الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 1028تاريخ التسجيل : 07/01/2010الابراج :
موضوع: گصّه بگصّه الأربعاء 27 يونيو 2012 - 13:13
گصّه بگصّه
احمد الجنديل
على أشلاء المساكين من شعب العراق ، وهي تتناثر على أرصفة المدن العراقية وساحاتها ، يقف السياسيون يتبارون بالخطب الرنانة ، والتصريحات النارية ، والفرقعات التي لا تخيف فرخ العنكبوت ، وكل واحد منهم يضحك على ذقن الآخر ليوهمه انه القريب من مصدر القرار الفعلي القادر على دفـع عجلة الأحداث لصالحه .
ومع إطلالة كل مذبحة في بلد الذبح ، تنتعش مواسم التصريحات ، وتخرج الوجوه مرتدية مظهر الحزن والأسف لما يحصل من مجازر على ارض هذا البلد المعطاء الذي أصبح فيه دم العراقيين أرخص من ماء البالوعات ، وأرواحهم أتفه من أرواح الصراصير والجرذان ، ورغم أن المسيرة المعمدة بدماء عمال البناء والكادحين والأطفال والعجائز ممن لا يعرفون ماذا يدور في هذا البلد قد وصلت اليوم إلى مرحلة المضحك المبكي ، إلا إن الساسة لازالوا يرفعون شعارات الوطنية المستهلكة ، ويهتفون بحياة الوطن الذي ما عاد وطناً بكل مقاييس شرائع الأرض والسماء .
تعالوا أيها الفقراء ممّن طحنتهم رحى العوز والفاقة في بلد يتدفق النفط من فمه ومن تحت إبطيه ورجليه ، وهلموا أيها المساكين الذين تطرقون الأبواب من اجل كسرة خبز في وطن يتنعم أولو الأمر فيه بالمسرات ، ويتاجرون بالمبادئ ويرقصون على شخير الدم المسفوح من أجساد الفقراء . تعالوا يا أصحاب الخيبة والإحباط لنقدم على مائدة فقرنا أشهى مأكولات شريعة الغاب ، وأحلى رقصات عالم الخرافة ، وألذ مهازل عالم اللامعقول ، ولنفرش على بساطنا الممتلئ بالثقوب خارطة الأصوات التي زرعت الفجيعة في كل بيت من بيوتنا:
علمانيون لم يتقنوا تهجي ألف باء العلمانية ، تخرجوا في جامعات الغرب وأصبحوا قادة في علم الخطابة ، وأساتذة في فن اللغو ، وعندما عادوا إلى وطنهم الاحتياط كان في استقبالهم عنترة ابن شداد شاهرا سيفه الملطخ بالثارات البدوية وصرخات الانتقام ، ولأننا أغبياء ، فقد هرولنا وراء ابن العبسي نصرخ : الثأر الثأر دون أن نعرف ماذا يعني ثأر عنترة !!؟ وعلى أي رقبة سيسلط سيفه!!؟ ، ومع فوات الأوان أدركنا أن ثأر العبسي كان يستهدف نفط العراق وخيراته وليس له علاقة بشرف وعفة حبيبته عبلة ، وإن سيفه كان مغروسا في رقاب المساكين والجياع من شعب العراق .
وإسلاميون أكلت الأرض جباههم من اثر السجود ، وارتخت ألسنتهم من كثرة التسبيح ، وعندما لاح لهم بريق الكرسي ولمعان العرش ، تركوا كتاب الله خلف ظهورهم ، ودخلوا المعركة مستهدفين المحرومين من العاطلين والمعوقين والأرامل والأيتام ، وتحالفوا مع قوى الضلال لإلحاق الهزيمة بهـذا الشعب الأعـزل الـمسحوق .
أصحاب الشمال وما أدراك ما أصحاب الشمال ، وأصحاب اليمين وما أدراك ما أصحاب اليمين ، وجميع الواقفين بينهما دون استثناء من الذين دخلوا في خندق الكسب الحرام بكل فروعه ، وشدوا الساعد بالساعد ، وعقدوا الراية بالراية ، وهجموا على خندق الفقراء ليسرقوا رغيف الخبز من أفواههم وأصبحت المعركة بينهم گصّة بگصّة .
المعركة التي تدور رحاها في العراق معركة شرسة بين أصحاب الثراء الفاحش والأرصدة الخيالية ، وبين الغارقين في مستنقع الشحّ والعوز والقهر ، حيث لا ماء ولا كهرباء ولا خدمات ، وهي معركة غير متكافئة إلا أنها تسير على طريقة گصّة بگصّة .
ما يحصل في العراق صراع مابين الغني والفقير ، الغني الذي لم يشبع من كل الذي سرقه وحصل عليه ويطلب المزيد ، والفقير الذي يصارع الموت لكي يبقى معلقا بين فكي الحياة .
وما يحصل في العراق لا علاقة له بالطائفية ولا الدين ولا القومية ، إنما ينحصر تحديدا بالمكاسب المادية والثراء الفاحش وإلحاق المزيد من الهزائم بالأعداء من المتقاعدين والمتسولين والعاطلين والأرامل والأيتام والأبرياء من الصغار والكبار ، وكل ما يقال عن خلافات طائفية أو قومية أو غيرها فهو خدعة يراد بها الضحك على ذقون الساذجين ، وهي لا تخرج عن كونها بهارات تمنح الطبخة مذاقا يساعد على ديمومتها .
الأحداث في العراق تسير على سكة گصّة بگصّة وعلى مقياس ( اليوم خمر وغد أمر )