التبشير الملائكياغتنم اليوم الذي يدعوك فيه الله ليعطيك السلام كلمة قداسة البابا بندكتس السادس عشر قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكيالفاتيكان, 28 يناير 2013 (زينيت) - ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي من نافذة مكتبه في الفاتيكان يوم الأحد 27 يناير 2013. ***
تقدم لنا ليتورجية اليوم، مقطعين من إنجيل لوقا. الأول (1، 1-4) هو مقدمة موجهة "لتاوفيليس"؛ ولأن اسمه باليونانية يعني "صديق الله"، يمكننا أن نرى به كل مؤمن ينفتح على الله ويود أن يعرف الإنجيل. أما المقطع الثاني (4، 14- 21)، فيقدم لنا يسوع الذي "بقوة الروح" دخل الى المجمع في الناصرة يوم السبت. وكمراقب جيد للشريعة انتسب الرب الى الايقاع الليتورجي اليومي، وانضم الى الجماعة في الصلاة وفي الاستماع الى الكتاب المقدس. يشمل الطقس قراءة نص من التوراة أو من نصوص الأنبياء، ومن ثم يتم التعليق عليه. في ذلك اليوم وقف يسوع ليقرأ فوجد مقطع من سفر النبي أشعيا يبدأ هكذا: "روحُ السَّيد الربِّ عليَّ، لأن الربَّ مَسَحَني وأَرسَلَني لأبشِّرَ الفقراء". (61، 1 -2). فيعلق أوريجانوس بالقول: "لم تكن بصدفة أن يجد هذه القراءة، إنه عمل العناية الإلهية" (Homélie sur l'Evangile de Luc 32, 3). في الواقع وبعد أن أنهى يسوع القراءة، وفي صمت يملأه الانتباه قال: "اليوم تمت هذه الآية بمسمع منكم." (لوقا 4، 21). يؤكد القديس كيريلس الإسكندري أن "اليوم" الذي يقع بين مجيء الرب الأول ومجيئه الأخير مرتبط بقدرة المؤمن على الإصغاء وعلى الاعتراف بخطاياه (cf. PG 69, 1241). ولكن، بمعنى آخر أكثر راديكالية أيضًا، يسوع نفسه هو "يوم" الخلاص في التاريخ، لأنه يتمم ملء القيامة. إن كلمة اليوم العزيزة على القديس لوقا (راجع 19، 9، 23، 43)، تقودنا الى العنوان الكريستولوجي المفضل لدى الإنجيلي، وهو (sōtēr) أي "المخلص". هو مذكور في نصوص الطفولة في كلمات الملاك للرعاة: "ولد لكم اليوم مخلص، في مدينة داود. وهو المسيح الرب." (لوقا 2، 11).
أيها الاصدقاء الأعزاء، إن هذا المقطع موجه اليوم لنا أيضًا. بداية يجعلنا نفكر بطريقة عيش يوم الأحد: يوم الراحة والعائلة، ولكن قبل كل شيء يوم مكرس للرب، من خلال مشاركتنا في الافخارستيا التي نتغذى فيها من جسد المسيح ودمه ومن كلمة الحياة، أي كلمته. كما أن هذا الإنجيل يدعونا في هذا العصر من الإلهاء والتشتت، لأن نتساءل حول مقدرتنا على الإصغاء. قبل التكلم مع الله وعنه، يجب الإصغاء اليه، وليتورجية الكنيسة هي "مدرسة" هذا الاصغاء الى الرب الذي يكلمنا. أخيرا، يخبرنا بأن كل لحظة يمكنها أن تتحول لتصبح "يومًا" مؤاتيا لارتدادنا. يمكن لكل يوم أن يصبح يوم الخلاص، لأن الخلاص هو تاريخ يستمر للكنيسة ولكل تلميذ من تلاميذ المسيح. هو المعنى المسيحي ل”carpe diem” أي "اغتنام اليوم": اغتنم اليوم الذي يدعوك فيه الله ليعطيك السلام!
فلتكن العذراء مريم دائما مثالا لنا ومرشدتنا لنعرف كيف نقبل في حياتنا كل يوم حضور الله، مخلصنا ومخلص البشرية جمعاء.
