السيارات القديمة يهواها كبار السن.. ويعشقها الشباب..ويحسدها الساسة

قادمة تواً من السكراب.. التقطتها أنامل هاو مخلص و(مجنون) فأعاد بهاءها القديم.. وبصعوبة بالغة وجهد جهيد بحث عن قطع غيارها النادرة.. وفي ورشة صغيرة في منزله أو في محل متخصص ببث روح الحياة.. أصلح ما أفسده الدهر!!
سيارات تنتمي لموديلات بعضها يعود الى الثلاثينات، تمشي بغنج ودلال في شوارع بغداد مخلفة حسرات وذكريات لدى كبار السن ممن شهدوا وواكبوا هذه السيارات يوم دخلت العراق آنذاك..
هذه السيارات أحياناً تثير الدهشة.. وأحياناً العجب.. وأحياناً الحسد!!
القاء القبض على مارسيدس
مع هواة السيارات القديمة الممتلئين زهواً واعتزازاً بما يملكون كان لنا هذا (التراي) معهم:
مهدي العبيدي.. لم يتجاوز الـ(35) عاماً.. الا انه من هواة البحث عن السيارات القديمة ومتابعة اخبارها منذ فترة طويلة.. لديه ثلاث سيارات، الأولى مارسيدس حمراء موديل (1964) شاهدها في محافظة النجف في العام (2001) فصوب سهامه اليها الى ان (ألقي القبض عليها) من دون تدخل القانون.
أصلحها بيده بعد معاناة وبحث في المناطق الصناعية والسكراب عن قطع غيار بديلة عن القطع الاصلية للسيارة.. اما سيارتاه الاخريان فهما عبارة عن هياكل فقط وسيواصل رحلة البحث والتنقيب عن القطع اللازمة لهما حتى تصبح كل منهما (عروسة) كما يقول العبيدي، الذي يثير في حديثه انه بسبب حبه للسيارات القديمة وحرصه على اعادة تأهيلها بقطعها الاصلية عزم على تعلم مهنة تصليح السيارات حتى يعتمد على نفسه في اصلاح أي عطل في السيارة بدلاً من الاستعانة بالاخرين الذين ربما لا يعرفون قيمتها التأريخية ويسيئون التعامل معها..

انهن مثل أولادي!!
مئات من الجهات الحكومية وغير الحكومية وشخصيات وتجار قاموا بدفع مبالغ خيالية لي لقاء بيعها فرفضت ذلك.. فأنا أعتبرهن مثل اطفالي لايمكن ان أفرط بهن ولو كلف ذلك عمري!!
دهشة واعجاب
اما حسين الحيالي (45) عاماً، فهو هاو جديد في مجال اقتناء السيارات القديمة، حيث يقول: أصدقائي شجعوني على هذه الهواية، وأنا سعيد بذلك لاسيما عندما أقود سيارتي القديمة في الشوارع، فالجميع ينظر لي ولسيارتي بدهشة واعجاب..
وعن السيارات القديمة التي يمتلكها قال الحيالي: لدي مرسيدس حمراء.. كلفتني مبلغاً كبيراً من المال في اعادة صيانتها وصبغها الذي استغرق عملاً متواصلاً لمدة عامين، كما انني أقوم باعادة تأهيل سيارتي في المنزل، وهو مكاني المفضل الذي أقضي فيه معظم وقتي، وهذا ما يضايق أهلي كثيراً لاسيما عندما اقوم بنقل الادوات الاحتياطية التي اشتريها من الاسواق الى داخل المنزل لأنها متسخة بالدهون والشحوم!!
وعن الأماكن التي يتم فيها العثور على مثل هذه السيارات القديمة أوضح الحيالي بالقول: بعض الهواة يعرفون الأماكن التي توجد فيها السيارات القديمة كالسكراب أو لدى بعض الأشخاص المعروفين باهتمامهم بهذا المجال، حيث يتم عرضها في معارض السيارات في الحبيبية أو البياع بمبالغ كبيرة جداً.. وقد تتم الصفقة أو لا تتم..!

دم الغزال
ولازدياد عدد هواة السيارات القديمة، يقترح عباس الأسدي وهو احد الهواة تأسيس جمعية خاصة بهواة السيارات القديمة حتى يتسنى لهم اللقاء وتبادل الخبرات والمعلومات بشأن ذلك، وعن شرائه لأنواع خاصة من السيارات القديمة قال: المهم ان تكون السيارة مميزة من حيث الموديل ومستوى النظافة فأنا أملك سيارة فورد (دم الغزال) مودلي (1968) وكانت لدي سيارة (رولز رايز) موديل (1952) فقدت مني اثناء سقوط النظام السابق.
وبشأن تفسيره لاهتمام البعض بشراء السيارات القديمة، أوضح الأسدي: هي هواية منتشرة في دول العالم كافة، مثل هوايتي تربية الحمام والفروسية وغيرهما.

