الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
موضوع: +++ آلام المسيح وصلبـــــــهِ ( ح 11 ) +++ السبت 10 ديسمبر 2011 - 19:31
إن كلمة "مصالحة" هي كلمة رائعة وتشير إلى سرّ محبة الله كما عُبِّر عنه على الجلجثة. الفعل هو "صالَح" وغالباً ما يستعمله الرسول بولس في رسائله. في كلامه عن محبة المسيح في موته على الصليب، يقول "لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا وَنَحْنُ أَعْدَاءٌ قَدْ صُولِحْنَا مَعَ اللهِ بِمَوْتِ ابْنِهِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا وَنَحْنُ مُصَالَحُونَ نَخْلُصُ بِحَيَاتِهِ" (روما 10:5). هنا يظهر بوضوح أن البشر بعد السقوط عادوا إلى الله، وأن هذه المصالحة تمّت بموت المسيح. لا يعني الكلام أن الله عادى البشر بل هم عادوه. وفي رسالة أخرى يشير الرسول بولس إلى خدمة المصالحة: "وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ." (2كورنثوس 18:5-19). أيضاً في هذا المقطع ظهر أن الله صالح البشر مع نفسه بواسطة يسوع المسيح. إن قوة المصالحة، محبة الله، مرتبطة بشدة بحقيقة الصلب التاريخية، لأن بالصليب غلب المسيح الشيطان والموت والخطيئة. يشير الرسول بولس في رسالته إلى كولوسي إلى أن المسيح ألغى الصكّ المكتوب "مُسَمِّرًا إِيَّاهُ بِالصَّلِيبِ، 15إِذْ جَرَّدَ الرِّيَاسَاتِ وَالسَّلاَطِينَ أَشْهَرَهُمْ جِهَارًا، ظَافِرًا بِهِمْ فِيهِ" (كولوسي 15:2). بهذا المعنى يكون صليب المسيح رمز سرّ مصالحة الإنسان وتوافقه مع الله. من ناحية ثانية، المصالحة ومحبة الله للبشر هما قوة الله غير المخلوقة التي تمّ تفعيلها في كل العصور وكانت تخلّص الإنسان قبل الناموس، وفي الناموس قبل التجسّد وبعده، وقبل التضحية على الصليب وبعدها. بالفعل، هناك درجات مختلفة لعيش سرّ المصالحة، لكن الدرجة الأعلى للتعبير عنه وعيشه هي حدث الصلب التاريخي، بالتحديد لأن المسيح بموته غلب قوة الموت. إن سرّ المصالحة كان فاعلاً أيضاً في أبرار العهد القديم، لأنّهم أيضاً بلغوا التألّه، مع فارق أنّهم ذهبوا إلى الجحيم لأنّهم لم يكونوا قد التقوا بعد بحقيقة الصلب ولم يكن الموت قد غُلِب بعد وجودياً. بتضحية المسيح على الصليب، اختبر أبرار العهد القديم أعظم امتداد لسرّ المصالحة وموت الموت، عندما نزل المسيح إلى الجحيم وحرّرهم من مملكة الموت. وبالتالي، سرّا المصالحة والصليب كانا أيضاً فاعلين في العهد القديم كخبرة للتألّه، ولكن ليس كخبرة التغلّب على الموت التي تمّت في الحدث التاريخي لصلب المسيح وقيامته. إذاً، عندما نتكلّم عن تصوير الصليب في العهد القديم، لا نعني رمزية بسيطة وتوقعاً بسيطاً لمجيء المسيح إلى العالم وصلبه، بل تعبيراً عن سر المصالحة مع الله ومحبته، وبالطبع من دون أن يكون الموت قد غُلِب. ليست المسألة مجرّد تذكّر وتصوّر، بل هي سر المصالحة واختبار محبة الله والاشتراك في قوته المطهّرة المنيرة المؤلِّهة. علينا أن نظهر أيضاً أن سرّ المصالحة والنعمة غير المخلوقة التي ظهرت بالصليب هو أمر مختلف عن المشاركة بنعمة المصالحة غير المخلوقة ونسك الكنيسة. هذا يعني أن الإنسان لا يخلُص لأن المسيح صُلب بل عندما يعيش الحياة الأسرارية للكنيسة ويجاهد نسكياً للمشاركة في القوة المطهّرة المنيرة المؤلِّهة، أي عندما يُصلَب هو بنفسه بنعمة الله. تُظهِر كل هذه الأمور أن التعليم الأرثوذكسي عن سر الصليب كسرِّ مصالحة الإنسان مع الله، يختلف عن التعليم البابوي والبروتستانتي. الأول يحكي عن مصالحة الله مع الإنسان وليس الإنسان مع الله، بينما الثاني يشير إلى حقيقة الصلب التاريخية لكنه يفصلها عن سرّ المصالحة في الأسرار والنسك في المسيح.