أجواء لعيش الإنجيل
وهذه الأجواء هي التي تهيِّئ الإطار
الحقيقيَّ لحوارٍ مسيحيٍ- إسلاميٍّ حقيقيٍّ حياتيٍّ وإيمانيٍّ ولاهوتيٍّ
واجتماعيٍّ ووطنيّ. وتُمهِّد لعيش الإنجيل المقدَّس في مجتمعنا، حسب التوجيهات
والإرشادات التي تَدارسها رعاةُ الكنيسة في روما في تشرين الأول 2010، والتي
تضمَّنها الإرشاد الرسولي الذي وجَّهه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر وسلَّمنا
إياه في لبنان في أيلول 2012. ومن خلال لبنان وجَّهه إلى الشرق الأوسط، ومن خلاله
يخاطب الجميع مسيحيين ومسلمين ويهودًا.
لا بل إنَّ هذه هي الأجواء الضروريَّة
لكي نعيش إيماننا المسيحي كمواطنين عربًا في مجتمعنا العربي ذي الأغلبية المسلمة.
هذه الأمور هي ضمانة عيش إيماننا
المسيحي المقدَّس في أوطاننا العربية، وهي الحافز لكي نبقى كما كنَّا عبر التاريخ.
نعملُ ونخدم ونعطي ونؤسِّس ونبني هذه الأوطان التي عشنا قيمَها حُلوَها ومرَّها في
كلِّ البلدان العربيَّة.
الإنجيل دعوة إلى العيش
المشترك
لا بل هذه الأمور هي الأساس لكلِّ هذه
العلاقات المؤسِّسة لعيشنا المشترك، وتعايشنا واحترامنا لبعضنا البعض، ولقبول
بعضنا بعضًا، بالرغم من كلِّ أنواع اختلافنا وخلافاتنا. ولا سيَّما في البلاد
العربية وفي هذا العالم الواسع. نؤكِّد كلُّنا على عقيدتنا بدون أيِّ تحفُّظ أو
تخصيص أو إستثناء أو استئثار، ألا وهو أنَّنا كُلَّنا "عباد الله"
ومخلوقون على صورة الله ومثاله، وأنَّ "أكرمهم عند الله أتقاهم" (حديث
مرفوع)، وأنَّ الله يُحبُّنا جميعًا لأنّ الله محبَّة، ورحمن رحيم، ويُشرق بشمسه
على الأشرار والصالحين، ويريد أنَّ جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يبلغون. وهو
المحبُّ الصديقين والراحم الخطأة، والداعي الكلَّ إلى الخلاص بموعد الخيرات
المنتظرة، وإلى الحياة معه تعالى، "إنّا لله وإنّا إليه راجعون" (سورة
البقرة 156). ولأنَّه قال لنا جميعًا إنَّ في بيت أبي منازل كثيرة (يوحنا 2:14).
وقال يوحنا الإنجيلي: "إنَّه أراد أن يموت ليس فقط عن الأمَّة (أعني أمَّة
اليهود أو أمَّة محدَّدة دون غيرها من الأمم)، بل إنَّه مات لكي يجمع أبناء الله
المتفرِّقين إلى واحد" (يوحنا 11: 51-52). ولأنَّه هو سلامنا، هو جعل الاثنين
واحدًا وهدم الحائط الحاجز بينهما (بين كلِّ إنسان وآخر مهما كان الآخر) أعني
العداوة، لكي يجعل من الإثنين إنسانا واحدًا بإحلاله السلام بينهما (أفسس 15:2).
هذا هو إيماننا كلِّنا، مسيحيّين
ومسلمين ويهودًا وبوذيين وكنفوشيين وحتّى غير مؤمنين وملحدين نظريين وعمليين. وهذه
هي البشرى، وهذه هي قِيَم الإنجيل التي علينا أن نعيشها في أعماق نفوسنا، والتي
علينا أن نحملها ونقدِّمها للآخر، لجميع إخوتنا، ليس لِكَي نهديهم، فالله يهدي من
يشاء. بل لِكَي تكون لهم جميعًا الحياة، وتكون لهم بوفرة! (يوحنا 10:10)
الإنجيل دعوة إلى الحوار بين
الناس
في سياق هذا الموضوع الهام جدًا في
مجتمعنا الشرقي، أُحب أن أسرد مقاطع من رسالتي الميلاديَّة لعام 2007، بعنوان
"الكلمة صار جسدًا". وفيها أُشير إلى أهميَّة كلمة الله في الحوار بين
المسيحيين والمسلمين، وبين الناس الناس جميعًا:
" تعالوا إلى كلمة سواء!"
فلنتخاطب بكلمات إيماننا الجميل. لأنَّ الكلمة التي أعطاني إياها الله في إيماني
المسيحي، هي لي. ولكن ليست لي فقط! هي لمجتمعي، لإخوتي البشر! عليَّ أن أحملها لهم
نورًا! محبَّةً! إشعاعًا! دعوة محبَّة! علامة رجاء للآخر، لكي ينمو في دينه
ومعتقده ويتعمَّق فيه، وليس لكي يحتقره! أو أنا أحتقره!
إنَّه من الأهميَّة على جانبٍ كبير أن
يُحبَّ كلُّ إنسانٍ دينهُ، "كلمة الله له". ويتعرَّف عليه، ويتعمَّق
فيه، ويحافظ عليه، ويدافع عنه. ولكن عليه أن يكون منفتحًا على الآخر، وعلى معتقده
وإيمانه. وإلاّ وقعنا في النسبيَّة التي هي أكبر أعداء الإيمان.
لا احتكار لكلمة الله! إنَّها لي
وللآخر! عالمنا المسلم يخاف التبشير! ولكنَّه يدعو إلى التبشير بالإسلام. هذا موقف
غير معقول. إنَّنا نطالب مواطنينا المسلمين أن تؤمَّن لنا حريَّة حمل البشارة
الصالحة إلى الآخر، بمحبَّة واحترام، وتقدير لإيمان الآخر. ولا نطلب من الآخر أن
يعتنق إيماننا! يكفي أن يكتشف إيماننا، ويقدِّره ويحبُّه. أمّا الهِداية فهي عمل
الله. "إنّك لا تهدِ من أحببت ولكنّ الله يهدي من يشاء!" (سورة القصص
56).
