تكلا: الاختلاف بين المسيحية والإسلام لا يبرر العداوة والقتل والتكفير
كتاب يوضح أننا ابتلعنا طعماً مسموماً مرتين: عندما تشربنا مقولة صدام الأديان وعند مقولة التراث المسيحي اليهودي. ميدل ايست اونلاين كتب ـ محمد الحمامصي
سواء كنتَ مسيحيا أو مسلما، وسواء كنتِ مسلمة أو مسيحية، فلا تجعل في القلب والفكر والسلوك مكانًا للتعصب والكراهية والرفض". هكذا بدأت الكاتبة د. ليلى تكلا أستاذ القانون ورئيس الاتحاد المصري للمحاميات كتابها "التراث المسيحي الإسلامي" الصادر أخيرا عن دار الشروق، الذي هدف إلى التوفيق بين العقيدتين المسيحية والإسلامية لا التفضيل، وسعى للجمع والتقارب بين المسلمين والمسيحيين ليس التفرقة والتنافر.
وقالت "إن الفروق بين المسيحية والإسلام أقل مما نظنّ، والاختلاف بينهما لا يبرر العداوة والقتل والتكفير، لقد أوصى الإسلام بأهل الكتاب، والسيد المسيح أوصانا بالصلاة حتى من أجل الذين يسيئون إلينا، والإسلام لا يسيء إلى المسيحية بل يكرمها، حتى وإن رأى البعض ممن يدّعون الإسلام غير ذلك، واعتبروا أن الإساءة إلى المسيحيين حلال، فأطلقوا عليهم صفات غير كريمة".
وأشارت إلى أن السيد المسيح قال: "من ليس علينا فهو معنا"، والمسلم الذي يعرف حقيقة عقيدته ليس معاديًا للمسيحية أو المسيحيين حتى ولو ظن بعض المسيحيين ذلك.
وتساءلت د. ليلي تكلا "لماذا ذلك الكم من الكتابات التي تحاول البحث عما يهديء النفوس ويقرب القلوب ويجمع بين أصحاب الأديان المختلفة؟ لماذا يقحم بعض الكتاب أو المفكرين – ونحن منهم – أنفسهم في هذه القضية؟ سألت نفسي لماذا أسعى للحديث فى قضية أؤكد فى نفس الوقت أنها لا يجوز أن تكون محل نقاش وتظل علاقة شخصية خاصة جداً بين الإنسان وخالقه ليس لأحد التدخل فيها؟ أليس فى ذلك تناقض؟!"
وأوضحت "لقد ظهرت الحاجة إلى حوار وتوضيح لأن الواقع يختلف تماماً عن ذلك الوضع الأمثل، فقد أصبحت العقيدة الدينية عاملاً في العلاقات بين الأفراد وفى تقييم الفرد لغيره، وفى أسلوب التعامل معه، بل في تحديد مكانته وحقوقه، صارت قضية قابلة للنقاش والنقد، واختلق البعض (هيراريكية) أي هرماً من الطوائف والفئات والطبقات أعطت نفسها حق تلك المحاسبة التي هي لله وحده، فأصبح التعامل مع الفرد يتوقف على عقيدته، تفشى وانتشر ذلك التميز في المعاملة رغم أن تعاليم الأديان ترفضه ثم ازداد الأمر سوءاً عندما بدأت العقيدة الدينية تتخذ ذريعة للتفرقة بين البشر، إلى أن وصل الأمر إلى استغلالها لإشعال الصراع بينهم".
وقالت في كتابها الذي اعتبرته محاولة رسالة صادقة مخلصة لا تسعى لشيء سوى التفاهم والتعايش والسلام وأنه ليس مناظرة بين جانبين، بل ببساطة دعوة للفهم المشترك والاحترام المتبادل"إن تكفير المسيحيين أو تحليل سفك دمائهم ليس من الإسلام، ونشر العقيدة بالعنف لا مكان له في المسيحية. إن أمورًا كثيرة ومبادئ عدة تجمع بين العقيدتين، إن ما يجمع بينهما أكثر مما يفرّق، والتقارب الذي يمكن أن يسود بينهما لا يدركه كثيرون من الطرفين، هؤلاء الذين لا يعرفونه اتخذوا مواقف معادية أو تصادمية، تفاقمت نتائجها وجاءت بأضرار بالغة وخسائر لا تفرّق بين الضحايا من الجانبين".
