العراق … آنفجار طائفي يُطيـحُ بــ « دولة المالكي » ؟
* رأي القدس*
يشهد العراق تطورات متسارعة تنذر بعواقب كارثية قد لاتقف عند حدوده الآخذة في التلاشي، بعد ان انفجرت المنظومة
الامنية الطائفية في وجه الحكومة ورئيسها نوري المالكي، وهو ما كنا حذرنا منه اكثر من مرة في هذا المكان.
لقد دخل العراق نفقا مظلما لا يكاد احد يعرف له نهاية، واصبح بقاؤه كدولة «شبه موحدة» محل تساؤلات،
بعد انهيار الجيش وهروب قياداته في عدد من المدن، واعتراف المالكي نفسه بالحاجة الى بناء « جيش رديف من المتطوعين »،
ما يعني صب الزيت على النار واعطاء ضوء اخضر لحرب اهلية لا يمكن توقع نتائجها، بالنظر الى الانتشار
الواسع للاسلحة وخاصة بين العشائر، ناهيك عن التنظيمات والميليشيات الطائفية.
ويبدو واضحا ان قوات تحالف من التنظيمات السنية المسلحة التي تجمعها الرغبة في اطاحة المالكي ستحصد
مكاسب اضافية وسهلة في المناطق ذات الاغلبية السنية، فيما ستنحصر سيطرة الحكومة على المناطق الشيعية،
ما يعني عمليا تقسيما «على الهوية الطائفية» للعراق.
لقد فشل المالكي الذي أصر على الاحتفاظ بقيادة الاجهزة الامنية في بناء جيش حقيقي له عقيدة وطنية واضحة،
على أسس من الكفاءة والاحتراف والاخلاص. وكانت النتيجة « ميليشيات شبه عسكرية وشبه منقسمة » تنخر فيها
الطائفية والفساد والاختراقات من تنظيمات ارهابية ومتطرفة.
وما كان لهكذا منظومة او دولة طائفية ان تستمر طويلا، في ظل ممارسات الحكومة الطائفية التي تصر على معاقبة
مكون اساسي في البلاد، بدعوى محاربة الارهاب، وهو حق يراد به باطل.
الا ان سقوط هذه النظام الطائفي قد يكلف الدولة العراقية وجودها نفسه.
وللانصاف فان العراق لم يتعاف ابدا منذ قرر الاحتلال الامريكي ان يحل الجيش العراقي التاريخي ارضاء
لرغبات اسرائيل واحقادها، ما أدى الى انهيار الدولة.
اما الشعب العراقي فانه يجد نفسه اليوم محاصرا بين سندان تنظيمات ارهابية او متطرفة مسلحة ،
ومطرقة ميليشيات طائفية يرعاها رئيس الوزراء العراقي شخصيا.
لقد اصبح من المثير للسخرية ان يتحدث البعض في ظل هذه الظروف عن « حكومة مركزية » او « رئيس وزراء »
بعد ان اصبح العراق مستباحا امام تنظيمات الارهاب والتطرف المحلية والاقليمية، ونموذجا مثاليا للدولة الفاشلة كما تصفها كتب العلوم السياسية.
وبينما تحول مئات الآلاف من العراقيين الى نازحين وضحايا للجوع والتشرد والاهانة في بلادهم خلال اليومين الماضيين فقط،
يتضح الحجم المتوقع للمأساة الانسانية الجديدة التي تنتظر هذا البلد الذي عانى مايكفي من اهوال وحروب
وحصار وعقوبات على مدى العقود الثلاثة الاخيرة.
ومع هذا الانفجار الطائفي في العراق، لن يكون ممكنا استبعاد ان تمتد نيران الحرب الجديدة لتحرق اثواب دول مجاورة
تعاني توترات طائفية مكتومة او معلنة، وهو ما ينذر بسيناريو كارثي يعيد رسم الخريطة الاقليمية جغرافيا واستراتيجيا.
وبكلمات اخرى فان « فتوحات داعش » خلقت واقعا جيوسياسيا جديدا في المنطقة بعد نشوء « دولة جديدة »
مترامية الاطراف تمتد من الرقة الى صلاح الدين، وتملك ترسانة ضخمة من الاسلحة وابارا نفطية ومطارات وطائرات،
وتقوم على نهج تكفيري متطرف ولن يتورع عن الدخول في مواجهات مع دول او جماعات سنية اخرى،
ناهيك عن الشيعية او المسيحية عندما يرى نفسه قادرا على ذلك. وليس مستبعدا ان تتحول هذه الدولة الجديدة الى
« جنة آمنة » اومنطقة جذب لتنظيمات ارهابية دولية اخرى.
وهذه وصفة مثالية لسنوات طويلة من النزاعات الايديولوجية المسلحة التي تهدد نمط « الدولة القطرية » لمصلحة « دولة التنظيم ».
واخيرا فان كل هذه الجرائم التي ارتكبتها حكومة المالكي الطائفية لايمكن ان تمر دون ان يحاكمها عليها الشعب العراقي، وان طال الأمد.