كنيسة مار كَوركَيس في كرمليس ... تاريخ ضارب في القدم عنكاوا كوم - كرمليس - سام صبحي ميخائيل يقول التقليد المسيحي المتوارث أن الرسل الذين بشروا بالديانة المسيحية في نينوى وفي كرمليس وما حولها هم ( أدي ، توما ، ماري ) ، وبهذا أنتشرت المسيحية في المشرق و بلاد ما بين النهرين على أيدي هؤلاء الرسل وغيرهم .
وكانت كرمليس التابعة لمملكة حدياب قد أنتشرت فيها الديانة المسيحية منذ القرن الثالث الميلادي، حيثُ وحسب كتاب "
تاريخ كرمليس" لمؤلفه المهندس حبيب حنونا ، فإن " كرمليس كانت في بدء أنتشار المسيحية ضمن مملكة حدياب والتي كانت قاعدتها حزة بالقرب من أربيل".
ويضيف حنونا " إستناداً إلى يوسف سمعاني صاحب المكتبة الشرقية فان ملك حدياب (عزات ) وأمهِ ( هيلانة ) إعتنقا الديانة المسيحية في بدء أنتشارها، وذلك في العقد الرابع من القرن الأول ، وكانَ هذا عاملا ًمهماً في أنتشار المسيحية في منطقتنا خلال مسيرتها الأولى".
لا توجد دلائل في بلدة كرمليس إلى يومنا هذا عن وجود كنائس بالقرون الأولى وأغلب الظن ان الجماعات المسيحية كانت تجتمع في منازلها لأداء الصلاة، وما وثقه لنا التاريخ وحسب الكتب والمصادر التاريخية فإن كنيسة مار كَوركَيس هي أقدم كنيسة في البلدة والتي يرتقي تاريخ بنائها إلى أواخر القرن السادس الميلادي .
من هو مار كَيـوركـَيسكان مار كَيوركَيس راهباً في دير مار أوراهام الكبير في جبل الأزل، وبعد أن مكث مدة طويلة هناك، جمَعَ الأب أوراهام الرهبان وخطبَ فيهم وأوعز لثلاثة رهبان ( برعيتا ، كَيوركَيس ، يوحنان ، الذي كان شيخاً كبيراً ) أن يبنوا أديرة جديدة لهم في منطقة نينوى وبيث نوهدرا .
وحسب كتاب "
تاريخ الربان هرمزد والربان برعيتا " لمؤلفه واليس بدج ، فإن " الراهب برعيتا كان من الرصافة و كَيوركَيس من كرمليس و يوحنان من الديلم ، وقد تعاون هؤلاء الثلاثة في بناء ديرهم ( دير برعيتا ) ، وبقي كَيوركَيس مدة ما في دير برعيتا الذي كان رئيساً للشمامسة ومسؤولاً عن الأمور المالية والخزينة فيه " .
بناء الدير في كرمليسويشير أدي شير صاحب كتاب "
التاريخ السعردي " أنه " بعد أن أتم كَيوركَيس خدمته في دير برعيتا أستأذنَ رئيسه الراهب برعيتا ، بأن يخرج من الدير ويبني له ديراً ، فخرجَ إلى جبل حزة في نواحي أربيل وحيداً يتقوت الثمار والحشائش ، وأنتشر خبره بين الناس والرعاة ،وإبتدأ يبرئ الأمراض وأجتمع إليه جمع غفير وبنى ديراً لهم ، وتبرع له المؤمنون من أهل المنطقة بأراضي وأملاك أوقفوها للدير " ، وعندما شعَرَ بأن نهايته قربتْ أراد أن يبني ديراً في منطقته ، فخرج من ديره وذهبَ إلى حيثُ تقع كرمليس فبنى بالقرب منها ديره المعروف وكانَ ذلك قبل عام 596 م .
دير مار كَيوركَيس في الوقت الحاضريعتبر الدير الآن كنيسة مار كَوركَيس الواقعة في الجهة الشمالية من القرية والتي تحولت في العصور المتأخرة إلى مقبرة لأهالي البلدة ولكن توقف العمل بها كمقبرة خلال السنتين الماضيتين بعد تشييد مقبرة كبيرة لأهالي بغديدا وبرطلة وكرملش بالقرب من دير نقورتايا الواقع قرب بلدة بغديدا مركز قضاء الحمدانية .
