البيت الآرامي العراقي

ريسان الخزعلي في مجموعتين شعريتين Welcome2
ريسان الخزعلي في مجموعتين شعريتين 619888zqg202ssdr
البيت الآرامي العراقي

ريسان الخزعلي في مجموعتين شعريتين Welcome2
ريسان الخزعلي في مجموعتين شعريتين 619888zqg202ssdr
البيت الآرامي العراقي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

البيت الآرامي العراقي

سياسي -ثقافي-أجتماعي


 
الرئيسيةالرئيسيةبحـثس .و .جالتسجيلarakeyboardchald keyboardدخول

 

 ريسان الخزعلي في مجموعتين شعريتين

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Dr.Hannani Maya
المشرف العام
المشرف العام
Dr.Hannani Maya


ريسان الخزعلي في مجموعتين شعريتين Usuuus10
ريسان الخزعلي في مجموعتين شعريتين 8-steps1a
الدولة : العراق
الجنس : ذكر
عدد المساهمات : 60590
مزاجي : أحب المنتدى
تاريخ التسجيل : 21/09/2009
الابراج : الجوزاء
العمل/الترفيه العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة

ريسان الخزعلي في مجموعتين شعريتين Empty
مُساهمةموضوع: ريسان الخزعلي في مجموعتين شعريتين   ريسان الخزعلي في مجموعتين شعريتين Icon_minitime1الخميس 25 أبريل 2013 - 3:46

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]


– April 24, 2013






[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

تماسات الخيبة واشتراطات الفعل الشعري
حسين سرمك حسن
بين يدي مجموعتان شعريتان للشاعر المقتدر والناقد البارع ريسان الخزعلي هما ما هكذا كانت الأبجدية و تماسات من الوردة إلى الغيمة . والأولى صادرة ــ ويا للأسف ــ عن الإتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق الذي ــ وبرغم مرور أكثر من خمسين عاما على تأسيسه ــ مازال غير قادر على إصدار مطبوع بمستوى المطبوعات التي يصدرها ــ مثلا ــ إتحاد كتاب الشارقة ؛ الإمارة التي عدد نفوسها أقل من المليون. وقد زرت سلطنة عمان قبل سنتين وتسلمت إصدارات رائعة جدا طباعة وإخراجا لا يستطيع إتحادنا العريق إصدار مثلها ولم يصدر مثلها أبدا عبر تاريخه الطويل. سيرد علينا بعض المعنيين بالقول أن هذا إتحاد الجواهري وعلي جواد الطاهر وعناد غزوان وإلى آخر هذه الإسطوانة المكررة. وأقول ببساطة أصدروا مطبوعا بمستوى مطبوعات سلطنة عمان وعدد نفوسها خمس مئة ألف نسمة ثم تحدّثوا عن الجواهري والطاهر وغزوان وغيرهم.
ولا أعلم كيف سمح الصديق ريسان لنفسه بتسلم مثل هذه المجموعة المصخّمة الملطّمة وتوزيعها على أصدقائه. كان عليه ــ وهو المعروف بصلابته وصراحته الجارحة ــ أن يرفضها ليس احتراما لتاريخه حسب، بل احتراما لتاريخ الإتحاد نفسه الذي ــ ويا للعجب ــ أصدرها وهو يحتفل بيوبيله الذهبي أنني أتحدث بحرص فهو خيمتنا وإتحادنا الكبير الذي نتمنى له دائما أرقى المواقع.
التماسات المفتتح كإطار
أما المجموعة الثانية تماسات من الوردة إلى الغيمة فقد قدّم لها الشاعر بقطعة صغيرة يقول فيها

