والحبُّ ان قادتِ الاجسامُ موكبهُ الى فراش من اللذّات ينتحرُ
كأنهُ ملكٌ في الأسر معتقلٌ يأبى الحياة وأعوان له غدروا
* * *
ليس في الغاب خليعٌ يدَّعي نُبلَ الغرامْ
فاذا الثيران خارتْ لم تقلْ هذا الهيامْ
إنَّ حبَّ الناس داءٌ بين حلمٍ وعظامْ
فاذا ولَّى شبابٌ يختفي ذاك السقامْ
* * *
أعطني النايَ وغنِّ فالغنا حبٌّ صحيحْ
وأنينُ الناي ابقى من جميل ومليحْ
* * *
وإن لقيتَ محباً هائماً كلفاً في جوعهِ شبعٌ في وِردهِ الصدرُ
والناسُ قالوا هوَ المجنونُ ماذا عسى يبغي من الحبِّ أو يرجو فيصطبرُ
أَفي هوى تلك يستدمي محاجرهُ وليس في تلك ما يحلو ويعتبرُ
فقلْ همُ البهمُ ماتوا قبل ما وُلدوا أنَّى دروا كنهَ من يحيي وما اختبروا
* * *
ليس في الغابات عذلٌ لا ولا فيها الرقيبْ
فاذا الغزلانُ جُنّتْ اذ ترى وجه المغيبْ
لا يقولُ النسرُ واهاً إن ذا شيءٌ عجيبْ
إنما العاقل يدعى عندنا الأمر الغريبْ
* * *
أعطني الناي وغنِّ فالغنا خيرُ الجنون
وأنين الناي ابقى من حصيفٍ ورصينْ
* * *
وقل نسينا فخارَ الفاتحينَ وما ننسى المجانين حتى يغمر الغمرُ
قد كان في قلب ذى القرنين مجزرةٌ وفي حشاشةِ قيسِ هيكلٌ وقرُ
ففي انتصارات هذا غلبةٌ خفيتْ وفي انكساراتِ هذا الفوزُ والظفرُ
والحبُّ في الروح لا في الجسم نعرفهُ كالخمرِ للوحي لا للسكرِ ينعصرُ
* * *
ليس في الغابات ذِكْرٌ غير ذكر العاشقينْ
فالأُلى سادوا ومادوا وطغوا في العالمين
أصبحوا مثل حروفٍ في أسامي المجرمينْ
فالهوى الفضّاح يدعى عندنا الفتح المبينْ
*** أعطني الناي و غنّ وانس ظلم الأقوياء
إنما ... الزنبق كأسٌ للندى لا للدماء
*** وما السعادة في الدنيا سوى شبحٍ يُرجى فإن صارَ جسماً ملهُ البشرُ كالنهر يركض نحو السهل مكتدحاً حتى اذا جاءَهُ يبطي ويعتكرُ لم يسعد الناسُ الا في تشوُّقهمْ الى المنيع فان صاروا بهِ فتروا فإن لقيتَ سعيداً وهو منصرفٌ عن المنيع فقل في خُلقهِ العبرُ
*** ليس في الغاب رجاءٌ لا ولا فيه المللْ كيف يرجو الغاب جزءا وعلى الكل اشتملْ
*** وغايةُ الروح طيَّ الروح قد خفيتْ فلا المظاهرُ تبديها ولا الصوَرُ
فذا يقول هي الأرواح إن بلغتْ حدَّ الكمال تلاشت وانقضى الخبرُ
كأنما هي ... أثمار إذا نضجتْ ومرَّتِ الريح يوماً عافها الشجرُ
وذا يقول هي الأجسام ان هجعت لم يبقَ في الروح تهويمٌ ولا سمرُ
كأنما هي ظلٌّ في الغدير إذا تعكر الماءُ ولّت ومَّحى الاثرُ
ضلَّ الجميع فلا الذرَّاتُ في جسدٍ تُثوى ولا هي في الارواح تحتضرُ
فما طوتْ شمألٌ أذيال عاقلةٍ إلا ومرَّ بها الشرقي فتنتشرُ
***
لم أجدْ في الغاب فرقاً بين نفس وجسدْ
فالهوا ماءٌ تهادى والندى ماءٌ ركدْ
والشذا زهرٌ تمادى والثرى زهرٌ .جمدْ
وظلالُ الحورِ حورٌ ظنَّ ليلاً فرقدْ
*** أعطني النايَ وغنِّ فالغنا جسمٌ وروح
وأنينُ الناي ابقى من غبوق وصبوحْ
*** والجسمُ للروح رحمٌ تستكنُّ بهِ حتى البلوغِ فتستعلى وينغمرُ
فهي الجنينُ وما يوم الحمام سوى عهدِ المخاض فلا سقطٌ ولا عسرُ
لكن في الناس أشباحاً يلازمها عقمُ القسيِّ التي ما شدَّها وترُ
فهي الدخيلةُ والأرواح ما وُلدت من القفيل ولم يحبل بها المدرُ
وكم عَلَى الارض من نبتٍ بلا أَرجٍ وكم علا الأفقَ غيمٌ ما به مطرُ
*** ليس في الغاب عقيمٌ لا ولا فيها الدخيلْ
إنَّ في التمر نواةً حفظت سر النخيلْ
وبقرص الشهد رمزٌ عن فقير وحقولْ
إنما العاقرُ لفظ صيغ من معنى الخمولْ
*** أعطني الناي وغنِّ فالغنا جسمٌ يسيلْ
وأنينُ الناي أبقى من مسوخ ونغولْ
*** والموتُ في الأرض لابن الارض خاتمةٌ وللأثيريّ فهو البدءُ والظفرُ
فمن يعانق في أحلامهِ سحراً يبقى ومن نامَ كل الليل يندثرُ
ومن يلازمْ ترباً حالَ يقظتهِ يعانقُ التربَ حتى تخمد الزهرُ