الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 8408مزاجي : تاريخ التسجيل : 13/09/2012الابراج :
موضوع: دخول يسوع إلى أورشليم / أحد الشعانين الأحد 28 أبريل 2013 - 14:41
أحد الشعانين (لوقا 19: 28-40)
دخول يسوع إلى أورشليم
الأب منويل بدر - ألمانيا
يمكن إلقاء الوعظة على مرحلتين:
1) في البداية قبل مباركة الشعانين وتوزيعها
الأيام والأوقات كلها من الله فهي إذن كلّها مقدّسة ولكن أقدس أسبوع عرفه الدّين والتاريخ هو هذا الأسبوع الّذي يحمل إسم الأسبوع المقدّس. فيه نحتفل بأكبر الأحداث الّتي أنهى بها المسيح رسالته وحياته الّتي جاء لتأديتها. هذا وستتمّ كل هذه الأحداث في أشهر مدينة في العالم هي القدس أو المدينة المقدّسة، إذ سبسيل دمه على ترابها فيقدّس فيها كل ذرّة فبحق نسمّيها المدينة المقدّسة...
يبدأ الأسبوع المقدّس بأحد الشعانين، تخليدا وتذكيرا لدخول المسيح بإحتفال واستقبال ملوكي شعبي، كان قد رفضه في السنين الماضية ولكنّه يقبل به اليوم، ليعلن للملا بداية الخلاص من هذه المدينة . فكل ما أعلن عنه الأنبياء سيتمّمه هذه الأيام في هذه المدينة. يدخل إاليها كملك وديع راكبا على حمار، علامة التواضع لا محمولا على عرش على الأكتاف، علامة الإستعباد والإذلال. الشعب سار معه مهلّلا لأنه كان ينتظر محرّرا سياسيا، سيطرد المستعمرين الرّومان ويؤسس مملكة داؤد من جديد. لكنّه خيّب آمالهم، لذا حكموا عليه بالموت ليتخلّصوا منه.لآن الخلاص الّذي أراده هو لم يكن يخطر على بال أحد!.
في هذا الأسبوع نتتبّع خطوة خطوة ما قام به المسيح في آخر أيّامه، لنفرح ونتألّم ونموت ونقوم معه لحياة جديدة. نعم هو مات من أجلنا في هذه المدينة، سفك دمه ومات يقول الكتاب المقدس، لكي يحصل العالم على الحياة الأبديّة، الّتي برهن عن وجودها بفعل قيامته "قام من القبر في اليوم الثالث وجلس عن يمين الآب حيث هو بانتظار من يعيش حسب تعليمه الّذي تركه لنا. فكل الّذين يسيرون معه وله في حياتهم، سيستقبلهم في ملكوته ليعطيهم المكان المعدّ لهم قبل إنشاء العالم. هذا هو أملنا.
في السنين الآخيرة ما عاد يمرّ يوم بدون مظاهرات هنا وهناك لهذا أوذاك السبب. هل نسينا المظاهرات الصاخبة الطويلة في ميدان التحرير في مصر أو في تونس أو اليمن أو البحرين وآخرها في سوريا؟ إن المشتركين في المظاهرات، إن كانوا بالملايين او بالآلاف أو بالمئات، كلهم يريدون الحصول على شيء حرموا منه طويلا. الأصوات الصارخة واللّافتات المخطوطة تعبّر عن مطالب المتظاهرين المكبوتة. كما ولا ننسى أن الحركات والإشارات بالأيدي المتعالية إلى السماء أو المتشابكة مع أيدي الجار، كلّها تعبّر عن عزم الشعب بالحصول على مطلبه. (وهذا ما أحرزته مظاهرات الرّبيع العربي: تغيير حكومات ظالمة، القضاء على الفساد والرشوات، الحرّية الفكرية...).
أشهر المظاهرات الّتي جرت في القدس كانت مظاهرة يوم أحد الشعانين، قادها الواعظ المتنقّل المسمّى يسوع القادم من الناصرة. لقد جمّع النّاس من حوله وسار على رأس المتظاهرين ضدّ المستعمر الرّوماني ودخل أورشليم بمظاهرة شعبيّة لا مثيل لها، المدينة، التي كانت تتهيّأ ككل عام في هذا الوقت، للاحتفال بعيد التحرير من عبودية فرعون وذبح الخراف في ساحة الهيكل كعلامة شكر لفداء الشعب. فقبل دخوله المدينة كان الشعب قد سمع عن شعبيّته وسلطته أينما حلّ، فكانوا مقتنعين أنّه هو منقذ الشعب من عبوديّة الإستعمار المرسل المنتظر من الله. كانوا قد سمعوا عنه أنّه متكلّم كمن له سلطة كاملة ومدعومة، يجادل أصحاب الشريعة ويعاكس رؤساء الشعب بآرائهم، هذا حتّى أن قسماً كان يتساءل إن لم يكن هو فعلاً المسيح المنتظر؟ لذا فمنذ بضعة أيام والشعب بانتظار وصوله إلى أورشليم وإلا لما فهمنا كيف التمّت الجماهير الغفيرة فجأة في بيت عنيا على جبل الزيتون. وقد كانوا سمعوا عن قرب وصوله فكانوا هناك لاستقباله، كما لا تزال شعوبنا تنتظر على الشّوارع لتحيّة ومرافقة ملوكها أو رؤساء جمهوريّاتها عندما يزورون إحدى المناطق في ممالكهم.
من هناك، من جبل الزيتون ألقى نظرة التحيّة وفي ذات الوقت نظرة الوداع لهذه المدينة. ثمّ ركب الحمار وسار محاطا بهذه الجماهير المهلّلة للمنقذ صوب الهيكل، فما أهيب ذاك المنظر!. وهنا تذكّر منهم من تذكّر أن أحد أنبيائهم واسمه زكريا قبل 500 سنة قد قال: إن المسيح المنتظر سيأتي راكباً على حمار، دلالة لتواضعه وبساطته ورسالة السلام التي سيحضرها معه.
لقد أحاطوه ورافقوه إلى الهيكل وهم ملتفّي الأيادي حوله بتسابيح وترانيم ما كانت تسمع إلاّ للآبطال والفاتحين .لقد اضطربت المدينة كلّها، يقول الإنجيلي متّى فاصطفّت الجماهير في أزقّة المدينة الضيّقة تحيّيه ورافقته إلى رواق الهيكل . هوشعنا (هلّلوا وافرحوا) كانوا يصرخون لأنهم رأوا فيه فعلا قائد ثورة سياسية. إنهم لم يفهموا رسالته لذا خاب أملهم منه وتحوّلت فرحتهم إلى يأس جنوني، لذلك صوّتوا كلهم لموته ونسوا أنهم صرخوا: هلليلويا وأبدلوها بكلمة إصلبه! إصلبه! حتى رؤساء الكهنة في الهيكل خافوا منه عندما قال لهم: أنقضوا هذا الهيكل وأنا سأقيمه في ثلاثة أيّام. نعم خافوا على مناصبهم فكانوا هم أوّل من هيّج الجماهير عليه فصلبوه دون أن يعرفوا أنّهم بذلك ساعدوه على إتمام إرادة أبيه. لكن الويل لمن يموت هذا الرّجل على يده هذا ما أطلعتنا عليه قصّة الآلام الّتي سمعناها.