مقالات متنوعةمسلسل الأعياد الفصحية: ما زال الطريق
بأوله بقلم الأب رفعت بدر
الأردن, 26 مارس 2013 (زينيت) - بتاريخ 15/10/2012 أصدر مجلس رؤساء
الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة قراراً بتوحيد الاحتفال بالعيد "
الكبير " أي عيد الفصح المجيد ليتزامن مع احتفالات الكنائس السائرة على
التقويم اليولياني (المسمى الشرقي) مع استثناء القدس وبيت لحم اللتين يحكمهما
الستاتيكوو (الوضع الراهن) Statu Quo وفي هذا الأسبوع تحتفل الكنائس
السائرة على التقويم الغريغوري (المسمى بالغربي) بعيد الفصح المجيد الذي يقع مثل
ما أقر فيه مجمع نيقية (325) في الاحد التالي لأول بدر مكتمل بعد الربيع.
وفيما قداسة البابا يحتفل الأحد
المقبل بعيد الفصح تحيي كنائسنا – أو رعايانا - "الكاثوليكية "
والارثوذكسية الأسبوع الأول من زمن الصوم، ونجد الفرق كبيراً في هذه السنة
لفترة تمتد لخمسة أسابيع.
هذه ضريبة الوحدة، والكنائس
الكاثوليكية تقبل طوعاً ومحبة لأن توحد الاحتفال بالأعياد أو بالأحرى توحيد مواعيد
الاحتفال به ، ومن شأن ذلك توحيد الناس بأفراحهم وأعيادهم واحتفالاتهم وأيام عطلهم
واستراحتهم، هذا فضلاً عن الشهادة في المحبة والوحدة التي يقدمها المسيحيون أمام
غيرهم في أن لديهم ديانة واحدة ورباً واحداً وكنيسة واحدة، وان اختلفت تعابير
وطقوس بين هذه الكنيسة وتلك. وقد كانت الكنائس في الاردن سباقة منذ عام 1978
للتوحيد الكامل للأعياد وبموجبه يكون الاحتفال بعيد الميلاد المجيد بحسب التوقيت
الغربي وبعيد الفصح للجميع بحسب التوقيت الشرقي.
إلا ان الواقع ما زال أليماً...
والدرب شائكة وما زالت بأولها، لان عيد الميلاد لم يوحد في الارض المقدسة، الارض
التي جرت فيها أحداث الميلاد والخلاص. وبات الامر بحاجة الى قرار شجاع كالقرار
الذي صدر عن رؤساء الكنائس الكاثوليكية بالتعييد المشترك في عيد الفصح، وصولا الى
التعييد المشترك بعيد الميلاد.
ثم لماذا سنبقى نسير على نظام
"الوضع الراهن" الذي شاركت دول الوصاية بصياغته منذ عهد العثمانيين.
أليس هنالك امكانية توحيد الاحتفال بالأعياد في مدينتي القدس وبيت لحم؟ الان الوضع
الراهن سيبقى راهناً الى الابد؟ هذا فضلاً عن مسلسلات الاحتفال بالأعياد لدى
الكنائس المتنوعة في الدول العربية المجاورة والتي لم تستطع الى اليوم أن تقوم بأي
مبادرة مشابهة لمبادرة الاردن والارض المقدسة .
مؤخراً لقد كان لحضور البطريرك
المسكوني برتلماوس الثاني أطيب الاثر بحضوره لقداس تنصيب، أو بدء حبرية البابا
فرنسيس، وقد تحدثت الأنباء عن زيارة مشتركة سيقوم بهما هذان الكبيران المتواضعان
معاً الى الارض المقدسة في العام المقبل، وسوف يدخلان معاً الى بيت لحم والقدس.
ألا يمكن الحديث عن "دخول "
مشترك لرؤساء الكنائس في الارض المقدسة الى كنيسة المهد وكنيسة القيامة، حتى وان
تطلب الأمر كسراً لقواعد الوضع الراهن ووضع حدود بين المؤمنين في داخل الكنيسة
المقدسة ذاتها. نحن بحاجة الى كسر قوانين وأعراف اصبحت لا تصلح لهذا العصر .
