فـي الفلوجة.. مواليد يموتون خلال 20 - 30 دقيقة من ولادتهم

فـي الفلوجة.. مواليد يموتون خلال 20 - 30 دقيقة من ولادتهم
الثلاثاء, 10 كانون2/يناير 2012 16:13 المدى - مابعات اخبارية مع انسحاب الجيش الأميركي من العراق، فإن أطباء و أبناء مدينة الفلوجة يلقون اللوم على اسلحة مثل اليورانيوم المنضب و الفسفور الابيض التي استخدمها الاميركان في هجماتهم على الفلوجة عام 2004، في ما وصفوه بكارثة التشوه الولادي و الولادات الشاذة غير الطبيعية . اخذت الدكتورة سميرة العاني، متخصصة الاطفال في مستشفى الفلوجة العام، على عاتقها استقصاء كثرة الولادات غير الطبيعية التي انتشرت عقب الحصار الأميركي على المدينة منذ 2005.

قالت الدكتورة سميرة لقناة الجزيرة " لدينا هنا كل انواع التشوهات، من امراض القلب الخلقية الى التشوه البدني الحاد و باعداد لا يمكن تصورها .واظهرت الدكتورة صورا كثيرة لحالات تشوه ولادية تسبب الصدمة. و اضافت بانها تعمل في المستشفى منذ عام 1997، و انها سجلت شخصيا 699 حالة من التشوه الولادي منذ ت1 2009. تقول " لا تتوفر مصطلحات طبية لوصف بعض هذه الحالات لأننا لم نر مثلها من قبل، لذا فعندما اصفها فان كل ما استطيع قوله بانها انواع من التشوه الولادي لكنني لا استطيع ان انسبها الى مصطلح طبي ". اغلب المواليد الجديد في الفلوجة يموتون خلال 20 الى 30 دقيقة من ولادتهم لكن ليس جميعهم. ولد عبدالجليل محمد – 4 سنوات – في ت1 2007، و كان تشخيصه السريري يقول اتساع في بطيني القلب و نتوء اسفل ظهره لم يتمكن الاطباء من ازالته.

يعاني هذا الطفل ضعف السيطرة على عضلاته و صعوبة المشي و عدم السيطرة على المثانة. اخبر الاطباء والده محمد جليل عبدالرحيم بان ولده يعاني متاعب حادة في جهازه العصبي و قد يتسبب ذلك في اكياس مائية في دماغه قد تكون مميتة عند تقدمه في السن. يقول الوالد " هذه اول حالة تصاب بها عائلتنا. كنا نسكن في منطقة تعرضت للكثير من القصف الأميركي عام 2004 و قد وقع احد هذه الصواريخ امام منزلنا. ". و اكدت د. سميرة انه في اغلب الحالات التي وثقتها، لم يكن للعائلة سجل سابق بهذه الحالات الشاذة ولاديا. و اظهرت مئات الصور لأطفال رضع مصابين بتشقق اللثة و برؤوس ممدودة، احدهم ولد بعين واحدة في منتصف وجهه، و باطراف متضخمة، و آخر باطراف قصيرة و بآذان و انوف و اعمدة فقرية مشوهة. و تحدثت عن حالات " موت النسيج" و هو تشوه في العظام و في القفص الصدري "يجعل الوليد غير مناسب للحياة". و قال رحيم ان لديه اقرباء ولد لهم اطفال بعد 2004 يعانون مشاكل ايضا، " احد هؤلاء الرضع يشبه السمكة، و هناك عوائل تعيش بالقرب منا تعاني حالات ولادة غريبة ايضا ".

في نيسان 2011، تجادل اعضاء البرلمان العراقي فيما اذا كانت الهجمات الاميركية على المدينة تشكل جريمة ابادة جماعية. و لم تثمر المقترحات الداعية الى محاكمات دولية عن شيء. قامت د. سميرة، مع د. كريستوفر بازبي – عالم و ناشط بريطاني قام ببحوث حول مخاطر التلوث الشعاعي – بجمع عينات من شعر 25 من الوالدين من العوائل التي لديها اطفال مصابون بتشوه ولادي و ارسلوها الى مختبر في المانيا من اجل اجراء التحاليل. و بمساعدة اطباء وباحثين آخرين، قاموا بنشر دراسة في ايلول 2011 من البيانات التي حصلوا عليها من تحليل عينات الشعر بالاضافة الى عينات من تربة ومياه المدينة.