***
نقلته الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية
جميع الحقوق محفوظة لدار النشر الفاتيكانية
بياناتالكنيسة الكاثولكية في مصر تشجب اعمال العنف بـيــان من الكنيسة الكاثوليكية بمصرالقاهرة, 28 يناير 2013 (زينيت) - ونحن في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير، والتي مازلت تواصل خطواتها وزخمها ورجاءها، لتحقيق كل أهدافها، وفي سبيل ذلك يواصل المصريون بذل أرواحهم. بكل ألم وإيمان تشارك الكنيسة الكاثوليكية بمصر الشعب المصري كله، وخصوصاً شعب السويس والإسماعيلية البواسل الألم، لفقدان تسعة من أبناء مصر الكرام، وتصلي أن يتغمدهم الله القدير بواسع رحمته. كما تصلي أن يلهم الله عز وجل الصبر والسلوان لذويهم، وأن يمن على الجرحى بتمام الشفاء، وأن يجعل أرواح الضحايا ودماء المصابين غيث رحمة ووفاق ومصالحة وخير ورخاء لهذا البلد الحبيب.
وإذ تشجب الكنيسة كل أنواع العنف وتندد بمرتكبيه من أي جهة كانوا، تهيب بالمصريين، كل في موقعه، أن يفتحوا بابا للحوار الصادق البناء، باحترام متبادل، وأن يعودوا لأصيل طباع المصريين أصحاب الحضارة والتاريخ، ويواصلوا بناء مجد مصر، من خلال التفرغ للعمل الجاد في كافة المجالات، ويقدر كل منهم مسئولية موقعه ويفضل مصلحة الوطن على المصالح الشخصية أو الحزبية.
حمى الله مصر كل شر..
+ الأنبا إبراهيم اسحق
بطريرك الإسكندرية للأقباط الكاثوليك
عظاتعظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعي في رسامة الأسقف مروان تابت - بكركي في 26 يناير "يا سمعان بن يونا أتحبّني؟ إرعَ خرافي"بكركي, 28 يناير 2013 (زينيت) - 1.في قيصريةِ فيليبّس، أعلن سمعانُ – بطرس إيمانَه بيسوع: "أنتَ هو المسيحُ ابنُ الله الحيّ". فامتدح يسوعُ هذا الإيمانَ، لكونه عطيّةً من الآبِ السماوي، وسمّاهُ صخرة – بطرس يبني عليها كنيستَه ووعده بالسلطةِ الرسولية عليها(متى 16: 13-19). اعتدَّ سمعانُ – بطرس بنفسه، رافضاً أن يُسلّمَ يسوعَ للآلامِ والموت(متى 26: 35)، مُدّعياً أنّه "سيبذلُ نفسَه فدىً عنه"(يو13: 37). لكنَّه عند الخوفِ على نفسِه أنكرَ يسوعَ ثلاثَ مرّات، كما سبقَ وتنبّأَ له، فتذكّرَ وبكى بكاءً مرّاً(متى 26: 75). وعلى شاطئِ بحيرةِ طبرية، بعد قيامةِ يسوع من الموت، أعلنَ سمعانُ - بطرس حبَّه الشّديدَ ليسوع، ثلاثَ مرّات، مجيباً على سؤالِ يسوعَ المثلّث: "يا سمعانُ بنَ يونا أتحبّني؟ بنعم. وفي المرّة الثالثة، حزِنَ بطرس، إذ تذكّرَ من جديدٍ الخيانةَ المثلّثة، وأجابَ من صميمِ القلبِ بالتأكيدِ الشجاع: "يا ربّ أنتَ تعلمُ كلَّ شيء وأنت تعرفُ أنّي أحبُّك". فقال له يسوع: إرعَ خرافي"(يو21: 17). ومنحه نعمةَ روحِ القيامة، فانتزعَ الخوفَ من قلبه، وتنبّأَ له هذه المرّة عن موته من أجل إعلان سرِّ المسيح، هو الذي اعترض على موتِ يسوع من أجل فدائه. فانتعشَ في قلبِه الإيمانُ والحبّ، هاتان الركيزتان اللّتان عليهما تقوم الحياةُ الأسقفيّةُ والكهنوت، كما الحياةُ المسيحيّة، والحياةُ الرهبانية المكرّسة. 2. يسعدنا أن نحتفلَ هذا المساء بالرسامةِ الأسقفيّة لأخينا الأب مروان تابت، المطران المُنتخب لأبرشيةِ مار مارون – مونتريال في كندا، المولودِ في بحمدون، والداه الياس تابت ووداد أبو حبيب، حيث تربّى مع شقيقَين آخرَين. وفي جوٍّ من الإيمان والصلاة سمِعَ نداءَ الربِّ يدعوهُ للحياةِ المكرّسة والكهنوت في جمعيّةِ الآباءِ المُرسلين اللبنانيين الموارنة. فيها اختمرتْ دعوتُه المقدّسة، وتلقّى دروسَه الفلسفيّةِ واللاهوتيّة في جامعةِ الروحِ القدس – الكسليك حتى رسامتِه الكهنوتية في 20 تموز 1986. ثمّ أكملَ دراساتِه العليا في الولايات المتحدة الأميركيّة وأفريقيا الجنوبيّة في حقولِ الإدارةِ والتربية والفلسفة السياسيّة، وخدمَ رسالةَ الجمعيّة في هذَين البلدَين حوالي اثنتَي عشرةَ سنة من سنواتِ كهنوته الأولى.