كل التحية لمجلس الكنائس الكاثوليكية
في الارض المقدسة ، ولكن من الجانب الآخر ، اي من الاخوة الارثوذكس هل سنجد
مبادرة مشاهبة لتوحيد الاحتفال بعيد الميلاد ؟
هل سيدخل البابا والبطريرك المسكوني
معا الى بيت لحم ، ولا يدخل رؤساء الكنائس في الارض المقدسة معا الى كنيسة المهد
في الميلاد والى كنيسة القيامة للفصح للاحتفال بالعيد في وقت واحد ؟
هنالك في الكنيسة الان مع مجيء البابا
الجديد هواء جديد يهب...
يحمل عناوين التواضع والبساطة
والتركيز على خدمة الفقراء...
والارض المقدسة أولى الناس لأن تتنشق
هذا الهواء ...
جسر راتزنغر: العبور إلى حقبة ما بعد
الفاتيكاني الثاني (2) قراءة نسكية في استقالة بندكتس السادس عشربقلم الأب د. ميشال روحانا الأنطوني
روما, 26 مارس 2013 (زينيت) - ·
جوزيف راتزينغر والكتاب على ما يشهد له جميع اللاهوتيين، عرف
راتزينغر يسوع المسيح حق المعرفة، وكتب عنه من الكتب ما يكفي ليتحوّل هو بنفسه إلى
كتاب مفتوح عنه. لقد اختبر معه حمْلَ الصليب لمدّة ثماني سنوات، و شاركه به على
طريقة سمعان القيرواني حتى وجد نفسه في الخطوة القصوى، يذوب فيه، فيصبح بذاتيته
"كتاباً" عنه، كتاباً ذا صفحات بيضاء بتصرّف المسيح شريكه، يكتب هو
عليها، يملؤها ويبدّلها بالصفحات الناقصة من إنجيله (يو 21، 24).
وهكذا، وكما تبدأ مقدّمة كل كتاب
بخاتمته، وكما أن التجسّد لا يُفهم إلا في ضوء الموت والقيامة، هكذا تُفهم قيمة
انتخاب جوزيف راتزينغر انطلاقاً من قيمة تنحّيه وتحوّل جوهره نحو الكمال الذي
لأبيه السماوي (متى 5: 48). لذلك، نؤكد بأن كل شيء بدأ معه مجدداً بالتحوّل إلى
جديد، وأنه على هذا المستوى، ليس البشر هم الذين يتوقّعون ويدبّرون... إنما فقط
الروح القدس.[1] ·
العبور إلى حقبة ما بعد الفاتيكاني الثاني
في الذكرى الخمسينية للفاتيكاني
الثاني، نرى أن جوزيف راتزينغر الذي بدأ حياته اللاهوتية مع التحضيرات لهذا
السينودس، قد وجد نفسه كرأس للكنيسة الكاثوليكية مدفوعاً لإنهاء حياته كلاهوتي
بوضع نقطة النهاية، نقطة الكمال لهذا السينودس.
إن نقطة الكمال هذه تقوم على تطبيق ما
يُطلب من الآخرين على الذات، وذلك لمقاومة كل روح فرّيسيّة (لوقا 11، 46). أما
نقطة الكمال هذه فقد شكلت بالنسبة إلى بندكتس السادس عشر، خطوة المصالحة مع الذين
صُدموا في ذاك الوقت (1965) بالتغيير الكبير الذي حمله الفاتيكاني الثاني
فابتعدوا. إن رأس "الكنيسة"، حبة الحنطة بامتياز، يسقط ويموت، كما
فعل معلّمه، بعد إنجاز هذه المصالحات، لكي تكون للكنيسة الحياة، بل ملء الحياة (يو
10: 10). كان من الضروري أن يكون جوزيف راتزينغر، في منصب البابوية، حتى يتمكّن
الروح القدس من وضع هذه النقطة النهائية والعبور معه إلى زمن ما بعد الفاتيكاني
الثاني.
