الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 7042مزاجي : تاريخ التسجيل : 02/01/2010الابراج :
موضوع: عن البطاقة الوطنية (1) السبت 14 نوفمبر 2015 - 21:23
[rtl]عن البطاقة الوطنية (1) تحية الى أخي في الايمان والمواطنة، فرج محمد صليوا
"اذا تم الاقرار بأن الرجل الذي يملك سلطة مطلقة قد يسيء استخدام تلك السلطة عندما يقوم بظلم خصومه، فلماذا لا تكون الأغلبية معرضة لنفس الانتقاد؟ (من كتاب طغيان الاغلبية أ. توكفيل)
بقلم الأب نويل فرمان السناطي ----------------------------- مثل ما نلاحظ، يحمل فرج ضمن اسمه الثلاثي وسام جرح أصابه من أبيه عندما انجرف الى خارج بيته، فعاشر من دفعته الى أن يغير دينه واختفى. وكان فرج أحد أولاد (محمد) المرتد من المسيحية الى الاسلام، قد نال، كما هو مألوف، بركة المعموذية وهو طفل رضيع، وشبّ على التعليم المسيحي فتلقى المناولة الاولى للقربان المقدس، وجدّد مواعيد طقوس المعموذية والتثبيت، بأن كفر بالشيطان، واعماله وكل شروره. وكنت قد تعرفت على الأخ فرج محمد صليوا، في ظروف القصف والغزو الأمريكي الذي انتهى بسقوط حكم شمولي، لتتوالى على العراق، حكومات محاصصة طائفية وضعت الغالبية الاثنية والمذهبية، بمثابة أغلبية ساحقة لدكتاتورية جماعية. وكنا نبحث عمن يصلح شبابيك الدار، غداة القصف العدواني، فلجأنا الى فرج، الذي كان يعمل في محل للزجاج في شارع تونس، مقابل كنيسة السيدة العذراء للسريان الأرثوذكس وبقرب ساحة النصر.
بحثا عن فرج ----------- لست أعلم أين هو فرج الآن، ولعل الصديق ظافر (الذي كما أذكر دلّنا إليه في حينها) يساعد الان في أن نتواصل معه بمحبة عبر هذا المقال، على أمل أن يذيل فيه شهادته، إن أراد ذلك وبقدر ما تسمح له ظروفه حيثما يتواجد حاليا.. فلست أعرف إن كان قد غادر العراق، مع آله وبيته، عندما انفتحت أبواب الهجرة لحالات ليست أقل مظلومية من أحواله. ولعله وصل الى الدول ذات التراث المسيحي التي تحتضن الاقليات المذهبية، كما المضطهدين من كل الأديان، منهم المسلمين الهاربين من الإرهاب الديني والقهر والاضطهاد المذهبي والطائفي، مغادرين سوريا والعراق؛ بدون أن تظهر دولة عربية او اسلامية من الدول المقتدرة، لتدّعي كرامة استقبالهم والعمل على استقرارهم، وهم في بلدان انتظار صغيرة مثل لبنان والاردن. ولا بد وأن فرج، إذا كان قد هاجر وقبلته دولة غربية، فعندئذ سيكون اسم الشهرة أو الأسم العائلي لأولاده، مأخوذاً من الإسم الثلاثي في جوازاتنا، فيصبح أسمهم العائلي:محمد. ومن ثم يصبح الاسم الكامل لابنه مثلا: شربل محمد، او اسم ابنته ريتا محمد... وعندئذ سليجأ إلى إجراء ديمقراطي تتيحه تلك الدول التي تحترم أقلياتها، كأساس لديمقراطيتها، فيعبّر عن حقّه في تغيير اسمه، ضمن معاملة تسمى (ليكال نيم شنج) أي التغيير القانوني للاسم. وبذلك يتخلّص أحفاد محمد صليوا أبي فرج، من الوصمة المتمثلة بفرض تسمية الشهرة عليهم لتكون (محمد)، بسبب اعتناق جدهم الاسلام: وهنا الوصمة بالطبع، هي في فرض الاسم، وليس في الاسم بحد ذاته، ويحمله الكثيرون من الطيبين، مع ولادتهم في بيئة هذا الاسم.