ثمّ استقرَّ في لبنانَ حيثُ أُسندت إليه مهامٌ راعويّةٌ وإداريّةٌ وتربوية على مستوى جمعيّتِه والكنيسةِ المارونية، ومجلسِ البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، والمكتبِ الكاثوليكي الدُّوَلي للتعليم، والدوائرِ البطريركية، إلى جانبِ ما قامَ به من تعليمٍ جامعيّ في جامعتَي القديس يوسف – بيروت والروحِ القدس – الكسليك وإرشادٍ روحيّ، فضلاً عن المؤلفات والمقالات والمحاضرات والرياضات الروحيّة.
وتميَّزَ الأب مروان في كلِّ ذلك بالروحِ الكهنوتيّة، والجهوزيّةِ في الخدمة، والتّفاني في العطاء وحسنِ الإدارة، والنظرةِ البعيدة، وفنِّ التخطيط ورسمِ استراتيجياتِ العمل. فاختاره الروحُ القدس وسينودسُ أساقفةِ كنيستِنا المارونية وقداسةُ البابا بندكتوس السادس عشر مطراناً لأبرشيةِ القديس مارون في مونتريال – كندا، خلفاً لسيادةِ أخينا المطران جوزف خوري، الذي قدَّم استقالتَه من إدارتها لبلوغه السنَّ القانوني.
3. إننا نصلّي في هذه الرسامةِ المقدّسة على نيّةِ المطرانِ الجديد، لكي يباركَ اللهُ خدمتَه الأسقفيّة، التي يضع في سبيلِها كلَّ شخصِه وإمكاناتِه وخبراتِه وتطلّعاتِه. ونذكرُ بصلاتِنا الأبرشية، كهنةً ورهباناً وراهباتٍ ومؤمنين، من أجلِ خيرِهم جميعاً وفيضِ نعم الله عليهم. ونوجّهُ تحيّةَ شكرٍ وتقدير لسيادةِ أخينا المطران جوزف خوري، على سنواتِ الخدمة السبعَ عشرة فيها، بعد أن خدمَ كزائرٍ رسولي موارنةَ أوروبا الغربية والشمالية مدّةَ ثلاث سنوات. وإنّ لسيادتِه الفضل الكبير في التقدّمِ والازدهارِ الذي أحرزتْهُ الأبرشيةُ في عهدِ خدمته الراعوية: من شراءِ كاتدرائية القديس مارون في مونتريال، إلى تنظيمِ خمسَ عشرة كنيسة رعائيّة أخرى، وتطويرِها إنمائيّاً وروحيّاً وراعويّاً، بالتّعاونِ مع الكهنة الأبرشيّين وآباءِ الرهبانيتَين اللّبنانيّة المارونيّة والأنطونيّة. ولا بدَّ من الإشارةِ إلى الإنجازاتِ العمرانيّة على مستوى الكنائسِ الرعائيّةِ وقاعاتِها، وعلى مستوى اقتناءِ كنائسَ جديدة وبنائِها مع قاعاتِها، وسواها، ممّا جعلَ الأبرشية مجهَّزَة بشكلٍ مرموق، ويبقى تنظيمُ دوائرِها، وقد أولى سيادتُه الأولوية للرعايا وكنائسِها وهيكليتِها الراعوية، على حسابِ دائرتِه الأسقفية، لافتقارِه إلى كهنةٍ ولازديادِ حاجاتِ الرعايا الست عشرة. وما زلنا نذكرُ بالخيرِ سلفَه المطران جورج أبي صابر، أطال الله بعمره.