أضعنا تماس الطفولة والمدرسة
واللعب مع القمر
أضعنا تماس الوردة والغيمة
وعاجلتنا تماسّات الفجيعة..
… ــ ص 4 .
وبدءاً من لحظة الفقدان هذه؛ اللحظة التي تفصل جماليات الأشياء المتوائمة في حياتنا وتجعلها معزولة هجينة ضائعة.. تضيع بهجة أعمارنا وتُمسخ تماسات تلقائيتها المنعشة. ومن ضياع تماسات الوجود الجدباء تولد تماسات الشعر الذي هو إبن الفجيعة ونتاجها. فالشعر الذي ينشأ في ظلال طفولة رخيّة متحالفة مع مدرسة مستقرة حانية، ولعب مخادع مع القمر، ووردة منتشية تحت ظلال الغيمة، هو شعر بارد وبليد إن صحت تسميته شعرا . الشعر ينبثق من الرجاء المستحيل والخيبة الماحقة.. من طفولة معذّبة.. وقمر كسير.. ووردة شاحبة مهددة بهجران غيمة الإرتواء والنماء. من الغريب ولكن المنطقي أن لا يركّز الشعر إلا على خراب الشاعر.
ويشير زمن الفعل أضعنا المستمر إلى زمن الخسارات الدؤوب، صمّمه الشاعر ليعبر عن ثبات إرادة الخراب المازوخيّة، ولـ يجانس زمن فعل الفجيعة الماحق العجول. وبـ نقاط … التمهيد الثلاث يوحي الشاعر بمسيرة عذاب مثابرة، وسلسلة إضاعات لا تنتهي توصل إلى نقاط … الشدائد الفاجعة التي تنفتح على مسار الإحباط والخواء التي ستمتد عبر تسعة وثلاثين نصّا ضمتها المجموعة أجهض جانب من جذوتها الشاعر ــ فنيا أو جماليا أو فكريا ــ في بعض المواضع بفعل لإحتقان الإيديولوجي كما سنتبين ذلك. ولعبة التنقيط ذات الدلالة العميقة والدور الإكمالي في الصورة الكلية تُفسد لاحقا حين تتحوّل إلى لازمة إكليشيه توضع في مفتتح أيّ نص وخاتمته لسبب ومن دون سبب فتضيع القصدية الشعرية. وقد يكون السبب طباعيا وقد وجدت أن أغلب الشعراء والكتاب العراقيين يسلّمون نتاجاتهم لدور النشر لتصدر بلا مراجعة.
تماس الوضوح
ومن هذه القطعة الإفتتاحية القصيرة تنتسج الخيوط الدلالية ــ وحتى الشكلية ــ لجسد الكثير من نصوص المجموعة. فمن ضياع تماس الطفولة والمدرسة وفقدان اللعب مع القمر ــ وهو روح الخلق الشعري كما قلنا ــ وتعطيل عناق الوردة للغيمة، يمتد خيط شاحب وطويل لمصارعة الوجود المستفز تماس الوردة ــ ص 5 وإرباكات المعرفة تماس الوضوح ــ ص 7 ولعنة التشاؤم الوجودي تماس الضوء ــ ص 9 وتفجّر الإرادة تماس الصقر ــ ص 23 ودورة الولادة والفناء تماس الثمرة ــ ص 37 وأقدار الكينونة الباذخة تماس النهر ــ 49 وتمزّقات الذات المسحوقة تماس الوحدة ــ ص 61 .. وتجلّيات الأنا الصوفية تماس الضيق ــ ص 71 وسكرة الحلم الشعرية تماس الهور ــ ص 79 وجفاف منابع الوجود تماس المرآة ــ ص 85 ، ثم اكتمال دائرة الخراب في تماسّين قبل تماس الغيمة ــ ص 99 و تماس الغيمة ــ ص 101 . تكتمل دائرة الخراب الخانقة التي يعبّر بها الشاعر من محنة وجوده

