في خطابه التاريخي الذي بث على العالم يوم 7-4-2016 واحدث سلسلة صدمات لمن يعادي العراق اسقطت الى الابد اوهامهم وتمنياتهم الشريرة وعزز معنويات العرب الذين يلتزمون بمصالح امتهم العربية ورفعها الى السماء ، اكد على جوهر اسباب غزو العراق وتدمير تجربة البعث العظيمة بتأكيده بان تجاوز البعث للخطوط الحمر التي وضعها الاستعمار الغربي والصهيونية العالمية كان وراء الغزو وما حصل بعده . وبهذه المناسبة التاريخية يوم احتلال بغداد لابد من تسليط الاضواء على ما اكده الرفيق القائد عزة ابراهيم . ففي مثل هذا اليوم ابتدأت اول حروب التاريخ الاكثر تعقيدا وتقدما وفاعلية تكنولوجيا والتي فاقت في تعقيدها وخطورتها كل اسلحة حروب التاريخ القديم والحديث ، فلو قارنا الاسلحة التي استخدمت في غزو العراق بتلك التي استخدمت في الحربين العالميتين الاولى والثانية وفي حرب فيتنام للاحظنا بكل وضوح بان تلك الاسلحة تبدو بدائية مقارنة بالاسلحة التي استخدمت لاول مرة في تاريخ الحروب وهي الاشد فتكا وتقدما وهذا بحد ذاته يكشف للعالم كيف تنظر الصهيونية الغربية للبعث وتجربته التاريخية التقدمية . بدأت امريكا غزوها للعراق بعد اعداد دام 13 عاما من الحصار والشيطنة الشاملة اريد بها خلخلة العراق داخليا وعزل نظامه الوطني واستنزاف قواته المسلحة وجعل اسلحتة غير مجدية في الحرب البالغة الحداثة بالاضافة ، وهذا هو الاهم ، هز ، ثم تدمير ، الاسس التي تستند عليها منظومة القيم العليا للعراقيين الاخلاقية والعائلية والدينية والوطنية والقومية ...الخ عبر التجويع المنظم والارهاب الدموي بشن حرب مستمرة ومنخفضة الحدة ما بين عامي 1991 و2003 . ولعل من بين ابرز الاسئلة المحيرة للعالم كله وليس للعرب فقط هي : لم تبنت امريكا ومن معها هدف اجتثاث البعث وقدمته على كافة اهدافها الاخرى وجعلته مقدمة حتمية لا تنجح في تحقيق بقية اهداف الغزو من دون تحقيق الاجتثاث ؟ للاجابة لابد من تأكيد حقائق موضوعية تلقي الضوء على ما ورد في خطاب الرفيق عزة ابراهيم ومنها : 1- بما ان الاستعمار والامبريالية يقومان على نهب الثروات وادامة النهب بطرق مختلفة فان عصر طاقة النفط وتحوله الى ( دم الحياة ) كما وصفه وزير الدفاع الامريكي هارولد بروان حرفيا جعل امريكا تتبنى نظرية جيوبولتيكية جديدة في السبعينيات تقوم على تغيير النظرية القديمة التي وضعها ماكندر والتي كانت تقول بان اوربا قلب العالم ومن يسيطر على القلب يسيطر على العالم ، اما نظرية السبعينيات التي تبنتها امريكا فقالت بان النفط هو دم الحياة وبدونه تتوقف المجتمعات والدول والجيوش ونعود لعصر ما قبل الصناعة لذلك فان من يسيطر على حقول النفط في العالم يستطيع السيطرة على العالم بدون حروب عسكرية وبما ان العراق يملك اكبر احتياطي نفطي وغازي وليس السعودية فان غزو العراق هو الحادلة التي تمهد كل الطرق لغزو العالم بلا حروب عسكرية عن طريق ابتزاز الطاقة . تلك هي النظرية التي كانت مصدر البلاء الاكبر على العراق خصوصا والعرب عموما . وترتب على هذه النظرية تغيير ستراتيجي كوني جوهري اذ تبلور مبدأ جديد في السياسة