في ذلك الزَّمان: جَعَلَ يسوعُ يَسيرُ بَعدَ ذلكَ في الجَليل، ولَم يَشَأْ أَن يَسيرَ في اليَهودِيَّة، لأَنَّ اليَهودَ كانوا يُريدونَ قَتلَه. وكانَ قد اقتَرب عيدُ المَظال عِندَ اليَهود. ولَمَّا صَعِدَ إِخوَتُه إِلى العيد، صَعِدَ هو أَيضًا خُفيَةً لا عَلانِيَةً. فقالَ أُناسٌ مِن أُورَشَليم: «أَلَيسَ هذا الَّذي يُريدونَ قَتْلَه؟ فها إِنَّه يَتكَلَّمُ جِهارًا ولا يَقولونَ له شَيئًا. تُرى هل تَبَيَّنَ لِلرُّؤساءِ أَنَّه المسيح؟ على أَنَّ هذا نَعرِفُ مِن أَينَ هو، وأَمَّا المسيح فلا يُعرَفُ حينَ يأتي مِن أَينَ هو». فرَفعَ يسوعُ صَوتَه وهُو يُعَلِّمُ في الهَيكَلِ قال: «أَجَل، إِنَّكُم تَعرِفونَني وتعرفونَ مِن أَينَ أَنا. على أَنِّي ما جئتُ مِن نَفْسي فالَّذي أَرسَلني هو صادِق. ذاكَ الَّذي لا تَعرِفونَه أَنتُم وأَمَّا أَنا فَأَعرِفُه لأَنِّي أَتيتُ من عندِه، وهوَ الَّذي أَرسَلَني». فأَرادوا أَن يُمسِكوه، ولكِن لم يَبسُطْ إِلَيه أَحَدٌ يَدًا، لأَنَّ ساعتَه لم تكُن قد أَتَت.
القدّيس يوحنّا الصليب (1542 - 1591)، راهب كرمليّ وملفان الكنيسة النشيد الروحيّ، المقطع الأول
«فأَرادوا أَن يُمسِكوه، ولكِن لم يَبسُطْ إِلَيه أَحَدٌ يَداً»
أين تختبئ، يا خليلي، تاركًا إيّاي منتحبة؟ كما الأيل هربتَ، بعد أن جرحتَني؛ لكنّني خرجتُ لأقتفي أثرك وأنا أصرخ. عبثًا حاولت اللحاق بك!
"أين تختبئ؟" كما لو أنّ النفس كانت تقول: "أيّها الكلمة، يا عريسي، أرِني المكان الذي ترتاح فيه". هذا يعني الطلب منه إظهار جوهره الإلهيّ، لأنّ "المكان الذي يرتاح فيه ابن الله" كما قال لنا القدّيس يوحنا هو "حضن الآب" (يو1: 18)، أو بتعبير آخر، إنّه الجوهر الإلهيّ الذي لا تراه العين البشريّة، والذي يعجز العقل البشري على سبر أغواره. قال أشعيا متوجّهًا إلى الله: "إنّك لإله محتجب" (أش45: 15).
لهذا السبب، ولنلاحظ جيّدًا، مهما كان التواصل حميمًا، ومهما كانت المعرفة التي تنالها النفس من الله في هذه الحياة سامية، فإنّ ما تراه هذه النفس ليس جوهر الله ولا شيء مشترك معه. في الواقع، يبقى الله محتجبًا دائمًا عن نفسنا. مهما كانت الروائع التي تُكشف لها، يجب أن تنظر النفس إليه دائمًا على أنّه محتجب وأن تبحث عنه في عزلته قائلة: "أين تختبئ؟" في الواقع، لا التواصل السامي ولا الحضور الحسيّ هما علامة أكيدة على حضور الله المفيد في النفس، كما أنّ الجفاف والحرمان من كلّ هبة من هذا النوع ليسا دليلاً على غيابه. هذا ما قاله لنا النبي أيّوب: "يمرّ بي فلا أبصره، ويجتاز فلا أشعر به" (أي9: 11).
يمكننا أن نتعلّم التالي ممّا سبق. إن كانت النفس تنعم بتواصل كبير وبمعرفة وبمشاعر روحيّة، يجب ألا تظنّ أنّها تملك الله أو أنّها تملك رؤية واضحة وجوهريّة عنه، أو أنّها بفضل هذه المواهب تملك الله أكثر أو تعمّقت أكثر فيه. كذلك، إن غاب عنها كلّ هذا التواصل الحسّي والروحيّ وتُركت في أرض قاحلة وسط الظلام والتخلي، يجب ألاّ تظنّ أبدًا أنّ الله غائب عنها في هذه الحالة... إنّ الهدف الأساسي للنفس في هذا البيت من الشعر ليس إذًا طلب التفاني العاطفي والحسّي، الذي لا يعطي يقينًا ولا دليلاً على امتلاك العريس في هذه الحياة: هذه النفس تطلب حضور جوهره ورؤيته بشكل واضح وتريد أن تتمتّع به بشكل أكيد في الحياة الأخرى.
الإنجيل اليوميّ بحسب الطقس اللاتينيّ / الجمعة 15 آذار/ مارس 2013