وها أنت تصحو..
على..
رمادِ..
ذكرى..،
فأين تخفي الروحَ من جمرٍ جديد..؟ ــ ص 99 .
وهنا تعود الأهمية الفنية للعبة التنقيط في النص الحديث كبداية وختام. ولكنها تضيع حين توضع بعد كل حرف وكلمة بلا قصدية محكمة.
ومن دائرة محنة وجوده الفردي ممثلا لنا ولخيباتنا، ينتقل بنا الشاعر عبر هذه الخطوة الإنتقالية السوداء قبل تماس الغيمة إلى التماس الفاجع الأخير تماس الغيمة
مسرعةً مرّت
لا برقَ يشير إليها
لا رعد َ يهزّ جذور العشب ِ
لا مطراً بلّ مناقير الطير
…،
مسرعةً مرّتْ.. وانطفأتْ
فأيّ مياهٍ..
هذي الأرضُ انتظرتْ..؟
… ــ ص 101 .
وهكذا.. وعبر خطوة شعرية بقدر مئة صفحة وتسعة وثلاثين نصّاً، هي خطفة طرف كسير في حساب الزمان القاهر، تمر أعمارنا مسرعة، وتنطفىء في تماس لا نشعر به عادة بفعل بلادتنا الوجودية ، وصدأ الإعتياد والألفة الموصلة إلى كسل الأحاسيس الوهّاجة. ولكن الشعر يتكفل بفرك الصدأ عن أوصال المشاعر الإنسانية، وكسر حلقات الرتابة الخانقة، ليفتح أعين بصيرتنا على سعتها لتستوعب طعنة حدّ سكين الفناء وهي توغل في لحم وجودنا، وصعقة تماسات الخيبة ودخانها الخانق.
وكما هو متوقّع، يستهل الشاعر دروسه بخلاصة من عِبَر المعلم الأول الطبيعة ؛ الطبيعة التي لا يستطيع فك وفهم ألغاز دروسها غيره. فهو إبنها والعارف بمعاني دروسها التي نراها كل يوم بعين الإعتياد فلا نفقه دلالاتها الغامرة
ترتفعُ الأشياءُ مراراً
ومرارا تهبط
وكثيرا ما تسعى لمواقعها.. وتحنّ
لكنّ
الوردة َ
لا تُجبرُ أن يعلوها الغصن ــ ص 5 .
لكن هذا قانون طبيعي حيث تتحطم قاعدة النماء هذه إذا قلبنا سياقاتها، فأين يكمن الدرس؟ يكمن في الأنموذج الذي تصبح فيه الكائنات الهشّة هذه عصيّة على مخالب الفناء لإيمانها بـ دورها وثباتها. هذا ما يتمظهر في الخطوة اللاحقة في تماس الوضوح
لماذا يكون السؤال إشارةً
وتتسعُ العيون؟
لماذا يكون الجواب العصيّ
دليل الجنون؟…
وهل سأل الوضوحُ
لماذا الجذور ُ؟
لماذا الغصون؟ ــ ص 7 .
نحن الذين نقلب الأدوار ونربك الدروس الواضحة ونشوّشها حينما نسمّم البديهيات بنوازعنا المتحاملة، فتجعل ما هو بدهي وواضح وشاف ملتبسا، ومقحما ومنبوذا، فنخلخل أبعاد حيواتنا الجمالية ونجني عليها. ويسهم نوع من الشعراء ممثلين بأبي العلاء المعري بتشاؤميته المرضيّة المعروفة في تلك الخلخلة والإرباك من خلال الإيغال في إجهاض تماس الضوء الذي من المفترض أن ينبثق من عمق مراياهم الشعرية
يتسع الظلام ُ.. يتسع
وأبو العلاء
يزيح.. النور.. من
عمق المرايا ــ ص 9 .
ـــ وقفة اعتراضية
ويهمني، بعد هذا النص ، أن أقف وقفة اعتراضية تمسّ بنية واشتراطات ما نسمّيه بالنصوص أو القصائد. فالقصيدة لها اشتراطاتها في النقد العربي القديم والحديث. لكن هذا المفهوم بدأ يضعف تدريجيا مع اقتحام مفاهيم الحداثة الغربية وموجة فصيدة النثر عالم النقد العربي ومصطلحات خطابه. فالنص في اللغة الإنكليزية هو text أي النسيج. أما في اللغة العربية فالجذر نصّ يتضمن سمة مكملة وفارقة في الوقت نفسه، هي البروز والعمق الإستقصائي نصّت العروس برزت على المنصة.. ويقال نصَّفلاناً استقصى مسألته عنشيء حتى استخرج كلما عنده.. وغيرها. وهذا الفارق يذكّرني بالفارق بين مصطلحي الشخصية في الثقافة الغربية والعربية. فالشخصية لديهم personality مأخوذة من persona وهو القناع الذي كان يضعه الممثل الإغريقي على وجهه عند ظهوره على المسرح. أما في العربية فإن الشخصية من الجذر شخَصَ وتعني البروز والإرتفاع والظهور. ما أريده هو أن سطرين من الكلام الموزون خارجيا أو داخليا مثل تماس الضوء
