السنة يلجأون الى الخليج والشيعة إلى إيران !! ..
مسيحيو العراق يميلون إلى روسيا طلبا للحماية !! ..
بغداد ـ الهادر المعموري بعد مضي عقد على التفجيرات التي تستهدف الكنائس وقتل المسيحيين والتمييز الممنهج ،
بات رامي يوسف يشعر بالتعب وقرر التفكير بالهجرة . يقول يوسف ، الذي تخرج للتو بشهادة في تقنيات الحاسوب ،
" لا اريد الرحيل . ولا اريد لهؤلاء الارهابيين ان يحققوا ما يريدون بطرد الاشوريين من ارضهم التاريخية ،
إلا انني عاجز عن العمل بهذا الوضع " . وتحدث يوسف بنبرة متصاعدة وهو يشرب الشاي داخل مخزن
ابن عمه لبيع الكحول في اربيل ، بعد مضي شهر على تلقيه عددا من رسائل التهديد بالقتل اضطرته لترك عمله في بغداد .
وسيكون يوسف آخر افراد عائلته الذين سيطيرون الى خارج العراق ، فضلا عن كونه واحدا من ثلثي طائفته المسيحية
التي كانت في البلد قبل سقوط الدكتاتورية، التي فر معظم افرادها الى كردستان العراق حاليا. لكن قبل رحيله ،
هو حريص على تسجيل بعض النقاط القديمة. يقول يوسف " انه خطأ اميركا . وها هم المسلمون يذبحوننا الآن ،
إلاّ ان ذلك ما كان ليحصل لو لم يأت الغرب ليقلب حياتنا رأسا على عقب " .
ويضيف يوسف " ربما سيكون بمقدورنا العودة يوما إذا كان لنا حلفاء مناسبون " .
بقدر اهتمام بعض ابناء دينه ، فإنهم مستعدون للبحث عن بدائل للنفوذ الاميركي .
ويعلق عاشو كوركيس ، الذي يرأس الحركة الوطنية الاشورية التي كانت وما تزال منذ عامين تسعى لممارسة الضغوط
على الكرملين الروسي بهدف دعم استقلال دولة مسيحية اشورية في شمال العراق ، قائلا " لقد اثبتت روسيا عبر التاريخ
انها الحامي الوحيد للمسيحيين " . حتى وقت قريب، لم يكن للشتات العراقي الموجود في بيروت وباقي انحاء العالم ،
ما يظهرونه من جهود حتى شهر كانون الثاني ، فيما تتصاعد حدة التوترات بين الغرب وروسيا جراء القضية الاوكرانية ،
الى ان تلقى كوركيس دعوة للقدوم الى موسكو للقاء مسؤولين حكوميين روس . يقول كوركيس " لقد اكدوا لي دعمهم للقضية الاشورية ،
إلا انهم يبحثون عن قاعدة روسية جدية لدعم الموضوع في اوساط المجتمع الدولي " .
وفيما ينتظر افراد الحركة الوطنية الاشورية ، فهم مشغولون حاليا بحضور النشاطات التي تقيمها السفارة الروسية ،
فضلا عن تداول رسائلهم مع الكرملين ، عدا احتفائهم بمناورات السياسة الخارجية الروسية عبر ارجاء العالم .
فحسب رسالة تهنئة مفتوحة ارسلت الى السفارة الروسية في بيروت منتصف شهر آذار الماضي ، ان
" مع استمرار التحريض الاميركي - الاوروبي لجمهورية اوكرانيا بدافع حثها على الانضمام الى الاتحاد الاوروبي ،
فإن قرار برلمان جزيرة القرم بالانضمام للاتحاد الروسي جاء كخبر سعيد لجميع المسيحيين المسحوقين عبر ارجاء العالم " .
وحسب رسالة خطية اخرى بعث بها كوركيس الى الكرملين إن " دبلوماسية الروس الاحترافية اثبتت قدرتها
على احتواء المؤامرات ضد شعوب الدول المكشوفة " .
لكن ، ليس هنالك من ضمانات بأن الروس الذين يحضون باهتمام محدود في معظم ارجاء العالم العربي لموقفهم من القضية السورية ،
انهم سيقدمون على مخاطرات اكبر بعلاقاتهم عبر ارجاء المنطقة من اجل مسيحيي العراق .
كما ان مساعي الحركة الاشورية لا تحظى في الوقت ذاته بدعم يتجاوز 10-15% من ابناء الطائفة لموضوع التقارب
مع الروس وبوتين ، حسب ما صرحت به بيانات صدرت عن عدة كنائس . الا أن اصطياد الحركة الآشورية للانصار
البدلاء يصور حالة الغضب العارم التي تعتري العديد من مسيحيي المشرق تجاه الغرب لعدم اكتراثه بمأساتهم .
ويعلق عزيز عمانويل الزيباري ، وهو مسؤول في احدى الكنائس الكلدانية الكاثوليكية في اربيل ، إن
" الغرب ليس مسيحيا " . ويضيف " لقد دمرونا عبر تنصيبهم لحكومة مبنية على الطوائف الاسلامية التي ليس لنا مكان بينها " .
من بين كل مآسي العراق ، يصح القول إن المسيحيين لهم مأساتهم المشروعة بقوة .
فبعد أن كانوا محميين من قبل نظام صدام ، حتى مع حقيقة خضوعهم لنمط الحكم المستبد ذاته شأنهم كشأن
باقي افراد الشعب ، الا أن الطائفة المسيحية تعرضت الى ابادة وحشية بعد الغزو الاميركي للعراق في ربيع العام 2003 .
