قمر شيراز للبياتي.. قصائد مشغولة بطيور الحب والنهر الذهبي – May 10, 2016 قمر شيراز للبياتي.. قصائد مشغولة بطيور الحب والنهر

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
– May 10, 2016
قمر شيراز للبياتي.. قصائد مشغولة بطيور الحب والنهر الذهبي
قيس مجيد علي
(( قمر شيراز)) بين المعنى الغائر واللغة المتألقة وإنسانية الشعر …
              يتوهج الشاعر عبد الوهاب البياتي بنارهِ المؤججة بعد أن يجتاز عقدة الليالي عبر قصائدهِ الثمانية في ((قمر شيراز))، محققاً صيحاتهِ الثورية بأعلى صوته مرة من خلال .. الثورة  وأخرى من خلال المنفى وثالثة من خلال الموت غير مبالٍ بما سيجلبه ذلك الصوت السيف من حزٍّ لرقبتهِ ما دام يعيش في الفقراء وللفقراء ..
شعري أورثني: هذا الفقر القاتل:
هذا الحبَّ اللاهب: السيف القاتل
سيحزُّ بهِ عنقي يوماً من أجل الفقراء.
              يتوحد فيه الانبهار والانعتاق من قيد الأسر الأبدي في أوج تخطيه للمدن الحاضرة والبحار الهائجة بوجه هذا العربي بلباس البدو والرحّل .. ولكنَّ ذلك لا يمنع الشاعر من النهوض والدخول الى المدن الفاضلة التي يدخلها الشعراء. فيكتب تاريخ الانهار مبتدأً بطيور الحبِّ والنهر الذهبي والأشجار .. وهو في ذلك يراها عاشقة يرسم صورتها فوق الثلج تلتحم الأيدي بعناق أبدي. وأحياناً يظلُّ يبحث عنها يبكي محموماً تحت الأمطار. ويظلُّ الشاعر متخفياً وراءها ليؤكد تواصله الثوري في ساعات الثورات المنبثقة والمسروقة من قبل لصوص الثورات ويصرخ بأعلى صوته بين الرفض السانح والقبول المتعب ..[/rtl]
قولي للحبِّ نعم أو قولي لا
 قولي أرحل. فسأرحل في الحال
 قولي أهواك
          لكن الكلمات لا تبرأ جرح الشاعر ولا تبرد حزنه .. فيصيح اغتسلوا بدمي .. في قصيدة (قمر شيراز) التي تحمل المجموعة اسمها. ينفلت الشاعر من حلمه الى العالم الساحر حتى في بنائها فنراه يأخذ شكلاً يعتمد على التدوير المستمر في الأبيات يتصاعد الرفض للسلبية التي تقتل الانسان حتى في ثورته، فيؤكد أن الحالات الانسانية لا يمكن أن تأخذ طريقاً يوصلها الى المجانية في التعامل فيكرر حالة الرفض ..
فلماذا يا أبتِ لم ترفع يدك السمحاء ..
فلماذا يا أبت صلب الحلاج ..
ويستمر هذا التساؤل الى حالة الرفض الصريح .. ليسقط كلُّ شعراء ملوك العصر الحجري الببغاوات ويسقط شعراء الجنرالات.
نَّ كتابة القصيدة عند البياتي لم تكن سهلة وإيصالها الى المتلقي ليس سهلاً أيضاً. وكأني بالشاعر يكتب بطريقته الخاصة التي يستفيد منها في مكانته الشعرية المتعارف عليها من قبل النقاد والشعراء .. وقراءة القصيدة ليست سهلة لا بالفهم ولا بالتحقيق فكم يحتاج الى ثقافة عالية بكل ما يمت الى الشعر لذلك قد لا يجد القارئ ما يروق له في قصائد الشاعر لما يلاقيه من صعوبة في الالتقاط والتركيز فيها. –  فتوليدوا –  التي تعني طليطله .. ودولفي أحد المعابد عند الاغريق. وماشادوا أحد شعراء الأسبان .. وغيرها كلُّها تؤكد أيضاً على قدرة الشاعر في توظيفها في خدمة القصيدة واعطاء مدلولها التي ترتكز عليها القصيدة. ناهيك عن الصياغة العالية في تركيباتها.
