الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 7007مزاجي : تاريخ التسجيل : 02/01/2010الابراج :
موضوع: رحلة الياس الموصلي ثماني سنوات في العالم الجديد الجمعة 23 فبراير 2024 - 8:25
رحلة الياس الموصلي
ثماني سنوات في العالم الجديد
من هنا تبدأ الرحلة إلى أمريكا الجنوبية والوسطى. في عام 1675 م غادر قادش " رفقة مراكب تسافر كل ثلاث سنوات مرة واحدة إلى بلاد الهند الغربية( أميركا الجنوبية) التي تسمى البيروه والتي تبعد إلف وخمسمائة فرسخ داخل بلاد ينكي دنيا( المكسيك) لكي يحضروا من هناك خزنة الملك" فتمر المراكب بجزر الكناري لتصل في آخر المطاف إلى أول مدينة في العالم الجديد: كراكاس (عاصمة فنزويلا) ومنها بعد حوالي شهرين الى كرتاخينا (في كولومبيا) وبعد زيارة لبنما عبر بورتوبلو يعود إلى كولومبيا من جديد ليتجه جنوبا على الساحل الغربي من أمريكا الجنوبية باتجاه الأكوادور حيث زار غواكويا وأقام لعدة أشهر في كيتو بعد ذلك ليستقر أكثر من سنة ونصف في ليما عاصمة البيرو، ثم يقوم بزيارات قصيرة إلى كل من بوليفيا والأرجنتين وشيلي ومن هناك يعود إلى ليما ليبحر إلى بنما مرة أخرى لكن بقصد زيارة ينكي دنيا( المكسيك). وفي طريقه إلى المكسيك يمر بكوستاريكا ونيكاراغوا والسلفادور وغواتيمالا، وفي المكسيك أيضا يرتبط بشبكة من الأصدقاء والمعارف ويقضي في العاصمة مكسيكو ستة أشهر، وفيها يفكر في العودة إلى وطنه ( العراق) عبر الفيليبين بعد أن يسمع الكثير من القصص عنها، لكن عارضا صده عن ذلك، وهو أن الرجل الذي قرر أن يأخذه معه في المركب كان ذاهبا ليحكم في الفيليبين، فطلب منه أن يدينه عشرة آلاف غرش، ولما شاورصاحبنا وزيرا مكسيكيا بشأنه تبين انه مدين للآخرين بمئتي ألف غرش فامتنع عن مرافقته، وأبحر من المكسيك إلى هافانا( كوبا)، ومنها استقل سفينة إلى اسبانيا، فروما، حاملا معه هدايا ثمينة للبابا اينوسنيوس الحادي عشر.
ومع أن الموصلي يركز معظم اهتمامه على رجال الدين الكاثوليكيين، ورؤساء محاكم التفتيش الأسبان، وحكام المدن والبلدان الذين عادة كان يحمل إليهم توصيات من أصدقائه، وكذلك على الخدمات الدينية كإقامة القداديس والتبشير وذكر عجائب القديسين التي سمعها، إلا أنه لا ينسى أن يصف في رحلته المدن التي زارها والطرق والقصور والجبال والأنهار والبحار والمناجم والمزارع والأحداث التي صادفته والناس الذين التقاهم وطرق معيشتهم وطبائعهم وأمراضهم وغرائب أخبارهم سواء كانوا من البيض أو من السكان الأصليين، ويهتم في رحلته بوصف بعض الحيوانات والطيور والنباتات التي شاهدها وبعض الهدايا التي حملها معه.
بيد أن نوري الجراح ، وفي سياق الحديث عن مضمون الكتاب يتساءل " كيف أن الموصلي لم يعقد خلال رحلته أي مقارنات بين الخبرات والظواهر التي عاشها ورآها في أميركا وبين نظيرها في مسقط رأسه في الموصل، حتى وكأن شرقيته لم تشكل له، إلا في ما ندر، مرجعا يعتد به"؟ وهو تساول وجيه، وباعتقادي، أن الهمّ الرئيسي للموصلي كان الهم الديني الكاثوليكي المحض، في حين أن ماضيه كله كان ينتمي إلى النسطورية ( نسبة إلى نسطوريوس الذي أعتبر مريم العذراء أم المسيح الإنسان وليس المسيح الإله) التي تخلى عنها حديثا. والكنيسة الكاثوليكية في ذلك الوقت كانت تعتبر النساطرة كفرة وهراطقة. فلم يكن له من هذه الناحية بالفعل مرجعا يعتد به.
وكان هدفه أن يبين" توسع الكنيسة وامتدادها إلى أربعة أطراف المسكونة وبين طوائف مختلفة ولغات متفرقة" كما يقول في مقدمة كتابه ثم ينتقد بشدة " بعض طوائف الناس الذين أنكروا الطاعة للكنيسة الرومانية ومدبرها الذي هو الحبر الأعظم" ويضيف " فسبيلنا أن نبرهن ونبين رجوع هذه الطوائف إلى الإيمان الحقيقي واحتضانهم للكنيسة المقدسة" ص28 والتي يقصد بها طائفته النسطورية التي كان ينتمي إليها.