الجواهري يكشف عن عشقه لباريس ورسوخ افتتانه بالساحرة الغنوج، إنها لم تغب عن باله ولم ينقطع هيامه بها. ميدل ايست اونلاين بقلم: رواء الجصاني
يزور الشاعر محمد مهدي الجواهري العاصمة الفرنسية باريس لأول مرة عام 1948 وهو في طريقه إلى وارسو لحضور المؤتمر التأسيسي لحركة السلام العالمية، ممثلاً وحيداً عن العراق، وحتى العرب على ما ندري. وبمشاركة شخصيات عالمية بارزة، من أهمها بحسب الجواهري، الرسام الأشهر: بيكاسو. وقد عاد شاعرنا إلى باريس في رحلة الإياب ليبقى فيها نحو ستة أشهر تاليات.
أما الديوانُ العامر فيحدثنا عن قصيد متميز، تغزلا بباريس "أم النضال" بحسب فريدته عام 1948 واستذكارا لتاريخها، ومحبة لأهلها، ووصفا لجمال طبيعتها، وما بين هذا وذاك كثير. ثم يعود الجواهري ذاته لينظم عام 1956 وفي دمشق هذه المرة، قصيدة سياسية بمناسبة أسبوع التضامن مع الشعب الجزائري ونضاله من أجل الحرية والاستقلال، ولينال من فرنسا الاستعمارية، وقياداتها آنذاك. وجاء مطلع تلكم الفريدة باهراً كالعادة:
ردي علقم الموت لا تجزعي ** ولا ترهبي جمرة المَصرع
أما الوقفة، وقل المحطة الأبرز، في شعر الجواهري في باريس وعنها، فهي رائعته غير التقليدية بأجزائها الأربعة 1948 - 1949، عن "انيتا" حسنائه الفرنسية، حواء الثانية، كما يصفها في ذكرياته، وقد طالت وتشعبت قصته معها، وقصتها معه.
ويكفي البوح هنا عن عمق العشق، ورسوخ الافتتان بتلكم الساحرة الغنوج، إنها لم تغب عن بال الجواهري، ولم ينقطع هيامه بها، والإيحاء عنها، وحتى بعد نحو أربعين عاماً. ونحن هنا شهود عيان، حين تراءت له، أو خيالاتها بتعبير أدق، في حسناء تشيكية مرت سريعاً أمام مقهى كنا من جلاسه معاً في براغ ذات نهار ربيعي عام 1987. ومما يقع تحت أيدينا بصوته عن قصيدة أو قصائد "أنيتا".
إن وجه الدجى "انيتا" تجلى ** عن صباح من مقلتيك أطلا
في غدير مرقرق ضحضاح ** وكأن النجوم القيّن ظلا
بين عينيك نهبة للرياح ** ورياض المروج أهدتك طلا
رشفة مج عطرها وتولى ** حيث هذا الرأس الجميل تدلى
خصلات من شعرك الذهبي ** والفراش الذي به يتملى
وللتأرخة عن بعض مقامة الجواهري الباريسية أيضاً، نشير هنا إلى زيارته على رأس وفد من اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي، ضد الإرهاب والقمع في عهد البعث الأول عام 1963 وذلك بترتيب من دعاة سلام وحقوق إنسان فرنسيين، نظموا للوفد عدة فعاليات ولقاءات تضامنية وإعلامية بالتعاون مع دارسين ونشطاء وطنيين عراقيين هناك.
ومما نوثق له كذلك، زيارة الجواهري الأخيرة لباريس عام 1984 مع عقيلته آمنة. وذلك محاولة لرأب الخلل الذي أصاب بعض نظره، بعد الجهد الكبير الذي بذله في إنجاز جمهرته، في المختار من الشعر العربي، والتي دأب عليها نحو عام كامل.
دعونا نختم هذه السطور بمقطع آخر من ملحمة "أنيتا" وهو لا يحتاج لشرح ما جاء فيه من موحيات وفنون ومشاعر، على ما نزعم من جديد.
اسمعي .. اسمعي "انيتا" فهنّا ** وهنا، صوت صادح يتغنى