4. إعلانُ إيمانِ بطرسَ المميّزِ بيسوعَ في قيصريّةِ فيليبّس، وإعلانُ محبّتِه الشّديدة له على شاطئ بحيرة طبرية بعد القيامة، إعلانٌ واحدٌ مترابطٌ ومتكامل. فالإيمانُ يصبح قوّةً فاعلة في المحبة، والمحبةُ تتأسّسُ على الإيمان وتأخذ شكلها منه، على ما كتب قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في رسالتِه العامّة الأولى "الله محبة"(فقرة 7 و31). في تعليمِ القديس بولس الرسول، الإيمانُ هو معرفةُ الحقيقة وقبولُها(1طيم2: 4)، والمحبةُ هي السيرُ في نورِ الحقيقة والعملُ بمقتضياتها(أفسس4: 15).
نقرأ في رسالة قداسة البابا للصوم الكبير 2013: "بالإيمان ندخل في صداقةِ الربّ، وبالمحبة نعيش هذه الصداقة وننمّيها. الإيمانُ يحملنا على قبولِ كلامِ المسيح وتعليمِ الكنيسة، والمحبةُ تعطينا السعادةَ في تطبيقه والعملِ بموجبه"(عدد2).
5. أيّها الأسقفُ الجديد، أنت مدعوٌّ لتكونَ بفضل نعمةِ الأسقفيّة، مثل سمعانَ - بطرس، رجلَ الإيمانِ والمحبة. فبالعودةِ إلى نصّ الإنجيل، ندرك أنّ الاعتدادَ بالنفس يُضعفُ الإيمانَ ويعطِّلُ المحبة. فعندما اعتدَّ سمعانُ – بطرس بنفسه، ورفضَ أن يُسلَّمَ يسوع للآلامِ والموت، كما هو مكتوبٌ، حتى إنّه اعتدَّ ببذل نفسه في سبيل يسوع، سقطَ وأنكره عندما رأى نفسه في خطرٍ أمام جارية. كتب القديس أغسطينوس، في شرحه لهذا النصِّ من الإنجيل: "إيمانُ بطرس رفعه، واعتدادُه بنفسه أضعفه؛ إنكارُه ليسوع أذلّه، ودموعُه طهّرته؛ وبالمحبّة اكتسب روحَ القيامةِ وإكليلَ الاستشهاد(شرح إنجيل يوحنا، العظة 132، عدد4). ويضيفُ أغسطينوس، كان ينبغي أن يموتَ يسوعُ أوّلاً من أجل خلاصِ بطرس، لكي يستطيعَ بطرسُ بدوره أن يموت من أجل الكرازةِ بسرّ المسيح. هذا هو نهجُ الاسقفيّة المُشارِ إليه بالأحمر في لباس الأسقف، علامةِ دمِّ الشهادةِ والاستشهادِ الحسّيّ والروحي والمعنوي.
إيمانٌ بالمسيح لا بالذات، وحبٌّ للمسيح لا للذات، هذا هو جوهرُ الأسقفيّة الذي يطبعك اليوم، أيّها الاسقفُ الجديد، فيصوّرُك الروحُ القدس، الذي سيحلُّ عليك بوضع اليد ومسحةِ الميرون، على صورةِ يسوع المسيح الحبر الأزلي، راعي الرعاة الأعظم"(1بطرس5: 4)، معلِّماً للإيمان أصيلاً في التعليم والقدوة، وخادماً راعياً للمحبة متفانياً، ووكيلاً أوّلَ لأسرار الله أميناً. أمانتُك للمسيح ولتعليمِ الإنجيل هي خاتمُك،وتفانيك في خدمةِ المحبة تاجُك، وسهرُك كراعٍ صالحٍ على خير النفوس عصاك، وتضحيتُك في توزيعِ نعمة أسرار الله صليبُك.
6. بهذا الجوهرِ الأسقفيِّ المثلّثِ الأبعاد، يُسنِد إليك الربُّ يسوعُ رعايةَ خرافه. ففيما تجدّد في هذه الرسامة المقدّسة إعلانَ إيمانِك ومحبَّتِك للمسيح، يقولُ لك راعي الرعاة: "إرعََ خرافي"(يو21: 15).لا يقول لك "إرعَ الخراف" بل خرافي، لأنّه اقتناها هو بثمنِ دمِهِ على الصليب، والبشريّةُ كلُّها خرافُ المسيح. ما يعني أنّ الخرافَ ليست لك بل للمسيح. فالّذين يرعَون الخراف، يقول القديس اغسطينوس، بنيّةِ ربطها بشخصهم، لا بالمسيح، هؤلاء إنّما يحبّون أنفسَهم لا المسيح؛ مندفعين وراء شهوة المجد والسلطة والربح؛ يبتغون المحبةَ التي تدفع بهم إلى الطاعة والرغبة للمساعدة، وإلى إرضاء الله(المرجع نفسه عدد5). هؤلاء يوبّخُهم بولسُ الرسول باكياً، لأنّهم يبحثون عن مصالحهم، لا عن رغبات المسيح(فيل2: 20).