·
ممَّ كانت تشكو الكنيسة ما قبل الفاتيكاني الثاني وممَّ تحرّرت خلال حقبته؟
كانت الكنيسة، منذ القرن التاسع
الميلادي، قد تحوّلت إلى "امبراطورية المسيح"، وحلّت محلّ روما
العظمى...
لقد بدأ كل شيء مع الامبراطور قسطنطين
والشعار "بهذه العلامة ستغلب" (In Hoc Signum Vincit)، أي إشارة الصليب. يليه إعلان
ميلانو بتحرير المسيحية على يد قسطنطين نفسه (313)[2]. تبع هذا الوضع الجديد إضفاء الطابع العسكري
على الكنيسة من خلال الشعب وملوكه وأباطرته. في القرن العاشر، بلغ وجه الكنيسة
الامبراطوري ذروته مما أدى فيما بعد إلى الانشقاق الكبير مع أمبراطورية الشرق
البيزنطية، وكردّة فعل على احتلال القدس وتوسّع مطامع الإسلام، والتعديات على
الحجاج، إلى الحروب الصليبية.[3] تبع كل ذلك حرب المئة سنة بين الممالك
المسيحية وأمراء الكنيسة، ثم محكمة التفتيش (من 1337 ولغاية 1453)؛ انتهاك
المقدسات والأسرار بشيوع الاتّجار بالغفرانات وحلّ خطايا الموتى؛ الانشقاق اللوثري
في منتصف القرن السادس عشر (1517)[4]
؛ المجمع التريدنتي (1545) الذي شكل محاولة أخيرة لاستعادة السيطرة الكاملة
"الإقطاعية" على "خراف" المسيح، أرواحاً وأملاكاً دنيوية،
ولكنه لسوء الحظ لم يؤدّ إلا إلى زيادة خط التشدّد بواسطة التهديد
بـ"الحرم"... وهكذا، على خامة شعب مسيحي منهك
بالحروب الدينية والمجاعات والأمراض والترهيب من الهلاك في الجحيم، نشأت الروح
العلمانية التي أدّت مع حركة التنوير إلى الثورة الفرنسية (1789). فيما بعد، أطلّ
كارل ماركس، مسيح البروليتاريا، بمادّيته الإنسانية وشعاره "الدين هو أفيون
الشعب". بفضل وعوده بجنّة ملموسة للكادحين، نجح في إفراغ الكنائس... وكان أنه
في ختام القرن التاسع عشر، وجد إله الكنيسة نفسه خارج الجامعات والمجتمعات، وقد
سادت مكانه الوضعية والمادية، وتمّت الاستعاضة عن اللاهوت بعلم النفس. حتى
"فهرس" دائرة نشر الإيمان (البروباغاندا فيده) لم يعد قادراً على إخضاع
المفكرين والإكليروس لها. وعشيّة الفاتيكاني الثاني، وجد المسيح نفسه مع ما يكفي
من الشرائع ولكن محروما من "جسد سرّي" معدّ لحمل صليبه. بالتالي بات
إحصاء عدد الكاثوليك سنوياً لمقارنته بعدد البروتستانت والعلمانيين والمسلمين إلخ،
جردة في خدمة الاستهلاك الذي راح يزداد ضربا للقيم والأخلاق والاجتماعيات بقوة.
