العرب/لندن - صراع النجف وقم لا يقوم فقط على تقابل عربي فارسي، هو نشط في حقيقة الأمر، بل إن هناك بنية مختلفة داخل كل منهما؛ فمرجعية النجف لا تتبنى مبدأ ولاية الفقيه، في الوقت الذي باتت قم قبلة ولاية الفقيه العالمية، الأمر الذي سينعكس تبايناً حاداً على عالمي السياسة والحكم.
مرجعية النجف وعلى مرّ تاريخها لم تجعل السياسة جزءاً من برامجها، وحين تتدخل في المشهد، يكون تدخلها إثر حدث معيّن، أو بناء على مناشدة، ويستثنى من ذلك سلوك المرجع محمد باقر الصدر.
إلا أن الخلل بدأ حين تم تتبيع مرجعية النجف إلى علي السيستاني، الإيراني الأصل، ما حرف النجف عن دورها التاريخي المتمثل بالإرشاد، بإزاء دور فردي يقوم به علي خامنئي كمرشد يسعى لبسط نفوذ بلاده في مشروع إمبراطوري يتعارض مع الدور الإصلاحي للنجف.
وبينما تعتمد مرجعية النجف مبدأ ”مسافة التوجيه“، بالابتعاد عن زج نفسها في الشأن العام، تتعمّد مرجعية قم التدخل المباشر في كل صغيرة وكبيرة.
وما زالت مرجعية النجف تتصرّف بحذر حيال صراعها مع مرجعية قم، فقد حصرت ذلك التنافس بين الاثنتين على الساحة العراقية، للمحافظة على رمزية النجف ومكانتها لدى الشيعة حول العالم، وكذلك بفضل شعور النجف بدور العراق الريادي في العالمين العربي والإسلامي.
أما مرجعية قم فمن بين أهدافها تفكيك البنى القائمة في المجتمعات وكسر الحدود بين الدول، وخلق الولاءات على امتداد خارطة العالم. وكان من الطبيعي أن تصطدم المرجعيتان في النهاية في الساحة العراقية، حيث يبرز التناقض بينهما بشكل حاد.
سبّب ذلك الصراع توتراً مستمراً اتبعت المرجعيتان بسببه سلوكاً سياسياً ودينياً اضطرارياً، فتدخلت مرجعية النجف في العام 2005 في المطالبة بانتخاب جمعية وطنية ووضع دستور للبلاد، وأصدرت فتوى إشكالية ما يزال يدور حولها الجدل، عرفت بفتوى «الجهاد الكفائي»، رداً على ظهور تنظيم داعش واجتياحه للموصل.
وحتى تتمكن مرجعية قم من السيطرة اختارت أن تكون لها واجهات سياسية وأحزاب تتبع لطهران مباشرة، وسرعان ما لمست مرجعية النجف آثار الصراع الأميركي - الإيراني الذي تنخرط فيه مرجعية قم انخراطاً تاماً والذي انعكس على مصالح أتباعها.
علت أصوات من النجف ترفض التدخل الإيراني في شؤون العراق وغيره من الدول العربية، وأعلن ذلك ممثل مرجعية النجف في خطبة الجمعة من مدينة كربلاء منتصف نوفمبر من عام 2019. قبل أن يتحول رفض الوجود الإيراني إلى ظاهرة تنتشر يوماً بعد يوم بين المرجعيات الشيعية العربية في العراق ومقلديها.