فصـل الخريف[ في الموصل أيام زمـان غانـم محمـد الحيّو باحث في تاريخ الموصل وتراثها
فصل الخريف يبدأ حسب العرف الشعبي الموصلي من يوم (28) آب إذ تبدأ درجات الحرارة بالإعتدال، والانقلاب الخريفي يكون يوم (14) أيلول ومن عادات النصارى، كانت توقد النيران فيه ليلاً ويقفزون من فوقها .
وأشهُر الخريف هي : أيلول وتشرين الأول وتشرين الثاني .
مسـميات فصـل الخـريف يسمى شعبياً ( الصفاري ) لبدء إصفرار أوراق الأشجار وذبولها ، وخلو الأرض من الأعشاب، وكثرة هبوب الرياح الترابية فيه ، وقيل من إنصراف الحر والإستبشار باعتدال المناخ . ويسمى أيضاً ( جويريد ) وهي رياح ترابية شديدة ( العجاج ) تهب في أواخره وتجرد كافة الأشجار (عدا دائمة الخضرة ) من بقايا أوراقها المصفرة .
بوادر الكمـأ لو صادف سقوط أمطار غزيرة في شهر تشرين الثاني وصاحبها رعد وبرق شديد فإن ذلك يبشـر بكثرة الكمأة ( الكميّ ) في تلك السـنة ، ويقال عندها شعبياً (حاضت الأغض) .
مميزات ومواسـم فصل الخريف لفصل الخريف في الموصل بعض المميزات والأعمال والتحضيرات التي فرضتها عليها الظروف الجوية والطبيعية والعامة والعادات ، أيام زمان ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
موسـم المؤونـة ( الموني) في الموصـل يبدأ أهل الموصل من منتصف فصل الخريف بالتهيؤ لعمل المؤونـة (الموني) ، وهي ذات أهمية بالغة ، وكان يعتبر شراء بعض موادها من السوق مجلبة للانتقاد ويقال عنهم ( بيتم فارغ ) ويصفون بالكسل وسوء التدبير. وقلما يوجد بيت من بيوت أهل الموصل إلا ويقوم بعمل وتهيئة الموني ، بكافة مفرداتها، وحديث النسوة الشاغل في ذلك الوقت هو تحضيرات الموني ، التي لها مكوناتها وأساليب تحضيرها وتوقيتات إعدادها وكمياتها حسب افراد العائلة ، مما يتطلب ذلك عمل شاق ومتواصل من قبل الجميع وخاصة النساء ، وهي من مكونات المواد الضرورية في حياتهم .
مونـة المواد الغذائية تبدأ الموني بشراء الحنطة الناعمة للخبـز، والخشـنة الصفراء لعمل السليقة والبرغل والحبية وتقطيع الرشتة وقليها ، ويدخل ضمن الموني كثير من المواد الغذائية وغير الغذائية ، فبعد شراء حنطة الخبز والتمن (غـز العقغ) والبصل والثوم والعدس والدهن الحر والتمر والقسـب ( وهو التمر الجاف ) واليابسات كاللوبيا والباقلاء والحمص والفاصوليا والقيسي والسماق والملح ، وتجفيف الباميا والباذنجان ، وعصر معجون الطماطة ، وعمل النشـا ، وكبس المكبوسات من كبس اللحم والجبن والخل والطرشي والزيتون الاسود والأخضر والطرشي خاصة الطماطة والباذنجان الناعمان لعدم نضجهما بسبب البرد ، ويطلق عليهما ـ الأخاطة ـ أي نهاية المحصول الزراعي ، بعد حشيهما بالثوم والكزبرة ولفهما بالكرافس ) والخيار والترعوز وثوم العجم ، وفي بداية الشتاء تكبس المخللا بنوعيها المقطعة ( النيعمي ) للتسريع بنضجها والكاملة ( الطزوز) لتبقى لبداية الربيع والكغم وهو أوراق الشلغم ، وعمل الباسطرمة وشراء المواد العطارية مثل الكاري والفلفل ونوم البصرة والبيبون والدارسين... والحلو (عصير التمر) وحلو الجبل ( من عصير الزبيب ) والطحينية والتين الجاف وغيرها ، وطحن كمية كبيرة من الطحين بما يكفي لعدة أشـهر والسـكر والشاي (بعد إنتشارهما).