وأضافت د. تكلا "إننا قد ابتلعنا طعماً مسموماً مرتين: مرة عندما تشربنا مقولة صدام الأديان، ويقصد بها أساساً الصدام بين المسيحية والإسلام، ومرة أخرى عندما داهمتنا مقولة التراث المسيحي اليهودي الذي قصد به مساندة سياسية اقتصادية للفكر والطموحات الصهيونية مع أن الفروق شاسعة بين العقيدة المسيحية والعقيدة اليهودية، فالسيد المسيح ركيزة المسيحية ومن يرفضه يرفض المسيحية من أساسها. والإسلام يبجل السيد المسيح عيسى عليه السلام، والعذراء مريم أم النور يضعها الإسلام فى مكانة خاصة كريمة، ويفرد لها فى القرآن الكريم سورة كاملة ويضعها المسيحيون في مقام القديسين، بينما يرفضها ويفتري عليها الفكر الصهيوني، وليس هناك أى وجه للتشابه بين المسيحية والصهيونية".
ورأت أنه آن الأوان للتخلص من ثمار ما زرعت الصهيونية "في عقولنا من دعوة إلى التنافر والتناحر، وأن يتقبل بعضنا البعض الآخر، ليس فقط بسبب ما بيننا من توافق، إنما بالرغم مما بيننا من اختلاف، ولنتذكر دائماً أن كلتا العقيدتين تؤمن بالتعايش والسلام وتقبل الاختلاف الذي هو سنة الحياة، وأن كلاهما يؤمن بالله الواحد وبالمسيح عند مولده وبمعجزة ميلاده ومعجزاته، كما أن كلاهما يؤمن بحقيقة رفعه إلى السماء. إنهما بإيجاز يتفقان معاً عند البداية وعند تمام الرسالة".
يبدأ الكتاب بمناقشة مسألة السلام والصراع والأديان، كاشفا عما هو قائم، وما يدور حولنا ومفندا ومتصديا لما يشاع من مقولات مضللة قدمت على أنها نظريات ثابتة مثل مقولات التراث المسيحي اليهودي، ثم ما جاء بعدها من ادعاء ما يسمى بالمسيحية الصهيونية، بعد ذلك يتعرض لما أعقبها من نظريات حول صراع الحضارات الذي جاء بعده التركيز على صراع الأديان وانحصر ذلك ليصبح أساس الصراع بين المسيحية والإسلام.
ومن مرحلة التفنيد والتصدي ينتقل الكتاب إلى مرحلة البناء والإضافة، وطرح بدائل فكرية تقوم على الحقيقة وتتفق مع الواقع سعيا لإزاحة ما لصق بالأذهان من اتجاهات مضللة يتم التعامل معها وكأنها حقائق لا شك فيها، وتوقعات آتية لا محال. لذلك جاء طرح نظرية بديلة هي حقيقة "التراث المسيحي الإسلامي المشترك" وتأكيد أن ما بينهما من تقارب يفوق ما بينهما من اختلاف، وهى اختلافات لا تبرر ما يحاولون زرعه من كراهية وما يتنبأون به من صدام، يبين البحث أن الإسلام يحترم المسيحيين، والمسيح، والعذراء مريم، وتتلاقى المسيحية والإسلام في فكرة أن المسيح روح الله، وهو بذلك يختلف عن البشر بل وعن الأنبياء جميعاً، وهو ما لا تفعله العقيدة اليهودية ومع ذلك زرعت نظرية التراث المسيحي اليهودي في العقول واستقرت بها.
الكتاب قدم له المفكر الإسلامي د. أحمد كمال أبوالمجد مؤكدا أنه جاء في وقته نصيحة مخلصة تجعل من فصوله جزءا مشكورا من جهود حل المشكلة "إن الروح التي يصدر عنها روح سعي مخلص لتحقيق تعايش ودي وتعاون أخوي بين المسلمين والمسيحيين في مصر أولا وعلى امتداد الدنيا كلها بعد ذلك".
تكلا : الأختلاف بين المسيحية والأسلام لا يبرر العداوة والقتل والتكفير