 فالشاعر بقدر ما يصعد صيحات الرفض للحالات السلبية بقدر ما تصعد عنده انعكاسات الشعراء الآخرين الذين توسم فيهم الشاعر ميوله وأفكاره، نجد ذلك في أكثر قصائد المجموعة: (رأينا نار الشعراء الاسبان المنفيين الموتى. لوركا. ماشادوا.. وفي الموت والقنديل.: ( صيحاتك كانت صيحاتي)) بيد هذا الأمر ليبدو ناجحاً للوصول الى الهدف الذي يتوخاه الشاعر البياتي، فلذلك نراه لا يتوانى عنه حتى في قصائده الأخرى التي ضمتها دواوينه السابقة. إِنَّ المنفى بطبيعتهِ المهيجة لكل الأفكار ليأخذ شكل الرفض بكل اشكاله سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وهو عنده رفض سياسي بحت لا يبتعد عنهُ أبداً .. فهو يلجأ الى كل ما هو ثوري يؤدي وظيفة تخدم القصيدة ، لا بل تخدم القصيدة التي يريدها الشاعر نفسه. والشاعر في هذهِ الحالة على الرغم من رؤيته وإيمانه بأنَّ المنفى خلاصة للتعبير والتحفيز:
(يصير الحبُّ عذاباً .. والصمت عذاباً في هذا المنفى).
إِنَّ الوطن والثورة والفقراء هي مفردات الشاعر وهمهُ الشاغل في حياتهِ، فهو يناضل من أجلها لتحقيق العدالة على مستوى الجميع يعيش فيها وتعيش فيه. والشاعر لا يكتفي بهذا بل استوظف في قصائدهِ روح التعبير الصادق والشهقات الحزينة لإخفاء الطابع الحسي في أكثر صورهِ الشعرية.
وإذا كان الشاعر عبد الوهاب البياتي قد منح نفسه من خلال قصائدهِ سمة اغلب الشعراء التقدميين في العالم. لوركا ناظم حكمت والبرتي. نيرودا. ماشادوا، فأن القصيدة العربية لحري بها أن تفتخر به شاعراً ثورياً تبوأ مكانة عالية بين شعراء العالم.
قد شكلَّ بناء القصيدة الجديدة عند الشاعر البياتي بناءاً مفتوحاً يُتخذ من الجملة الموسيقية طريقاً للارتفاع بها الى الوظيفة المتوخاة التي يرمي اليها الشاعر في تقديم فكرته، مّما يعدُّ أشبه بنزهة بين عطاءات الشاعر المتعددة التي يراها السبيل الى تقديم انتماءاتهِ الصادقة في الحبِّ والثورة والالتزام.
في قصيدة: (قراءة في كتاب الطواسين)، نجد الشاعر يتلاعب بالشكل حسب ما يريد في المقطع الأول يكتب مقطعاً كاملاً مدوراً في حين نجد المقاطع الثاني الى السابع تعتمد على مقاطع قصيرة قد لا تتعدى الجملة الواحدة: (فلماذا يا أبتِ، لم ترفع يدك السمحاء). ثم ينتقل الى المقطع التاسع بمقطع طويل مدور ثم يلجأ الى المقطع العاشر بمقطع قصير –  امتدت كافة قصائد المجموعة موزعة على البحر المتدارك بموسيقى جميلة يحملها البحر نفسه لما فيه من انسيابية رقيقة إلا قصيدة: (صورة جانبية لعاشق الدب الأكبر)، فقد جاءت من الرجز ..
كان شهاباً دامي
يعود في اسفاره محترمَاً مغرورْ ..
كافة قصائد المجموعة امتلكت خاصية الغور في المعاني وإظهارها بلغة عالية سهلة تعتمد الرمز احياناً ..
اخرج من قلبي حبّة مسك سوداء ..
والمباشرة احياناً أخرى
قنديلاً ذهب عيناك
ويداك شراعان
مما يسهل عليك التجاوب معها لا بل والتمتع بها.
أخلص الى القول إِنَّ البياتي أجترأَ كل ما لديه من ابداعات في كافة الوسائل لتقديم قصائد تنقل تجربته الشعرية بكل ما فيها من ثورية وانسانية وعالمية ليرقى بنفسهِ الى مصاف الشعراء الذين تخلدهم قصائدهم الى الأجيال القادمة.