مظلوم
أما خلف الشيخلي فيقول: لدي سيارة (فورد موسنتج) موديل (1966) كما أ ملك (وانيت فورد) حمراء اللون موديل (1956) وقد أطلق عليّ أصدقائي اسم (مظلوم) لانني لم أجد قطع الغيار الاصلية فاضطررت الى الاستعانة بقطع غيار لسيارة من موديل آخر.

السيارة اليابانية
واذا كانت السيارات الاميركية والأوربية تجذب الهاوي العراقي، فان قاسم احمد الجميلي، له وجهة نظر اخرى فهو يفضل اقتناء السيارات اليابانية لاسيما (الداتسن) لأن الياباني اقتصادي ويناسب جو العراق، كما ان أدواتها الاحتياطية متوفرة بكثرة في الاسواق العراقية، وقاسم لا يمانع بيع احدى سياراته ولكن بالسعر الذي يرضيه ومتى ما شاء.

مشاكلنا كثيرة
أما بشأن المشاكل التي تواجه هواة السيارات القديمة، يقول الجميلي: هنالك مشاكل كثيرة تواجهنا وأهمها مشكلتنا مع تجار (السكراب) الذين يستغلون احتياجنا لقطغ غيار قديمة، فيبالغون في قيمة الأسعار، معتقدين اننا من طبقة الاغنياء الذين لا تهمهم المادة، كما نعاني من اخراج السيارات القديمة خارج البلاد، ويا حبذا لو تكون هنالك قوانين صارمة تحد من ذلك اسوة بالكثير من الدول العربية، حيث كنا نستورد في الماضي السيارات القديمة باعتبارها ثروة يجب الحفاظ عليها..

سيارة عبد الكريم قاسم
وعلى هامش افتتاح متحف العائلة المالكة الي افتتح مؤخراً في باحة المركز الثقافي لمحافظة بغداد الذي احتوى مقتنيات وصور العائلة المالكة والسيارات القديمة التي اهداها رؤساء دول العالم الى الملك غازي، تحدث هؤلاء الهواة الذين التقينا بهم وأخبرونا بأن هناك عشرات السيارات التي اهديت للعائلة المالكة والرؤساء السابقين للعراق قد فقدت ولا أحد يعرف مصيرها حتى الآن ما عدا سيارة الزعيم عبد الكريم قاسم التي ارسلت الى الأردن لغرض تصليحها ولم تعد ليومنا هذا.

مواقف محرجة
لا تخلو ذاكرة هواة السيارات القديمة من المواقف الطريفة والمحرجة التي حدثت لهم اثناء تجوالهم في الشارع العراقي، اذ ان هناك موقفاً طريفاً لا ينساه الحاج توفيق الحيالي قال وهو يستعيد ذاكرته، في أحدى الليالي كنت أقود سيارتي وكانت من طراز (شوفرليت) موديل (1956) واذا باحدى الدوريات الاميركية التي كانت تتجول في شوارع بغداد الساعة الثانية عشرة ليلاً، تشهر السلاح نحو سيارتي، وبعد ان توقفت أخذ الجنود الاميركان يلتقطون الصور التذكارية لي وللسيارة ولم يكتفوا بذلك، بل أخذ البعض مكانه وراء المقود ليلتقط الصور، وبعد ان أنهوا التقاط الصور سمحوا لي بمواصلة السير وسط دهشتهم واعجابهم بالسيارة التي كنت أقودها.

جثمان على سيارة قديمة
أما زميله ابراهيم عبد الله (72) عاماً فتعرض الى موقف انساني ومحرج في ذات الوقت، حيث يقول:
توفي أحد كبار السن في منطقتي وكان يعمل ميكانيكي سيارات اميركية في شبابه وترك المهنة عندما تقدم في العمر، وكانت وصيته ان ينقل جثمانه عند وفاته على قمرة سيارة أميركية من موديلات قديمة، وبما انني امتلك بهذه المواصفات جاء احد ابنائه وطرق باب بيتي وأخبرني بوصية والده المرحوم، وامام احراجي من الخشية لعطل مفاجئ قد تتعرض له سيارتي (الفورد) موديل (1955) وافقت اخيراً وحملناه على السيارة الى مقبرة الكرخ في بغداد.. وكنت أنا من يقود السيارة.

كريم هاشم العبودي