اليوم نستعيد صورة جان ونصونه من الفساد

يظل جان هامشياً في الصورة، على الرغم من أن جسده كلي الحضور، عندما تتجاور الأشياء داخل الصورة الساكنة ثمة علامات وكتل سيكون حضورها طافياً وسيكون ثمة كتل وعلامات تنام في الظلام والظل، ما الذي يجعل نظرة جان هنا حاضرة؟ على الرغم من عويناته البارزة أكثر من تقاسيم وجهه الغائبة، من الواضح مثلاً، إن الإضاءة أحد أبعاد الضوء، تعمل الصورة عادة أما لتدثير مأساة أو لتفجير مشاعر، لا يمكن للصورة أن تكون حيادية ذلك يجعل العالم يمضي قدماً نحو نهايته مجرداً من إنسانيته موتوراً لا يرى غير الوجه أما القفى الدامي فلا يعير أهمية له، انه ينتمي لمنظومة أخرى غريبة وغارقة في الظل أليس هذا مخجلاً على نحو بنيوي يمكن أن يتصدع، لكن عملية إيقاظ النظرة القديمة تظل ضرورة موضوعية لذلك الأثر.
التضحية من أجل الوطن عنوان
لم تضحكني جملة مثلما فعلت هذه الجملة لاسيما عندما يتوجب تقديم القرابين من أجل مجد الحثالة الذين يتربعون على القلوب الساذجة.
عندما يصيح الضابط
-إلى الأمام
كان الأمر يبدو لغزاً فلقد كان الليل يحوطنا وثمة جحيم أبدي يحوطنا يمتد أمام أبصارنا.
الوطن الذي يفقد قيمته إزاء أي بطيخة، هذا ما يشغل تفكيري بعد كل تلك السنوات التي هدرتها في التفكير بالمدافع والذخيرة وكل تلك الأشياء القبيحة التي تجرح المشاعر.
-أين تذهب
يصيح العريف الذي يعترض بشدة قائد عجنته الضرورة
-إلى الجحيم.
أجيبه
-أريد أن أذهب معك
يقول لي وعندما نسير في الشقوق فوق الجثث، ونصل إلى الجهة الثانية ونتطلع إلى مواضعنا، لم نكن نجد غير الليل وقنابر الهاون وذلك الجحيم الممتد أمامنا مرفرفاً أمام لبلاب القلب.
الإرهاب وراء اختفاء الموسيقى
قبل سنة ونصف أتذكر أنني بدأت أتفقد محلات التسجيلات، التي تهتم بالموسيقى والغناء، فوجئت مثلي مثل غيري باختفاء هذه الظاهرة العجيبة التي هي ميزة ثابتة وراسخة في تراثنا الغنائي والموسيقي، فلقد كنا أصحاب أعرق تراث غنائي، وعلى اختلاف تعدد القوميات والديانات التي سكنت أرض العراق أرض سومر وبابل وآشور وأكد…. الخ، منا خرجت قيثارة بابل العظيمة وعلى أرضنا كانت تقدس التراتيل، أعداد كبيرة من هذه المحلات التي كانت توزع وتنتج الكاسيتات حولت إلى مكاتب دلالية وقسم كبير منهم حول إلى محلات تبيع أقراص «السي دي»، وهي مع شديد الأسف لا تقدم غير أصوات بذيئة وكلمات أكثر بذاءة. كما لا يفوتها أن تصور مشاهد التحريض على القتل وقطع الرؤوس وتمد نشاطها في العراق كله تقريباً وهكذا. ذهب تراثنا الموسيقي والغنائي مع الريح ولم نعد نسمع إلا نادراً صوت داخل حسن ووحيدة خليل وناظم الغزالي وأحمد الخليل وزهور حسينِ وناصر حكيم وحضيري أبو عزيز وجواد وادي وعبد محمد ومسعود العمارتلي وعفيفة اسكندر وسلمان المنكوب وسعدي الحلى وصالح الكويتي وعباس جميل ومحمد جواد أموري وطالب القره غولي وكوكب حمزة ويوسف عمر وحسن خيوكة والمطيرجي وعبادي العماري وفرج وهاب وأنوار عبد الوهاب وفؤاد سالم وحسين نعمة وياس خضر وفاضل عواد وغيرهم (إلى أين، ذهبت الموسيقى والى أين سيقودنا هذا البديل الذي فرض بقوة السلاح.
انه مجرد سؤال نطرحه على السادة المسؤولين في وزارة الثقافة. أما آن الوقت لتأخذ على عاتقها، زمام المبادرة بعد أن ضاقت بنا السبل وهبط مستوى الذائقة كثيراً. نقول هذا لأن بعض أصحاب هذا المحلات أبرزوا لنا أوراقاً من مكاتب دينية معروفة تتضمن التهديد والوعيد ويعدون كل الموسيقى حرام وكل صوت عورة.
المذكرات الذهبية وترهات الخلود
1
يحتفظ الفلم بالأسود والأبيض بسحر من نوع ما؛ بسبب من ارتفاع نسبة الضباب التي تمنحه جمالاً غامضاً، ثمة شيء من الخيال يظل عائماً بين طيات مشاهده وإذا لم تقدم الصورة نفسها بابتذال، فأن ما يحكمك على الشاشة تلقائية وفواصل هادئة تمنحك شيئاً من الدهشة والتأمل. وثمة زمن نسبي من الماضي، يسحبك إلى قلب الشاشة من دون تصنع وبهرجة.
2
يقول إيهاب حسن: إن أي تعريف لما بعد الحداثة يعد رؤية رباعية الأطراف ومن المكملات لاعتناق التواصل والزمنية والآنية.
وهذا يعني ضمناً أن أي تعريف لما بعد حداثة يعد ممكناً طالما أنه تعريف سائب، ومن الممكن إيجاد أكثر من تخريج من أجل تسويقه. بهذا الشكل هل يمكن أن نقول أن الحديث عن القديم، والجديد، والماضي، والمستقبل يعد مفاهيم أزلية، تعمل ضمن منظومة الديالكتيك؟ وهل ما بعد الحداثة يعد مناهضة لبنية التضاد التي تعمل في ليل العالم الذي من الصعب أن نغادره من دون أن يمسنا شعاعه؟
3
عندما رأيتها وقد أثخنتها شيخوخة رائعة أخبرتها إنها كانت حبيبة صبانا لا أعرف ما إذا عرفت مغزى كلامي؟
*تنشر صفحة “نصوص الثلاثاء” بالتتابع فصول الرواية الجديدة للكاتب التي ستطبع قريباً تحت عنوان “مهد الأبدية”، إذ وضع في مقدّمتها المؤلف بأنّها “رواية ذات رأسين” وأهداها إلى “الهامش الحيّ”، وثبت هذه الملاحظة: “جميع شخصيات الرواية من نسيج الخيال وإذا حدث أي تشابه مع أي اسم لشخص في الواقع فهذا بفعل المصادفة لا أكثر”.

الصباح الجديد: حسين علي يونس