مونـة غير المواد الغذائية يدخل ضمن الموني من غير المواد الغذائية شراء مواد الوقود من حطب السوس لأنه سريع الإلتهاب وله نكهة طيبة والخشب والبعرور والفحم والكيل وطين خاوة والاشنان ( قبل استعمال الصابون) وشراء الملابس الشتوية ، كل ذلك وغيره يدخل ضمن باب الموني حتى الإبرة والخيوط ، الأمر الذي له أول وليس له آخر ، وفي الأمثال الموصلية (الصفاري ينغادلو كيس الما ينشـد) لاستمرار شراء المواد والعمل المتواصل بلا توقف ، البحث في الموني بحث متشعب وطويل. (1)
غسـل المفروشات والملابس الثقيلة في الشـط قبل توسيع مشروع إسالة الماء وحتى منتصف أربعينات القرن الماضي، كان أهل الموصل يعمدون في فصل الخريف إلى غسل الحاجات الكثيرة والثقيلة كالزوالي والبسط والمفارش والملابس الشتوية السميكة وغسل الصوف في نهر دجلة ، في عدة أماكن مناسبة لكل منطقة ، مثل منطقة شط الكصة قرب الثكنه الحجرية في بداية الدندان خلف المحكمة ، وسمي بشط الكصةلأنه ضحضاح بطيء الجريان لا يصل عمقه إلى جبهة (كصة) عابره مشياَ على قدميه خال من أماكن منخفضة أو عميقة والتي يطلق عليها (كرات ) ، ويكثر فيه الحصو وأكثره من الحصو الرقيق دائري الشكل ، والذي يستعمل عند طبـخ الدولمة ويسمى (طزوز واحدها طز) .
الثكنة العسكرية الحجرية
كثير من النساء يذهبن الى النهر( الشط ) على شكل جماعات ما بين ( 7ـ10) نسوة معهن البنات والاولاد، حازمين الملابس وما يراد غسله بقطع قماش كبيرة والشراشف وبعد عقده تسمى (كاغـة) يحملنها على روؤسهن ، ومعهم الاشنان قبل شيوع استعمال الصابون والخواطير ( الخويطيغ جمع خاطوغ) بأحجام مختلفة وهو من الخشب مستطيل يده منه تضرب بة المغسولات الثقيلة للتنظيف ، ومن أغانيهم التهكمية ( فلاني شدت كاغتا والعجايا لحقتا ، طمامي الكان طمتا ، عجية وأم أسـقاقات).
غسل الملابس الشتوية والبسط والمفروشات في النهر في الخريف فصل الخريف
ختـان (طهوغ) الاطفال
من العادات التي كانت سـائدة في الموصل ، يكون (الختان) في فصل الخريف ، قبل بدء العام الدراسي ، إذ يعتدل المناخ ويطيب الجو ، لا في الصيف الحار مما قد يولد النزيف ، ولا في أيام الشتاء لشـدة البرد مما يولد الالتهاب أو المرض.
كان للختان (الطهوغ) في الموصل عادات وتقاليد اجتماعية خاصة به ، قد تنفرد بها العائلة الموصلية ، وكانوا يؤخرون ختان الأطفال حتى إلى سن السابعة وما بعدها ، وكثيراً ما يكون أكثر من طفل من الأخوة وأولاد العم والأقارب في حفلة تليق بهم ويفرح ويبتهج أهلهم بذلك . كما كانت بعض الأسـر الموصلية ترغب بختان أولادها في حمام العليل ، يستأجرون داراً أو (عغزيلي) ، وهي السـيباط من خشب القوغ والحصران ، ويتم ختان الأولاد من قبل (المطهّغ) في حمام العليل نفسها ، ويبقون عدة أيام لحين شفاء المختون . (3)
صـيد الصـقر (أمير الطيور) يربي هواة الصيد في الموصل الصقور ويصيدون بها ويصطادونها في فصل الخريف لاعتدال المناخ، ويعتنون بتربيتها كما تربى الخيول الأصيلة وكلاب الصيد المدربة. ففي شهر تشرين الثاني حيث يطيب النسيم تشد رحال هواة صيد الصقور للبحث عنه وصيده ، في المواطن التي يكثر فيها مثل منطقة سنجار والجزيرة الشاسعة المترامية الأطراف ، ويصاد بمشقة وخبرة من قبل هواة صيده الذين يتمتعون باسرار طريقة صيده ، ويحققون بصيده أموالاً كبيرة . ويتقن مربي الصقر الحر تدريبه في فترة وجيزة ويكون منفذا أوامر صاحبه في الصيد بكفاءة ومهارة وامتياز. والصقور أنواع يعرفها هواة صيده وتربيته، وبعض الأسر الموصلية يرثون هذه الهواية عن الآباء ، ويعرفون أمراضه وطرق معالجتها . سمي (أمير الطيور) فهو كالفارس سواء كان محلقاً في كبد السماء،أو جاثـماً فوق قمم الجبال، أو وسط الروابي والسهول ، تراه تارة شامخاً في الجو ، وأخرى منقضاً كالسهم على طريدته ، مما جعله يلقب بـ (أمير الطيور)
ترميم بعض محتويات الدار في فصل الخريف يقوم بعض أهل الموصل من العمل بترميمات في دورهم التي تحتاج للترميم من سياع ما سقط منه ، أو معالجة التشـققات التي تحدث في البناء ( فطوغ ) والسطح ، أو بناء ما تهدم أو آيل على السقوط ، وربما إضافة مباني أخرى في الدار ، وذلك قبول سقوط الأمطار .
