قرية الاخضر العمانية لا يجاورها سوى سلاسل الجبال وكل شيء مفتوح للتأويل الجمالي. ميدل ايست اونلاين مسقط - من عبدالرزاق الربيعي
حين دعاني الصديق "موسى الفرعي" لحضور أمسية شعرية في المنطقة الشرقية أقامها فريق الأخضر إحتفاء بعيد النهضة العمانية وضعت في إعتباري جملة أمور أهمها بساطة أمثال هذه الفعاليات التي تنظم بجهود فردية تعتمد على أبناء البلدة التابعة لولاية المضيبي بهدف المشاركة في هذه المناسبة الوطنية، ولابد أن أتوقع قلة الحضور بخاصة أن الأمسية جاءت لتكون مسك ختام يوم مفتوح مليء بالأنشطة الرياضية والإجتماعية التي شارك بها أبناء البلدة الهادئة المتوجة بخضرة البساتين وعذوبة الهواء، وطيبة الناس، ومن هذه الأنشطة سباق ماراثون وآخر في الرماية وكرة القدم ومسابقات ثقافية متنوعة، وكان "الفرعي" يحدثني عن كل ذلك لكي لا أصطدم بالحال الذي هي عليه، وكنت أطمئنه الى تفهمي لذلك ونحن نتجه الى المكان الذي أقيمت به الأمسية، كان ذلك المكان جزءا من ملعب بنى الفريق على جانب من جوانبه مسرحا مؤقتا في الهواء الطلق في القرية التي يبلغ عدد سكانها أكثر من الف نسمة، كما ورد في المطوية التي وزعت قبل بدء الأمسية ومما جاء في تلك المطوية "قرية الأخضر احدى قرى نيابة سمد الشأن التابعة لولاية المضيبي بالمنطقة الشرقية يجاورها من الشمال قرية الروضة ومن الجنوب سمد ومن الجنوب الشرقي قرية الشريعة"
اذن في المكان متسع للتأمل خصوصا أن القرية مفتوحة من جهتي الغرب والشرق إذ لا يجاورها سوى سلاسل الجبال التي تحيط بمعظم قرى النيابة فكل شيء مفتوح للتأويل الجمالي.. جبال وفلجان يغذيان بساتين القرية وبقعة خضراء تغطيها أشجار النخيل والمحاصيل الأخرى، وعلى جانب تقف قلعة الأخضرالتي بناها السيد عبدالله بن محمد البوسعيدي الوالي الأكبر للإمام أحمد بن سعيد عام 1185هجرية شامخة تؤكد العمق الحضاري للمكان لذا أصبحت هذه القلعة من رموز القرية التاريخية.
حين بلغت المكان الذي أقيمت به الأمسية فوجئت بالعدد الذي حضر فقد كان فوق التصور، حتى إنه زاد عن عدد الكراسي!
وعليه فالبعض تابع فقرات الأمسية وقوفا بينما افترش البعض الآخر الأرض، حين مددت بصري في الحضور شاهدت جمعا من مختلف الأعمار: شيوخا وشبابا وصغارا وكان الكل يصغي بإنتباه شديد لما يلقى على المنصة من نصوص لضيفي الأمسية الشاعرين نبهان السلطي وسعيد الوهيبي ويصفق لهما بكل حماس مطالبا إياهما بقراءة المزيد حتى أدرك الشاعرين سيف الوقت!
وكنت، إذ كلفت بإدارة الأمسية أحاول أن أقنع نفسي أن الوقت مفتوحا بأمسية تقام "بيوم مفتوح"!
وفي الختام طلب الجمهور من كاتب السطور أن يدلي بدلوه، ففعلت بعد تردد، فمن الصعب على أي شاعر يتعاطى الكتابة الحديثة أن يحصل على إصغاء جيد لنصوصه في أمسية صال بها الشعر النبطي وجال، لكن تفاعل الجمهور جعلني أشعر بسعادة غامرة، سعادة من يعرف أن كلماته تجد لها آذانا صاغية في الهواء الطلق حيث الفضاءات مفتوحة للجمال، وكان القمر والأشجار والجبال والطبيعة بكل تفاصيلها من ضمن الحضور.
هذه الأمسية وأخرى شاركت بها في وادي محرم بسمائل أعادتا لي الثقة بأن للشعر جمهورا واسعا خارج القاعات المغلقة التي تقام في المراكز الثقافية، حيث تستشري ظاهرة الكراسي الفارغة، ووحشة المكان!
ذلك لأن الناس خارج تلك المراكز الثقافية، ماتزال على تماس مباشر مع الطبيعة والجمال والنقاء والصفاء.
وما الشعر من دون كل هذه العناصر؟ ما الشعر من دون كل هذا الإحتشاد الجمالي؟.