عند عبور حدود العراق: حالات من واقع فرج محمد صليوا ------------------------------------------------------------ لا اتذكر الاسم السابق لوالد فرج، وما فائدة ذلك، فهل يستحقّه؟ بل لعلّه تاب عن خطيئته، أمام ضميره وأمام الله والناس، بأنه لم يعتنق الاسلام إلا لأغراض الزواج، لعلّه إذن تاب فاستعاده، في بلاد الهجرة. فيقرر خارج العراق، غير ما اضطر إليه وهو تحت قانونه المذهبي الطائفي. وهذا الشأن هو شأن شاعر عراقي كبير، المرحوم يوسف الصايغ، الذي عرف في العراق بأنه تحول الى الاسلام، بعد زواجه من امرأة غير مسيحية. فكان في أيامه الأخيرة خارج العراق في سوريا، وعندما توفي، كان اصدقاؤه وزملاؤه الشعراء ومعظمهم غير مسيحيون، كانوا أمام التوصية، بأن يتم تشييعه في كنيسة كلدانية، توصية عبرت عنها اسرة الشاعر الراحل (من الذين كانوا في الخليج وقدموا الى سوريا للتشييع) الى البطريركية والى مطرانية الكلدان. وهكذا كان راعي خورنة سانت تيريز وبتوجيه من البطريركية في بغداد والمطرانية الكلدانية في حلب، حاضرًا لتشييعه بحضور عدد من ذويه وعدد أكبر من المريدين والاصدقاء والمحبين، من مسلمين وغيرهم، وعلى رأسهم الشاعر الكبير الراحل عبد الرزاق عبد الواحد. وهذا الشأن هو أيضا شأن ذلك الشاب، الذي ربطته علاقة بفتاة دليمية، فخرجوا من العراق، بأوراق المحكمة الشرعية، وحال وصولهم إلى برّ أمان، تقدمت (ز) مع خطيبها، لتدخل دورة المتقدمين الى العماذ التي من أصولها التأكد أن الفتاة لا غصب عليها لاعتناق دين خطيبها، فإذا بها خلال دروس الدورة، تستبق الكاهن في الاجابة عما كان يشرحه من أسس الايمان بالمسيحية، لتؤكد بملء الفم: أجل عشقت خطيبي، ولكني عشقت ايضا دينه ودين الذي خلقه مسيحيا. وهذا الشأن إياه كان مع الشاب الجنابي، الذي كان ياتي الى الكنيسة، خارج العراق، بخجل ولا يتقدم الى التناول، حتى علم راعي الكنيسة انه يريد ان يصبح مسيحيا، فتهيأ للعماذ ليستحق يد العراقية التي لم يكن يشأ أن يقترن بها في بغداد، فتحوّل دينها قسرا، بل هو الذي عشق دينها واعتنقه عن وجد (عن شغف).
وما حكاية فرج؟ -------------- وعودة إلى فرج: أتذكر الشيء القليل عن حكايته، ولعلّ أي قارئ صديق يعرف المزيد ويعدّل فيما أتذكره. فعندما شب فرج، لمس بعد أن ترك والده الدار لغير رجعة، ان الوالد أنكر دين آبائه لوقوعه في حب من لا يجوز لها شرعا أن تترك دينها إلا بحد السيف، فأسلم ليتزوجها. ولنا أن نتصور حالا كحال فرج وسواه، ممن بين ليلة وضحاها، وهو عائد، مثلا، من قداس أحد أو لقاء أخوية دينية، يجد نفسه على غير دينه، وهو لم يزل يعيش في محيطه واسرته وعشيرته وجيرانه. وهنا بدأت المحاولات المستميتة، وعلى ما فهمت منه لتغيير هذا الواقع المجحف بحقه وبحقّ سائر اسرته، فحصل على تدخلات أبوية طيبة من مثلث الرحمة البطريرك مار روفائيل الأول بيداويد، في ظل النظام الشمولي السابق. ولأن الفساد كان مستشريا في ذلك الزمان ايضا، كما هو الآن وأكثر، فقد وصل الأمر بفرج الى اللجوء إلى التأثير بأي نفوذ متيسر، على ذلك النظام البيروقراطي في تسجيل الأحوال المدنية. وأخيرا عادت في سجل الأحوال المدنية، ديانة فرج من مسلم إلى مسيحي ثانية. ولكنه بقي يحمل اسم محمد؛ على انه كحالة تعويضية كان بكل شجاعة يقدّم نفسه بنحو معتاد، باسمه الثلاثي الكاشف: فرج محمد صليوا. ومن ثم كانت تتوفر فرصة توضيح ذلك.