الامريكية جعل الخليج العربي ضمن حدود الامن القومي الامريكي ولهذا اذا تم تهديد منابع النفط فان امريكا سوف تستخدم كل الوسائل لمنع التهديد سواء صدر من قطب عالمي او اقليمي بما في ذلك الوسائل العسكرية . وسمي ذلك ب( مبدأ كارتر ) الرئيس الامريكي وقتها . ومبدأ كارتر اصبح محرك السياسة الامريكية في المنطقة بعد حرب التحريك والصلح مع اسرائيل الغربية التي شنها السادات واسد عام 1973 ، لذلك نقلت امريكا اغلب قواتها من اوربا الى الخليج العربي واصبح العراق الهدف الاول والاهم والحقيقي لها ودربت قوات خاصة لاتقان حرب الصحراء وكان العدو فيها العراق . وزادت اهمية هذه النظرية الجيوبولتيكية والمبدأ المنبثق عنها من دلالات تأميم النفط العراقي : فبما ان النفط قد امم وابعدت الشركات الغربية عن العراق وبدأ عصر الاستثمار الوطني الكامل للنفط فان التأميم كان الضربة الاخطر لاهم اهداف الامبريالية والاستعمار في المنطقة والعالم وقتها وهو النهب فلم يعد النهب ممكنا بعد التاميم ، ولهذا عدت الشركات الغربية العراق العدو رقم واحد لها ووضعت سيناريوهات متعددة للعودة للسيطرة على نفطه . وكان ايصال خميني للحكم يستبطن هدف الضغط القاتل على العراق للتراجع عن التأميم او تدمير مقومات نهوضه الكبير الذي بدا بعد التأميم . 2- لم يكن الفكر الاستعماري الغربي يدرك فقط ان التاميم النفط هو الضربة الاخطر التي وجهت له وان تواصل استثمار موارد النفط في التنمية المستدامة خصوصا تأهيل الانسان العراقي علميا وتكنولوجيا وثقافيا ليكون مبدعا علميا وتكنولوجيا بل كان ايضا يربط بين التأميم وبين الموقف العراقي من اهم مركز للغرب الاستعماري في المنطقة كلها وهو ما سماه الغرب ( جزيرة الحضارة الغربية وسط صحراء العرب ) اي الكيان الصهيوني الذي زرع من قبل الاستعمار الغربي تنفيذا لاهم اهداف الحركة الصهيونية العالمية وايجادا لقوة اقليمية متقدمة قادرة على تدمير اي خطة لنهوض العرب وتقدمهم . فالعراق تحت قيادة البعث وتواصلا مع تاريخه المجيد في التصدي للغزوات الصهيونية عبر التاريخ ، وهو ما اشار اليه الرفيق عزة ابراهيم ، لم يتغير ولم يتزحزح عن التزامه بتحرير فلسطين حتى بعد ان خرق السادات الجدار النفسي بزيارة القدس والصلح مع الكيان الصهيوني فكان العراق هو الذي قاد عملية عزل السادات وادانة توجهه للصلح مع الكيان الصهيوني . وهكذا اضيف السبب الاخر –وليس الثاني - الرئيس لمعاداة البعث من قبل الغرب الاستعماري والصهيونية العالمية . اما السبب الثالث والاخطر بالنسبة للرأسمالية الامريكية فهو نظرة العراق للدولار فقد قرر العراق اعتماد سلة عملات بدل انفراد الدولار بالتحكم في السوق العالمي وهذا القرار هز ولو بصمت محسوب امريكا واصابها برعدة خوف لم يسبق له مثيل حتى من الاتحاد السوفيتي العدو الاخطر لها وقتها ، والسبب واضح جدا فالدولار منذ السبعينات انفصل عن قاعدته الذهبية بالغاء الرئيس الامريكي ريتشادر نيكسون ( اتفاقية بريتون وودز ) التي كانت تلزم امريكا بأمكانية استبدال الدولار بالذهب المساوي لقيمته ، لكن الغاء تلك الاتفاقية جعل