أمثـال فصـل الخـريف يتناول أهل الموصل كغيرهم أمثال وكنايات فيما يخص أشـهر وفصول السـنة وسنذكر هنا بعض ما يقال في فصل الخريف منها ، وشهري تشـرين الأول والثاني (3) ، ونرى من المناسب أن نوضح أن هناك اختلاف في تاريخ كل شهر بين التقويم الرسمي المعمول به وبين ( التقويم الشـرقي ) الذي يسمى شـعبيا (حسـبة الفلاح ) الذي يتأخر كل شهر ثلاثة عشر يوما وعليه يبدأ شهر تشرين الأول اعتبارا من يوم (14) حسب العرف الشـعبي وهذا يسري على كافة أشهر السـنة ، وعلى التقويم الشرقي يعتمدون في حسـاباتهم في الزراعة والحصاد والتقـلبات الجوية والمناخية .
ومن أمثال الخريف وشهري تشرين الأول والثاني : بتشـرين يخلـص العنـب والتيـن أي أن موسم العنب والتين يأخذ بالتناقص من منتصف شهر أيلول لينتهي موسمهما في شهر تشرين الثاني، وما نراه اليوم من تأخر توفرهما في السوق يعود ذلك بفضل مخازن وأجهزة التبريد التي عرفت حديثا.
بغد التشـارين اتوقاه وبغـد الغبيـع اتلقـاه يراد بالتشارين شهري تشرين الأول والثاني والغبيع ، الربيع والبـغد ، البرد .
يضرب في التحذير من اعتدال المناخ في شهر تشرين ووجوب التوقي من البرد ، إذ يبدأ انتشار أمراض الشتاء كالزكام ( النشلي) وغيرها ، وما يعقب ذلك من البرد القارص الذي يؤخر الشفاء أو يؤدي إلى بعض المضاعفات وما يسمى شـعبيا (انتكس أوعصيت ألنشـلي) وغير ذلك . عكس الربيع الدافئ ذو الهواء العليل الذي يساعد على الشفاء . قال الشـاعر :
لا تأمن برد الخريف وغدره فالماء عذب والهواء خطاف
بين التشـرينين صـيف أزغيـغ في شهر تشرين ألأول تبدأ درجات الحرارة بالإعتدال وكثيرا ما ترتفع درجات الحرارة فجأة في أواخر تشرين الأول وأوائل تشرين الثاني كأنه صيف صغير أمده عدة أيام ، لذا يجب الحذر من هذه التقلبات الجوية المتناقضة وخاصة ألأطفال بتـشـرين يتسـاوي ماي العاغـة والمعـدلي العاغة المرأة الكسولة الخاملة عديمة الإهتمام بالشؤون البيتية عكسها (المعدلي). من الحاجات المنزلية المهمة في الصيف الماء البارد الذي يتطلب تبريده جهد ومتابعة من وضع الماء في الحبوب والجرار والشربات في أماكن ذات تهوية جيدة
لتبريدها بالهواء ووضع بعضها على ستائر أسطح المنازل عصرا أو إدلاء الجرار في البئر ، وتنظيف هذه الأوانيباستمرار، وهذا مما يوفر للعائلة الماء البارد ، وهو ما تقوم به المرأة النشيطة ( المعدلي ) أما الخاملة (العاغة ) فلا تقوم بذلك ويحرم أفراد العائلة من الماء البارد في الصيف . وفي شهر تشرين يبرد الماء والهواء طبيعياً لبرودة المناخ فليس هناك فرق بين ماء هذه أو تلك ، والآن ألغت أجهزة التبريد هذا التباين . بغـد تشـرين أحـد مـن السـكين البرد في شهر تشـرين يمضي بالجسـم كالسكين الحادة المؤثرة لذا يجب الحذر والوقاية منه ، وفيه تكثر الغيوم في السماء وكثيرا ما تمطر والتي يطلق عليها (الهرفي) وقد تهب رياح شمالية باردة يصيب الزرع فتجف سيقانها وتسقط أوراق الشجر وهي ما يسمونها ( الضريبة ). إذا طلع العقرب ، تحت السـما لا تقرب العقرب : برج من الأبراج الفلكية ، يبزغ في شهر تشرين الأول ، يبرد آخر الليل، لذلك يتجنب النوم في السطح تحت السماء لئلا يتعرض لإصابته ببعض الأمراض كالزكام وغيرها .