يتسع الظلام.. يتسع
وأبو العلاء يزيح النور من عمق المرايا
هل هي نص.. قصيدة.. قطعة شعرية.. ووفق أي معنى؟ أو اي اشتراطات؟. أنا شخصيا لا استطيع تسميتها لا نصا ولا قطعة ولا قصيدة في المفهوم النقدي العربي. وحالها كحال تماس الصقر
كلما ثبّتهُ في دفتر الرسم أو فوق التراب أخطّه ُ.. يحلّق عالياً ــ ص 23
أو القاعة
يتنادمون بعمر مضى وينسون جمرة الحضور ــ ص 27
أو قبل تماس الغيمة
وها أنت تصحو على رماد ذكرى
فأين تخفي الروح من جمر جديد؟ ــ ص 99 .
إنها تساؤلات أو لمحات أو حكم مصوغة بصيغة شعرية ليس إلا.
ولو تأملت مقطوعة لوح الدم العراقي ، فستجد أنها عبارة عن أسطر نثرية تم تقطيعها، وحاول الشاعر إلباسها لبوس الشعر من خلال حركة التقديم والتأخير في السطر الثاني، والتكرار في تعبير نهر ماء العراقيين . ولكن هذا لا يشفع للتعبير الكلي كي يكون شعرا
لم تسعه الأرض؛ نهر دماءالعراقيين لم تسعه الأرض.. نهر دماء العراقيين يصعد للسماء مكبّرا، ويجري هناك ــ ص 43 .
عودة
وحينما قلتُ إن القطعة التمهيدية حددت الخيوط التي نسج منها ريسان الكثير من نصوص مجموعته، فهي إطار أو مفتاح للإمساك بالركائز الأساسية المضمونية والشكلية. فأكثر النصوص هي في الواقع تماسات تقدح فيها اللحظة الشعرية الباهرة من احتكاكات المكونات الوجودية.. تماسات تضىء الخسارات والمرايا بين يدي الشاعر التي تتلاعب أنامله المقتدرة بحصى مفردات اللغة وهي تضرب متضاداتها وحتى مترادفاتها لتبرق وتشتعل، ويتركنا منشغلين ليتجه نحو عناء مهمة إشعال تماسات جديدة.
وقفة ثانية
وعندما كررت أكثر من مرة على أن أكثر نصوص المجموعة ــ وليس كلها ــ قد صممها الشاعر لخدمة هدفه الإطاري، فلأنني كنت أتمنى أن يحكم عنوان المجموعة تماسات من الوردة إلى الغيمة مسارات نصوص متنها بحيث يتحرك الشاعر وفق الرؤى التي رسمها في العنوان وفي الفقرة الافتتاحية. لكن نصوص التماسات جاءت مبعثرة بين نصوص أخرى في المجموعة لا صلة لها بالمحور الرؤيوي الشعري الأساسي. وكان المسار الرؤيوي الذي ضمّه العنوان والمقطوعة الافتتاحية يشتمل على انهمامات وجودية ونفسية، وحتى كونية، ترتبط بالموت والفناء. لكن ضغط ما أسميه بـ الإحتقان الإيديولوجي الذي تعاني منه الثقافة العراقية بأكملها وبكل قنواتها المعرفية اربك الكثير من وحدة النصوص، فجاء نص كلام ليس فارغا ــ إلى سعدي يوسف بعد تماس الثمرة، ثم نهاية غجرية .. وجاء تماس السريع عن الشهيد حسن سريع .. وكلها نصوص تعالج شؤون سياسية أو حزبية يومية إذا جاز الوصف، أسهمت في تضييق المديات التي كان من الممكن أن تنطلق في سماواتها رؤى الشعر المركزية.
عودة
وحتى من الناحية اللغوية تمتد مفردات القطعة لتحدّد هي أو مشتقاتها أو مرادفاتها القاموس اللغوي للشاعر في مجموعته هذه. ولعل من أبرز المظاهر اللغوية هي امتلاك مفردة الماء بمعانيها المباشرة والرمزية وما يرتبط بها السطوة في هذا القاموس النهر، الغيمة، المسيل، العطش، الرواء، الدمع، الموج، الفرات، الشلال، المطر، البحر، القطرة، وغيرها الكثير. ويحتل الفرات نهرا ورمزا موقعا مركزيا بين هذه المفردات. خذ قصيدة الفراتي مثلا
