جمهورية الجماجم ... الديمقراطية العراقية █
السبت : 05 ـ 07 ـ 2014
بقلـــم / جاسم الطائي
قدر العراق أن يُنحر أبناؤه في مقاصل يومية ، وجماعية ، وهذا الإجرام في الساحة العراقية لم يكن من أجنبي محتل ،
ولا من صائل حاقد ، بل هو من أُناس يحملون جنسيتنا ، ويتكلمون
بلغتنا ، ويدعون حب عراقنا ، وهذا لعمري هو ابتلاء مركب ، يحتاج علاجه لمزيد من الحكمة والصبر والشجاعة .
العراق اليوم هو على شفا حافة مهلكة ، تحمل في طياتها العديد من الاحتمالات المخيفة ،
وربما ستقود البلاد إلى متاهات ، ومتاهات قاتلة، وربما لا يمكن الفرار منها بسهولة ؛ إلا أن تتدارك العناية الإلهية هذا البلد ،
الذي يتناسى العالم مصيبته .
هذه الاحتمالات المخيفة جاءت بسبب السياسات الطائفية المقيتة ، التي نحرت نصف الشعب ؛ من أجل رفع ونصرة هذا التجمع
( حزب ، كيان، طائفة ) ، أو ذاك ، والحق أنها سياسات انتقائية ، لم تقدم إلا الشر للعراق والعراقيين .
وللعراقيين على مدى العصور القريبة والبعيدة علاقة واضحة مع الجماجم أو القتل الجماعي ، ومن ذلك ما عرف بـ
( دير الجماجم ) ، وهي منطقة تقع بين البصرة والكوفة ، وكانت ضمن سلطات والي العراق الحجاج بن يوسف الثقفي .
وتذكر كتب التاريخ أن خلافاً وقع بين الحجاج ، وأحد كبار قادته ، وهو عبد الرحمن الأشعث الكندي ؛
وبسبب هذا الخلاف خرج ابن الأشعث على الحجاج ، وأعلن عصيانه سنة (82 ) هـ ، والتف إليه أهل العراق ،
الراغبين بالتخلص من آستبداد الحجاج ، إلا أن الحجاج - وبعد سلسلة من المعارك الضارية ، التي قتل فيها
عشرات الآلاف من الطرفين - هزم ابن الأشعث ، وقتله سنة ( 83 ) هـ .
وهكذا الأمر على مر العهود ، بدءً من الغزو المغولي لبغداد ، وانتهاءً بالاحتلال الأمريكي للعراق ، وخلال هذه العهود المظلمة
كانت الجماجم هي المشهد السائد في عموم البلاد .
في يوم 1/7/2014 ، كنت أتابع ندوة حوارية على قناة العراقية التابعة لرئيس حكومة بغداد نوري المالكي ،
وكان من بين المتحدثين أحد أعضاء دولة القانون ، الذي قال :
( إن مرشحنا الوحيد لرئاسة الوزراء هو السيد المالكي ؛ لأنه رجل محبوب ، ولديه مقبولية
لدى الكثيرين داخل العراق وخارجه ، وهو باني صرح الدولة العراقية ) !
ولا نعرف عن أي مالكي يتحدث ؟ ! وهل المالكي الذي نعرفه ، غير المالكي
الذي يعرفه عضو دولة القانون ؟ !
فنحن نعرف المالكي الذي زرع الطائفية على مدى ثمان سنوات ، واليوم يحصد العراقيون
هذا ( الثمر) الخبيث ، الذي نشاهد آثاره في حروب حكومية لا رابح فيها إلاّ أعداء العراق ، والخسائر البشرية والمادية فيها
لا يمكن حصرها بسهولة ؛ لأن حكومة المالكي ( المحبوب ) قررت ضرب العراقيين بكل ما تملك من نيران أرضية وجوية ،
ظناً منها أنها قادرة على كسر شوكة الثوار ، الذين قرروا تدمير حاجز الصبر،
وعدم القبول ثانية بالذل والهوان ، والاستخفاف بالكرامة الإنسانية .
وأنا لا أريد أن أعلق كثيراً على كلام النائب عن دولة القانون ؛ بل سأكتفي بذكر بعض الحقائق المخيفة من المشهد العراقي ،
وخلال الشهر السابق ( حزيران ) فقط ؛ لنعرف بعدها كم هي حجم الكارثة ، التي لحقت بالعراقيين .
في يوم الثلاثاء 1/7/2014 ، أكدت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق ( يونامي ) ، أن شهر حزيران كان الأكثر
ضحايا ودموية في صفوف المدنيين في عام 2014 ، مبينة مقتل ، ( 2417 ) شخصاً
وإصابة ( 2287 ) آخرين باستثناء محافظة الأنبار.
ولفت البيان أنه ، ( وفقاً للمعلومات التي حصلت عليها البعثة من دائرة صحة الأنبار،
فأن مجموع الخسائر بين المدنيين في الانبار لغاية يوم 29 حزيران ، ( وصل إلى (244 )
قتيلاً و( 588 ) جريحاً ، مع ( 91 ) قتيلاً و( 268 ) جريحاً في الرمادي
و( 124) قتيلاً و( 224 ) جريحاً في الفلوجة ، و( 29 ) قتيلاً و( 96 ) جريحا في القائم .
مع كل هذه الإحصائيات نجد أن الحكومة لم تحرك ساكناً ، بل ما يحدث يزيدها إصراراً على قتل المزيد ؛
وهذا يثبت حقدها على الشعب ، المُبتلى بها وبغيرها .
وهكذا يستمر العراقيون بدفن قتلاهم بصمت ، وهم يعلمون أنهم يعيشون في ( عصر الجماجم ) ،
والفتن ، والديمقراطية المزيفة !!! .