أما كلمات المسيح المُدوّية: " أيجد ابن الإنسان إيماناً على الأرض يوم
يجيء؟" (لو 18، 8)، فكانت واقفة عند باب حاضرة الفاتيكان تقرع. كان من الممكن
الاستمرار باتّهام الآخرين، أعداء المسيح، وشيطنتهم، أياً تكن معتقداتهم و
انتماءاتهم.[5] ولكن، هل
كان هذا ليفيد؟ في النهاية، إن أولئك، بحسب الكتاب المقدس، كانوا وسيبقون هنا
كأداة بين يدي الله الآب لتقويم طرق شعبه، وإعادته إلى مراعي ابنه الخصبة، وتذكيره
بمهمته الحقيقية في هذا العالم. إن التحدّي الذي رفعه المسيح الحيّ لكنيسته والذي
يرفعه في كل حين هو أن تتذكّر وتدرك تماماً علّة وجودها الأولى والأخيرة وكل ما
يتخلّلهما من عِلل وسيطة وأن لا تكفّ عن إعادة التواصل مع رأسها الأوحد الذي لا
يقبل المساومة. [1] إن الأجيال ستمدح تنحي البابا بندكتوس
السادس عشر أكثر من أي عمل أتى به خلال بابويته لأنه من النادر جدا أن نجد إنسانا
يوقع : "أنا ميت" من دون أن يكون قد أخذته السينرجيا الموجودة بين لغة
البشر ولغة الله. إن توقيعا كهذا غير قابل للتصريف النحوي ... (راجع (Cf.
Geoffrey Bennington & Jacques
Derrida, Jacques Derrida, série les Contemporains, Seuil, Paris, 1991, p.51) ) ليكن الروح القدس ممجّدا
في أعماله. بهذا النوقيع خرق جوزف راتزنغر المستحيل. لقد أعاد تثبيت سلم القيم
المسيحية بخاصة ما قاله الرب يسوع في حبة القمح التي تقع وتموت قبل أن يحين
موتها الطبيعي حتى تعطي مئة ضعف ثمرا...
[2] إن الكلمات التي
نقرؤها في رؤيا يوحنا (6: 2-3) تشكل الأساس وكتاب "مدينة الله" للقديس
أغسطينوس الدستور. إن إساءت استعمال التدخل الإلهي في سياسة العصى والجزرة والتي
لا يمكن التثبت من صحتها أو عدمه إلا في الدنيا الآخرة قد تم التأسيس له.
[3] إتى اختيار الله لمار فرنسيس في ختام
تلك المرحلة التي كانت تتم فيها كل الشناعات باسمه. أنار الله افرنسيس وأرسله حافي
القدمين ليعيد بناء كنيسته التي تتساقط إربا... [5] الرسالة البابوية Rerum
Novarum de
Léon XIII (1891) أخبارالمطران درويش ترأس قداساً في الفرزل
بمناسبة عيد البشارة زحلة, 26 مارس 2013 (زينيت) - ترأس راعي ابرشية الفرزل وزحلة والبقاع
للروم الملكيين الكاثوليك المطران عصام درويش قداساً احتفالياً في كنيسة سيدة
البشارة في الفرزل، بمناسبة عيد البشارة ، بحضور المطران اندره حداد وعاونه
الأرشمندريت عبدالله عاصي، الأرشمندريت أنطوان سعد ، الآباء: جورج اسكندر وسيم
المر وكاهن الرعية الأب طوني قسطنطين، وحضر القداس جمع غفير من المؤمنين. بعد الإنجيل المقدس القى المطران
درويش عظة شدد فيها على معاني عيد البشارة ومما قال " آتي اليكم اليوم وفي
يدي غصن زيتون، عنوان المسامحة والغفران والمحبة، إرميا النبي ومعناه "الرب
يثبت" ، أعلن في احدى رؤياه النبويه (31، 31-34) عن تحالف جديد، اتفاق جديد -
بين الله وشعبه: "أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم، وأكون لهم إلها
وهم يكونون لي شعبا".
وأضاف "هذا التحالف يتطلب منا
التزاما بقضايا الكنيسة وقضايا الإنسان والتزاما بأن نعيش حياة مسيحية صادقة.
وبذلك علينا أن نتكل على العذراء مريم لنحصل على القوة والنعمة من الله لأنها
الممتلئة نعمة ولأن الروح القدس ظللها. اختار الله مريم لتكون مسكنا له، فيها سكن
يسوع المسيح، كلمة الله. لذلك كان من الطبيعي أن يحل عليها الروح القدس، قدرة
العلي، ليظللها كما كان الغمام في العهد القديم يظلل خيمة العهد. ونتيجة حضور الله
في مريم تجسد كلمة الله وابن الله في أحشائها: "ومن أجل ذلك فالمولود منها
سيُدعى قدوسا وابنَ الله".