نشكر الله على العلاقات الكثيرة
الجميلة بين المسيحيّين والمسلمين، بخاصَّة في الحياة اليوميَّة. ولكنَّني أطلب أن
نشارك بكلمة الله! هذا ما يجمعنا! ويوحِّدنا ويقوّينا! ويقوّي إيماننا! لا نخف أن
نحبَّ كلمة الله عند أخينا! لا نخف من الآيات القرآنيَّة، ولا نخف من آيات الإنجيل
المقدَّس! أو التوارة! إنَّها كلمة الله لنا كلٌّ حسب دعوته. وأقول لإخوتي
المسلمين لا تخافوا من إيماننا. بل بالحريّ علينا أن نخاف من كلماتنا الحاقدة!
الناقدة! المتكبِّرة! المتعالية! كلمة الله لا تحتقر! لا تتكبر! لا تنتفخ! لا
تتباهى. لا تفرح بالسوء بل تفرح بالحقّ. لا تحبّ الإساءة! لا تفرح بالظلم! بل تفرح
بالحبّ! تصدِّق كل شيء (1 كو 12).
لنُحبَّ كلمة الله. فإنَّ كلمات الله
لنا جميعًا! فلنتقاسمها ولنتغنَّ بها! ولنحبَّها! ولتكن لنا كلماتٍ لودِّنا وعيشنا
المشترك وتعايشنا! وتواصلنا! بدل أن نتغنَّى بكلمات المجاملة الفارغة والكاذبة
والمتملِّقة. فلنتغذَّ بها ولنغذِّ بعضنا بعضًا بأجمل كلمات الأرض، ألا وهي كلمات
السماء! كلمات الله لأبناء البشر. فالله غنيّ وكلماته كلمات منعشة لنا كلنا! لا
نخف من كلمات الله، بل لنخف من كلمات الناس! ولنعمل لكي تتحوَّل كلمات الناس إلى
كلمات الله!
غيرتنا على كلمة الله يجب أن تكون
أولاً أداة لتقديسنا وتعمُّقنا في إيماننا. ولا يجوز أن تتحوَّل غيرتنا على كلام
الله وتعاليمه أداةً وسلاحًا لاستغلال الآخر، أو الحكم عليه أو اضطهاده أو إرغامه
على اعتناق ديننا. كما لا يجوز أن تصبح كلمة الله مصدر صراع بين المؤمنين وأصحاب
المعتقدات المتنوعة، ولا أن تصبح أداة إرهاب أو مفاضلة باطلة.
وأقول لإخوتي المسلمين لا تخافوا من
إيماننا. بل خافوا من عدم إيماننا! من عاداتنا التي لا تحبُّونها. ولإخوتي
المسيحيّين أقول: لا تخافوا من المسلمين المؤمنين الذين يحفظون كلمة الله!"
الكنيسة حاملة بشرى الإنجيل
تعاليم الإنجيل، هذه البشارة السامية،
التي نشرها يسوع في فلسطين، تحتاج إلى رسل يحملونها إلى العالم إنطلاقًا من
فلسطين. كما أوصاهم يسوع: "إذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعلِّموهم أن يحفظوا
جميع ما أوصيتكم به" (متى 28: 19–20). وفي مرقس: "إذهبوا إلى العالم
أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلِّها" (مرقس 15:16). وفي لوقا:
"أنتم شهود لذلك" (لوقا 48:24) أعني شهودًا للإنجيل!
وانطلق التلاميذ إلى العالم أجمع
يُتمِّمون وصيَّة معلِّمهم ومخلِّصهم وإلههم. وأسَّسوا الكنائس في كلِّ مكان، وهي
المكان الجغرافي والزماني والإنساني للبشارة المقدَّسة. وكلُّ عضوٍ في الكنيسة
دخلها في المعموديَّة المقدَّسة يصبح بدوره رسولاً وحاملاً بشارة الإنجيل.
الكنيسة بجميع أعضائها المنتمين إليها
هي حاملة بشرى الإنجيل المقدَّس: الرعاة والرعيَّة وجماعة المؤمنين. وذلك من خلال
الرعاية والأعمال الصالحة والإرساليات والرهبانيات الرجالية والنسائية والمؤسَّسات
على اختلافها: المدارس، الجامعات، المياتم، المستشفيات، دور العجزة، والمؤسَّسات
الخيريَّة. ومن خلال حضور أبناء الكنيسة في المجتمع حضورًا اجتماعيًا ومهنيًا
وسياسيًّا واقتصاديًّا وفنِّيًّا وصحافيًّا وعلميًّا. بشرى الإنجيل تتمُّ يوميًا
من خلال الكنيسة، كما قال يسوع في مجمع الناصرة: "اليوم تمَّت هذه
الكتابة". "اليوم" هو مجمل تاريخ الكنيسة عبر العصور حيث ما فتئت
تنتشر بشارة إنجيل يسوع.
مكانة الإنجيل المقدَّس
المميَّزة
يحتلُّ الانجيل المقدَّس نفسه ككتابٍ
وسفرٍ مكانة مميَّزة في التعبير عن أهميَّة البشارة في تاريخ الكنيسة وعباداتها
وتقاليدها وليترجيَّتها. فكتاب الإنجيل المقدَّس هو موضوع احترام لدى المؤمنين
المسيحيين. فلا احتفال ولا صلاة ولا سرّ من أسرار الكنيسة، ولا جماعة ولا اجتماع
إلاّ وفيه قراءة من الإنجيل المقدَّس، ومرارًا من أعمال الرسل ورسائل بولس الرسول
ومن العهد القديم بأسفاره المقدَّسة.