وقد شهد دير مار كَيوركَيس خلال حقباته الطويلة حملات تعمير وترميم حفاظاً عليه من التصدع والإنهيار ، ومن الترميمات المدونة كانت عام 1715 م . وفي عام 1975 م وبهمة القس حنا ججيكا والقس يوسف شمعون ، جرى ترميم وصيانة مبنى الكنيسة تحوطاً من الإنهيار والإنهدام . كما جرى ترميم الكنيسة عام 1990 م وشمل لبخ الكنيسة من الخارج ولبخ السور الخارجي المحاذي للباب الرئيسي . وجرى ترميم آخر عام 1996 م شمل قلع اللبخ الداخلي لإنهياره بسبب الرطوبة وتم لبخ الجدران بالسمنت الأبيض ، والجص للهيكل ، وتم كذلك خلال هذا التعمير ترصيف أرضية الكنيسة بالحلان وبهمة القس يوسف شمعون . كما شيَدَت الكنيسة وبهمة القس يوسف شمعون أكثر من مائة سرداب عائلي للموت من نفقات أصحابها .
وآخر تعمير جرى للكنيسة كان في العام 2006 م، بإشراف لجنة شؤون المسيحيين في البلدة .
بقي أن نشير أنه خلال عام 1986 م وإبان الحرب العراقية – الإيرانية شيد عند المدخل الرئيسي للكنيسة نصب تذكاري للشهيد ، تخليداً لشهداء كرمليس الذين سقطوا خلال الحرب ، وتم تشييده على نفقة أهل الشهداء ، ويشتمل النصب على 8 ألواح كُتِبَ على كل منها أسماء الشهداء الذينَ سقطوا في كل سنة من سنوات الحرب الثمانية ، وهذه الألواح تحيط بنصب يمثل شهيداً يصارع الموت وبالقرب منه خارطة لوطنه العراق .
دير مار كَوركَيس في كتابات الرحالة والمستشرقينيقول الأدميرال تشارلس واطسون برات في كتابه "
رحلة من إنكلترا إلى الهند " ، حيثُ كان برات أحد القادة البحريين الذين خدموا في الجيش الإنكليزي العامل في المحيط الهندي خلال الفترة 1755 – 1757 م ، والذي زار الكنيسة في 2 تموز 1758 م " . . . وبعد ذلك دعينا إلى كنيسة المسيحيين الحالية – كنيسة مار كَيوركَيس – إن واجهتها تجلب الإنتباه وتجعل الإنسان يشعر بأنهُ أمام كنيسة أثرية قديمة وأنها بُنيَت في العصور المسيحية الأولى ولها مذبحان وصحن واحد " .
كما تحدث المستشرق كلوديوس جيمس ريج في زيارته لكرمليس عن البلدة والكنائس الموجودة فيها ، حيثُ كان ريج ممثل شركة الهند الشرقية وكان المقيم البريطاني في بغداد في أوائل القرن التاسع عشر الميلادي ، وقد ألفَ كتاباً عن مشاهداته ورحلاته في العراق وطبعه في لندن عام 1836 تحت عنوان " رحلة ريج في العراق عام 1820 م " ، فيـَقول ريج في مذكراته عن كرمليس " في القرية كنيسة واسعة وقديمة جداً يظهر من التاريخ المكتوب عليها أنها رممَتْ قبل مائة وثلاثين عاماً وهي اليوم آيلة للإنهدام . وهناك كنيسة أصغر منها شيدَتْ في زمن غير بعيد وهي بناية فقيرة المنظر " .
ويشير المهندس حبيب حنونا في كتابه "
تاريخ كرمليس " ، أن الكنيسة الواسعة والقديمة التي ذكرها ريج هي كنيسة مار كَيوركَيس ، أما الكنيسة الصغيرة فهي كنيسة القديسة بربارة .
نقلا عن عنكاوا . كوم