وفاة أحمد الجلبي رمز التقاء المآرب الأميركية والإيرانية في العراق !
الأربعاء 04 ـ 11 ـ 2015
الجدل الذي رافق حياة أحمد الجلبي ذي المسيرة المهنية والسياسية المتعرجة التي أفضت به لأن يكون
أحد أكبر عرابي الغزو الأميركي للعراق ، يرافقه أيضا في مماته نظرا
لما خلفه دوره من تأثيرات يصعب أن تمحى على مدى أجيال .
العرب
ماذا قدم الجلبي للعراق طيلة حياته ؟
بغداد -
أعلن أمس في العراق عن وفاة النائب في البرلمان العراقي أحمد الجلبي الذي ارتبط اسمه بتوفير
الغطاء للاجتياح الأميركي لبلاده عام 2003 من خلال ترويجه لامتلاك بغداد أسلحة دمار شامل .
ووصف تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية الجلبي بـ « مهندس اجتياح العراق » ، وورد فيه أنّه أبرز شخصية
دفعت الولايات المتحدة إلى غزو البلد من خلال تشجيعها على الدخول في هذه الحرب
من دون معلومات حقيقية ما أدى الى كوارث ومآس لا تحصى .
وورد في التفسير الرسمي للموت المفاجئ أن الجلبي توفي إثر سكتة قلبية ألمّت به في منزله ببغداد .
وطالب رئيس ائتلاف الوطنية إياد علاوي الحكومة بإجراء كشف طبي دقيق للوقوف على السبب الحقيقي لوفاة الجلبي .
وكتب الباحث العراقي رشيد الخيون على صفحته في الفيس بوك معلّقا على وفاة الجلبي
« على العموم كان للجلبي ما له وما عليه، ساهم بألاعيب مختلفة في إحباط الحلم بعد الخلاص من الاستبداد » ،
مضيفا « حسب الظاهر كان المال لديه أولا ، ثم تولى اللعب على الطائفية ، ثم تنكر لها وأخذ ينتقدها ،
ظهرت فضائح كثيرة عن شخصه والمجموعات التي تعمل معه ، غطت على جهده في المعارضة ،
فأقرب الناس منه أخذ يدلي بمعلومات خطرة في ما يخص المال والدماء والآثار، نفهم منها أنه لم يكن يحب العراق » .
وكان الجلبي قد ولد من عائلة بغدادية ثرية ، لكنه غادر البلاد منتصف الخمسينات وقضى معظم حياته
في بريطانيا والولايات المتحدة حيث حصل على شهادة الدكتوراه في الرياضيات .
وقرّبه منفاه من مسؤولين غربيين ، لكن إقامته الطويلة بعيدا عن البلاد
التي شهدت حروبا وحصارا جعلته بعيدا عن الناس الذين ادعى أنّه يمثلهم .
وأسس الجلبي المؤتمر الوطني العراقي مع شخصيات معارضة أخرى في مطلع التسيعنيات ونسق
في ذات الفترة لانتفاضة كردية بشمال البلاد، لكنها فشلت ، وقتل على إثرها المئات من السكان ،
وتمكن هو من الفرار والعودة إلى الولايات المتحدة ولم يعد إلا مع الغزو.
رشيد الخيون : أقرب الناس من الجلبي يدلي بمعلومات خطرة نفهم منها أنه لم يكن يحب العراق !
وقد أعربت شخصيات أميركية في إدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن عن أملها أن يقود الجلبي
ومؤتمره الوطني البلاد بعد سقوط نظام صدام حسين .
لكن الرجل لم يكن يمتلك من الخبرة ما يؤهله ليقود بلدا بالغ التعقيد مثل العراق .
وأدت بعض الإجراءات الأميركية بينها حل الجيش العراقي إلى عدم وجود قوات كافية لضمان أمن البلاد ،
الأمر الذي أدى بعد ذلك إلى سنوات من إراقة الدماء ما تزال مستمرة حتى يومنا هذا .
