،.آ
حول مفهوم حكومة التكنوقراط :
الخميس 24 ـ 03 ـ 2016
موقع عبدالخالق حسين :
لا شك أنّ ممارسة الديمقراطية عملية جديدة على العراقيين ، وكل جديد مصحوب
بالمصاعب والمشاكل ، لذلك فبعد كل جولة انتخابية تبدأ صراعات بين قادة الكتل
السياسية حولتشكيل الحكومة الجديدة ، وآنفجر الصراع على أشده بعد الانتخابات
الأخيرة وفوز كتلةالسيد نوري المالكي ( دولة القانون التي هي ضمن التحالف الوطني ) ،
كأكبر كتلة انتخابية ، وبرلمانية ، ووفق الدستور ، فالمالكي هو أول من يجب
أنْ يُكلَّف من قبل رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة ، وبما إنّ رؤساء عدد
من الكتل السياسية في خصام شديد مع السيد المالكي ، وهددوا بالحرب الأهلية
وتقسيم العراق إذا ما فاز المالكي في الانتخابات ودُعي لتشكيل الحكومة للمرة الثالثة ،
وبلغ بهم الأمر إلى أنْ دعوا داعش الإرهابية ، وتواطئوا معها لاحتلال محافظة نينوى
وصلاح الدين ، وإعلان دولة الخلافة الإسلامية فيها ، وتنصيب أبو بكر البغدادي
خليفة فيها ، وما نتج عن ذلك من مجازر ضد الأقليات الدينية في المنطقة .
كل ذلك من أجل التخلص من المالكي .
وفي خضم هذه الأزمة طلعت علينا جماعات تطالب بتشكيل حكومة التكنوقراط
كـ " حل وسط " من أصحاب الكفاءات والنزاهة الوطنية وفوق الطائفية ،
للحفاظ على الوحدة الوطنية ... الخ ، بدلاً من الاستحقاق الانتخابي .
وبما أنّ الكتل السياسية هي منقسمة على نفسها ، ومتخندقة
وفق الانقسام الديني والقومي ، لذا فالمطالبة بتشكيل حكومة التكنوقراط ،
وفق المواصفات أعلاه ، يعني تشكيل الحكومة من خارج هذه الكتل السياسية
التي خاضت الانتخابات الأخيرة ، وهذا يعني أيضاً إلغاء الاستحقاق الانتخابي
وخارج السياقات الدستورية ، وبعد نشر مقالي الأخير الموسوم :
( لا بديل عن صناديق الاقتراع ) ، آستلمت رسائل من عدد من الأصدقاء ،
عرفت من خلالها أنّ هناك إختلاف وإلتباس حول مفهوم حكومة التكنوقراط ،
لذلك رأيت من المفيد طرح هذه المسألة للنقاش كمساهمة في توضيح هذا الأمر ،
وإزاحة سوء الفهم ، أورد هنا مثالاً واحداً من هذه الرسائل ، وهي رسالة صديق
من صلب العملية السياسية وحريص عليها ، كتب لي قائلاً :
" أعتقد أنّ هنالك إلتباس في فهم حكومة التكنوقراط ، حكومة التكنوقراط
لا تعني إلغاء الديمقراطية كما تفضلتَ ، بل هي فلتر لتصفية المرشحين للوزارات
من المجاميع السياسية المشاركة في الحكومة ، يعني بدلا من أنْ يكون
وزير السياحة طبيب أسنان ، ووزير الصحة محامي ، أو وزير الثقافة ضابط سابق
أو شرطي سابق ، ووزير النقل نائب ضابط سابق ، يطلب من أيّ
حزب مشاركأو تحالف أو مجموعة سياسية في الحكومة أنْ ترشح ثلاثة مرشحين
( من حملة الشهادات العليا وذوي الإختصاص والتجربة والمشهود لهم بالنزاهة والعفة ) ،
ورئيس الوزراء وفريقه يختارون أحدهم ليكون الوزير للوزارة التي أصبحت
من حقذلك الحزب أو المجموعة السياسية التي باستحقاقها الانتخابي
أصبحت تلك الوزارة من نصيبها " . آنتهى .
لا شك أنّ هذا الحل هو أفضل الحلول ، وأنا أتّفق مع الصديق كلياً ، بل ونشرتُ مقالاً
قبل سنوات حول هذا الموضوع آقترحتُ فيه نفس الشروط في آختيار
الوزراء ، بأنْ يرشح كل كيان سياسي مشارك في تشكيل الحكومة أفضل ما عنده
من أصحاب النزاهة الوطنية والاختصاصات والكفاءات والأكاديميين من حملة
الشهادات الجامعية العالية ، كأنْ يتمّ إسناد كل منصب وزاري إلى شخص مختص
في شؤون تلك الوزارة ، مثلاً :
يتم تعيين طبيب وزيراً للصحة ، ومهندس كهربائي وزيراً لوزارة الكهرباء ،
وخبير نفطي وزيراً للنفط ، وضابط عسكري ذي رتبة عالية متقاعد وزيراً للدفاع .