إيمانٌ بالمسيح ومحبةٌ شديدةٌ له هما دعوتُك ورسالتُك أيها الأسقف، في عالمٍ صعبٍ، وصفه بولسُ الرسول في رسالته إلى تلميذه طيموتاوس: "ستأتي أيامٌ يكون الناسُ فيها محبِّين لأنفسهم، محبِّين للمال، مدَّعين، متكبِّرين، مجدِّفين، ناكرين للجميل، منتهكين للحرمات؛ بلا حنان، بلا وفاء، وَقِحين، نَهمين، شَرسين، مُبغضين للخير، مُحبّين للَّذة أكثر من حبّهم لله"(2 طيم3: 1-4).
7. هذه الدعوةُ الأسقفيّة ورسالتُها لا تأتيك بالصدفة، بل وفقاً لتصميم الله. أنت تصبح أسقفاً في سنةِ الإيمان التي نعيشها، وفي عهد الإرشاد الرسولي: "الكنيسة في الشّرق الأوسط، شركة وشهادة"، وفي زمن الإعلان الجديد للإنجيل. ثلاثةُ أحداثٍ كنسيّةٍ ترسُم إطارَ خدمتك الأسقفية الراعوية، وكلُّها تستند إلى ركيزتَين: الإيمانُ والمحبة.
إتّكلْ على نعمةِ الله التي تصيِّرُك أسقفاً اليوم وكلَّ يوم، وعلى صلاة الأهل والجمعيّة والأبرشية والكنيسة، وعلى الشركة مع الجسم الأسقفي. وردّدْ أمام المسيح، راعي الرعاة، في قدّاس كلِّ صباح: "يا ربّ انت تعلم كلّ شيء وأنت تعرف أنّي أحبّك". وهو يجدّد لك المحبة والثقة: "إرعَ خرافي واتبعني". آمين.
"تعالوا، يا مباركي أبي، رثوا الملكوتَ المعدَّ لكم، لأنّي جعتُ فأطعمتموني..." عظة الاحد البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الراعيبكركي, 28 يناير 2013 (زينيت) - 1. تذكرُ الكنيسة في هذا الأحدِ والأسبوعِ الطّالعِ الأبرارَ والصدّيقين الذين ينتمون إلى كنيسةِ السماءِ المُمجّدة. وهم الّذين عرفوا وجهَ المسيحِ في الجائعِ والعطشان والغريبِ والعريان والمريضِ والسجين، وأعربوا عن حبّهم له بخدمتهم وتلبيةِ حاجاتهم الماديةِ والروحيةِ والمعنوية. فكانت محبّتُهم وخدمتُهم الطريقَ إلى ملكوتِ السماء: "تعالوا، يا مبارَكي أبي، رِثوا الملكوتَ المعدّ لكم، لأنّي جعتُ فأطعمتموني"(متى25: 34). 2. إنّنا نُصلِّي إلى الله لكي يفتحَ قلوبَنا لمِثْلِ هذه المحبّةِ ويدفعُ بنا إلى القيامِ بمثلِ هذه الخدمة، ويمنحَنا الوعيَ لكي ندركَ أنّ يسوعَ يتماهى مع كلِّ مَن هو في حاجةٍ من الحاجات المذكورة في الإنجيل، وأنَّ محبّتَنا للمسيحِ إنّما تتجسّدُ وتتجلَّى في خدمتِنا لكلِّ مُحتاج، وفي اعتبارِها مؤدّاةٌ له شخصيّاً. وهكذا نقتدي بالأبرار والصدّيقين، ونكون من عدادهم.
