لعل اهم ميزة يتميز بها الفنان التشكيلي العراقي الشاب ( ذر الصائغ) هي ميزة اكمال المنقوص او الساقط من ذاكرة العين العادية بإضافته شيئاً ما من روحه الى العمل الفني، فهو ينقلنا - في معرضه الشخصي الاول ( شرقيات) والذي اقيم مؤخرا في العاصمة الاردنية عمان وعلى غاليري الأورفلي من العوالم والمشاهد المحلية البسيطة الى عوالم مركبة ومنفتحة على التنوع والتغيير والتجريب باستخدام لغة تؤسطر المفردة دلاليا وتمنحها بعدا روحيا، وذلك عبر اعادة هيكلة الصيرورة الشكلية لرفع مستوى الواقع التعبيري والدلالي برؤية لونية وتعبير سردي حكائي يخاطب لفت انتباه المشاهد، اذ يوسع من تأثير الصورة عبر اجزاء مموهة تتداخل على شكل ومضات تشخيصية لا تغير من الشكل العام للفورم بشيء، بل تضيف بعدا تشويقيا الى المدلول السياقي للمشهد بتضاد لوني يتفاعل مع مدلول المدرسة الواقعية ويضيف لها بعدا من الرمزية مما يكشف عن قصدية في البناء الايقاعي للوصول الى المعنى الخفي للاشكال.
فالاشياء المتناثرة في اعماله التشكيلية وعلى الرغم من حداثة تجربته الفنية تشكل صورة في نقل الواقع اليومي لشخصيات مغرقة في محليتها بلغة تشكيلية جديدة، اذ يأتي بالبسيط ليقول شيئاً جديداً فهو ينزع عن الواقع رداءة ثيابها الرثة، ليلبسها اطارا من الاناقة الغارقة بموج لوني.
وهذا التكامل يأتي من عقلية تجريبية مبدعة، تختزن في ثناياها افق الواقع لتعيد صياغته بشكل مبدع. ان الفنان يستغل سمة الدهشة في خلق عوالم مغايرة والغور في فضاءات بكر، تستند الى تغيير واعادة خلق الواقع واعطائه مفهوماً جديداً. فالمبدع الحقيقي هو من يجدد الواقع لا من ينقله كما هو جامد، فالتشخيص الواضح للواقع في اعماله وعدم خروجه عن الدرس الاكاديمي في التكوين والانفعال لم يمنعه من الخروج برؤية تشكيلية متميزة. ان شخوص الفنان تصرخ بهدوء رقيق، فنحس الصراخ من خلال شفافية الالوان واختلاطاتها. ان الابداع عند الفنان يستدعي قدرة مميزة على الخلق الجمالي تتجسد بالحساسية المرهفة في اعادة تركيب الاشياء واعادة صياغة الواقع وتركيبه من جديد في بناء عالم وجداني ومعرفي مختلف.
فهو اذ يرسم اجسادا ذات شفافية تسبح في اطار محليتها يجسد فكرة خاصة عن التشابه الصوري، بما يضيفه للوحته من نقل مضاف للحقيقة فهو يدفع الموضوع الى اقصى ما يمكن من الرؤية الجمالية وكأنه يسبر اغوار الشخصيات بشفافيته وتلك الاضافات اللونية اللقطة الجامدة واللقطة المتحركة او تحريك الجامد في تصوير البورتريت والبيئة المحلية وتأثيرها، سواء كان ثقبا او نتوءا او علامة او رمزا ودرس اشتغالاته التي تؤول الى هارمونية تحول التعبير البصري لمعلقة شعرية بصرية موسيقية .فالمفردات التشكيلية التي استنطقها الفنان من ثقافته الشخصية واصبحت طابعا يميز تجربته التي استفادت من خصائص الفنون التشكيلية الواقعية في جانبها العفوي والتلقائي لنقلها الى عوالم الواقعية السحرية والرمزية احيانا.
نستخلص من ذلك ان اللوحة عند الفنان ( ذر الصائغ) تتشكل من خلال ثلاثة ابعاد: اولها البعد التجريبي واتخاذ الواقعية كوظيفة دلالية. ثم البعد التواصلي باقامة علاقة حميمية بين اللوحة والمتلقي من خلال فعل الاندهاش المؤثر، والبعد الثالث دلالية الترميز بخلق ادوات رمزية وقنوات بلاغية عبر تحريك الفعل الجامد في الافق الواقعي، ومحاولة جعله افقاً حركياً، فلوحاته تزدان بفائض دلالي متعدد المعاني بفعل التوزيع الهارموني لشفافية اللون.
ان محاولة الفنان الشاب ذر الصائغ - رغم قصرعمره الفني ـ جديرة بان توصف بانها محاولة تجديدية في افق اللوحة الواقعية، إذ تطرح المألوف بطريقة اللا مألوف الذي لا يبتعد عن بيئته المحلية وانتماءاته لمخيلة الذاكرة الشعبية.
كاتب وناقد تشكيلي عراقي مقيم في بريطانيا
حبيب حنا حبيب عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: رد: محسن الذهبي : التجريب في عوالم الواقعية السحرية: شرقيات ذر الصائغ سردية لونية لواقع مغاير السبت 20 مارس 2010 - 22:36
الفن التشكيلي العراقي ، اروع فن قدمــــه لنا الفنانين التشكيليين في الوطن ، في الزمـــن الجميل ! ولكنه الآن في دور الأضمحـــــــلال ! لأن معظم فنانينا قد هربوا خارج الوطــــن ، بحثا عن أناس يقدرون الفن والفنانين . تحياتنا الأخويـــة ...
محسن الذهبي : التجريب في عوالم الواقعية السحرية: شرقيات ذر الصائغ سردية لونية لواقع مغاير