،
سـكـان مـحـلـيـون : كــانـت هـنـاك مـديـنـة .. تُـدعـى تــكـريــت !
يحبس الداخل إلى مدينة تكريت أنفاسه ، مشاعر الخوف والفزع أكثر من طبيعية في هذا المكان .
لا صوت يعلو فوق أزيز الطائرات الأميركية ، المشهد في المدينة عبارة عن ركام هنا أو بقايا أشلاء هناك .
تنتشر الكلاب والقطط والقوارض في كل مكان ، وإن مر أحدهم، لن يشم إلا رائحة البارود أو الجثث المتعفنة ،
تتشح المدينة بالسواد ، بعدما نهبها وحرقها مسلحون من الحشد الشعبي .
ملأ هؤلاء المدينة بشعارات عنصرية وطائفية باللغتين العربية والفارسية ، والتي عادة ما تكتب إلى جانب تلك التي كان
قد كتبها تنظيم “ داعش ” ، احتاج الحاج أبوغانم ( 63 عاماً ) بعض الوقت قبل أن يستجمع قواه للحديث عما شاهده
بعد عودته إلى بيته ، هو الذي نزح عن مدينته لمدة ثمانية أشهر .
بدا خائفاً من الميليشيات التي لا ترحم صغيراً أو كبيراً ، وقال : “ عدت إلى تكريت بعدما أنفقت كل ما أملك ، لكن كان الموت أرحم مما رأيته .
نهبت الميليشيات منازلنا وأحرقتها بالكامل ، الشعارات الطائفية ملأت شوارع المدينة ، هذه كارثة كبرى حلت على رؤوسنا ،
كنا نظن أن المدينة حررت فعلاً ، وإذ بنا نجد أن الميليشيات دمرت وأحرقت كل شيء ، كيف يكون التحرير في مدينة لم تعد تصلح للعيش ” .
فلم يكن منه إلا أن عاد إلى مخيم الخازر في أربيل ، على الرغم من أنه لا يملك المال .
أيضاً ، تحوّل منزل محمد التكريتي ( 47 عاماً ) إلى ركام ، فيما نهبت الميليشيات كل محتويات بيوت جيرانه ،
وقال “ نهبت الميليشيات كل شيء ، لم يتركوا شيئاً في المنازل والدوائر الرسمية والمحال التجارية ، حتى إنها أحرقت المنازل ،
خصوصاً منازل الضباط السابقين في عهد النظام السابق ، العبارات الطائفية الحاقدة تملأ الشوارع ، هذه محرقة لم تشهدها المدينة من قبل ” .
يمسح التكريتي دموعه قبل أن يضيف : “ كنت أتمنى الموت قبل أن أرى تكريت على هذه الحال ، لم يسلم فيها بشر أو حجر.
أين يمكن أن نسكن بعد اليوم ؟ كأن مأساتنا لن تنتهي ، ولن نفرح بالخلاص من داعش ” .
في السياق، أعلن محافظ صلاح الدين ، رائد الجبوري ، ورئيس مجلس المحافظة ، أحمد الكريم ، انسحابهما من المدينة ،
مساء الجمعة الماضي ، بعد اشتباك أفراد حمايتهما مع الميليشيات ، محاولين منعهم من حرق المنازل ، وإخراج ممتلكات أهلها من المدينة ،
عبر سيارات شحن استقدموها لهذا الغرض ، وطالبوا الحكومة القيام بدورها ، ومنع إحراق تكريت .
وفي وقت ما زالت عشرات العائلات في تكريت مفقودة ، يسعى أقرباؤهم إلى العثور عليهم بالتعاون مع بعثة
الأمم المتحدة والصليب الأحمر ومسؤولين عراقيين .
بدوره ، يؤكد العقيد أحمد عبدالله العجيلي إعدام المليشيات عدداً من المواطنين داخل المدينة ، بحجة انتمائهم إلى تنظيم “ داعش “ ،
علما أنهم اضطروا إلى العودة إلى تكريت وتحمل العيش في ظل “ داعش ” ، لأنهم عجزوا عن البقاء خارجها .
ويضيف ، أن “ الميليشيات أفسدت نشوة النصر على داعش ” .
بدوره ، يقول رئيس منظمة السلام العراقية لحقوق الإنسان ، محمد علي ، إن “ هناك نحو 26 عائلة في عداد المفقودين ،
ولا نعلم مصيرها ، هناك شائعات تفيد بأنهم اختطفوا من قبل الميليشيات بهدف مساومة داعش ، في مقابل إطلاق الأخيرة
مجموعة من أسراها ، فيما يقول البعض إنهم قتلوا ودفنوا في مقابر جماعية ” .
ويتابع أن “ المليشيات كررت قصة خراب البصرة التاريخية ، ومنحت داعش هدية كبيرة ، ربما لن يفوض الأهالي الميليشيات
في مناطق أخرى لتحريرها من داعش ، على الرغم من عمليات الحرق والقتل والسرقة والنهب التي يقوم بها التنظيم ” .
من جهته ، يؤكد الشيخ عبدالجبار التكريتي ، وهو أحد شيوخ عشائر تكريت ، أنه التقى وفداً عشائرياً مع مراجع دينية في النجف ،
لحثها على إصدار فتوى تحرّم سرقة ممتلكات أهالي تكريت وحرق بيوتهم .
ويضيف : “ وجدنا تجاوباً ورفضاً لأفعال المليشيات ، وَعدونا بالتدخل ” .
من جهته ، يقول مسؤول الصحة العامة في تكريت ، خميس العبيدي ، إن “ أهالي تكريت لن يعودوا إلى المدينة
في الوقت الحالي ، وخصوصاً أن مقومات الحياة غير متوفرة .
لا بيوت صالحة للسكن ، كما أنها باتت منطقة منكوبة من الناحيتين الصحية والبيئية .
وقد دمرت شبكات الطاقة والاتصالات والمياه ” ، ويلفت إلى أن “ إعادة تأهيل المرافق الأساسية تحتاج إلى سنة كاملة ” ،
مؤكداً في الوقت نفسه أنها لن تعود كما كانت