كشفت التحاليل وجود الزئبق واليورانيوم والبيزموث وغيرها من العناصر. توصل التقرير النهائي الى : "مع ضرورة الحذر من الاحتمالات الاخرى، لأن العناصر المكتشفة لا تسبب امراضا خلقية او سرطانية ماعدا اليورانيوم، فان ما كشفته التحاليل يوحي بان اليورانيوم المنضب كان سببا اساسيا او اضافيا يضاف الى سبب التشوه الخلقي وزيادة احتمال الاصابة بالسرطان. من هنا اثيرت اسئلة حول خواص و مكونات الاسلحة المستخدمة حاليا في المعارك الحديثة". تقول د. سميرة " نحن كأطباء نعرف بان الزئبق و اليورانيوم والبزموث يمكن ان تساهم في تطور التشوه الخلقي، ونعتقد ان ذلك يعود الى استخدام الاميركان للاسلحة المحرمة خلال هذه المعارك". يقول بازبي "لقد ربطت ذلك بتحقيق الطب الشرعي في محكمة ميدلاند الغربية حول موت احد المقاتلين الاميركان خلال حرب الخليج، فوافقت هيئة المحلفين على هذا الدليل. و كشفت محكمة الطب الشرعي بان السرطان قد نتج عن التعرض لليورانيوم المنضب، و اثبتت البحوث ان اليورانيوم هو احد المواد الخطيرة عند استخدامها في الحروب".

في تموز 2010 نشر بازبي دراسة اظهرت زيادة (12 ضعفا) في سرطان الاطفال في الفلوجة منذ هجمات 2004، كما اظهر التقرير انخفاض معدل الجنس عن المعدل الطبيعي لدى 86 فتى و 100 فتاة، مع انتشار امراض تدل على اضرار وراثية اكثر مما حصل في هيروشيما. مؤخرا زارت د. سميرة اليابان و التقت باطباء يابانيين يدرسون معدلات التشوه الخلقي التي يعتقدون بانها تعود الى اشعاعات من القذائف النووية الاميركية التي سقطت على هيروشيما و ناكازاكي. و اخبروها بان معدل التشوه الولادي هناك يبلغ 1-2 بالمئة، بينما الحالات التي ذكرتها د. سميرة تصل معدلاتها الى 14،7 بالمئة من بين كل المواليد في الفلوجة اي اكثر باربع عشرة مرة من معدل الاصابات في اليابان. في محافظة بابل جنوب العراق، قال د. شريف العلوجي رئيس مركز السرطان في المحافظة، بان معدلات السرطان تتصاعد منذ عام 2003 و يوعزها الى استخدام اليورانيوم المنضب من قبل القوات الاميركية خلال اجتياحها للعراق عام 2003. يقول د. العلوجي " يمكن ان تكون البيئة ملوثة بالاسلحة الملوثة و اليورانيوم المنضب.

فالهواء و التربة و المياه ملوثة بهذه الاسلحة و تسبب التسمم للبشر. هذا شيء جديد في المنطقة و الناس تعاني ذلك ". لقد بعث الجيش الاميركي و البريطاني اشارات عن تاثير اليورانيوم المنضب، الا ان اطباء العراق مثل العلوجي و العاني و الباحثين يلقون باللوم في زيادة حالات السرطان و التشوه الولادي على الاسلحة. مع كل هذا الكم من الادلة الشفوية، فان السبب الدقيق للازمة الصحية في مدينة الفلوجة يبقى غير محسوم و يحتاج الى دراسة متعمقة و شاملة. لكن برغم الافتقار الى الدعم الحكومي و الدعم البسيط من خارج العراق، فان د. سميرة عازمة على الاستمرار في عملها،" لن اترك هذا الموضوع، و لن اتوقف ".