منذ سنتين تقريباً، وتحديداً في الثامن والعشرين من شهر أيار لعام 2013 حملت الفنانة التشكيلية السورية عبير إسبر «ملاكها» من حمص وهو يضمد جراح حمامتها الحبيبة، لتحط آمالها وآلامها في صالة الشعب في دمشق وتشارك زميلاتها في الإفراج عن محطات من حيوات تبدو للوهلة الأولى خاصة، لكنها في الحقيقة مشتركة في الفقد والحنين والحب والأمل والحياة والصمود، وفي اليوم ذاته حملت عبير إسبر درع شكر وتقدير وعادت بها إلى حمص مساءً، من باب نور وفرج فتحته التشكيلية هيام البرو، ومودّعة عائلة التشكيلية تهامى مصطفى من نسوة كئيبات لكنهن مستمرات رغم الظروف والألم. «فنانات من سورية» كان عنوان المعرض الذي جمع التشكيليات السوريات من مختلف المحافظات السورية في ذاك اليوم، معرض قال عنه آنذاك الدكتور الراحل حيدر يازجي رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين آنذاك: «أقمنا هذا المعرض الخاص بالزميلات الفنانات أملاً في أن يحرض الفنانات اللواتي لم يشاركن اليوم على المشاركة في معارض مقبلة». غرافيك ملون غاية، للأسف لم تتحقق، إذ لم تشهد دمشق بعده معرضاً أنثوياً جماعياً آخر، حتى الفردية تعدّ على أصابع اليد الواحدة في المراكز الثقافية نظراً لإغلاق كثير من الصالات المتخصصة، ليقتصر نشاط الفنانة التشكيلية السورية على المعارض المشتركة، كمشاركة بعضهن في معرض «غرافيك ملون» الذي نظمه الاتحاد واستضافته صالته، لتكون عذابات الأم السورية الموضوع الأكثر تناولاً، كـ «بكاء الأمهات» للتشكيلية لينا ديب، وملتقى التصوير الزيتي الرابع «سورية جسر المحبة» الذي أقيم منذ شهر تقريباً في قلعة دمشق وفيه بدت الفنانات التشكيليات أكثر تفاؤلاً بالمستقبل، إذ عبّرت التشكيلية لجينة الأصيل من خلال عملين عن الأمل بغد أجمل يحمل السلام لسورية مستخدمة البورتريه النسائي بأسلوب تعبيري وتقشف لوني ضمن توليفة متجانسة من المفردات التي كونت توازناً بصرياً جميلاً، كذلك فعلت التشكيلية غادة حداد فكرة الأمومة كرمزية عن سورية الأم فقدمت عملين «بورتريه نسائي» بحالة الحمل في أسلوب واقعي غرافيكي عكس حساسية عالية لدى الفنانة تجاه المواضيع الأنثوية، التي تتهم بها الفنانات التشكيليات السوريات عموماً وبعدم قدرتها على ابتكار جديد أو الخروج عن المواضيع التقليدية والمألوفة، وتالياً عدم قدرتها على ترك بصمتها الخاصة والمميزة في الحركة التشكيلية السورية كما الرجل، تهمة تؤكدها التشكيلية تهامى مصطفى فتقول: بالتأكيد المرأة لديها التزامات أكثر بكثير من الرجل في الحياة، لكني لست مع عدم وجود تشكيليات بارزات، أنا مع تفوق ذكوري في هذا المجال، على الرغم من أني ومن خلال عملي في مجال التدريس أيضاً ألحظ تفوق الفتيات بمختلف أعمارهن على متفوقات بالرسم والأعمال الفنية أكثر من الذكور، لكن المجتمع وطبيعة تفكير الأهالي تحول دون استمرارهن في هذا المجال. وعلى خلاف مصطفى تجد الفنانة مفيدة الديوب أن أمومة الفنانة التشكيلية زادتها خبرة وزينت تجربتها فكان وجودها واضحاً وجريئاً في طرح الموضوعات الأكثر ملامسة للمشاعر وأكثر حكمةً وصبراً وإبداعاً في أسلوب وأنماط معالجة الأفكار والأوضاع التي تمر بها سورية، وتضيف: لقد عالجت موضوعات تتمتع بخواص عاطفية وغامضة وأحياناً تمتلك نوعاً من السحر واللمسات الأنثوية بتقنيات مختلفة وفنون نسوية غنية بالألوان والأشكال وأكثرها نفعية وتزيينية بالوقت ذاته، تقول: لقد خلقت الفنانة التشكيلية موازنة بين الإحساس الداخلي وعالم التجربة الخارجي المليء بالأحداث والآلام، ولم يعد قلق الفنانة التشكيلية محدداً بل بدأت بالسعي لاكتشاف حلول وبدائل تتماشى مع الوضع الاقتصادي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي وتوثيق الصلة بين الفن وحركة المجتمع باتجاه التماشي والتعايش مع الأزمة لتجسيد ما نمرّ به لخدمة المجتمع لبناء ثقافة أقوى وروابط إنسانية أكثر رقيا. تقييمات ويدرك بعض الفنانين التشكيليين السوريين التزامات رفيقات الملتقيات وزميلات اللون، ومسوؤلياتهن العائلية والمجتمعية، لكنّهم ينقسمون في تقييمهن، إذ يقول بعضهم بتقصيرهن وإجحافهن بحق أنفسهن، فضلاً عن التفات بعضهن إلى النظرة المجتمعية الدونية للفن التشكيلي عموماً ولهنّ على وجه التحديد، الأمر الذي حال دون تجاوز وكسر حاجز الخوف والخجل، ليس في مواضيع أعمالهن الفنية فقط، بل في التّعبير أيضاً عن هذه الأعمال، ويقول البعض الآخر بأسماء برزت ـ من دون ذكرها ـ في التجربة الفنية التشكيلية النسائية في سورية من حيث الشكل والمضمون، أما القسم الآخر فيستذكر تجربة القرن الماضي الصارمة والجادة التي لا تقبل أنصاف المواهب كما رآها الفنان التشكيلي سهيل بدور على خلاف ما قدمته التشكيليات السوريات خلال السنوات العشر الماضية، يقول: ﻻحظت بعض الإرباك في التجارب الجديدة وهذا مرده إلى البحث عن مكان في المشهد التشكيلي السوري والعربي، ما أفقد التجربة شيئاً من قيمتها، ويوضّح: كنت ألحظ اﻻستعجال في النتاج ضمن بحثهن في مفردات ربما استهلكت أو لم يوفق بعضهن في استحضارها فنياً ومعالجتها جيداً. وينوّه بدّور إلى الحضور المميز للتشكيليات السوريات عالمياً الأمر المغيّب والمعتّم إعلامياً بقصدٍ أو بدونه، ويقول: خلال تجوالي الدائم، شاهدتُ الكثير من الأعمال للفنانات السوريات في محافل دولية ومزادات عالمية، ما يؤكد قيمة تجربته، ويذكر الفنان التشكيلي سهيل بدّور أنّ بعض التشكيليات كنّ يدخلن بمناكفات قوية مع الفنانين من حيث التجريب والبحث والنتائج وكان لهن حضور ملحوظ ، لا سيّما في النحت، إذ كانت هذه التجارب قويّة ومتميّزة جداً ولها حضورها في الملتقيات الدولية ونتاجها المهم.