وختم درويش " لينعم عليكم الرب
الإله ليحمل لكم الأسبوع المقدس، ثمار القداسة ويغدق عليكم محبته التي جعلت من
الصليب طريقا ومنهجا لنا وأعطانا النعمة لنكون قادرين على حمله، لأننا به نغلب كل
ضيق فينا ومن خلاله نكتشف ملكوت المحبة التي نعاينها في انتصار الصليب وفرح
القيامة."
وكانت شوارع الفرزل وطرقاتها الرئيسية
ازدانت باليافطات المرحبة بالمطران درويش .
وثائقالمطران إبراهيم مخايل إبراهيم رسالة
الفصح 2013 مطران الروم الملكيِّين الكاثوليك في كنداكندا, 26 مارس 2013 (زينيت) -
المطران إبراهيم مخايل إبراهيم، بنعمةِ الله
مطران الروم
الملكيِّين الكاثوليك في كندا
إلى الآباءِ والشمامسةِ والرهبانِ
والراهبات ومؤمني أبرشيَّتنا المحروسة من الله ومؤمناتها وأصدقائها
المسيحُ قامَ. حقًّا قام!
"وكان جماعة من الفلاسفة
الأبيقوريينوالرواقيين يجادلون بولس، فقال بعضهم: ماذا يريد هذا الثرثار أن يقول؟
وقال آخرون:هو يبشر بآلهة غريبة، لأن بولس كان يبشر بيسوع والقيامة... فوقف بولس
في وسط المجلس وقال: يا أهل أثينا! أراكم أكثر الناس تدينا فيكل وجه. لأني وأنا
أطوف في مدينتكموأنظر إلى معابدكم وجدت مذبحا مكتوبا عليه: إلى الإله المجهول.
فهذا الذي تعبدونهولا تعرفونه هو الذي أبشركم به." (أعمال الرسل 17/18-22-23)
في عالَم تلفُّه ظُلماتُ الحروبِ
والمآسي، يُشرقُ نورٌ من داخل حُفرةٍ مِن المُفترض أنَّها كانت قبرًا ذا عتمةٍ
دامسةٍ لا تحوي إلاَّ جسدَ إنسانٍ في رَيعِ شبابه، عُذِّب وصُلِب، ومات ودُفِن
فيها. واليومَ وبعد أكثر من ألفي سنة لم يستطع أحدٌ أن يوقف توهُّج النور من ذلك
القبر الخالي. كما أنَّ أحدًا ما استطاع يومًا أن يلغي الحقيقةَ دائمةَ التجدُّدِ
بأنَّ المسيحَ مات ثمَّ قام منتصرًا على الموت وكلِّ رموزه. نعم! إنَّ الحياة، في
مَن قال إنَّه هو الطريق والحقُّ والحياةُ، قد انتصرت على الموت انتصارًا أبديًّا
وثابتًا. لكن هذه الحقيقة لا تروق لِمَن لا يؤمنون بها، فيعتبرونها ضربًا من ضروب
الأساطير والأضاليل، حتَّى انبرى بعضهم لمحاربتها بكلِّ ما أُتوا من قوَّة ومالٍ.
فرؤوس الأموال التي تُصرف اليوم في العالم على تغذية الإعلام المناهض للكنيسة هي
أحد الأمثلة التي تُظهر لنا مدى العداء الذي يضمره ويظهره أولئك. لكن قوَّة
الكنيسةِ، تكمن في ثباتها في الدفاع بالطرق السلميَّة عن كرامة الإنسان وعن حقوق
الضعفاء، مُستلهمةً كنوزَ الروح المعطاةَ لها، وعملَ النعمة الإلهيةِ الذي لا
يتوقَّف.
