«لن أعود.. سأقوم بعمل لن ينساه أحد».. آخر كلمات أبو عين لعائلته
أمل الوحدة بين فتح وحماس
December 13, 2014
أبو عين استشهد، إثر اعتداءات جنود إسرائيليين عليه، خلال مظاهرة مناهضة للاستيطان والجدار العازل في بلدة ترمسعيا، شمالي رام الله، تعرض خلالها للضرب واستنشاق الغاز المسيل للدموع.
في الصباح الباكر من هذا اليوم، أعد أبو عين، نفسه للمواجهة الأخيرة من الجيش الإسرائيلي، غارسا أشجار الزيتون، لوقف غول الاستيطان في بلدة ترمسعيا، ورغم محاولات زوجته المتكررة ثنيه عن الخروج، إلا أنه أصر على المشاركة، وفق محار، الابنة الوحيدة للمسؤول الفلسطيني الراحل إلى جانب ثلاثة أبناء.
«محار» تضيف، «مثلما كان أبي يمازحنا في الصباح، كل يوم، خرجت من المنزل على عجله، إلى المدرسة، وعند الباب ودعته».
وتابعت: «قلت له أدعُ لي. سأتقدم اليوم لامتحان»، تتنهد مستدركة: «نسيت أنه لازم أنا ادعي له».
الابنة محار، الطالبة في الثانوية العامة، كانت تأمل بأن يشاركها والدها نجاحها إلا أن الموت غيبه.
«على حب الأرض والوطن كان دوما يربينا، كان دوما يقول لنا: يجب أن نعمل من أجل تحرير فلسطين، زرع نصف مليون شجرة زيتون لمواجهة الاستيطان، لم يكمل حلمه بزراعة المليون شجرة»، تتابع محار. وتواصل حديثها بينما تعج قاعة بيت العزاء بالمواسين والمعزين: «حاولت والدتي منعه في الصباح من الخروج لكنه قال لها: لن أعود.. سأقوم بعمل لن ينساه أحد».
أما طارق أبو عين، الابن الأكبر للراحل، يروي وصايا والده لأبنائه قائلا: «كان دوما يقول لنا: أنتم كبقية الشعب، لستم أفضل من الشهداء والمعتقلين، عليكم أن تقدموا للوطن كما يقدم غيركم».
ويضيف طارق «كان يدعونا للمشاركة في المسيرات والوقفات، كان دوما يتحدث عن المواجهة، والنضال. مات مناضلا، كما عاش دوما.» ومضى قائلا: «والدي توفي وهو يغرس شجرة السلام».
استشهد أبو عين، الأربعاء، أثناء مشاركته في فعالية غرس أشجار مختلفة في أراضي بلدة ترمسعيا، قرب رام الله، بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، وأظهرت الصور التي التقطتها عدسات وسائل الإعلام، اعتداء جندي إسرائيلي عليه، إذ كان الجندي يحكم قبضة يده على عنقه، ويدفعه، أعقب ذلك إطلاق الجيش قنابل مسيلة للدموع لتفريق المشاركين.
اثر استشهاد أبوعين انتظر الفلسطينيون إجراءات وقف التنسيق الأمني مع قوات الإحتلال، الا ان هذا الأمر لم يحصل بعد، كما ان الآمال تراجعت باتخاذ خطوة طال انتظارها بالإنضمام لمعاهدات دولية تؤدي لمحاكمة مسؤولين اسرائيليين بجرائم حرب. لكن الأمل ما زال موجودا بالتقارب بين حركتي فتح وحماس بعد استشهاد أبو عين.
على أمل اللقاء المرتقب بين قادة كبار من حركتي فتح وحماس، والذي تتوسط فيه ثلاثة تنظيمات فلسطينية هي حركة الجهاد الإسلامي والجبهتان الشعبية والديمقراطية بهدف رأب الصدع القائم في العلاقة المقطوعة منذ شهر، يأمل الفلسطينيون، خاصة سكان قطاع غزة، أن تكون حادثة الاشتباك الجديدة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل على خلفية استشهاد أبو عين دافعا قويا باتجاه استعادة الوحدة وتطبيق كافة بنودها، للاستعداد لمرحلة المواجهة الكبرى مع إسرائيل.
مسؤولون كبار في التنظيمات الفلسطينية الثلاثة ممن توسطوا على مدار الشهر الماضي للتوصل إلى حلول مرضية لحركتي فتح وحماس، تنهي الخلاف القائم بينهما، منذ أن استهدفت عدة منازل لقادة حركة فتح في غزة بالمتفجرات، وما تلاها من إلغاء مهرجان إحياء الذكرى العاشرة لاستشهاد الرئيس الراحل ياسر عرفات، أكدوا أن الأسبوع المقبل سيشهد لقاءً هو الأول منذ انقطاع العلاقة بين فتح وحماس.