3. في ضوء هذا الإنجيل، وتطبيقاً لتعليمه، تُطلِق كنائسُ لبنان اليوم، مع رابطة كاريتاس – لبنان، يوماً تضامنيّاً مع إخوتنا النّازحين من سوريا إلى لبنان، وهم بعشرات الألوف. إنّ للتضامنِ معهم أوجهاً متعدّدة:
نتضامنُ معهم إنسانيّاً في جرحهم ووجعِهم مؤاسين ومتفهّمين؛ ونتضامن معهم وطنيّاً في قضيّتهم، رافعين الصلواتِ من أجل أيقاف العنف والحرب والتهجير في سوريا على الفور، وحلِّ النزاع بالطرق السلميّة: الحوار والتفاهم والوفاق، ومن أجل إحلال السلام العادل والدائم في سوريا؛ ونتضامن معهم مادّياً واجتماعيّاً، مشاركين في مساعدتِهم ماليّاً وعينيّاً وخدماتيّاً، وفقاً للوسائل التي ترسمُها كاريتاس – لبنان. وقد وجَّهنا، باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، نداءً لهذه الغاية، وطَلَبْنا تخصيصَ الصواني في الكنائس وجمعَ التبرعاتِ في الأديارِ والمدارس والمؤسسات وتسليمَها إلى رابطة كاريتاس – لبنان، لكي تتابعَ مساعدتَها للنازحين باسم الكنيسة.
4. يومُ التضامنمع الإخوة النازحين يتّخذُ بُعدَه الروحيّ والإنسانيّ من إنجيل اليوم الذي هو إنجيلُ الدينونةِ العامّة في نهاية الأزمنة، كما نُعلنُها في قانونِ الإيمان "وأيضاً يأتي بمجدٍ عظيم ليدينَ الأحياء والأموات". وهو إنجيلُ الدينونةِ الخاصّة بكلّ إنسان عند موته. يُتلى في تذكارِ الأبرار والصدّيقين للتأكيد أنّ طريقَ الإنسانِ إلى الله والخلاصَ والسعادةَ الأبدية، يمرُّ عبر المحبةِ في الحقيقة.
5. ما هي الحقيقة التي تدعونا للمحبة؟
الحقيقةُ هي أوّلاً أن يسوعَ المسيح بتجسّده تماهى مع كلّ إنسان، وبآلامه مع كلِّ متألِّم، إذ يؤكّد: "كلَّ ما عملتُموه لأحد أخوتي هؤلاء الصغار، فلي عملتموه(متى 25/40). والحقيقةُ هي ثانياً أنّك عندما تصنعُ خيرًا للإنسان، إنّما تصنعُه ليسوعَ المسيح. أجلْ، عندما صار الإلهُ إنسانًا، بيسوع المسيح، اتّحدَ نوعًا ما بكلّ إنسان. وهي ثالثاً الخلاصُ والهلاكُ الأبديّان. إنّ الذين يمارسون المحبةَ بكلّ أشكالها الموصوفة في الإنجيل يبلغون إلى سعادةِ الخلاص الأبدي: "هلمّوا يا مبارَكي أبي، رِثوا المُلكَ المُعدَّ لكم منذ إنشاء العالم"(متى25: 34). أمَّا الذين لا يمارسون هذه المحبة، بل ينكمشون على أنانيّتِهم فمصيرُهم شقاءُ الهلاك الأبدي: "إبعدوا عني، يا ملاعين، إلى النار المعدّةِ لإبليسَ وجنوده"(متى25: 41).
6. أمّا المحبّةُ فهي إطعامُ الجائع إلى الخبز المادّي، وإلى الخبزِ الروحي، خبزِ كلمة الله وجسدِ الربِّ ودمِه، وإلى خبز العلم والتربية؛ وسقيُ العطشان إلى الماء وإلى العاطفة والرحمة والعدالة؛ وإيواءُ الغريب عن وطنه وأرضه ومحيطه، سواءٌ بداعي الهجرة أو التهجير، أم بداعي الحاجة إلى حياة اقتصادية وأمنية. إيواؤه يعني استقبالَه واحترامَه وتقديرَه في شخصه وتقاليده وثقافته وإيمانِه. والغريب أيضًا هو الذي لا يتفهّمُه أهلُ بيتِه أو محيطُه ويشعر كأنّه في غربة عنهم؛ وكسوةُ العريان الذي يحتاج لباسًا لجسده وأثاثًا لسكناه ولبيته، والذي يحتاج إلى صون كرامتِه وصيتِه؛ وزيارةُ المريض والحزين والمتروك والوحيدِ والمعاق، وزيارتُه تعني الاعتناءَ به ومساعدتَه وتشجيعَه والتخفيفَ من وجعه؛ وتفقّدُ السجين سواءٌ وراء قضبان الحديد في السجن، أم وراء جدران الظلم والاستبداد، أم مَن هو سجينُ عاداته السيّئة وانحرافاته وميوله وإدمانه، ومساعدتِه على تحرير ذاته. أيها الاخوة والاخوات، كلنا نمرّ بإحدى هذة الحاجات وكلنا بحاجة بعضنا الى بعض.