[size=32]أنزل بالمهاف وأطلع بالألحاف [/size] المهاف المروحة اليدوية المنسوجة من سيقان الحنطة والشعير ، يراد به ترك النوم في السطح لانتهاء فصل الصيف ولو يستوجب إستعمال المروحة اليدوية (قبل أن تعرف المرواح الكهربائية ) . أما في نهاية الربيع وبداية الصيف يسـتحب التبكير بالنوم في السطح ولو تتغطى باللحاف ، لأن المناخ أخذ بالدفء والإعتدال .
كن ضغبو أبو جويريـد هي الرياح الشـديدة التي يصاحبها الغبـار (العجاج) تهب في أواخر فصل الخريف وتسقط المتبقي من أوراق الأشجار (غير دائمة الخضرة) وتجردها منها.اااا .
الصفاري للثـم ، والغبيـع للعيـن يكثر في فصل الخريف الكثير من الفواكه والخضراوات، وهو متعة للفم، في حين يكثر في الربيع الهواء العليل وإخضرار الأرض والبوادي والأزهار والأعشاب الربيعية وهي متعة للروح والعين الصفاري ينغادلو كيس الما ينشـد في منتصف الخريف يبدأ أهل الموصل بعمل وتهيئة الموني ومستلزماتها ، وهي كثيرة ومتلاحقة ولها أول وليس لها آخر ، مما يتطلب ذلك صرف المبالغ والنقود باستمرار دون توقف ، ولما كانوا يحفظون النقود في أكياس من القماش ويحكمون شـدها ، ويضعونها في مكان أمين في الدار لحين الحاجة ، ولما كانت مصاريفهم مستمرة من أعمال المؤونة ( الموني ) وشراء ملابس الشتاء ومستلزماته ، فلا تشـد بل تظل مفتوحة لتلبية الطلبات الملاحقة . من أكياس النقود منها صغيرة من الخام أو القماش، لحفظ النقود المعدنية توضع في جيب الرجل، ومعظم النقود التي كانت متداولة معدنية بفئات مختلفة من الفلس الواحد ... إلى الريال الذي في من ضمن مادة سكة مادة الفضة ويساوي (200 فلس ) .
هوا الخريف يسـمم، وهوا الغبيـع يسـمّن لكثرة تقلبات الجو في الخريف و إضطراب المناخ وهبوب الرياح الشديدة والمتربة ( العجاج ) المزعجة ، مما يعرض الإصابة بالأمراض ، خاصة مرضى الربو وضيق التنفس وغيرها ، وما سـيعقبه من برد قارص مما يعرضه للإنتكاس وشـدة وطأة المرض . في حين أن هواء الربيع يكون نسـيم منعش يعقبه مناخ معتدل وراحة نفسية وإطمئنان مما يساعد على الإنتعاش والسـمنة.
الزعغوغ كسـاح الخيرات في أواخر الخريف يبدأ نضج الزعرور ، وتبدأ الفواكه والخضراوات بالقلة والانحسار كأنه اكتسحها ليحل محلها في السوق .
ـــــــــــ
(ا) موضوع الموني في الموصل موضوع وشيق ، ولدي بحث واسع بصفتها وموادها وكيفية تحضيراتها وأوقات كل مفردة من مفرداتها ، سأرسله لكم قريباً إن شاء الله تعالى .
(2) موضوع الختان في الموصل أيام زمان له مراسيم ومستلزمات تراثية بديعة وسوف أرسل لكم بحث مستفيض معزز بالصور إن شاء الله تعالى .
(3) سبق أن نشرت في موقعكم الكريم أمثال تخص شهر أيلول ضمن أمثال الصيف وهو من أشهر الخريف. واستكمالاً للبحث هذه أمثال شهري تشرين الأول والثاني استكمالاً للموضوع ، وسوف أرسل لكم أمثال فصل الشتاء ومن بعده أمثال فصل الربيع بوقتهما إن شاء الله تعالى.
مع ملاحظة أن اللهجة العامية لا تخضع للقواعد اللغوية سواء النحوية أو الإملائية وإنها تكتب كما تلفظ .
من هنا 
من هنا 
من هنا 
العمل/الترفيه
الجمعة 10 يوليو 2015 - 6:59
