لأَنَّنِي قَتَلْتُ يَا حَبِيبَتِي السُّلْطَانْ : الشاعر العربي محمد علي الهاني من تونس الخضراء والياسمين

لأَنَّنِي قَتَلْتُ يَا حَبِيبَتِي السُّلْطَانْ


لأَنَّنِي بَكَيْتُ ذَاتَ مَرَّةٍ
أَمْسَكَنِي الشُّرْطِيُّ يَا حَبِيبَتِي
بِتُهْمَةِ الْبُكَاءْ
وزَجَّ بِي فِي السِّجْنِ أَلْفَ سَنَةٍ
وقَالَ لِي:
" فِي وَطَنِي لا تخْْتَفِي أَفْرَاحَُنَا
والأَمْنُ حَاضَرٌ مع الأمَانٍِ والرَّخَاءْ
عَلاَمَ – قُلْ- تَحْتَرِفُ الْبَُكَاءْ ؟ ".

***

لأَنَّنِي ضَحِكْتُ ذَاتَ مَرَّةٍ
أَمْسَكَنِي الشُّرْطِيُّ يَا حَبِيبَتِي
بِتُهْمَةِ الضَّحِكْ
وزَجَّ بِي فِي السِّجْنِ أَلْفَ سَنَةٍ
وقَالَ لِي:
" ضَحْكَتُنا في وَطَنِي
مُحْتَاجَةٌ لِرُخْصَةِ الْمَلِكْ ".

***

لأَنَّنِي أَطْرَقْتُ ذَاتَ مَرَّةٍ
أَوْقَفَنِي الشُّرْطِيُّ يَا حَبِيبَتِي
بِتُهْمَةِ الإطْرَاقْ
وزَجَّ بِي فِي السِّجْنِ أَلْفَ سَنَةٍ
وقَالَ لِي:
" يُحَجَّرُ الإطْرَاق بِالرُّؤُوسْ
إِلاَّ بِحَضْرَةِ الرَّئِيسْ ".

***

لأَنَّنِي رَفَعْتُ رَأْسِي مَرَّةً
أَمْسَكَنِي الشُّرْطِيُّ يَا حَبِيبَتِي
وزَجَّ بِي فِي السِّجْنِ أَلْفَ سَنَةٍ
وقَالَ لِي:
" يَأْمُرُكَ الدُّسْتُورُ بِالرُّضُوخْ
جَلاَلَةُ السُّلْطَانِ وَحْدَهُ هُنَا
يَحْتَرِفُ الشُّمُوخْ".

***

لأَنَّنِي غَنَّيْتُ ذَاتَ مَرَّةٍ
أَوْقَفَنِي الشُّرْطِيُّ يَا حَبِيبَتِي
بِتُهْمَةِ الغِنَاءْ
وزَجَّ بِي فِي السِّجْنِ أَلْفَ سَنَةٍ
وقَالَ لِي:
" فِي وَطَنِ الأَنْوَارِ يُمْنَعُ الغِنَاءْ
إلاَّ عَلَى السُّلْطَانِ في الصَّبَاحِ والمَسَاءْ".

***

لأَنَّنِي صَلَّيْتُ ذَاتَ مَرَّةٍ
أَمْسَكَنِي الشُّرْطِيُّ أَلْفَ سَنَةٍ
وقَالَ لِي السَّجَّانْ:
" سَبِّحْ - إِذَا صَلَّيْتَ - بِاسْمِ اللَّهِ،
وادْعُ خَاشِعًا لِسَيِّدِي السُّلْطَانْ ".

***

لأَنَّنِي أَغْفَيْتُ ذَاتَ مَرَّةٍ
أَوْقَفَنِي الشُّرْطِيُّ يَا حَبِيبَتِي
بِتُهْمَةِ الإغْفَاءْ
وزَجَّ بِي فِي السِّجْنِ أَلْفَ سَنَةٍ
وقَالَ لِي:
" فِي وَطَنِ الأَنْوَارِ يُمْنَعُ الْرُّقَادْ
جَلاَلَةُ السُّلْطَانِ وَحْدَهُ هُنَا
يَغْفُو متَى أَرَادْ ".

***
لأَنَّنِي انْتَحَرْتُ ذَاتَ مَرَّةٍ
أَوْقَفَنِي الشُّرْطِيُّ يَا حَبِيبَتِي
بِتُهْمَةِ الْجُنُونْ
وزَجَّ بِي فِي السِّجْنِ أَلْفَ سَنَةٍ
وقَالَ لِي:
" فِي وَطَنِ الأَنْوَارِ يُمْنَعُ الْجُنُونْ
والْوَيْلُ لِلْمَجْنُونِ مِنْ مَخَالِبِ الْقَانُونْ ".

***

لأَنَّنِي قَتَلْتُ يَا حَبِيبَتِي السُّلْطَانْ
بَادَرَنِي الشُّرْطِيُّ بِالتَّرْحِيبِ والتَّهْلِيلِ والتَّصْفيَقْ
وقَالَ لِي:
" كُنَّا بِسُوقِ الرِّقِّ لاَ نَعِي ولاَ نُفِيقْ
كُنَّا نُسَامُ الْخَسْفَ كالْخِرْفَانْ
وكُنْتَ كُنْتَ وَحْدَكَ الإنْسَانْ ".

شعر : محمد علي الهاني
( أبو نضال)
- تونس الخضراء -