البابا فرنسيس، في عيد الشعانين، دعا
المؤمنين إلى النظر في الألم الذي يحيط بنا بسبب الشرِّ المتواجد في العالم الذي
نسهم نحن أيضًا في مضاعفته. وتحدَّث البابا عن "خطايانا الشخصيَّة: غياب
المحبَّة والاحترام تجاه الله، وتجاه القريب وتجاه الخليقة كلِّها." وأردف:
"لقد شعر يسوع فوق الصليب بثقلِ كلِّ هذا الشرِّ، وانتصر عليه بقوَّة محبِّة
الله، وهزمه بقيامته." فإذا كنَّا نشعر أننَّا ضعفاء، غيرُ ملائمين،
وغيرُ قادرين، يجب ألاَّ نتضعضع، لأنَّ "الله لا يبحث عن وسائل قديرة، فقد
هزم الشرَّ عن طريق الصليب." ثمَّ قال: "مع المسيحِ، يمكننا أن
نغيِّّر أنفسنا والعالم. يجب علينا مواصلة إعلان انتصار الصليب للجميع، وفي كلِّ
مكانٍ؛ إعلان محبَّة الله العظيمة هذه."
عندما نتكلَّم عن القيامة، نتكلَّم عن
قوَّة المحبَّة التي صارت للناس بيسوع المسيح حضارة المحبَّة. إنَّ إيماننا بقيامة
المسيح، يُدْخِلُنا في هذه الحضارة، ويقويِّنا على زرع ثقافة الحياة في وجه ثقافة
الموت. لا يوجد حالة أخرى بين الموت والحياة. فإن كنت تؤمن بالقيامة، فقد اخترت
ثقافة الحياة تلقائيًّا. أمَّا إن آمنت بأنَّ الموت هو نهاية وجودِك، فبأيِّ ثقافة
تُبشِّر؟
الملحد قد يجيبك بأنَّه يعمل للحياة
ما دام فيها، لكنَّه متى مات، فلن يكون له بعدُ وجود! هؤلاء يألِّهون الكونَ، من
هرقليطوس حتَّى يومنا هذا. يلحدون، كلٌّ على طريقته، الإلحاد عينه، لأنَّ الكون
بالنسبة إليهم ليس إلاَّ مجموعة حوادث. هو "خالقُ" نفسه بنفسه،
بالإِحداث لا بالخلق، ولا شيء قبله أو بعده. فكرة الخالق والمخلوق غير واردة
عندهم، فالكون لهم كالله لنا. هم يسحرهم الكون، ونحن يسحرنا الكائن المكوِّن. هم يعشقون
الفلسفة، ونحن نعشق اللاهوت. هم يغرقون في بحر المادَّة، ونحن نغرق في بحار الروح
اللامتناهية. هم يسلكون مسارًا لا بدَّ من أن يتحوَّل مع الزمن إلى خمول وتقاعس،
ونحن يحفِّزنا الإيمان إلى سلوك دروب الكدِّ والجهد. لم تعد لهم في الكون ألغازٌ!
وهم لا يستغربون شيئًا، ولا يبهرهم جديد. أمَّا نحن، فنبقى في انبهار أمام الكون
والحقائق الإلهيَّة. إلحادهم، يقودهم نحو نزعاتهم ونزواتهم، ويصير لهم كبحُ
النزوةِ وقهرُ الغريزة ضلالاً وجهالةً. ألدُّ أعدائهم قيامةُ المسيحِ لأنَّها
تنافي إلحاديَّتهم التي لا تؤمن إلاَّ بالمادَّة والحركة. لكن، لكي لا أُساء
فَهمًا، أدركُ أنَّ الحُكمَ على المؤمنين والملحدين هو من اختصاصات الله وحده. فهو
ديَّان الجميع على حدٍّ سواء. وأنا مدرك أيضًا أنَّ كثيرين ممَّن يدَّعون الإيمان
هم ملحدون عمليُّون. وكما قال البابا فرنسيس: "هُم يُسهِمونَ في مضاعفة
الشرِّ المتواجد في العالم."