وتوجه العديد من المسيحيين للعمل مع قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة كمترجمين بداية ،
الا إن القوات الغربية سرعان ما استغنت عنهم ، الامر الذي وضع المسيحيين في دائرة العمالة لتعاونها مع المحتل الاجنبي .
يستذكر يوسف حياته في بغداد مع مجيء الاحتلال قائلا " لقد اعتقد المسلمون اننا كنا كالاميركيين ،
الامر الذي جعلنا اقل شعبية بين الناس وزاد من مشاكلنا " . ومن بين ما نتج عن ذلك أن الاتهامات وجهت للمسيحيين ،
فيما فشل شركاؤهم الاميركيون بواجب رعايتهم لهؤلاء كونهم يمثلون اقلية دينية تقوض امنها وحتى وجودها .
فحسب مهندس مدني مسيحي يسكن اربيل ، رفض الافصاح عن اسمه لاسباب امنية ، ان " حينما اجتاح العنف البلد ،
تلقى الشيعة العون من ايران ، فيما تلقى السنة العون من الخليج ... لكن ماذا عنا ؟ لقد بتنا من دون حماية او رعاية " .
لكن الاصرار المسيحي على ان الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف لم يفعلوا شيئا لا يمثل حقيقة مطلقة كليا .
فقد استفاد بضعة مئات من الآلاف من المسيحيين العراقيين من شروط الهجرة الميسرة ، التي وفرتها لهم قوانين الولايات المتحدة ،
سجلت ابرشيات كاليفورنيا لوحدها ما يقدر بـ 30 الفا الى 70 الفا من الرعايا الجدد منذ العام 2003 ،
فيما استقبلت مشيغان لوحدها ما يزيد عن مئة و20 الفا من المسيحيين الاشوريين والكلدان .
لكن حتى في الولايات المتحدة ، واجه بعض المسيحيين مشاكل مع السياسة الاميركية . اذ يقول الزيباري ،
الذي يخشى على مستقبل الكوتا المسيحية في برلماني العراق وكردستان، ان " عبر فتحها لأبواب الهجرة ،
فإن الولايات المتحدة اضعفت من وضع هؤلاء الذين بقوا هناك " . وفي هذه الاثناء ، إن استمرار بوتين بالدفاع
عن الاسد في سورية المجاورة في وقت اضطراب شديد في العراق ، ينظر له على انه دليل مفضل على التزام
روسيا بدعم حقوق الاقليات . وحسب ما يعتقد الزيباري ، فإن راعيا كروسيا لن يسمح قط لحكومة العراق
بأن تدوس على المواطنين المسيحيين . ويضيف الزيباري في ترديد لكلمات كوركيس قائلا
" لقد وقفوا الى جانبا دوما . وانا واثق كل الثقة انهم سيقومون بما هو اكثر لنا في ارض اسلافنا " .
لكن حتى اذا قدر لروسيا ان تقدم بعض الدعم من جانبها ، فإن السؤال الذي يظل يتمثل في كم من المسيحيين
سيبقى ليتلقى هذا الدعم . لقد كان العام 2013 عاما جيدا بالنظر الى هجرة 500 عائلة مسيحية عبر
شمال العراق مقارنة بهجرة 6500 عائلة مسيحية سنويا خلال السنوات التي تلت الغزو الاميركي مباشرة .
لكن اكتساح مليشيات داعش لمحافظة الموصل ، التي تعد ارضا تاريخية للمسيحيين واقتحامهم للكنائس واستخدام
دير مار بهنام كقاعدة لعملهم المسلح يهدد بنزوح مسيحي اكبر. وفي الوقت الراهن ، بات الوضع ابعد ما يكون عن الوضوح
لو اريد قياس تأثير علاقة الروس الدافئة مع مسيحيي الشرق الاوسط ضمن الدينامية الاقليمية العاصفة في المنطقة .
من جانب آخر، فإن الصفقة المصرية مع الروس في شباط الماضي بقيمة ملياري دولار لشراء اسلحة ومعدات عسكرية
ازعجت واشنطن ايما ازعاج ، لاسيما ان الاخيرة جهزت معظم المؤسسة العسكرية المصرية ،
منذ سبعينيات القرن الماضي، فيما يطلب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي طائرات روسية بهدف ضرب
ووقف تقدم مليشيات داعش بعد ان رفضت ادارة اوباما طلبا عراقيا مماثلا ، الامر الذي يعرض علاقات
معقدة اصلا بين البلدين ، يعرضها لتعقيدات اكبر . وليس مفاجئا توجه المسيحيين العراقيين البراغماتي في طلب المساعدة
ضمن لعبة الجغرافيا السياسية . يقول يوسف وقد علت وجهه ابتسامة واضحة " من اميركا او روسيا او الصين
او حتى تومبكت و، فإننا نرحب بالمساعدة ايا كان مصدرها " . لكن في خضم الظرف الراهن ، يبدو أن الجميع
توقفوا عن تقديم الدعم . وهنا يقول غسان سلومي ، 38 عاما ، وهو مسيحي كلداني من بغداد ، تعرض لإصابة
في عموده الفقري بعد اسبوعين من الحرب ، قائلا " في المستقبل ،
لا اتصور أن مسيحيا سيبقى في العراق بسبب ان لا حقوق لنا في هذا البلد .
" ويختم سلومي قائلا " لا شك إن اي متغيرات اخرى ستتركنا في وضع مستحيل ".
المصـــدر / منتدى العالـــــــــم .