرية ووزارة الصناعة معا لتطوير المنجم تمهيدا لاستغلاله لكن بعد صدور قرار مجلس الأمن الرقم 687 لسنة 1991، وما تبعه من تعديلات بموجب القرار الرقم 707 لسنة 1991، قامت فرق التفتيش بإغلاق المنجم في فترة لاحقة بأن سدت مدخله بالخرسانة، الأمر الذي حال دون استغلاله حتى الان. - لكن كيف تم تجاوز الرقابة الاسرائيلية في ذلك؟ ويقول الدكتور همام : (ليس قلق إسرائيل وليد توقيع اتفاقية التعاون النووي بين العراق وفرنسا، بل هو أبعد من ذلك بكثير، فإسرائيل أسيرة عقيدتها التوراتية بأساطيرها وتعصبها ونزعتها التدميرية. ويتجلى هذا القلق من العراق بأعلى أشكاله في ما أورده الكاتب الإسرائيلي شلومو نكديمون، الذي ألف كتابه الشهير تموز في اللهب، وتناول فيه عملية قصف إسرائيل لمفاعل 17 تموز). ويضيف ( لم يكن النشاط العلمي للعقل العراقي خافيا على إسرائيل ، بل كانت تترقبه وتراقبه وتتابع خطواته، فهي تعلم علم اليقين أن مأزق إسرائيل التاريخي سيكون عندما تبدأ الأمة بالتقدم علميا وحضاريا، وتصبح في المستوى الذي تتنافس فيه مع العالم المتقدم.. يتفاعل علماؤها، ويتبادلون بموجبه العلم والمعرفة مع علماء العالم ومثقفيه في ارقى حلقات العلم والتكنولوجيا.. يكون فيه علماء الامة اعلاما تحصد جوائز علمية عالمية جنبا الى جنب مع علماء مبرزين اخرين. وعند ذاك لن تصبح إسرائيل (تلك الجزيرة الديمقراطية المتحضرة المسالمة) المحاطة بعالم همجي متخلف، سكانه أناس متحجرون متوحشون قتلة لا يفقهون من العلم والمعرفة شيئا. وكانت إسرائيل تبذل قصارى جهدها كي تئد أي نشاط علمي معرفي عربي اذا ما استشفت جديته وصحة مساره، بما يفضي الى تقدم الامة وبلوغها مرحلة الرقي عالميا. هكذا فهمت القيادة في العراق جانبا من الصراع ضد الصهيونية وكيانها إسرائيل، وتصرفت بموجب ذلك الفهم. ومنذ اللحظة الأولى للاتفاق العراقي – الفرنسي، وبدء المفاوضات الفنية والتعاقدية بشأن مشروع المفاعل، بدأت إسرائيل سعيها لافشال الاتفاق فهي اعتبرته واعتبرت الاتفاق العراقي – الإيطالي إيذانا بمرحلة جديدة لاستراتيجية تهدف الى وضع سعي الامة لامتلاك ناصية العلم نحو حافات العلم والتكنولوجيا والابداع فيهما، على مسار جديد يوصلها حتما الى المأزق التاريخي، لذلك لم تأل جهدا لعرقلته ووقفه وتدميره. بدأت إسرائيل بعد توقيع الاتفاق العراقي – الفرنسي بحملة إعلامية مكثفة لتوهم بها ان لهذا المفاعل القدرة على انتاج كمية من البلوتونيوم تكفي لصنع قنبلة ذرية.. وهو امر غير معقول لان فرنسا دولة موقعة على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية ومن الدول الضامنة لهذه المعاهدة، فضلا عن انها واحدة من خمس دول دائمة العضوية في مجلس الامن ومسؤولة عن السلام والامن الدوليين).