ويوضع الإنجيل المقدَّس على مائدة
الهيكل المقدَّسة بطريقة دائمة في التقليد الشرقي. وهكذا ترتبط ليترجيا القدّاس
الإلهي وصلاة الكنيسة بالإنجيل المقدَّس. ويزيَّح الإنجيل في ليترجيا القدّاس
الإلهي، وفي الصلوات والاحتفالات الكنسية وأعياد القديسين.
ولا ينقل الإنجيل إلاّ باحتفال
وأُبَّهة محاطًا بالشموع يتقدَّمه البخور ويتَّجه المؤمنون إليه لدى قراءته على
المنبر العالي وأثناء مروره بين المؤمنين بالزياح ويقبِّلونه أو يقبِّلون ثياب
الكاهن أو الشماس حامله، ويرسلون إليه القبلات من بعيد ويركعون تحته لدى قراءته.
ومرارًا يواكبون موكبه أو الزياح به.
كما يتقدَّم المؤمنون لإكرام وتقبيل
الإنجيل المقدَّس في مناسباتٍ مختلفة، هكذا بعد الإنتهاء من قراءَته. كما يُعرض
الإنجيل كلَّ أحد في صلاة السحر، بعد قراءة فصول الإنجيل الأحد عشر الواردة لدى
الإنجيليين الأربعة، وهي تسرد أحداث قيامة السيِّد المسيح. فيقبِّله الأسقف
والكهنة والمؤمنون الحاضرون. كما يوضع الإنجيل فوق رأس المرشَّح شماسًا أو كاهنًا
أو أسقفًا، أثناء صلوات الرسامة المقدَّسة.
هذا ناهيك عن أنَّ أجمل هدية تهدى هي
الإنجيل المقدَّس، أو العهد الجديد بأسره، أو العهد القديم، أو الكتاب المقدَّس
بعهديه المقدَّسين القديم والجديد. وكم هو جميل أن نرى الإنجيل يحتلُّ مكانةً
مميَّزة في البيوت. والأجمل من ذلك أن نرى المؤمنين والعائلات تواظب على قراءة
الإنجيل في البيوت، وفي اجتماعات الأخويات وجماعة الصلاة، وفي مطلع أيِّ اجتماع او
احتفال ديني.
بُشرى الإنجيل المتجدِّدة
إنَّ إكرام الإنجيل الأكثر أهميَّة،
هو أن تكون الكنيسة وأن يكون أبناء الكنيسة هم الذين
يحملون قِيَم الإنجيل المقدَّسة إلى
العالم، إلى مجتمعهم. "بُشرى الإنجيل المتجدِّدة" كان موضوع السينودس
الذي دعا إليه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في شهر تشرين الأول 2012. وقد
شاركتُ فيه، وقدَّمت مداخلة حول البشرى المتجدِّدة في كنيستنا الشرقيَّة الروميَّة
الملكيَّة الكاثوليكيَّة، انطلاقًا من تقاليدنا التي توارثناها عن آبائنا
وأجدادنا. والتي يمكن أن تصبح اليوم أيضًا باعثة تجديد وحاملة بشرى الإنجيل أمام
التحدِّيات التي تعترض مسيرة المؤمن.
وهذه أهم محطَّات البُشرى
المتجدِّدة:
1. الاهتمام " بالحج " إلى الأماكن
المقدَّسة، سواء في فلسطين، أو في المزارات الكثيرة المنتشرة في بلادنا، مزارات
العذراء مريم، والقدّيسين والقدّيسات، والأديار. ومن ذلك زيارة كنائس الطوائف
المسيحيَّة على اختلاف تقاليدها الشرقيَّة الغنيَّة واكتساب خبرات روحيَّة جديدة.2.
إقامة رياضات روحيَّة للعلمانيين، للشباب وللرجال وللنساء، ولا
سيَّما في الأديار.
ومشاركة الراهبات والرهبان في
الصلوات، والاستماع إلى المحاضرات، وإلى تاريخ الأديار وخدماتها.
3. اللجوء إلى مختلف وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي المعاصر،
لأجل نشر تعاليم الإنجيل المقدَّسة، والتعمُّق فيها، ولا سيَّما لدى الشباب الذين
هم الأكثر تعاملاً مع وسائل الإعلام والتواصل. 4. الإفادة
من الاحتفالات الطقسيَّة وبخاصَّة الليترجيا الإلهيَّة،
وباقي الصلوات الطقسية، لأجل تعميق الحياة المسيحيَّة. ولا سيَّما في أيام الأعياد
الكبرى وفي أزمنة الصوم التي تسبقها، وهي أربعة في تقليدنا الشرقي القديم : صوم
الميلاد، صوم الفصح المجيد، صوم الرسل، صوم العذراء مريم. 5.
إنعاش الصلوات ومساعدة المؤمنين، ولا سيَّما الشباب، على المشاركة
الفعليَّة الشخصيَّة فيها ولاسيَّما ليترجيا القدّاس الإلهي. وكذلك صلاة الغروب
وصلوات الصوم الكبير المبارك والسهرات الليليَّة للصلاة والتأمُّل.6.
الاحتفال المميَّز بأسرار الحياة المسيحيَّة. ولاسيَّما المعمودية
والميرون المقدَّس والمناولة المقدَّسة والزواج. ولابد من مساعدة المؤمنين
للمشاركة الفعلية فيها، ولا سيَّما من خلال الكراريس مع الشروحات المرافقة لها
ورموزها الغنية.7. الاهتمام من قبل الكهنة بمواعظ
الآحاد والأعياد، وتهيئة طلاب الكهنوت على الوعظ والإرشاد
والمرافقة الروحيَّة.8. إطلاع المؤمنين
على حياة القدّيسين وعلى تاريخ الكنيسة، وكيف عاشت الكنيسة
قِيَم الإنجيل في ظروف متنوِّعة وصعبة، وحتّى التضحية بالحياة من خلال الاستشهاد. 9.
اكتشاف دور الأيقونة الهام في تقليدنا الشرقي.
لأنَّها إنجيل ولاهوت في ألوان ورموز.