لم تكن صدفة
أن ينام الفرات تحت وسادتك
أنت سليل بابل
وقبل بابل
كان الفرات منتصف الظهيرة
يستضيف الشموس
باردة تنام
……………
إنك تريد كل شىء
وقد ورثت البياض
لكن الفرات.. يمر تحت وسادتك ــ ص 81 و82 .
وقل الشيء نفسه عن المفردات الاساسية في مقطوعة الإفتتاح»الإطار القمر والوردة والغيمة.. والطفولة بدرجة اقل.. أما مفردة الفجيعة فهي روح المجموعة..منسربة في عروقها. فهي سويداء قلب الشعر. الناس السعداء لا يكتبون الشعر. وحتى المفردة المركزية في العنوان الرئيسي تماسات من الوردة إلى الغيمة وعناوين النصوص الداخلية تماس الوردة و تماس الوضوح وغيرها فهي تمتد في النصوص كـ تماسات مباشرة، أو كـ لمسات مكافئة.
الشعرية بين خفقة القلب وصرامة العقل
ومن ناحية الشعرية فإن بعض النصوص التي جنح فيها الشاعر نحو الحداثة الشديدة كانت نصوصا ذهنية ؛ نصوصٌ جاءت عملا عقليا يفتقر إلى خفقة القلب وارتجافة النفس اللائبة التي هي جوهر الفعل الشعري وفارقه الحاسم عن النص النثري الذي يبقى نثريا حتى لو منحناه أروع الإيقاعات وغمرناه في بحر من الموسيقى أو الصور المركّبة. فإذا أخذنا نص فطام
لك المعنى
لك دورة الأشياء.. أسبابها والختام
لك كلها في ملمس واحد
لك الكلام.. ويخذلك الكلام
فكيف تعلمتَ السكوت إشارة؟
ومتى ارتضيت بنومة الأحجار قبل الزحام؟
لماذا؟
وكيف كان هذا الفطام؟ ــ ص 29 .
وقارناه أيها القارىء الكريم بهذه الصرخة المفجوعة عن الشهيدة كرامة ، التي تقطّع قلبك بلا مقدّمات ومن دون ممهدات عن دورة الأشياء وتوريات الملمس الواحد وكنايات الصمت والإشارة. إنها ليست مرثية لشهيدة اسمها كرامة بل مرثية لنا جميعا نحن العراقيين الذين نُثكل بشهيد عزيز كل يوم، بل كل لحظة. قلوب ممزقة، وآمال محطّمة، وأحبة يُقتلون بلا رحمة. وريسان يشعل شمعة مخادعة لكنها ضرورة كبرى لبقائنا ولسلامتنا النفسية فالأحبة الغائبون، الشهداء يبعثون من جديد في إحتفاء كوني عظيم. يتصدى له القمر بحماسة ؛ القمر المتلهّف الذي يرغب في أن يرعى الشهيدة ويحصي النرجس فوق وسادتها، ويمدّ فراشا لها بين إخوتها، إلا أن رغباته تتحطم أمام قوة إرادة الفناء. ولكن يبقى طعم المحاولة المنعش وفعلها الإنبعاثي المجهض لائبا في نفس المتلقين المكلومة. إن البحث الدائب رغم خواء الأمل هو من أعظم وظائف الشعر في الحياة الإنسانية. فالإنسان حيوان ذو أمل . والشاعر هو الذي ينبري دائما لتذكير الإنسان المثكول بأمل الإنبعاث
الليلة َ.. هذا القمر الزائر
يبحث عن غرفتها
يرغب أن
يتبع طول ظفيرتها، يُحصي النرجسَ
فوق وسادتها
يشهد آخر تخطيط في دفترها
ليضيف اللون المنسيَ، ويمدّ فراشا بين
اخوتها
من خيبته أشعل في ركن الغرفة فانوسا
ليدلّ الليل على رماد الذكرى
الليلةَ
يخرجُ قلبي
يبحثُ عن قمرٍ وضفيرة نرجس
في مقبرة تحت دموعي ــ ص 17 .
هكذا تأتي الشهقة الشعرية ساحقة ماحقة لتسحق الروح، وبلا مقدمات تكثيفية ، ومن دون اشتراطات تركيز ومفارقة تهكمية وتعقيدات صورية. يهزّك هذا الشعر ويحرك أمواج بحيرة وجدانك المختنقة بمياه الحزن الثقيلة. قصيدة بإمكانك أن تغنّيها بنشيج دام.
موسيقى عذبة
وحين تقرأ مقطوعة تماس الثمرة التي يقول فيها الشاعر

