عند الحدیث عن إقلیم كوردستان الیوم یخطر بأذهاننا مباشرة جملة من التحدیات، التي تواجهە ، منها خطورة تعثر حکومة الإقلیم إقتصادیاً، بعد أن إستنزفت أعباء الحرب ضد تنظيم "داعش" لأكثر من ١٩ شهراً الحد الأقصی من أموالها.
والخلاف المستمر مع الحکومة الإتحادیة في بغداد والتي حرمت الإقلیم من حصته من الموازنة العراقیة والأستحـقاقات المالية للبيشمركة فهو تحدٍ ثانٍ، أنتج الأزمة المالیة و ظروف معاشية قاسية و ولّد ظاهرة البطالة و موجة رکودٍ تضربُ مختلف الأسواق دون إستثناء. أما التحدي والأزمة الثالثة فهي ناتجة عن إنخفاض أسعار النفط العالمیة و إرتفاع عدد سکان الإقلیم بنسبة ٣٠% أو أكثر بسبب تدفق عدد هائل من اللاجئین السوریین و إیواء النازحین العراقیین. إن هذه التحدیات الجسیمة تحتاج الی إرادة قویة لمجابهتها وتحتاج أیضاً الی دعم قوي و فاعل من قبل أصدقاء شعب كوردستان لدی الأسرة الدولیة والمجتمع الدولي. لکن الموضوع الأساسي لمقالنا هذا لیس الوقوف عند وصف تلك التحدیات الجوهریة ، بل التطرق الی قضیة أهم، ألا وهي عملیة الإصلاحات الإدارية في حکومة إقلیم کوردستان وکیفیة معالجة الفساد المستشري في الإقلیم. الفساد الإداري في الحکومة هي وللأسف ولیدة السیاسة الفاشلة لبعض الکتل والأحزاب المتواجدة في الساحة السیاسیة، تلك الأحزاب التي تسنمت مراکز التسلط و قامت دون هوادة بالتصید في عکر المیاه ، إذ تری ولحد الآن بعین المصلحة الفئویة والأنانیة ، أما عین المسؤولیة والمهنیة ، خاصة و شعب الإقلیم یخطو خطوات نحو الإستفتاء العام من أجل الإستقلال والحق في تقریر مصیره ، فقد عمیت ولم تعد تری ما یفترض رؤیته من الأسویاء والأصحاء. الإصلاح لیس عبارة عن نموذج جاهز أو مسبق ننصاع لأطیافه أو لمعاییره، لکي نقوم بتطبیقه، وإنما هو فکرة نشتغل علیها ونصبح ثمرتها، بحیث نتحول معها ونتخلّق بها، بقدر ما نسهم في إغناءها وإعادة إبتکارها، بصورة لایبقی معها شيء ما هو علیه، سواء من جهة الفکرة أو الفاعل أو الواقع. إن عملية الإصلاح السياسي والإداري والتخلص من الفساد والرشوة في دوائر حکومة الإقلیم ، ليست سهلة ، خاصة في ظل سیادة أفكار مثل التحزب والتعصب والتبعیة العمیاء و المناطقیة لدی الكثیرین. أما القرارات الإصلاحیة الجریئة التي أصدرها الرئیس مسعود بارزاني بدءاً بحزبه الدیمقراطي الكوردستاني فقد جاءت ولو بشيء من التأخير لصد و مواجهة المخاطر علی الإستقرار والأمن ومستقبل الإقلیم بسبب تنامي الفساد و هدر الثروات العامة. نحن لا نشك قید أنملة بأن مواجهة الفساد والقیام بالإصلاحات باتت مطلباً شرعياً لجمیع شعب كوردستان وتحضی بالمساندة القوية من قبل الشعب الكوردستاني وهي ليست ترفاً فكرياً ولا مادة للشعارات أو المزايدات. ورئیس الإقلیم جاد في أمر تمکین السلطة القضائیة و هیئات الرقابة في كوردستان من انجاز العملية الاصلاحية. فهو یعرف جیداً بأن مصير وارادة الشعب، الذي يريد العدالة والاصلاح ، أهم من أي شخص لذا یصرّ الرئیس بارزاني علی إجراء إصلاحات ومواجهة أي شخص يحاول وضع العراقيل امام عملية الاصلاح