كلّ عناصر الإيقونة تساعد على اكتشاف
سرّ المسيح. ومن المهمِّ أن نُدخِلَ في رعايانا السهرات الروحية حول وأمام
الإيقونات المقدَّسة، ترافقها الشروحات اللاهوتية والتقوية، وتتخلَّلها أوقات صمت
وصلاة شخصيَّة خاشعة. وقد سَبَقَنا الغربُ في إقامة التأمُّلات والسهرات الليليَّة
والعبادة الصامتة الخاشعة أمام الأيقونات...
10.
خلقُ جوٍّ اجتماعيٍّ مسيحيٍّ جماعيٍّ، من خلال النشاطات الرعوية والاجتماعات للعائلات وللفئات
الخاصَّة في الرعيَّة. من ذلك الأعياد والاحتفال بيوبيل أو بمناسبة الأسرار
المقدَّسة أو اجتماع الأخويات. كلَّ هذه مناسبات للاجتماع وتبادل الخبرات
الروحيَّة والكنسيَّة والإنجيليَّة المختلفة. وكلُّنا نعرف كم تحتاج رعايانا إلى
هذا الجوّ الإيماني الرعوي، ولا سيَّما في الظروف الصعبة التي تمرُّ بها منطقتنا
حاليًا. ولا بدَّ من الإفادة من محبَّة الشباب لهذه اللقاءات، لا بل هم الذين يمكن
أن يكونوا الأكثر اهتمامًا بتنظيمها وإحيائها.
إنجيل يسوع هو إنجيلي
لقد استفضنا في هذه الرسالة في تقديم
الإنجيل المقدَّس. وحاولنا اكتشاف معانيه من خلال أوصافٍ ونعوتٍ تقريبيَّة، لا تفي
مهما تعدَّدت بوصف الإنجيل العظيم المقدَّس الشريف السامي الشامل العالمي
الكوني... بل كلُّها تبقى عاجزة ولا تعطي صورة إلا باهتة عن الإنجيل. لأنَّ
الإنجيل هو يسوع، ولايجوز أن نعطفه إلى يسوع إلا بالمجاز اللغوي القاصر. فالإنجيل
هو إنجيل وتعليم وبشارة يسوع... ولكن بالحري وفوق ذلك الإنجيل هو يسوع.
من هذه النعوت والأوصاف: الإنجيل كلمة
حيَّة! بشارة حيَّة! الإنجيل دائمًا جديد! الإنجيل اكتشاف! الإنجيل نعمة مميَّزة!
الإنجيل بشارة! الإنجيل مختصر تعاليم يسوع! الإنجيل مخاطبة الناس! الإنجيل كلمة
حياة!
هذه الأوصاف كلّها جميلة ولكنَّها
كلَّها تبقى وكأنَّها مناظر جميلة أمامنا. والآن وفي ختام هذه الرسالة ومن خلال
هذا العنوان إنجيل يسوع: إنجيلي، أريد أن أضع في قلبِ كلِّ مسيحيّ،
وبخاصَّة من أبناء كنيستنا، وكلِّ مؤمن وكلِّ مواطن محبوب وحبيب الله في أوطاننا
العربية، شعلةَ الإنجيل، لكي أجعله يكتشف أنَّ الإنجيل ليس في الخارج، بل الإنجيل
في داخله وهو مدعوٌّ لأن يُصبحَ إنجيلُ يسوع إنجيلَه، وتتحَّولَ حياتُه الإنسانية
على الأرض وفي وطنه ومجتمعه، إلى إنجيل، إلى بُشرى حياة وبُشرى حيَّة.
كتبتُ جزء من هذه الرسالة أثناء
إقامتي في روما، وبالتحديد يوم الحادي عشر من تشرين الأول عام 2012، حيث اشتركت في
القدّاس مع قداسة البابا بمناسبة مرور خمسين سنة على المجمع الفاتيكاني الثاني
(1962-1965). وكانت قراءة الإنجيل من الرسول لوقا حول عظة يسوع في مجمع اليهود في
الناصرة، وهو اليوم كنيستنا الرعويَّة في الناصرة. وقد دُفع إليه السفر ليقرأ، وفي
ختام القراءة بدأ عظته قائلا: "اليوم تمَّت هذه الكتابة". وأراد بذلك أن
يؤكِّد أنَّ الكتاب المقدَّس هو كتابُه وهو موضوعُه ومحتواه. وهو الذي يُتِّم كلَّ
ما كتب فيه، لأنَّه هو الذي أوحاه بروحه القدّوس.
على الأثر كتبتُ هذه الخاطرة: يا أخي
المؤمن المسيحي، هل يمكنك عندما تسمع الإنجيل أن تقول هذا إنجيلي؟ هذه رسالتي؟
وتكتشف من خلاله رسالَتَكَ ودعوتَكَ؟ وهل يمكنك أن تقول الإنجيل هويَّتي؟ إنَّه
كتابي؟ وهذا يعني أنَّك مُتَّفق مع الإنجيل وموافقٌ عليه، وهو يعِّبر عن فِكرَك
وتطلعاتك وآمالك في الحياة. وهو الذي يُصبح لك الدستور والمرجع والمرشد والهادي
والحَكَم أمام المشاكل والتحدِّيات والتجارب والتجاذبات والتيارات الفكريَّة
المتقلِّبة الهائجة التي تندفع علينا كالأمواج العاتية، من خلال وسائل الإعلام
والنشرات والكتب والأفلام. إذ ذاك يُمكنكَ أن تقول، وبفخارٍ وفرحٍ واعتزازٍ
وتصميمٍ وقناعةٍ ثابتة، إنَّ إنجيل يسوع هو إنجيلي.