على مدار الشهر الماضي لم تهدأ مباحثات ولقاءات مطولة عقدها مسؤولون من التنظيمات الثلاثة بشكل منفرد مع قطبي الخلاف فتح وحماس، قبل أن يستجيبا نهاية الأسبوع الماضي لمبادرة مكونة من خمس نقاط، قدمت للطرفين، ويجري الآن وضع خطة تشمل كيفية تطبيق هذه البنود الخمسة من أجل إنهاء الخلاف إلى الأبد.
وتنص المبادرة التي قدمت لفتح وحماس، وتمت الموافقة عليها على:
أولا: ضرورة قيام الأجهزة في قطاع غزة باستئناف التحقيقات والكشف عن منفذي التفجيرات الأخيرة وتقديمهم للعدالة.
ثانيا: وقف الحملات الإعلامية وتعزيز الخطاب الإيجابي الموحد، وإدانة كل التصريحات المسيئة للأفراد والمؤسسات.
ثالثا: دعوة الحكومة إلى مباشرة تسلم مسؤولياتها ومهامها في غزة بما في ذلك استلام معبر رفح ضمن ترتيبات يتم التوافق عليها فوراً.
رابعا: تشكيل لجنة وطنية لإزالة الذرائع والعقبات أمام تسلم الحكومة مهامها في غزة فوراً.
خامسا: دعوة الرئيس أبو مازن لعقد اجتماع الإطار القيادي المؤقت من أجل استكمال معالجة ملفات المصالحة الخمسة فوراً.
وفي التدقيق في بنود المبادرة الخماسية، يلاحظ أنها ترضي الطرفين المتخاصمين فتح وحماس، إذ كانت تشترط الأولى أن يتم الكشف عن منفذي التفجيرات التي طالت منازل قادة فتح، حيث وجهت في السابق اتهامات لحركة حماس التي نفت الأمر، وكذلك ترضي في بندها الأخير مطالب حماس التي كانت تنادي طوال الفترة الماضية التي تلت تشكيل حكومة التوافق، أن يتم تطبيق باقي بنود المصالحة، بعقد اجتماع للمجلس التشريعي، وعقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية.
الفلسطينيون خاصة في قطاع غزة الذي اكتوى بنار الانقسام، يرون أن الوقت الحالي من المفترض أن يكون أفضل الأوقات لتطبيق المصالحة بشكل نهائي، وبطرق لا تعيد عقارب الساعة إلى الوراء من جديد، لتكون ردا على إسرائيل في المعركة السياسية المحتملة، حين تتوجه القيادة الفلسطينية إلى مجلس الأمن خلال الأيام المقبلة، لطرح مشروع الدولة الفلسطينية والخلاص من الاحتلال، إذ أن الأمر يتطلب وحدة حقيقية في المواقف، تظهر جليا من خلال وقف «التراشق الإعلامي».
كذلك يرى الفلسطينيون أن حادثة استشهاد الوزير زياد أبو عين، مسؤول ملف الجدار والاستيطان، على أيدي جنود الاحتلال، من المفترض أن تكون عاملا قويا يستغل في تحقيق الوحدة، ليكون ذلك الرد المناسب على الاحتلال.
وقد كتب الدكتور موسى أبو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس على صفحته الشخصية على موقع «فيس بوك» وهو ينعي الشهيد «استشهد زياد دفاعا عن أرضنا وزيتوننا وحقنا، فالتأم الشعب فأصبح باستشهاده في مربع واحد، متجاوزين كل المشاكل الداخلية ليواجهوا عدوا بربريا».