وكان الجلبي الشخصية المفضلة لدى واشنطن عام 2003، لكنه فقد موقعه بعد أنْ « اكتشفت » الولايات المتحدة
أنّ المعلومات التي زودها بها حول أسلحة الدمار الشامل وتنظيم القاعدة كانت كاذبة .
واتهم الجلبي كذلك بتقديم المعلومات إلى إيران .
وتعرّض منزل الجلبي في مارس عام 2004 إلى مداهمة من قبل الجيش الأميركي والشرطة العراقية
ومصادرة وثائق وحواسيب ، والتهمة الوحيدة التي أعلنت بعد هذه العملية هي العثور على أوراق نقدية مزورة لدى الجلبي .
لكن مصادر قالت وقتها إن الأمر يتعلّق بمحاولة طمس وتغييب معلومات خطرة يحتفظ بها الجلبي ،
وتدين عدة أطراف بتعمّد غزو العراق بعيدا عن ذريعة أسلحة الدمار الشامل ،
وقالت مصادر أخرى إن الأمر يتعلّق بتهريب ونهب آثارعراقية نادرة وثمينة .
وقبل ذلك لاحقت الجلبي شبهات متكررة بالفساد وأدين من قبل محكمة أردنية باختلاس أموال من بنك البتراء عام 1992.
وبعد الاجتياح ، تولى الجلبي رئاسة دورية لمجلس الحكم الذي شكلته واشنطن لإدارة البلاد ،
وبعدها تولى منصب نائب رئيس الوزراء وتولى حقيبة وزارة النفط بشكل مؤقت ،
وآخر منصب تولاه قبل وفاته أمس هو رئاسة اللجنة المالية في البرلمان .
ويجادل كثير من الدارسين والمحللين السياسيين بنظرية « انخداع » واشنطن بادعاءات الجلبي بشأن
امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل ، معتبرين أن الولايات المتحدة اتخذت من الجلبي وغيره
من السياسيين العراقيين المرتبطين بإيران جسرا وذريعة لاحتلال العراق وتدميره ،
ومؤكّدين أن الأجهزة الاستخباراتية الأميركية كانت تمتلك الحقائق كاملة بشأن مستوى وطبيعة التسلّح العراقي ،
ومن المستحيل أن تنخدع بمجرّد ادعاءات من أي شخص ، واعتبارا للعلاقات الوطيدة التي احتفظ بها
مع كل من طهران وواشنطن في آن واحد، أصبح الجلبي في نظر كثير من العراقيين
رمزا لالتقاء المصالح الإيرانية الأميركية في العراق .
ويصر ساسة عراقيون معارضون لحكم الأحزاب الدينية في البلاد على أنّ الجلبي لم يكن رجل سياسة
بل « مجرّد عميل مخابرات» اشتغل بشكل مزدوج لمصلحة الأجهزة الأميركية والإيرانية .
إلاّ أن المقربين منه يصفونه بالسياسي الحاذق والاقتصادي البارع الذي استطاع التكيف مع السياسات الدولية والإقليمية
وطبيعة تفكيرالأحزاب الطائفية حيث كان من بين مؤسسي التحالف الوطني الذي يضم الأحزاب الدينية المقربة من إيران .
ومن جهة مقابلة يرى عامة العراقيين - الذين تصاعد غضبهم كثيرا من استشراء ظاهرة الفساد لما لها من تأثير مباشر على حياتهم -
في الجلبي رمزا لطبقة سياسية فاسدة دفعت العراق إلى حالة شبه الإفلاس والانهيار التي هو عليها اليوم ،
وذلك نظرا لارتباط اسم الرجل بقضايا فساد بدأت منذ إقامته في الخارج ودوره في إفلاس بنك البتراء في الأردن
وتواصلت بعد ذلك عند عودته مع الغزو الأميركي وتقلّده عدّة مناصب .