لا مكان للخنازير في العراق

لا مكان للخنازير في العراق

ليلى قصراني

في أول سفرة لي الى القاهرة سنة 1990، ذهبت مع بعض الاصدقاء الاقباط الى جبل المقطم، وبالذات الى عزبة الزبالين لزيارة كنيسة كانت وقتها قيد الأنشاء وهي عبارة عن كهف في الجبل. كانت تلك الزيارة بالنسبة لي زيارة نادرة أكثر من الأهرامات لأني لم أخطط لزيارة مثل هذه بل لم أكن أعرف شيئا عن عزبة الزبالين. أما أن تجد نفسك في حي الزبالين، وترى أين تذهب قمامة مدينة مكتضة كالقاهرة، فذلك لأختبار فريد. وبسبب فضول لا حدود له، تسللت في الحي، حتى وجدت نفسي أمام بيت من بيوت الزبالين. ومن خلف الأبواب رأيت الخنازير وهي تنبش في أكوام الزبالة وتأكل بقايا الطعام أما الباقي من المعادن، والقناني، فأن النساء والأطفال يقومون بفرزها لتجد طريقها فيما بعد لأعادة التدوير.
وبسبب الخوف من تفشي مرض أنفلونزا الخنازير، أمر النظام السابق في مصر بقتل الخنازير، وبذلك أزدادت القمامة في مصر، وكثرت الأمراض، ولم تعد هناك اعادة تدوير للنفايات كما في السابق، وبقي مينا ويعقوب من دون عمل. أغلق مرقس محلاته لبيع لحم الخنزير في مصر الجديدة، بل وفي كل انحاء مصر، بعد أن كان ولعقود كثيرة يبيع اللحمة الرخيصة، ومعظم زبائنه من الأقباط الذين يشترون لحم الخنزير بسعر معقول.

الأمر يختلف تماما في العراق. فلو كان المصري المسيحي يربي الخنزير (عزبة الزبالين كلهم من المسيحيين الأقباط) فأن المسيحي العراقي كان يقتل الخنزير وبذلك كان يقدم خدمة كبيرة للفلاح العراقي وللزراعة في العراق.
هجرة المسيحيين خارج العراق تعد من التحديات الكبيرة التي تواجه ديموغرافية بلد عرف عنه بالتنوع، والتآلف بين قومياته و أديانه وطوائفه. مغادرة المسيحيين العراق قد تسبب في تكاثر الخنازيرالبرية بشكل مخيف. وفي سنة 2003 مع غزو أميركا، بدأ رحيل المسيحيين في هجرة داخلية الى المناطق الشمالية وايضا الى خارج العراق. ففي العراق كان يتفق أصحاب المزارع مع الصيادين المسيحيين في موسم صيد الخنازير، للمجيء والبقاء في المزارع طيلة ايام الصيد، لتنظيف المنطقة من الخنازير التي تفتك بالمحاصيل الزراعية.

مشكلة الفلاح العراقي كانت قد بدأت أصلا مع مجيء بول بريمر في أول سنوات الحرب وبقراره المعروف بـ (قانون 81) الذي بموجبه تم منع الفلاح العراقي من أستخدام البذور المحلية، وهذه كانت واحدة من أكبر الكوارث لبلاد ما بين النهرين التي عرفت الزراعة وتربية الماشية منذ ستة الآف سنة.
أن أحد الأسباب التي تجعل من حيوان الخنزير يفتك بالمحاصيل، هو لعدم امتلاكه غدد التعرق مثل باقي الحيوانات، وهو يبرد جسده بأن يعبث بالطين، والحفر في عمق الارض للوصول الى الطبقة الباردة، وهذا يسبب خسائر فادحة للفلاحين. الصيد هي الطريقة الوحيدة في التخلص من الخنزير. وليس هناك حل آخر، لأن وزن هذا الحيوان الشرس قد يتجاوز احيانا الـ250 كيلو غرام! علاوة على أنه يتكاثر مرتين سنويا. وفي كل مرة تضع انثى الخنزير ما بين 8 - 12 صغارا. هواية اصطياد الخنازير كانت منحصرة على الأقلية المسيحية، وتحديدا من الأشوريين. كان التعامل بين الفلاح العراقي المسلم وبين أخيه الآشوري المسيحي، قائم على الثقة، وعلى تبادل المنفعة، فلم يكن الفلاح مثلا يقول للمسيحي "أنت كافر ونجس لأنك تأكل لحم الخنزير". كان يرحب بضيفه المسيحي ويتعامل معه بكل احترام. أن العراقيين الآشوريين الذين عاشوا في بغداد، كانوا يصطادون في مزارع الحلة والكوت وديالى. أما مسيحيو البصرة فكانوا يذهبون الى العمارة.
في المرة القادمة عندما يريد زعيم حزب متطرف، او ضابط في الحكومة العراقية أن يصرح، او يشير بطرف خفي، بأن لا مكان للمسيحيين في العراق، فعليه أن يتذكر، بأنه كلما نقص عدد المسيحيين في العراق، كلما كثرت اعداد الخنازير.
عن موقع عنكاوة