كلُّنا يعرف أنَّ التزويرَ هو أحد
أكبر المخاطر في العالم. كذلك أيضًا، أحدُ أكبر المخاطر على الكنيسة، هم
المسيحيُّون المزوَّرون إكليروسًا كانوا أم علمانيِّين. الذين، أيًا كان الثمن،
يريدون أن تكون لهم في الكنيسة الكلمة الفصل والحكم الأخير.
الفصحُ، أيُّها الأحبَّاء، ليس إلاَّ
ولادة جديدة، تُبْعِدُ عن الإلحاد، لأنَّه صنوُ الموت والفناء. وتقود إلى رؤية
الحقيقة كما هي، في عفويَّتها وبساطتها، لأبدأ مع الله حديثَ الصديق مع الصديقِ،
والابن مع أبيه. إنَّه نهاية الاغتراب والنقلةُ النوعيَّةُ من النفور إلى الحضور،
ومن المُرَّة إلى الحلوةِ، ونهايةُ القلق من ألاَّ يكون لنا وجود. الفصحُ هو
انفتاحُ كيانيٌّ كاملٌ على الله: لقد أصبحتُ في حضرته.
صلاتي أن يُعيدَ الله عليكم جميعًا
هذا العيد المجيد، فننهض جميعًا من كبواتنا وهفواتنا لنرتفع إلى مَن يرفعنا إليه،
فنطوي صفحاتِ الحقدِ والغضبِ والثأرِ والعنفِ والانقسامِ، ونفتح صفحاتِ المحبَّةِ
والتوبة والغفران. وليكن فصحُ هذا العام عبورًا للعالم أجمع، لشرقنا العزيز،
وسورية الجريحة خاصَّة، نحو السلام والوئام وأنوار القيامة الحقَّة.
المسيحُ قامَ. حقًّا قام!
رسالة الفصح المجيد للويس روفائيل
الأول ساكو بطريرك بابل على الكلدان يسوع يريدنا أن نخرج من أنفسنا، من طموحاتنا القتّالة ومن مخاوفنا،
ليدخل إلى قلبنا مخلّصًا، يؤسس ملكوت الله فينا وبيننابغداد, 26 مارس 2013 (زينيت) - أخواتي إخوتي، بنات وأبناء الكنيسة في
كل مكان،
سلام المسيح ونعمته معكم،
أودّ أن أتوجّه إليكم بكلمةٍ أبوية في مطلع هذا الأسبوع المقدس، ومن وسط معاناتنا
الراهنة.
أحبّائي، إنّ اليأس والأحباط خطيئة، والرجاء أساس إيماننا وركيزة تقدمنا، فلا يليق
بنا أن نستسلم للواقع، وكما أن حياة الربّ يسوع أصبحت بثباته وأمانته ومحبته
وخدمته مغمورة بالقيامة والمجد، هكذا نصير نحن أيضًا إن عرفنا أن نسلك طريقه.
رحلتنا خلفه وتسليمنا ذاتنا له كاملةً باحتفال وببساطة الأطفال وثقتهم، وبفرح
الرحمة والنعمة، تمنحنا سلامًا وثقة وقوة للبقاء والتواصل، فماذا ننتظر؟!
قبل أيام صار لنا بابا جديد، فرنسيس. احتفلنا بتنصيبه وسار موكبه البسيط وسط جموع
تهتف وتصلي من أجله. إنه متواضع، بسيط، إنساني، خدوم، إنه هدية من الله للكنيسة.
قابلته الخميس 21 آذار مدى عشرين دقيقة. بإنشدادٍ وتأثّر، ودعوته لزيارة العراق.
وصلّينا كلانا من أجل السلام، إنه علامة رجاء للكنيسة والعالم.
إذًا في هذه الأيام المقدسة يسوع يريدنا أن نخرج من أنفسنا، من طموحاتنا القتّالة
ومن مخاوفنا، ليدخل إلى قلبنا مخلّصًا، يؤسس ملكوت الله فينا وبيننا.
أتمنى لكم أسبوعًا مقدسًا، وقيامة مجيدة وسلامًا للبلاد وللناس في كل مكان. د. لويس روفائيل الأول ساكو
بطريرك بابل على الكلدان