الثمرة
تنضجُ
تشيخُ
وتصحو
تتذكر فضل الجذور
وتسقط
منتحرة ــ ص 37 .
ستهزّ ناظريك بترتيبها اللغوي الذي يعكس أمامك مراحل حياة مؤنسنة من نضج وشيخوخة و ضربة انتحار تحرّك الكامن من مخاوفك من نزعات تدمير ذات كامنة. والموسيقى عذبة.. لكن هل الصحو مرادف للشيخوخة؟ ولماذا تنتحر الثمرة حين تتذكر فضل الجذور عليها؟ إن سقوطها هو رمز اكتمالها وثقلها. وليس بإمكان اي ثمرة أن تنمو من دون رعاية الجذور الأمومية . هنا أدخلتنا المقطوعة في عمل ذهني يجهض فعلها الجمالي. وسيحصل لديك الموقف نفسه حين تقرأ قصيدة كوفة

أعني الحكاية.. لا أعني المدينة
وقد أعني المدينة.. لا أعني الحكاية
»هذا اختلاط»
ناره المكان والزمان
أعني الحكاية
والناس يشغلها المكان
أعني المدينة
والناس يشغلها الزمان
»هذا اختلاط»
ماؤه الشمسُ وقد ضاق الوعاء
ما كان لولا
أن يكون على الدماء رهان ــ ص 39 .
ولولا الأبيات الختامية التي تحدث فيها الشاعر عن جرح علي عليه السلام وسيفه.. وقامة مسلم لتداولنا معادلات رياضية شعرية
أعني الزمان والناس تشغلها المدينة
أعني المكان والناس تشغلها الحكاية
جرحٌ
وسيف عليّ
قصرٌ
وقامة مسلم ٍ
لا تنحني
والخيلُ
تقصدُ كربلاء بلا عنان
هي صورة ٌ
وقد ثبت الزمان مع المكان ــ ص 40 .
ولا تعتقدنّ أنني كناقد محترف لأكثر من ثلاثين عاما وكقارىء شعر لأكثر من ذلك يصعب علي فهم المعنى الذي في قلب الشاعر كما يُقال. لكني لا أريد أن تستمر هذه اللعنة الحداثية التي تجعل العمل الشعري عمل نخبة يفهمه الشاعر ويؤوله الناقد. ولكن إقرأ هذا الشعر الشعر الذي يصوّر فيه الشاعر محنة سجنه في سجن أبي غريب عام 1978
في هذي القاعة
علمني الصمتُ غناءً
علّمني الليلُ أزور منازل في جسدي
وألمّ شظايا ذاكرة، وأنين نيامٍ غرقى
في السجن
تكون الإلفة من دمع
وتكون وجوه الزوار على رمل الساحة أنقى ــ ص 54 .
أو اقرأ قصيدة الدهشة المدهشة
في نهاراتٍ
وجدناها كنوزا من فراغ
كان وجهي
مسرحا دون ممثل
دون إخراج وقد أرضى شهودي
شارعٌ
يفضي
إلى منزل نومي في»الـ وادر»
والصديق الشاعر الموصوف في المنفى وحيدا
كانت اللقطة أن أخفي
تضاريس واسماء مدن
أن ألمّ الورق المتروك في حانات بغداد
سلالا من غناء
أن أرى النهر كتابا
فيه أسماء الشغيلة
دهشتي أني فعلتُ
دهشتي أني رأيتُ ــ ص 87 و88 .
لقد كان الصراع في تاريخ الشعر العربي بين مدرستي الجديد ممثلة بأبي تمام مثلا وممن سمّوا بجماعة الشعر المصنوع الذي يقرب من التصنّع ، وهو وصف بالغ الدقّة ينطبق الآن على الكثير مما ينتج تحت عنوان قصيدة النثر خصوصا، ومدرسة القديم ممن سمّوا بجماعة الشعر المطبوع ممثلة بالبحتري مثلا، هو صراع شكلاني في الحقيقة إذا جاز الوصف ؛ صراع استخدامات لغوية بلاغية في عمل المفردة بالدرجة الأساس مثلما صار صراع قصيدة النثر صراع بلاغة صورة وصناعة لغة شعرية.