7. المحبةُ في الحقيقة هي غايةُ الوجود وجوهرُه ومعناه. وقد شكّلتِ العنوانَ لإحدى رسائل البابا بندكتوس السادس عشر العامة. كلّ إنسان مدعوٌ، بغيةَ إعطاءِ معنىً لوجوده التاريخي، أن يبحث عن الحقيقة ويكتشفَها ويسيرَ في ضوئها، ويجسّدَها في خدمة المحبة. الحقيقة توجِّهُ المحبةَ في الخطّ الصحيح، والمحبةُ تعطي الحقيقة مصداقيَّتها وقدرتَها على الإقناع في واقع الحياة الاجتماعية الملموس(الفقرة 2).
ولا ننسى أنّ الحقيقةَ والمحبّة تنبعان من الله، وتُعطَيان هبةً لكلّ إنسان يظهر في الوجود. وقد انكشفتا في التاريخ، بل تجسّدتا واتّخذتا اسماً هو يسوعُ المسيح. إنّه بشخصه وأقواله وأفعاله وآياته هو الحقيقةُ التي تُنير كلَّ إنسان آتٍ إلى العالم(راجع يو1: 9). وهو المحبةُ التي بلغتْ ذروتها على صليب الفداء، فأحبّ حتى النهاية(يو13: 1). وقد ترك لنا، في الحقيقة والمحبة، مثالاً وقدوة لكي نسير على خطاه(1 بطرس2: 21).
"المسيحيةُ هي حضارةُ المحبة في الحقيقة" في الشؤون الزمنيّة: الاجتماعيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، كما في الحياة الزوجيّة والعائليّة. هذه الحضارة هي إعلانُ حقيقةِ حبِّ المسيح في المجتمع. نحن بحاجةٍ إلى نشرِ هذه الحضارة، وتجسيدِها في الأفعال والمواقف والمبادرات. يعلّم المجمعُ المسكونيُّ الفاتيكانيُّ الثاني أنّ "مَن يتّبع المسيح، الإنسانَ الكاملَ [ في المحبة والحقيقة ]، يصبحُ هو نفسُه أكثر إنساناً"(الكنيسة في عالم اليوم، 41). فكم عالمُنا بحاجة إلى إنسانيةِ الإنسان! إنّ العنفَ والحرب والإرهاب جريمةٌ ضدّ الإنسان والإنسانية. وهذه المنطقة المشرقية المعذّبة هي بأمسِّ الحاجة إلى حضارةِ المحبة في الحقيقة، وهذا دورُ المسيحيين. ولذلك هم معتبَرون حاجةً في هذا الشرق.
8. "كنت جائعاً، عطشاناً، عرياناً، غريباً، مريضاً، محبوساً..."
يعلن الربُّ يسوع تضامنه مع هؤلاء الإخوة، تضامناً حتى التماهي معهم. وبذلك يدعونا إلى التضامن بدورنا معهم، لكون التضامن فضيلةً اجتماعية أخلاقية تعني أنّنا كلُّنا مسؤولون عن كلّنا"، كما كتب الطوباوي البابا يوحنا بولس الثاني في رسالته العامّة "الإهتمام بالشأن الاجتماعي"(38). أمّا تماهي المسيح معهم، فيعني أنّ مساعدةَ المحتاج والتضامنَ معه ومن أجله واجبٌ خلقي يُلزِم الضميرَ، ويشملُ كلَّ القراراتِ الشخصية والجماعية والحكومية التي تختصّ بالمسألة الاجتماعية والإنمائية والمعيشية. إنّ واجبَ التضامنِ يعني "الشعورَ بالمسؤولية تجاه الأكثر حاجة وضعفاً، والعزمَ على مقاسمتِهم ممّا نملك، والعملَ من أجل تعزيز الخير العام. ليس التضامنُ مجردَ شعور بالشفقة، شعوراً سطحيّاً عابراً"(المرجع نفسه)، بل هو الالتزام بالمساعدة.
تساعدنا فضيلةُ التضامن على رؤية الآخر المحتاج، أشخصاً كان أم شعباً أم أمّة، والتعاطي معه كشبيهٍ بنا وعون لنا(تك2: 18و20)، لا كأداة وسلعة للاستعمال. ولذلك، استضعافه أو الاعتداء عليه أو تدميره أو تعذيبه أو تشريده أو قتله، كلّها جرائم ضدّ كرامة الإنسان والإنسانية.
