حوار مع الشاعر شاكر مجيد سيفو عن الشعر والتجربة والحياة حاوره ــ مروان ياسين الدليمي - هو شاعر يتواطيء مع ذاته ليكتب الحلم، و يري" أنّ ألشعر قوة غامضة ليس لها اي تعريف" ، دائماً تجده منغمساً في زرقة الكلام السعيد يقترف الجمال، وكأنه في سِفر ٍعميق يتأمل سطوة المرارة وارتباك الابطال في الاساطيرالرافدينية، يقظاً يقف امام علامات الاستفهام إذ تصحو دهشة اللغة وهي تحدّق في حواشي اللحظات المغيّبة بين سطور المدن الغارقة في منافي الروح. û ماهي مصادر وعيك الشعري ؟ هل فوضي الاشياء او فوضي المعارف او المزاج يمكن ان تكون هي المصدر الاساس في ذلك ؟ ــ في تعددية الاسئلة ومنها في سؤالك الاول، تتحول هذه التعددية الي مكامن انشطارات الذات التي هي أصلاً الكمون الخَلقي والتخليقي في آن واحد، تضعني ياصديقي الجميل، في هذه الكمونات والخزائن في تعددية القبض علي جمرة اللقي ومتغيرات الزمان والمكان والتاريخ وقطاراته الضاجة ودخان كل عصوره المثير للانشغال بالوعي الشخصي والعقل انطولوجياً علي اساس أنّ العقل هو اللوغوس حسب هيغل، هذا في إنبثاقاته المتتالية من الحيوانات الجوانية التي تتعالق جمالياً مع التخييل ومقتنيات الذاكرة وفوضي الاشياء الخلاقة، هل وصلت الي المغامرة الجمالية التي تشف ّ عن المزاج والوعي الشقي الحاد الجوّال في الحياة واصطياد عوالم الغرائبية للتماهي مع انجيل الكتابة المختلفة واستكناه المجهول واللهاث وراءه دون هوادة!! كل ماقرأته ورأيته ووقفت عنده وآلتهمته وهصرته وثقّبت فيه بالمخيال الانطولوجي والفنتازي كان التراكم، هذه التراكمية التي تصل بالذات الي افاق مفتوحة ومجهولة وبلاحدود بلانهايات، وضعية التاريخ الشخصي، الاحمال الحياتية نحن ياصديقي، دواب بعقول شقية استثنائية حادة تقترف سروداتها الجمالية بنوع من التماهي مع الالهة، أو بميكانيزمات انزياح الذات المبدعة في نظام العلامة السيميولوجية، نحن ياصديقي ايضاً ملائكة لم نقترف سوي اخطاء سماء لم تخلق بعد.... اذن علينا احراق التاريخ كلّه، لنبدأ من لحظة الوجود الاولي ، حتي ماقبل آدم، لاننا دائماً نستعين بالمطلق دون المرئي منه. واللامرئي منه كومة قش، وعلينا الدخول اليه بعود ثقاب أو رمشة عين شخاطة.. حتي لوكانت شخاطة إسرافيل.. û مع من تواطأت لتخرج بتجربتك الشعرية ؟ ــ لايمكن للكتابة الشعرية ان تكون مراوغة وزائغة في انساقها الجمالية والتفكرية في طبقاتها الجوانية إذا تركتها في الهواء الطلق تتشكل من بني نصّية يغيرها الاشتغال الآني المتوحش باللحظة في سيميائيتها القصدية وحتي في اسرارها الزمنية، الكتابة الشعرية هي التي تتواطأ معك حين تأخذها الي قطوف لازمنية تتواطأ مع الاخر تلك معضلة تقع في خانات الايصال المطلوبة دائماً علي حساب الابداع، أنا دائماً اري في اللامرئي حتي في فعل اللحظة الشعرية القادمة، علينا اذن ان نذهب بالشعري الي روحه العالية، الي كيميائية جسده الحلمية ـ الحالمون هم ورثة الحياة، وأكبر الحالمين في التاريخ) بوذا وكونفشيوس ويسوع ) هذا هو متن التواطؤ مع العالم في حلميته، في كتابة الحلم واقتراف الشهوي منه، والنزول الي العالم السفلي مع دموزي، هذا النزول هو بعينه هذا التواطؤ الغرائبي والعجائبي الذي يبني سروداته من تشعير انساقه الحلمية والذهاب بالمعرفي الي تأسيسات خطاب التاريخ الكاريزمي، الكوزموبولتي، وفي خاتمة إجابتي ياصديقي لن ولم أتواطأ إلاّ مع ذاتي التي يسحلها الزمن الغرائبي والشهوي الراسخ الكامن في كمون المتحف الجمالي والابستمولوجي الشخصي. û اين يكمن هوس ذاتك، ومالذي سعيت اليه وانت تقصد الكتابة الشعرية ؟ ــ هوس الذات يقع في خانة سعيها، ولاأنفصام أو انفصال بين الانا الشخصية والذات الشاعرة في محكمة الكتابة وحبكة الحياة ومحاكماتها، فالحياة حرباء، والتاريخ نسق خبيث منها، حيواني في افعاله وغرائزه التاريخية الزمانية الوقائعية، يتماهي مع بنياته اللعوب، يستعصي علي اي مفتاح نصّي المغامرة في اللعب علي ديموغوغائيته العفنة، لكنني كنت ولازلت ألعب في تدمير هذي البني الجوانية وتدمير قرائنها، وتوريد صفحاتها وتعليق ألواحها علي حبل التخييل، كي اختصر ماسمّيته ـ السنين وتقادمها ـ وأنا أسمّيها بالزمن الوحشي والزمان الغرائبي والعجائبي، وهنا الغرائبية، حسب مفهومات غاستوت باشلار، من الجمال أن اسعي الي بناء مملكة من النساء البدينات اللائي ادخلنني الي جسد الحياة، أو جسد النص، بأعتبار الكتابة أنثي، لذا كانت لي حصص تموينية في المكابدات والعذابات التي تشبه في سيرها علي حبال الذات وعلي سيرك الايام، والتي تشبه سير النجوم والنيازك والكواكب السيارة الي لارجعة، أو الي مصير سارد مقفل، ياصديقي نحن في الشرق نغامر بالسيرة والمسير والمصير في لحظات تقاطع الزمان والمكان وأمنيات كلاب الصيد والمسالخ، ماذا قبضنا من سيرتنا التاريخية، سوي السرد الكارثي المتقطع في كل حين ؟ هل تعتقد أننا أمام هذا النسيان نقف ونتوقف في لحظة ما من لحظات الزمن الكارثي، لن نقف إلاّ في خاصرة النسيان كي نوقفه، وكي لاننسي نحن النسيان نفسه!!. ûكيف تعاملت مع اللغة شعرياً، ومالذي منحته لها ومالذي منحته لك ؟ ــ اللغة كائن حي من الكائنات التي تسكنني بحرية، وتعمل في دواخلي بقوة الجوهر الاستاطيقي كي تدفعني الي تأسيساتها، كي احرص علي حياتها الداخلية في مشغلي الشعري، كي اقشرها من التزينيات التقليدية، تحركني في كل الاتجاهات بماكنتها الروحية التي تبيض نظماً وأنساقاً وتعمل هذه الاخيرة في رهط التخيل والتصوير والتشكيل واجتراح خطاطة الشعرية البصرية، اللغة حسب هايدجر هي الوجود، هي التي تحفظ علاقة الشاعر السّرانية مع دواخل العالم والوجود، هي المرآة في الرسالة الادبية التي تعمل علي تنوير الروح الشعري نفسياً وروحياً، كي يتدفق المشهد الميتافيزيقي في ميتاجماليات الغموض الذي تصنعه اللغة في سحرها وكونيتها وعلاقتها بالمكان والزمان، اللغة احتفال بلاغي هائل واحتفاء بالدرس الاول التكويني والبنيوي والتوليدي والاشاري، الذات العميقة تري في تجليات النسق اللغوي المغاير الطبيعة الشعرية ووجودها ونشيدها الكوني والرؤيا الداخلية التي ينوس في مرجلها العقل الشعري، اللغة التي تشتغل عليها الذات الشاعرة، وذاتي بالتحديد هي التي انشغلت بذاتها في مناطق الانزياح والهارمونية ليست تلك الزفرات التي تدخل في حلقات الدخان وتزول بزوال نسمة الهواء العابرة، تترسخ انساق اللغة في انغلاقها علي ذاتها في عدم البوح والاقامة عند ضفاف الوجود، وتنفتح في الغوص العميق في عوالم التناظر والاختلاف والتطاحن والتطامن في البؤر الصوفية، في زرقة الكلام السعيد، لتستعيد سعادتها المفقودة، اللغة تبتكر لنا مأزق وأفاق التأويل حيث تسلّمنا الي مكان يقول الجرجاني في اجتراح المعاني " المعني يسلّمنا الي معني المعني " وذلك كان ولازال الهوس والجنون باللغة، اللغة الثانية في صناعة المشهد الشعري الشخصي، تلك هي غواية اللغة بوجودها الفيزيقي وغرائبية الرؤيا للذات الشاعرة، وهذا هو الدوّي الحافل والحامل لجسد اللفظة من جسد اللغة في ماكنتها التكنلوجية، بوصف الادب صناعة تكنلوجية في دويّه الروحي والسيسوثقافي وسحريته الغامضة وحياته الخاصة في ممارسة فعالياته الشخصية لذاته ومن ذاته.. إنني اشتغلت في معظم شعري في كل كتبي الشعرية علي هذه الاثار في حدوسها وخصخصتها وكشوفاتها الاستثنائية السرية، كنت دائماً أري في اللغة ذلك الجسد الذي يقابل جسد الانثي ومن الجمال والصعوبة والمزاج الفنتازي اختراقه بصورة مباشرة بصور من الهذيان الوصفي. كنت أحرص علي استثمار ورشف تلك الشراهة في شراهة رشف الايروتيكي الغرائبي والتغريبي والاستعاري والتوليدي الثّر في حلقاته البلاغية الرؤيوية الشهوية في مساحات تعبيرية لاحدود لها. û هل يمكن ان تكون الكتابة الشعرية استعادة للوعي خارج الخطيئة ؟ ــ الكتابة الشعرية التي تستدعي استثارة الوعي تكمن في وجودها وفاعلياتها التخييلية، لاأعتقد أنها استعادة للوعي خارج الخطيئة، لانها الخطيئة الكبري في نزوعها للحضور واكتتابه، لكنها تظل خارج قفص الخطيئة عندما تتشكل من داخلها ومن بنيات دواخلها في كثافة الرؤي العلائقية لتشكيل منظومات لاحصر لها من سرود لغوية دلائلية تتشظي، û هل تعتقد ان التشظي في النص الحديث ناجم عن نسق العصر الحديث ؟ ــ التشظي وايقاع العصر، ونسقه المفتوح، يعود بنا الي فهم امبرتو ايكو في النص المفتوح، وذلك النص الذي يحاكي مشهدية العالم الضاج بالتناقض والتوازي والتكثيف والانشطار والايقاع الداخلي للمعاني الكونية وموسيقية الكلمة. ûانتمائك الي ارض اورثتك حضارة موغلة في القدم، هل كان له قوة الحضور في ذاتك الشعرية ؟ ــ بأختصار شديد في موضوعة انتمائي الي حضارة الاجداد وقوّة حضورها في ذاتي الشعرية : تتجسد هذه القوّة وهذا الحضور بكثافة وسحر واشتعال في ذات الوقت في كتبي الشعرية الصادرة " حمي آنو " وإصحاحات الاله نرام سين " وأطراس البنفسج والعديد من نصوصي الشعرية المنشورة في الصحف والمجلات العراقية والعربية.. كتب العديد من النقاد في هذه الموضوعة : الحضارية التراثية في شعري، منهم عبد الرضا جبارة ومصطفي الكيلاني وشوقي يوسف بهنام، وقال شوقي في احد سطوره " ن الشاعر سيفو يسعي الي أن يتألهن من خلال استثماره رموز الالهة القديمة" û هل تنتمي الي هذا الزمن،أم انك تحيا في زمن اخر ؟ ــ الشاعر يحيا في كل الازمان عبر حياته الشعرية فهو الجوال الكبير الذي لايستطيع الفكاك من اية لحظة، اقرأ سركون بولص وستري ماذا يقول في قصائد كتابه الشعري الاخير " عظمة اخري لكلب القبيلة " ستري هذا الجنون في الاقامة في كل زمن وكل كلمة وكل شارع وكل حانة وكل ملهي، وكل مقهي وكل بيت وكل لحظة، هذي هي الدهشة وهذي هي المفاجأت التي وددت ان اقودك اليها، هي مفاجآت العالم كلّهُ قد تراها او تصادفهك في سوق القورية في كركوك أو في شارع الحب في بغديدا أو في شارع النهر في بغداد أو في الحي الصيني في ملبورن أو في حانة ما في سان فرنسيسكو، هذه لفافات الروح التي تلفّ بها جسدك أينما رحلت، لقد مات سركون وحيداً، لكن عاش العالم كلّهُ والازمان كلها، إذن ياصديقي نحن ننتمي الي العالم كله، الي الازمان كلها، لقد عشنا كل متواليات الجحيم، û مالذي يمكن للشعر ان يقوله الان ؟ ــ الشعر هو هذي القوة الغامضة التي ليست لها اي تعريف، لم يعد الشعر ذلك الكائن الاجتماعي الذي يستدعي المتلقي الي المنصة بسهولة،لايقبل الشعر أن يكون وديعاً أبداً، لانه سيفقد هذه الخاصية الكونية العالية التي تتعالق بأنساقه الميتاجمالية والسحرية والغرائبية، الشعر لايقول إطلاقاً وانما يكتشف ويبتدع، نحن ننفي وجودنا في الشعر، هذا في كتابة غيابه، أمّابكتابة الحضور، فهو ذلك الثرثار الذي تعجّ به الصحف الرثّة والدوريات السطحية والفضائيات لمليء الفراغ، لكن هذا لايعني انه ليس هناك شعر يجدد اسطورته المنبرية، نعم نحن آمام تيارات وأمواج تتلاطم وتتصادم في الكتابة الشعرية الجديدة ، والمختلف واللامرئي والسمين والعميق هو الذي يظل يشع، هل بأمكاننا أن ننسي) أبا تمام والمتنبي وأبا نؤاس أراغون وسان جون بيرس وجاك بريفير وأدونيس وت إس إليوت وهولدرلين ومالارميه وريلكه وووووو المئات من القامات الشعرية الكونية ؟ ؟ شكراً لك لانك حرضتني لأذكر وأتذكر كلّ هؤلاء الانبياء بلانبؤات!
حبيب حنا حبيب عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: رد: حوار مع الشاعر شاكر مجيد سيفو عن الشعر والتجربة والحياة الأربعاء 24 أغسطس 2011 - 11:46
حوار متميّـز !
عاشت الأيادي , تسلموا ,
تحيّاتنـــــا .
حوار مع الشاعر شاكر مجيد سيفو عن الشعر والتجربة والحياة