حياة المؤمن فصول من الإنجيل. وتاريخ
المسيحيَّة فصول من الإنجيل. لأنَّ المسيحيَّة هي الإنجيل، والمسيحي إنجيل،
والعالم كلّه مكان بشارة سارَّة لكلِّ إنسانٍ آتٍ إلى هذا العالم. إنجيل يسوع
المسيح هو إنجيلي وإنجيلُكَ وإنجيلُنا وإنجيلُكم وإنجيلُكُنَّ و إنجيلُ الإنسان في
مختلف ظروف الزمان والمكان والإنسان. وهذا يعني أنَّك وصلتَ إلى قناعةٍ حياتية
هامَّة جدًا، اكتشفتَ هويَّتك وستعمل جاهدًا للتعمُّق فيها، لعيشها، ولأجل حملها
أو تقديمها إلى الآخرين. وإذ ذاك تتغيَّرُ حياتُك كلُّها وتُدرِك بعمقٍ معنى حياتك
وغايةَ وجودكَ وعلاقةَ حياتك ووجودك في هذا العالم، ورسالتَك فيه، وعلاقتَك
بالعالم الآخر الذي ينتظرك. هذه القناعة تعطيك أمانًا كبيرًا وراحةً نفسيَّةً
وجرأةً واندفاعًا في العمل ونجاحًا في المجتمع وسعادةً حقيقيَّةً نابعةً من الداخل
وليست مستوردة من الخارج.
أنت تحمل الإنجيل الذي في قلبك وفكرك.
ولكنَّهُ هو الذي يحملك ويقوِّيك في مسؤوليتك لكي تحمل الإنجيل إلى العالم. وهكذا
يصبح المُبشَّر مُبشِّرًا والمُرسَلُ رَسولاً والتلميذُ مُعلِّمًا... ولاتكتفي إذ
ذاك بأن ترى الكاهن أو الشمَّاس يحمل الإنجيل في الزياح وأنت تنظر إليه، بل أنت
تصبح حامل الإنجيل. لا تكتفي إذ ذاك بأن تُصغي إلى قراءة الإنجيل باهتمام وغيرة
وحرارة، بل أنت تقرأ الإنجيل لغيرك، من خلال عَيشِك قِيَم الإنجيل في حياتك. لأنَّ
الأعمال الصالحة هي شهادة الحياة للإنجيل. لا بل قداسة الحياة المسيحيَّة هي التي
تُظهِر جمال الإنجيل. والقدّيسون هم المبشِّرون الحقيقيون بالإنجيل!
الإنجيل ربيع الخلاص
عالمنا يحتاج إلى أخبار سارَّة. أعني
يحتاج إلى الإنجيل، حامل الأخبار السارَّة، وإلى الكنيسة التي هي الإطار الذي فيه
نتعلَّم الأخبار السارَّة أي الإنجيل، وفيه تُعاش قيمُ الإنجيل، وهي حقًّا الأخبار
السارَّة للعالم اليوم. عالمنا بالنسبة لي ولكنيستي الروميَّة الملَكيَّة
الكاثوليكيَّة، هو العالم العربي بنوع خاص، والعالم الذي انتشر فيه أبناء كنيستي،
وهم المسؤولون عن هذا العالم العربي ذي الأغلبيَّة المسلمة. وهذا ما دفعني ويدفعني
إلى أن أكرِّر قناعتي، أنَّنا نحن كنيسة العرب وكنيسة الإسلام، المسؤولة أن تحمل
بُشرى الإنجيل إلى العالم العربي، الذي هو عالمي ومجتمعي وبيتي ووطني وأسرتي. لا
بل إنَّه العالم الذي فيه نعيش مسيحيَّتنا وإنجيلَنا وتعاليمَ الكنيسة.
ولا يمكننا أن نعيش الإنجيل وتعاليم
الكنيسة بدون الانتماء إلى هذا العالم، ومحبَّتِه وخدمتِه والشعورِ والقناعةِ
بأنَّه عالمنا. وأحبُّ أن أشير هنا إلى أمرين أعتبر أنَّهما مرتبطان ارتباطًا
وثيقًا مصيريًّا، وهما ما يسمَّى بالربيع العربي، والإرشاد الرسولي "الكنيسة في
الشرق الأوسط شركة وشهادة". لا بل أنا مقتنع بأنَّ العناية
الإلهية دبَّرت بأن يعقد قبيل بدء ما يسمَّى بالربيع العربي، مجمع خاص بالشرق
الأوسط في تشرين الأول 2010، شارك فيه كلّ بطاركة وأساقفة الكنيسة الكاثوليكية في
المشرق العربي، بالإضافة إلى مراقبين لباقي الكنائس، وضيوف من المسلمين واليهود.
يحتوي الإرشاد الرسولي الذي سلمَّنا
إيَّاه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر في لبنان في أيلول 2012 على برنامج واسعٍ
جدًا، يطال كلّ نواحي ومرافق حياة المسيحيين في الشرق الأوسط. أكتفي باقتباسٍ من
خطاب قداسة البابا في قصر الرئاسة اللبنانيَّة في بعبدا:
"يمكن أن ينمو التفاهم الجيِّد
بين الثقافات والأديان، والتقدير بدون استعلاء طرفٍ ما على بقية الأطراف، واحترام
حقوق كلٍّ منها... خصوصيَّة الشرق الأوسط تكمن في التمازج العريق لمكوِّناتٍ
مختلفة. إنَّ المجتمع المتطوِّر لا يوجد إلا عبرَ الاحترام المتبادل والرغبة في
معرفة الآخر والحوار المتواصل. إنَّ الحوار غير ممكنٍ إلا في الوعي أنَّ هناك
قيمًا مشتركة بين جميع الثقافات الكبرى، لأنَّها متأصِّلة داخل طبيعة الشخص
البشري. ففي تأكيد وجودها، تُقدِّم مختلف الديانات مساهماتٍ قاطعة. ليس علينا أن
ننسى أنَّ الحريَّة الدينية هي الحقّ الأساسي الذي ترتكز عليه حقوقٌ عدةٌ أخرى.