إنتباهات
1 ــ في قصيدة شيزو 19 ــ 21 ، يقول الشاعر
في رأسكَ حديقة الراحلين.. وبلسانك
لثغة موسى فقط ــ ص 20 .
والنبي موسى عليه السلام لم تكن لديه لثغة، بل كان يعاني من داء اللجلجة أو الفأفأة أو التأتأة ؛ أي أنه كان يتردد ويتعطل ويتقطع في الكلام ولا يستطيع الإفصاح. بينما لَثِغَ فلانٌ لَثِغَ لَثَغًا تحوَّل لسانُه من حرفٍ إِلى حرفٍ غيرِه، كأَن يجعل السينَ ثاءً، أَو الراءَ غينًا. فهو أَلْثَغُ، وهي لَثْغَاءُ. والجمع لُثْغ.
2 ــ في مقطوعة تماس الصقر صقري ص 23 ، وضع الشاعر في العنوان مفردة صقري بين قوسين صقري ليوضح للقارىء عائدية الصقر، إنه له وليس لغيره. ومن مقاتل الشعر قديما هو ميل الشاعر للشرح والتوضيح وهو أمر تجاوزته القصيدة الحديثة.
3 ــ ومن السمات المركزية للفعل الشعري الحديث هو أن لكل مجموعة عنوانها ونصوصها التي تحفظ وحدتها، حيث لم يعد الشاعر يقوم بـ جمع نصوصه التي ينشرها بين وقت وآخر ليصدرها في ديوان أو مجموعة لا يربط بينها رابط رؤيوي أو فكري أو فني أو جمالي. هذا ليس من اشتراطات الفعل الشعري الحداثي. فحين يختار الشاعر نصوصا وعنوانا لعمل شعري ما، فإنه يضعهما مفتاحا تعبيريا تترجمه النصوص، ومحورا تدور حوله إنعكاساتها الدلالية. لكني لم أستطع فهم الكيفية التي يكرر فيها الشاعر نصوصا ؛ قصائد ومقطوعات، في مجموعتين شعريتين. فهناك ثمانية نصوص نشرها ريسان في مجموعته ما هكذا كانت الأبجدية ثم عاد وكررها في مجموعته هذه تماسات من الوردة إلى الغيمة . والنصوص هي غريب على اليابسة، نهاية غجرية، سماء أخرى، حائط قديم، اللهو، طللية أخرى، كلام ليس فارغا، ولوح الدم العراقي. فإذا كانت هذه النصوص تصلح لمجموعة اسمها ما هكذا كانت الأبجدبة فهل تصلح لمجموعة بعنوان آخر وبمفتتح آخر مغاير وتصدر في وقت آخر؟ وهذه التساؤلات من ناحية اشتراطات الحداثة، وقد يكون لدى الشاعر تبرير آخر لذلك.

روابط ذات صلة:

3155

[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ريسان الخزعلي في مجموعتين شعريتين
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
البيت الآرامي العراقي :: الثقافية , الادبية , التاريخية , الحضارية , والتراثية Cultural, literary, historical, cultural, & heritage :: منتدى الشعر والادب بالعربية المنقول Forum poetry & literature with movable Arabic-
انتقل الى: