الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 60487مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: رثاء الشماس ميخائيل كوسا ، اخر معمّري شقلاوة : ولده شمعون كوسا الخميس 9 يونيو 2011 - 2:30
رثاء الشماس ميخائيل كوسا ، اخر معمّري شقلاوة
من اين استهلّ اسطورة ابتدأت سنة 1914 وانتهت في هذا الاسبوع ، يا ابي ، لقد عاصرت الحربين العالميتين ومررت بكل تقلبات الدهروالمنطقة لمدة قرن كامل . هل اتكلم عن علمك وثقافتك . كنت تجيد اللغات ايام كان المثقفون يعدون على اصابع يد واحدة . القاعدة التي اسسها لك معهد مار يوحنا الحبيب بنيت عليها بتواصلك مع المطالعة بكل ما كان ينشرعربيا فرنسيا وانكليزيا وكلدانيا وكرديا . لقد نشرت حواليك كل ما كنت تعرفه وما كنت تتعلمه ، وكللت جهودك اخيرا في هذا المجال بتأليف كتاب قيّم عن تاريخ شقلاوة .
هل اتكلم عن قناعتك في الحياة . عندما رضيت الاستمرار في العيش بين ظهرانيك واهلك واهاليك . اكتفيت بالحد الادني الضروري للعيش في هذه الدنيا في وقت تلقيت عروضا اجنبية تبلغ عشرات اضعاف ما كنت تحصل عليه . كنت سعيدا باختيار مسكنك على سفح جبل سورك كي تبدأ نهارك يوميا بالنظر الى جبل سفين الشاهق . جبل يتخذ في كل موسم شكلا عندما تكتنف قمته الضباب أوعندما تهجم عليه الغيوم لاخفاء قمته اوغسله بالامطار او تكليله بالثلوج او عندما تضيق به الحيل تدعه يكشف حلته الخضراء .
هل اتكلم عن ايمانك الراسخ ، فبالرغم من عدم تحقيق رغبتك في تقبل سر الكهنوت ، لم تنقطع عن خدمة الكنيسة وكنت في حياتك شبه كاهن ، كنت مرشدا ومعلما ومثلا أعلى لأولادك واهالي منطقتك . لم تهمل يوما صلواتك الصباحية والمسائية . كانت الوردية صلاتك المفضلة ولم تهملها يوما حتى عندما كنت تحل ضيفا على الناس . حتى في ايامك الاخيرة عندما كان قد شلّ المرض لسانك ، لم تغب عن الصلاة وكانت شفاهك تتمتم الفاظ (شلمليخ مريم) ، ولقد قدرت عدد مسابح الوردية التي تلوتها في حياتك ، فبلغت اربعا وثلاثين الف وردية .
كنت تحب الحياة والمرح ولقد عشت سعيدا متواضعا.
ولقد آن الاوان ، يا ابي ، كي اودعك واقول : يا ابي اذهب بسلام ، اذهب بفرح واطمئنان لانك ستتفاجأ بمن سيستقبلك ، سيستقبلك شخص انتظرك طويلا ، سيستقبلك عزيز اسمه اندراوس خرج من البيت قبل ثمان سنوات ولم يعد لا نعرف لماذا. اندراوس ابنك الاصغر الذي كان عنوان حبكما انت وامي ، ابن بقي يعتبر نفسه يتيما حتى في السعادة هناك ، سيلقاك بفرح لانه يعرف بان شمل العائلة قد تمّ بابيه وامه . واول زيارة سيقودها اليها ، ستكون باتجاه عزيزتنا فيونا التي لم ينصفها الدهر، قيّد حظها التعيس اطرافها وغللها بالسلاسل دون ذنب. من دهشتها الشديدة ظلت تنظر الى زوجها واطفالها بعيون دامعة مستعطفة تطلب نجدتهم ، ولكن مختطفها كان قد شل كافة حركاتهم ، اقتادها بسرعة وتواصلت الانظار طويلا بعبرات مشلولة يائسة الى ان اختفت .وبعد ذلك يقودك من زيارة الى زيارة لاعزائك واهلنا المتوفين .
ابتي لقد قالت الكتب ان ذكر الصديّق يدوم الى الابد ، ستدوم في قلبنا ما حيينا ، وكفاك ان ياتي الناس وكل من كان يعرفك على ذكراك قائلين : رحمه الله كان رجلا طيبا .