وهكذا بقية الوزارات ، وبذلك يتم الجمع في تشكيل الحكومة بين الاستحقاق الانتخابي
وأصحاب الكفاءة من التكنوقراط ، ولكن ، ما يقصده دعاة حكومة التكنوقراط
هو ليس هذا النوع من الحكومة التي فهمها الصديق ، وإنّما يطالبون بحكومة
من أصحاب الكفاءات والاختصاص من غير الحزبيين ، بل وحتى من
لا إهتمام له بالسياسة ، وللتأكيد على هذا المفهوم لحكومة التكنوقراط ،
راجعتُ موسوعة الويكيبيديا ، فحصلت على التعريف التالي :
" التقنوقراط هم النخب المثقفة الأكثر علما وتخصصا في مجال المهام المنوطه بهم ،
وهم غالباً غير منتمين للأحزاب ، والتقنوقراط كلمة مشتقة من كلمتين
يونانيتين : التقانة ( التكنولوجيا ) ، وتعني المعرفة أو العلم ، وقراطية ( كراتس )
وهي كلمة أغريقية معناها الحكم ، وبذلك يكون معنى تقنوقراط حكم
الطبقة العلمية الفنية المتخصصة المثقفة ، والحكومة التقنوقراطية هي
الحكومة المتخصصة في الاقتصاد والصناعة والتجارة ، غالبا تكون غير حزبية
فهي لا تهتم كثيراً بالفكر الحزبي والحوار السياسي ، " .
والجدير بالذكر ، أنّ الوزارات هي مناصب سياسية ، لا تتطلب الخبرة والتخصصات
التكنوقراطية في وزارة ما ، وإن وجدت فهي نقاط إضافية لصالحه وصالح المجتمع ،
بل كلما هو مطلوب من المرشح لمنصب الوزارة أو أنْ يتمتع بالعفة والنزاهة الوطنية ،
وتاريخ مشرف ، وخبرة إدارية والقدرة على العمل ضمن فريق ، وعادة يكون
من منتمي إلى حزب فائز أو مشارك مشارك في تشكيل حكومة إئتلافية ،
وهو في رأيي أفضل من المستقل ، لأن الحزب يقدم برنامج انتخابي متكامل
لإدارة الدولة وخدمة الشعب . لذلك فالناس عادة يصوتون للمرشح الحزبي بدلاً
من المستقل ،ومهما كان الأخير صاحب معرفة وخبرة وشهادات جامعية عالية ،
إلا نادراً وفي حالات آستثنائية ، فالحزب هو مظهر حضاري بديل عن القبيلة
والعشيرة في المجتمعات المتخلفة ، يجتذب إليه ناشطين سياسيين وقياديين ،
لهم آهتمام كبير بالشأن العام وخدمة الشعب والمصلحة العامة ، ويتطلب
من القياديين السياسيي النزاهة والحماسة لخدمة المجتمع ، والاستعداد للتضحية
بالمصلحة الخاصة ، والقدرة على التفاهم والتواصل والاقناع ، والتمتع
بقدر كبير من المعرفة والثقافة والصبر والدبلوماسية وفن الخطابة والإدارة .
لذلك ، فليس من الضروري أنْ يكون وزير الصحة طبيباً ،
ووزير الدفاع عسكرياً ، أو خبيراً بالأمور العسكرية والحروب ، ففي الدول
الديمقراطية العريقة نادراً ما يكون الوزير مختص بشؤون وزارته ،
فمثلاً قبل عامين كان وزير الدفاعفي بريطانيا طبيب ،
ولكن في جميع الأحوال ، يكون الوزير مدعوماً بعدد غير قليل
من المستشارين التكنوقراط ، يساعدونه على تمشية شؤون وزارته ، وأخيراً ،
حتى الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ، نيكولاي ملادينوف ،
الذي حُشر إاسمه ضمن المطالبين بتشكيل حكومة التكنوقراط ،
" حث رئيس الجمهورية السيد فؤاد معصوم لأداء مسؤولياته الدستورية بتكليف رئيس الوزراء
المُكلف بتشكيل حكومة جديدة تراعي الاستحقاقات الدستورية والسياقات الديمقراطية " ،
ولم يشر إلى كلمة التكنوقراط ! ، وبناءً على كل ما تقدم ، نؤكد
على ضرورة التمسك بالاستحقاق الانتخابي والدستور ، وإلا لماذا تمّ صرف
كل هذه الأموال على الانتخابات ، وحث الملايين من الناخبين على الإدلاء بأصواتهم ،
وتعريضهم لمخاطر تفجيرات الإرهابيين ، ومن ثم نضرب نتائج الانتخابات
عرض الحائط ، ونطلب من أناس غير منتخبين تشكيل حكومة غير منتخبة ؟ .
أليس هذا ضحك على الذقون ، وتجاوز على حقوق الناخبين ومخالفة للدستور ؟
لذلك ، فإني أتفق كلياًمع مقترح الصديق ، الداعي إلى أنْ
" يطلب من أي كتلة سياسية مشاركة في الحكومة أنْ ترشح ثلاثة مرشحين
( من حملة الشهادات العليا وذوي الاختصاص والتجربة ، والمشهود
لهم بالنزاهة والعفة ) ، ورئيس الوزراء وفريقه يختارون أحدهم ليكون الوزير
للوزارة التي أصبحتمن حقّ ذلك الحزب أو المجموعة السياسية
التي بإستحقاقها الإنتخابي أصبحت تلك الوزارة من نصيبها " ،
وأضيف : أنّ على رئيس الكتلة تقديم خلاصة خدمة ( سيرة حياة C.V. )
عن كل مرشح من مرشحيه للمناصب الوزارية ، ومن حق المكلَّف بتشكيل الوزارة
آختيار الأفضل ، وبذلك يمكن الجمع بين الاستحقاق الانتخابي والتكنوقراط .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر :
1 - عبدالخالق حسين : لا بديل عن صناديق الاقتراع
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=6712 - موسوعة ويكيبيديا :