المجاهرة بالديانة وعيشُها بحريَّة بدون أن يُعرِّض الشخصُ حياتَه وحريَّته للخطر،
يجب أن يكون ممكنًا للجميع. فقدان أو إضعاف هذه الحرية يحرم الشخص من الحقّ
المقدَّس في عيش حياةٍ كاملة على المستوى الروحي. إنَّ ما يسمَّى بالتسامح لا
يَستأصلُ التعصُّب. إنَّه أحيانًا يزيده... للحريَّة الدينيَّة بُعدٌ اجتماعيٌ
وسياسيٌ لا غنى عنه للسلام! إنَّها تُروِّج لتعايش وحياة متناغمتين، من خلال
الالتزام المشترك في خدمة القضايا النبيلة، وعبر البحث عن الحقيقة التي لا تفرض
نفسها من خلال العنف، إنَّما عبر قوّة الحقيقة نفسها".
إنَّ كلمات قداسته هي حقًّا صدىً
لتعاليم الإنجيل الذي هو حقًّا ربيع الخلاص. هذا وقد عَبَّرتُ في رسائل سابقة عن
هذه الأمور، التي أعتبرها شرعة حقوق الإنسان العربي ومختصر مطالبه الحقيقيَّة وليس
المستوردة، في ما دُعِيَ "الربيع العربي".
لا تخف أيها القطيع الصغير!
لا تخف! عبارة وردت في الإنجيل
والكتاب المقدس 365 مرة! أعني على عدد أيام السنة. بحيث يعطينا يسوع كلَّ يوم
جرعةً إنجيليةً، هي خبزنا الجوهري اليومي لكي لا نخاف. عبارة القطيع الصغير كانت
محور مداخلتي في سينودس الأساقفة في روما، ألقيتها يوم الحادي عشر من تشرين الأول
بعد الظهر. وفيها أشدِّد على أنَّ القطيع الصغير أراد له يسوع في الإنجيل دوراً
كبيراً تجاه القطيع الكبير! بحيث يكون معنى وجود القطيع الصغير ودورُه ورسالتُه في
المشرق العربي، حيث وُلِدَ يسوع وولِدَ الإنجيل وولِدَت المسيحيَّة، أن يكون مع
ولأجل القطيع الكبير، يحمل له أجمل بشارة سمعتها الأرض وترنَّم بها الملائكة ليلة
عيد الميلاد : " أُبشِّركم بفرح عظيم! لقد ولد لكم مخلص" (لوقا 2:
10-11). وُلِدَ لكم يسوع ! وُلِدَ لكم الإنجيل .
لا تخف أيها القطيع الصغير ! وكن حاملاً
بشجاعةٍ وثباتٍ وفرحٍ وحماسةٍ وتفاؤلٍ ورؤيةٍ في ظلمة هذه الأيام، حاملاً نداء يسوع – الإنجيل
الذي يقول لك: كُن نوراً! كُن مِلحاً ! كُن خميرة!
لا تَقُل إنّي صغير!
أمام نداء السيِّد المسيح القائم من
بين الأموات "إذهبوا! إكرزوا بالإنجيل"، وأمام الأحوال المأساويَّة التي
تعيشها بلادنا ومجتمعاتنا، وبخاصَّة في سوريا: قتل، تهجير، خطف، مضايقات، مخاوف،
مستقبل غامض، هواجس... نتساءَل: مَن أنا لِكَي أُبشِّر بالإنجيل؟ وما هو الجوُّ
الملائم لأُبشِّر بالإنجيل؟ ومن سيقبل هذه البشارة؟
أمام
دعوة يسوع وهذه التحدِّيات والتساؤلات نجد جوابًا في المقطع الأخير من مقدِّمة
كتاب "YOUCAT"، الذي
قدَّمه قداسة البابا بندكتوس السادس عشر لشباب الشرق الأوسط، في أيلول 2012. حيث
نقرأ:
"حين كان شعب إسرائيل في أسفل
درجات تاريخه، لم يَدعُ الله كبار هذا العالم ووجهاءه إلى نجدته، بل شابًّا اسمه
إرميا. شَعَرَ إرميا أنَّه دون المَهمَّة، فصرخ: "ربي وإلهي، لا أعرف أن
أتكلَّم لأنّي صغيرٌ" (إر 6:1). لكنَّ الله لم يتراجع، فقال له: "لا تقل
إنّي صغيرٌ. فلكلِّ ما أرسلُك له تذهب، وكلُّ ما آمُرك به تُعلنه" (إر 7:1).
لا تقل إنّي صغير! زاد عليها السيِّد
المسيح هذه العبارة: "لا تخف أيُّها القطيع الصغير!". وبهذه العبارة
الجميلة المشجِّعة المزدوجة أتوجَّه إلى جميع من سيقرأ هذه الرسالة: لا تقل إنّي
صغير! لا تخف أيُّها القطيع الصغير في العالم العربي الكبير، فدورك الصغير هو كبير
لأنَّه في خدمة ولأجل القطيع الكبير! ولا تنسى أنَّ من قال إذهبوا! هو يذهب معنا
ويسير معنا. وقد قال لتلاميذه بعد القيامة ويقول لنا اليوم: أنا عمانوئيل! الله
معنا! أنا معكم إلى إنقضاء الدهر...
وقد عبَّرت عن ذلك إحدى أناشيد عيد
الفصح والقيامة الجميلة:
"يا ما ألذَّ! يا ما أحبَّ! يا
ما أعذبَ صوتك الإلهي أيُّها المسيح! لأنَّك وعدتنا وعدًا صادقًا
بأن تكون معنا إلى أبد الدهر. فبهذا
الوعد نعتصم نحنُ المؤمنين كمرسى رجاء ونبتهج مسرورين".
نداء إلى الشباب
إلى شباب كنيستنا الروميَّة
الملكيَّة، أوجِّه كلمة خاصَّة بهم، تُظهر لهم أهميَّة مسؤوليتهم في حمل بُشرى
الإنجيل، وذلك من خلال كلمات قداسة البابا. منها ما قاله في لقاء الشباب في لبنان
في بكركي يوم السبت 15 أيلول 2012. حيث توجَّه إليهم قائلاً: "كونوا شبابًا
في الكنيسة! كونوا شبابًا للكنيسة".