ما أشبه اليوم بالبارحة ------------------- أجل ايها العزيز فرج محمد صليوا وحيثما كنت، ها نحن، في هذه الأيام أيضا، نعود الى المربع الاول مع حكومة المحاصصة الطائفية، ليخرج لنا برلمانها بقانون يكرّس هذا الاجراء الذي طالما عانيتَ أنت منه وكافحت ضدّه، والذي ما هو إلا تدخل في شأن البيت المسيحي، وامتهان لحقوق الإنسان، وهو دعم قانوني من خلال هذا القانون المجحف، للطرف الخارج عن البيت بنزوة عشق، أو ما شابه، ليخرّب بيته مرتين، مرة بخروجه، ومرة بأسلمة القاصرين فيه وعدم توفر الفرصة المناسبة للطرف الباقي على مسيحيته، في الوفاء بعهود العماذ في تربية اولاده مسيحيا. إن مثل هذا الإجراء يعود سببه إلى أن الحكومة العراقية غير قائمة على المواطنة ولا على توازن المجتمع المدني، بل على أساس المحاصصات الطائفية، وهذه إحدى ثمارها المتناقضة مع الديمقراطية الحقيقية المتسندة على أن الأقليات فيها تمتاز بالتمتع بأبسط حقوقها. فهنا نحن بالاحرى أمام تعسفية ودكتاتورية الغالبية الساحقة. وبموجب ما جاء في الجملة المأخوذة من كتاب طغيان الأغلبية الواردة في صدر العنوان، بأن "الرجل الذي يملك سلطة مطلقة قد يسيء استخدام تلك السلطة عندما يقوم بظلم خصومه، فلماذا لا تكون الأغلبية معرضة لنفس الانتقاد؟"
الوضع الحالي للبطاقة الوطنية (العنصرية) -------------------------------------- وإذا كان ما يثار حاليا وبشجاعة في هذا الشأن على المستويات الكنسية وعلى مستوى الجماهير المسيحية، فلا يحسبنّ الناس، أن كل يوم، يذهب لنا واحد أو واحدة يترك دينه، إن لم تكن تلك الشطحات التي تظهر بين الفنية والأخرى. ومن مفارقة التناقض في قانون البطاقة الوطنية الموحدّة أن ليس ثمة من يتاح له ان يترك إسلامه لأي سبب أو قناعة، كما سبق وأوردنا من أمثلة كاشفة، فسيكون عندئذ تحت طائلة أن يوضع عليه الحدّ، أي يدفع حياته ثمنا لذلك. أو يخرج من العراق ليتصرف بحريته الشخصية. لكن يثار كل هذا، لأن كل حالة تحدث هي شرخ جديد في المظلومية، في إجراء ما هو الا من ثمار دفع المزيد من مسيحيي العراق الى الهجرة. فهل ثمة من يغير ما في النواب، ليصوتوا على خلاف ما صوتوا؟ كلا، بل هي المواقف الشجاعة لمجلس الطوائف ولبطريركية الكلدان، والتلويح بتدويل القضية، وطرحها كقضية رأي عام، أمام المحافل الدولية. على أمل أن يلتحق العراق بالركب الحضاري وبالديمقراطية التي تفتخر باحترام الاقليات، وتحت نظم يحكم فيها المجتمع المدني، تحترم الاختيارات الدينية ولا تفرض دينا على غيره، ولا تسن قانونا يغلّب دينا على غيره.[/rtl]