او لا يخضع للقرارات و یقر علی عدم إستثناء أیة جهة أو شخص مهما کانت منصبه ومکانته في المساءلة والمعاقبة بسبب الکسب غير المشروع علی حساب المال العام داخل الحکومة. فكثرة الحشرات الثاقبة تؤدي الی كسر الخشب و توسع ثغرة یؤدي الی إنهیار الجدران. نحن على يقين بأنە لا مجال لإصلاح سياسي وإداري بمعزل عن إصلاح اجتماعي واقتصادي يسير في خطوط موازية. يجب أن يعالج المسائل المتعلقة بـكفاءة أجهزة الإدارة العامة من خلال تبسيط الإجراءات وإعادة هيكلة الجهاز الإداري وتطوير منظومة القوانين والتشريعات الإدارية. نحن نری بأن تفعیل دور البرلمان ضرورة ملحة لإقرار الإصلاحات و إلزام حکومة الإقلیم بتطبیقها، فمن خلال التطبيق تستطیع الحکومة إن تثبت نوایاها الجادة من أجل تخفیف معاناة الشعب وإعادة الثقة الیهم. یجب القیام بتعزيز التوعیة الخاصة بمکافحة الفساد والدعوة الی النزاهة ودعم بناء ثقافة النزاهة وإكمال نظام التقييد والرقابة علی عملیة ممارسة السلطة ودعم التشریعات الوطنیة المختصة بمکافحة الفساد و تعمیق الإصلاح في المجالات والحلقات التي تكثر فیها مشاکل الفساد، لضمان ممارسة الدوائر الحکومیة لسلطاتها وفقا للصلاحیة القانونیة والإجراءات الشرعیة. یجب تعزیز الإنصاف و العدالة الإجتماعیین کقیم جوهریة والسعي وراءها، لکي یشعر الفرد في المجتمع الكوردستاني بأن حقوقه في الإقلیم تراعی وکرامته تصان وأن القوانین لا تنتهك ولا تکون هناك تمييز في المعاملة بین مواطن وآخر وأن بلده لا تفتقر الی المصداقیة والمشروعیة في نظر العالم. یجب أن لا تمارس الحکومة والنظام إستئثار أو إحتکار و مصادرة وإهانة، سواء في مایخص السلطة والثروة أو الحقيقة والحریة والکرامة. یجب أن تکون الأحزاب الحاکمة رائداً في الإلتزام بالقوانین لقد اصلحت بلداناً كثيرة اوضاعها، وتجاوزت صعوبات ومشاكل شبيهة بالتي نعيشها باللجوء للعمل المؤسساتي والخطط الجدية المدروسة لمکافحة الفساد و العمل علی التحقيق ومعاقبة الفاسد ومواصلة "صید النمر والذباب معا". فالمجتمع الكوردستاني یملك غنیً في المعطیات کما یملك فائضاً في الموارد، ولکن مقابل هُزالٍ في الإنجازات، مرده النقص الفادح في الأفکار الحیّة والخصبة والخلاقة. ولهذا فإن أحوج ما یحتاج الیه هو أن یمارس حیوته الفکریة ، بالتحرر من جملة من العقد والحساسیات الحزبیة والهوس النضالي والهذر الثقافي والآفات التي عرقلت مشاریع التقدم والرفاه و حضور العدالة الإجتماعية والمشارکة في صناعة القرارات المصیریة. یجب ترسیخ ممارسات الإصلاح السياسي والإداري والاجتماعي والاقتصادي، بتعاون کافة الجهات وتكامل جهود الجميع بعيداً عن الفردية الهدامة والشخصنة المؤلمة وسلوكيات الاتهامية والعدمية والتشكيك. علینا أن نتغير لکي نسهم في تغيير سوانا، أو في تحویل واقعنا، بقدر ما ننجح في تغذیة العناوین المطروحة وتحویل المفاهیم السائدة في ضوء التحدیات والمستجدات. وختاما نقول: "إذا أراد إقلیم کوردستان التنمیة والإزدهار ، لابد أن تتمسك بالإتجاه الکبير للتنمیة العالمیة و یتقدم معه و إلا سیترکە التاریخ."