فالظروف السياسية الحالية وحالة الاشتباك القائمة مع إسرائيل، والتي بلغت عنفوانها باستشهاد الوزير أبو عين، تشابه تلك التي دفعت بالقيادة الفلسطينية في شهر أبريل/نيسان الماضي لإرسال وفد رفيع منها، وقع وقتها على اتفاق مصالحة مع حركة حماس عرف بـ «اتفاق الشاطئ»، وهو أول ثمرة لتطبيق بنود اتفاقيات المصالحة التي وقعت قبل ذلك بأعوام في القاهرة في مايو/ايار 2011، وبعدها في الدوحة، إذ قررت وقتها التوجه واتمام المصالحة مع حركة حماس، ردا على تهرب إسرائيل من تطبيق ما عليها من التزامات بخصوص العملية السياسية التي كانت قائمة وقتها، من خلال الامتناع عن إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى القدامى، ووقف العملية السلمية التي كانت تتوسط فيها الإدارة الأمريكية، وقررت القيادة الانضمام لعدد من المواثيق الدولية. إذن من المحتمل أن يكون اللقاء المقبل لوفدي فتح وحماس، بحضور فصائل الوساطة الثلاثة (الجهاد والجبهتين الشعبية والديمقراطية)، بداية جديدة نحو انطلاق حقيقي نحو تطبيق باقي بنود المصالحة، المتمثلة في عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، وهو اجتماع حسب «اتفاق الشاطئ» كان من المفترض أن يعقد منذ أشهر، إذا أنه قد مضى على تشكيل حكومة التوافق أكثر من ستة أشهر، وكان من المفترض أن يكون الاجتماع في الشهر الأول من تشكيل هذه الحكومة، كذلك من المفترض أن تحمل الأيام المقبلة بشرى انتهاء الخلاف حول تفعيل البرلمان الفلسطيني، عبر استئناف عقد جلساته من جديد، حسب الاتفاق، وإنهاء ملف «الاعتقال السياسي».
فتح وحماس عليهما وزر كبير في حال لم يطبقا اتفاق المصالحة بجميع نقاطه، فالمرحلة المقبلة تتطلب من الطرفين الاستعداد جيدا لمواجهة مصاعب كبيرة، فالوضع القائم في الضفة الغربية، من استيطان ومصادرة أراض، واعتداءات يومية على المسجد الأقصى ومدينة القدس، وكذلك الاستعداد لطرح الخطة الفلسطينية على مجلس الأمن لجلاء الاحتلال وإقامة الدولة، تتطلب أن يكون هناك ظهر قوي يحمي كل ذلك، من خلال وحدة حقيقية على الأرض، وفي الاجتماع الأول للقيادة بعد استشهاد الوزير أبو عيد أكدت على الاستمرار في خطوات تحقيق إنهاء الانقسام والتسريع في عملية إعادة إعمار قطاع غزة عبر حكومة الوفاق الوطني.
وكذلك حركة حماس التي تحتاج كالكل الفلسطيني لهذه الوحدة، لقطع الطريق أمام مخططات إسرائيل وبعض الدول لتعطيل ملف إعمار غزة، إذ تشترط سلطات الاحتلال والمانحين، وجودا فعليا لحكومة التوافق في غزة لإتمام عملية إعادة الإعمار، والبدء في إيصال التبرعات لسكان المنازل المدمرة.
وقد أثرت حالة الانقسام واتساعها خلال الشهر الماضي بعد انقطاع العلاقة بين فتح وحماس نهائيا عقب حادثة التفجيرات، إلى زيادة حجم أزمات سكان قطاع غزة المحاصرين، والبالغ عددهم نحو مليوني شخص.
فخلال الأسابيع الماضية تفاقمت أزمات قطاع غزة بشكل كبير، في ظل عدم تلقي الموظفين الذين عينوا فترة حكم حركة حماس للقطاع، وعددهم بقترب من الـ 40 ألف موظف رواتبهم من حكومة التوافق، التي لم تعترف بهم حتى اللحظة كموظفين رسميين، ما دفعهم لتنفيذ إضراب نهاية الأسبوع الماضي، وكذلك تفاقمت الأزمة في القطاعات الحكومية الخدماتية، وبالأخص في مرافق وزارة الصحة، حين توقف موظفو النظافة عن العمل نهائيا، وانسحبوا من المشافي، لعدم تلقيهم رواتبهم للشهر السادس على التوالي، وذلك لعدم صرف المخصصات المالية المستحقة لصالح شركاتهم المشغلة من حكومة التوافق.
وبسبب ذلك تتراكم كميات كبيرة من المخلفات الطبية في غرف وأروقة المشافي، مما يعرض حياة المرضى للخطر، إذ يجري في هذه الأوقات مشاركة فعاليات رسمية وشعبية من موظفي المشافي الأطباء والإداريين والمرضيين، إضافة إلى أفراد من قوى الأمن، في حملات التنظيف، غير أنها لا تكفي بالغرض، ولا تلبي الاحتياجات، ولا تعد بديلا عن عودة موظفي النظافة.
وقد واكب هذا الخلاف تراشق اتهامات قوي بين حركتي فتح وحماس، حمل كل طرف الطرف الآخر مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع. ويأمل الجميع أن ينتهي الوضع الاستثنائي الحالي إلى غبر رجعة مع لقاء المصالحة المرتقب.