9. إنّنا، في يوم التضامن مع الإخوة النازحين من سوريا، نناشد ضمائر المتقاتلين على أرضها، الذين يتسبّبون بالدمار والقتل والتهجير، أن يتّقوا الله ويخافوه، ويوقفوا جريمة القتل والتنكيل بالمواطنين الأبرياء وتدمير ما بنته الحضارة وأصبح مُلكًا للبشريّة جمعاء وللتاريخ. وإنّ الاستقواء بالسلاح واستعماله من دون رادع الضمير جبانة. أمّا الجلوس على طاولة التفاوض وإيجاد الحلول للنزاع بالحوار والوفاق، فبطولة وكبر في النفس.
ونناشد مسؤولي الدول التي تحارب في سوريا، بمدّ المال والسلاح والعتاد سواء للنظام أم للمعارضة – وهذا اصبح مكشوفًا - بالتوقّف عن فعلهم السيّئ والتحريضي، لأنّهم يرتكبون هم أنفسهم جريمة القتل والدمار والاعتداء على المواطنين الأبرياء وتهجيرهم، ويتحمّلون المسؤولية أمام محكمة الضمير والتاريخ.
كما نناشد الأسرة الدولية ومنظّمة الأمم المتّحدة عيش الأمانة لمسؤوليتها كمؤسّسة وُجدت بعد الحرب الكونيّة الأولى، وتحديداً في 26 حزيران 1945، "من أجل هدف أساسي جوهري هو حفظ السلام بين الشعوب وتوطيد عناصره، وإنماء علاقات الصداقة فيما بينهم على أساس من مبادئ المساواة والاحترام المتبادل، والتعاون المتعدّد الوجوه في قطاعات العيش معاً، ولا سيّما في الاقتصاد والاجتماع والثقافة والتربية والصحة(الطوباوي يوحنا الثالث والعشرون: السلام على الأرض، 75).
ونناشد الأفرقاء اللبنانيين الكفَّ عن المراهنة، هذا على النظام وذاك على المعارضة في سوريا، لأنّهم برهانهم يعطّلون سير الحياة العامّة في لبنان، ويشلّون القرارات الوطنية، ومن بينها وضع قانون جديد للانتخابات النيابية، ويتسبّبون بهجرة المواطنين وفقدان الثقة بهم وبالوطن الأمّ؛ ونطالبهم بتحمّل مسؤولياتهم تجاه الدولة اللبنانية وشعبها، وبالقيام بدور إيجابي يدعو إلى حلّ النزاع في سوريا بالحوار والتفاهم وبسائر الوسائل السلميّة.
ونناشد الإخوة النازحين من سوريا، بحكم واجب التضامن، حفظ الجميل للدولة اللبنانية وشعبها ومؤسساتها للاستقبال والاهتمام، والمبادلة بالاحترام والتقدير، بعيداً عن أي موقف هدّام للنسيج الاجتماعي أو للعيش معاً أو للأمن الأهلي، والتزاماً بتفعيل ثقافة لبنان القائمة على الانفتاح وحسن الضيافة والوحدة في التنوّع.
ونناشد المسؤولين في الدولة اللبنانية ضبط الحدود، وإحصاء النازحين، واتّخاذ كلّ التدابير لمنع تسرّب السلاح إلى لبنان، ولإحباط كلّ محاولة ممكنة لمؤامرات على أرضه سواء للداخل أم للخارج، ولتجنّب أي استغلال للنازحين طائفيّاً أو مذهبيّاً أو سياسيّاً؛ والعمل مع الدول المعنيّة ومنظّمة الأمم المتّحدة على عدم تحميل لبنان أعداداً من النازحين تفوق قدرته الاجتماعية والاقتصادية، ومساحته ومعدّل سكانه، وبالتالي العمل على توزيع النازحين على الدول المحيطة وسواها، وبخاصّة على استيعاب النازحين في المناطق السورية الآمنة، تسهيلاً لعودتهم إلى بيوتهم وأراضيهم وأعمالهم.
9. إنّنا نرفع صلاتنا اليوم من أجل إحياء روح التضامن لدى الجميع، ومن أجل السلام في لبنان وفي سوريا والمنطقة. وليرتفع من أرضنا نشيد السلام، تمجيداً لله الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين.