بغداد ـ يرى خبراء ومراقبون أن معالجة الأزمات السياسية التي تعصف بالعراق منذ الانسحاب العسكري الأميركي نهاية 2011، هي الطريق الوحيد للحد من العنف المتصاعد الذي بات يضع البلاد على حافة حرب طائفية جديدة.
واستعادت أعداد ضحايا العنف في العراق خلال ايار/مايو معدلات سنوات النزاع الطائفي، حيث لم تفلح الإجراءات والتغييرات الأمنية في مواجهة هذه الهجمة الدامية التي بات تخلف كل يوم أكثر من 30 قتيلا.
وأظهرت أرقام بعثة الأمم المتحدة التي نشرت السبت أن 1045 عراقيا قتلوا في أعمال عنف متفرقة في البلاد خلال شهر ايار/مايو، في حين أشارت حصيلة وزارات الدفاع والصحة والداخلية إلى مقتل 630 شخصا.
وهذا أعلى معدل رسمي لضحايا العنف في شهر واحد منذ نيسان/ابريل 2008.
وحملت معظم هذه الهجمات طابعا طائفيا حيث أنها بدأت في الأسابيع الأخيرة تشمل المساجد السنية بعدما كانت تتركز في السابق على الجيش والشرطة بشكل خاص، إلى جانب المساجد الشيعية التي بقيت هدفا للعنف.
ويؤكد خبراء أن اتهام السنة في العراق للسلطات باعتماد أسلوب التهميش تجاههم، وخصوصا لرئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي الذي يحكم البلاد منذ 2006، هو المحرك الأساسي للتصاعد الأخير في أعمال العنف.
وقالت الخبيرة في شؤون العراق لدى “مجموعة الأزمات الدولية” ماريا فنتاباي إن “على الحكومة أن تتخذ خطوات تقود نحو التفاوض مع الشارع والمتظاهرين” المناهضين للمالكي.
ورأت أن الحكومة عمدت عوضا عن ذلك إلى التعامل مع التظاهرات المتواصلة منذ نهاية العام الماضي على أنها مسألة أمنية، ما شكل دافعا إضافيا لتصاعد العنف.
وشدد من جهته المحلل في مجموعة “ايه كي اي” الأمنية الاستشارية جون دريك على أن الحملات الأمنية “تجعل الأمور اسوأ”، موضحا أن “الانخراط في حوار هو السبيل الأفضل للانقضاض على العنف”.
وانحصرت ردة الفعل الحكومية على أعمال العنف الأخيرة بالاعلان عن تغييرات في قيادات العمليات والفرق العسكرية، وإجراءات جديدة في ملاحقة المطلوبين والسيارات المفخخة.
وكان لافتا قول وزير الخارجية هوشيار زيباري في مؤتمر صحافي قبل يومين إنه “إذا لم يكن هناك من توافق وتفاهم سياسي فسينعكس ذلك ولن يكون هناك وضع أمني مستقر (…) هذه قاعدة ذهبية” في بلاد تعصف بها الأزمات السياسية منذ نحو عام ونصف.
ويرى مراقبون أن الجماعات المتمردة تعتمد بالفعل على الخلافات السياسية من أجل حشد التأييد الشعبي لعملياتها العسكرية.
وكان ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق مارتن كوبلر قال الخميس إن “الوضع يمكن أن يسوء أكثر (…) ولو كان هناك توافق سياسي، لكن الأمن في وضع أفضل”.
وأضاف “ما نراه اليوم هو غياب الاتفاق السياسي، فيما يتصاعد العنف الطائفي”، مضيفا “نشعر بقلق حقيقي”.
ومن المتوقع أن يجتمع كبار القادة السياسيين العراقيين السبت لمناقشة التطورات الأمنية والأزمات السياسية المتواصلة وعنوانها اتهام المالكي بالتفرد بالسلطة وتهميش الخصوم.
ويحاول قادة العراق الجلوس على طاولة واحدة منذ أكثر من عام، من دون أن يفلحوا في ذلك بسبب الخلاف حول جدول الأعمال.
ويرى محللون أن المالكي لن يقدم أي تنازلات أساسية إلى خصومه، وخصوصا السنة.
ويقول مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى مجموعة اورواسيا الاستشارية كريسبين هاوس إن “بغداد قد تقدم تنازلات هامشية لأطراف داخل المنظومة السياسية السنية”.
ويستدرك “من الواضح أن لا رغبة لدى المالكي لتقديم تنازلات بطريقة تعيد المجتمع السني إلى الواجهة السياسية في العراق”.