وقال: "أيُّها الأصدقاء
الأعزّاء، تعيشون اليوم في هذا المكان من العالم، الذي كان شاهدًا على ميلاد يسوع
ونموّ المسيحيَّة. إنَّه شرفٌ عظيم! إنَّه دعوةٌ للأمانة، ولمحبَّة منطقتكم، وقبل
كلِّ شيء لأن تكونوا شهودًا ومبشِّرين بفرح المسيح... لكم مكان مميَّز في قلبي وفي
الكنيسة جمعاء، لأنَّ الكنيسة دائمًا فتيَّةٌ! الكنيسة تثق فيكم. إنَّها تعتمدُ
عليكم. كونوا شبابًا في الكنيسة! كونوا شبابًا مع الكنيسة! الكنيسة تحتاج لحماسكم
ولإبداعكم!"
إنّي أجد صدى لدعوة قداسته في الشعار
الذي أُحبُّ أن أردِّده للشباب: "كنيسة بلا شباب! كنيسة بلا مستقبل! وشباب
بلا كنيسة! شباب بلا مستقبل!"
وهناك نداءٌ آخر للشباب، أعتبره
وصيَّة قداسته للشباب قبل استقالته. ووَرَدَ هذا النداء في رسالة قداسته إلى
الشباب الذين سيشاركون في أيام الشبيبة العالميَّة الثامنة والعشرين في البرازيل
عام 2013. ويقول لهم:
"إنَّ أثمن هديَّة تقدمونها
للآخرين، هو أن تُعرِّفوهم على المسيح" (مقدمة الرسالة). "فإنَّكم أنتم
من تأخذون الشعلة من يد من سبقكم" (فقرة1) "بحيث تصرخون مثل بولس:
"الويل لي إن لم أُبشِّر". "ولا يمكن أن تكون مؤمنًا حقيقيًا إن لم
تبشِّر بالإنجيل!"(فقرة 2) "وعليكم كما قلت لكم في التعليم المسيحي
"YOUCAT" أن تعرفوا
إيمانكم بنفس الدقَّة التي بها يعرف مختَّص بوسائل التواصل الاجتماعي، ويعرف
التعامل مع الحاسوب (فقرة 2). ويقول: "التبشير يعني حمل بشرى الخلاص السارَّة
وهي شخص: هو المسيح" (فقرة 3). "إذهبوا! المسيح بحاجة إليكم" (فقرة
4). وأخيرًا: "إنَّ واجب تبشير عالم الأتمتةDigital
Continent يقع عليكم.
لأنَّ لكم خبرة واسعة مع وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة"(فقرة 4).
فرح البشارة
"علينا أن نواجه التبشير الجديد
بحماس. وأن نتعلَّم فرح البشارة العذب والمشجِّع. حتّى عندما يبدو أنَّها لا تبذر
سوى الدموع (راجع مز 126/6). فليكن ذلك لنا – كما كان ليوحنا المعمدان، وللرسولين
بطرس وبولس، وللمبشِّرين في تاريخ الكنيسة – قوَّةً واندفاعًا لا يمكن لأحد أو
لشيء أن يُطفئه. ليكن هذا التبشير فرحًا في حياتنا التي نبذلها، حتى يستطيع العالم
الذي يبحث أحيانًا في الحزن وأحيانًا في الرجاء، أن يتلقَّى البشارة الحسنة، لا من
مبشِّرين حزانى ويائسين وقليلي صبر وقلقين، بل من خدَّامٍ للإنجيل تفيض حياتهم
همَّة ونشاطًا لأنَّهم سبق لهم وتلقَّوا فرح المسيح فيهم. وهم يقبلون المغامرة
بحياتهم؛ كيّ يبشَّر بالملكوت، وتُغرس الكنيسة في قلب العالم". (ختام وثيقة
الخطوط العريضة للسينودس حول بشرى الإنجيل المتجدّدة 2011)
السلامُ لكم
هذه هي تحيَّة السيد المسيح القائم من
بين الأموات، حين دخل على التلاميذ الخائفين المتشكِّكين المشرَّدين المختبئين في
العليَّة والأبواب مغلقة. وهذا هو حال المواطنين، ولا سيَّما المسيحيين في هذه
الأيام العصيبة في سوريا، وأيضًا في لبنان والأردن ومصر وفلسطين والعراق. معاناتهم
صعبة ومُرَّة على مدى هاتين السنتين! إنَّهم خائفون على حياتهم وأسرتهم ووسائل
رزقهم وأولادهم وطلَّابهم، ومتحيِّرون بشأن مستقبلهم!
المسيح القائم الحيّ يشدِّد عزائمنا كما شدَّد عزائم الرسل، لا بل يعطينا رسالة
ويرسم لنا دورنا التاريخي قائلاً: "إذهبوا... بشِّروا بالإنجيل!
السلام لكم! هذه التحيَّة كانت شعار زيارة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر
التاريخيَّة إلى لبنان، لا بل والأخيرة في حبريته القصيرة. وبعد هذه الزيارة لم
يترك مناسبة إلا وتحدَّث فيها عن شرقنا العربي، وبخاصَّة عن سورية وعن السلام في
المنطقة، وعن دور المسيحيين التاريخي المميَّز الفريد، بأن يكونوا حاضرين وشاهدين
لِقِيَم الإنجيل المقدَّس، ونورًا ومِلحًا وخميرةً.
لقد
كتبتُ هذا الجزء الأخير من رسالة الفصح بعد الحادي عشر من شباط، يوم أعلنَ قداسته
عن عزمهِ على الاستقالة يوم الثامن والعشرين من شباط 2013، من منصبه كأُسقف لروما،
وبابا الكنيسة الكاثوليكيَّة.
نريد
أن نشكر قداسته على وصيَّته التي سلَّمنا إياها من خلال عقد السينودس الخاص بالشرق
الأوسط عام 2010، وزيارته إلى لبنان في أيلول 2012. ومن خلال زيارته إلى لبنان زار
أوطاننا مهد المسيحيَّة وكنائسنا. وسلَّمنا الإرشاد الرسولي لأجل الشركة والشهادة.
وسلَّم الشباب مختصر التعليم المسيحي الكاثوليكي "YOUCAT".
كما نشكر قداسته من صميم القلب على
اهتمامه بالشَّرق المسيحي، وعلى تضامنه مع أوضاع بلادنا العربيَّة، وبخاصَّة
سورية. وكعرفان جميل نضع في ملحق هذه الرسالة أهمّ ما جاء في خطابات قداسته حول
الأزمة في سوريا. ونكتفي هنا بأهم ما جاء في المقابلة مع الصحفيين على متن الطائرة
المتوجِّهة إلى لبنان:
"عليَّ أن أقول بأنَّ ليس فقط
المسيحيّون هم الذين يغادرون، ولكن المسلمون أيضًا. هناك خطر كبير أن يترك
المسيحيّون هذه الأراضي، ويضيع وجودهم، وعلينا أن نبذل ما بوسعنا لكي نساعدهم على
البقاء. إنَّ المساعدة الأساسيَّة ستكون إنهاء الحرب والعنف، السببين الرئيسين لهذه
الهجرة. لذلك يجب علينا أن نقوم بكل ما بوسعنا لوضع حدّ للعنف، وتشجيع إمكانيَّة
العيش معًا في المستقبل. ماذا يمكننا أن نفعل حيال الحرب؟ بالطبع، يمكننا أن ننشر
رسالة سلام، ونشدِّد على واقع أنَّ العنف لا يحل أبدًا المشاكل، ونعزز جهود
السلام."
"كما أعتقد أيضًا بأنَّ على نقل
الأسلحة أن يتوقف: فمن دون السلاح لا يمكن للحرب أن تستمر. عوضًا عن استيراد
الأسلحة، والذي هو خطيئة لا تغتفر، علينا استيراد أفكار، وسلام، وإبداع. علينا أن
نقبل الآخرين باختلافاتهم. وأن نظهر الاحترام المتبادل للديانات، واحترام الإنسان
كصورة الله، ومحبَّة القريب كعنصر أساسي لكلِّ ديانة. نحن بحاجة إلى تعزيز جميع
الإجراءات الممكنة، بما في ذلك الماديَّة، لدعم انتهاء الحرب والعنف لكيما يمكن
لكلِّ ذلك المساهمة في إعادة إعمار البلاد."
"على الشرق الأوسط بأكمله، عند
النظر إليكم، أن يدرك انَّه بإمكان المسلمين والمسيحيّين، الإسلام والمسيحيَّة،
العيش معًا بلا كراهيَّة ضمن احترام معتقدات كلّ شخصٍ لنبني معًا، مجتمعًا حرًّا
إنسانيًّا."
وفي خطابه في بكركي يوم 15 أيلول
2012، توجَّه إلى الشباب السوري قائلاً:
"علمتُ أيضًا أنَّه يتواجد فيما
بيننا شبيبة قادمون من سورية. أريد ان أقول لكم كم أُقدِّر شجاعتكم. قولوا في
بيوتكم، لعائلاتكم ولأصدقائكم، أنَّ البابا لا ينساكم. قولوا من حولكم أنَّ البابا
حزينٌ بسبب آلامكم وأتراحكم. لا ينسى سورية في صلواته وهمومه. لا ينسى الشرق
أوسطييّن الذين يتغذَّبون. آن الأوان لكيّ يتَّحد المسلمون والمسيحيّون من أجل
إيقاف العنف والحروب".
معايدة
من خلال هذه الرسالة الطويلة حول
الإنجيل، أتوجَّه بالمعايدة القلبيَّة إلى إخوتي السادة الأساقفة في البلاد
العربيَّة وفي بلاد الانتشار، وإلى الرؤساء العامين والرئيسات العامَّات، والكهنة
والرهبان والراهبات وجميع المؤمنين، بعيد القيامة المجيدة.
نصلِّي إلى المخلِّص القائم من بين
الأموات، ونضرع إليه أنَّه كما أنتهى درب صليب آلامه ومراحله المؤلمة المأساويَّة،
الدمويَّة، المفجعة بالقيامة، كذلك ينتهي درب صليب عالمنا العربي بالقيامة، ولا
سيَّما سوريا، والبلدان التي تتأثر بأزمتها ومأساتها، ولبنان والأردن وفلسطين
والعراق، وفي باقي بلداننا العربيَّة لا سيما مصر التي هي أيضًا تتألَّم وربما
تتسبَّب في آلام الدول الأخرى.
ونقدّم التهاني لقداسة البابا الجديد
فرنسيس ونعلن شركتنا وشركة كنستنا مع قداسته. ونضع في قلبه المحب للشرق هموم كنيسة
الشرق الذي يحبّه، ونناشده بحرارة ودول العالم وجميع المسؤولين أن يعملوا لأجل
إيقاف نزيف الدم السوري. كفى آلامًا! كفى فواجع! كفى مآسي! كفى أوجاعًا! وكفى
عنفًا وإرهابًا وسلاحًا وأصوليَّة، ومتاجرة بحياة الإنسان وكرامته ولقمة عيشه
وأمنه وأمانه واستقراره!
العالم المتألِّم يحتاج إلى القيامة!
إلى الحياة! إلى الكرامة! إلى القِيَم!
العالم بحاجة إلى بُشرى الإنجيل،
إنجيل القيامة والحياة.
ومن عمق آلامنا نصرخ ونرنِّم بأُنشودة
القيامة:
المسيحُ قامَ من بينِ
الأموات. ووطئَ الموتَ بالموت. ووهبَ الحياة للذينَ بالقبور.
مع محبَّتي وبَرَكَتي
+ غريغوريوس الثَّالث
بطريرك أنطاكية وسائر المشرق
والإسكندريَّة وأورشليم
للرُّوم المَلَكيين
الكاثوليك