الدولار عبارة عن ورق عادي لكنه يستمد قوته من قوة امريكا العالمية فاضطر العالم الى مواصلة اعتماد الدولار اساسا للتعاملات التجارية في العالم . لكن تواصل انخفاض قيمة الدولار والتضخم الكبير والعجز المتزايد في الميزانية الامريكية نتيجة لرفع دعم الدولار بالذهب ادى الى الحاق اضرار فادحة باقتصادات الدول الاخرى من جهة واخذ يضع امريكا تحت ضغوط خطيرة خلخلت الاقتصاد الامريكي من جهة ثانية وادخلته في مسلسل ازمات بنيوية خطيرة كان ابرز مظاهرها المدمرة وصول الدين العام الامريكي الى اكثر من 18 تريليون دولار حاليا وهو رقم مخيف هز ليس امريكا بل كل العالم لان دول العالم لديها مليارات الدولارات من جهة ثالثة . لهذا فان اي محاولة لاستبدال الدولار بعملة اخرى او بسلة عملات تعني عمليا توجيه ضربة قاتلة للاقتصاد الامريكي وهي اشد خطورة من اي حرب عسكرية كلاسيكية بسبب تشجيع الدول الاخرى على اتباع نفس الطريق وهو ما يؤدي الى انهيار امريكا بلا حرب لعجزها عن سداد ديونها للعالم وللناس فيها . عندما قرر العراق استبدال الدولار بسلة العملات اعتبرت امريكا هذا القرار تهديدا وجوديا لها لكنها تصرفت بصمت لاجل عدم لفت الانتباه الى ما تهدف اليه رغم انها قررت ( تحييد ) العراق بطريقة جذرية ، وهذا ينطبق على ليبيا لان قرار المرحوم القذافي اصدار الدينار الذهبي كبديل عن الدولار يشكل تهديدا خطير لمستقبل امريكا . 3- كان التحول الاخر الذي اثار الغرب المتصهين كله هو نجاح العراق تحت قيادة البعث في تحقيق قفزات علمية تكنولوجية هائلة نقلته من قطر يعتمد في تسلحه وسلعه الصناعية والزراعية على الاستيراد كباقي العرب الى دولة تنتج الكثير من سلاحها وتطوره مثلما تنتج غذائها ، لقد كانت الثورة العلمية التكنولوجية والثورة الزراعية والثورة الصناعية اهم اسباب نهوض العراق ووصوله مستوى الدول المتقدمة بالاضافة لبناء مجتمع خال من الفقر والامية والامراض المستوطنة وجعل التعليم كله والطب كله مجانيا ، وهو ما اشار اليه الرفيق عزة ابراهيم اكثر من مرة . وهذا النهوض الاجتماعي والثقافي والعلمي نقل العراق الى قوة اقليمية عظمى خصوصا بعد دحر خميني كليا واجباره على تجرع سم هزيمة المخطط الصهيوغربي . وبما ان مقررات لجنة الاستعمار التي تبنت بريطانيا زعيمة الاستعمار في بداية القرن العشرين خطتها والتي تقوم على منع تقدم العرب ووحدتهم فان ماحدث في العراق من تقدم شامل قدرت الامم المتحدة بانه اذا تواصل سيجعل العراق مؤهلا لدخول نادي الدول المتقدمة فقد تقرر تدميره واعادته لعصر ما قبل الصناعة كما هدد وزير خارجية امريكا جيمس بيكر . لقد تجاوز العراق تحت قيادة البعث الخطوط الحمر التي وضعها الغرب الاستعماري لمنع العرب من التحرر وتحقيق التقدم الاجتماعي والعلمي وهذا التجاوز لا يجوز ان يمر بدون موقف معاد للعراق يعيده لمرحلة التخلف والفوضى والاعتماد على الاخرين في كل شيء تقريبا ، وهنا نرى دقة ما اشار اليه الرفيق عزة ابراهيم في خطابه التاريخي . اذا تذكرنا كل ذلك وهو تذكر لابد منه لفهم حقيقة ما يجري ومستقبله وللتأكد من اننا امة لا تقهر مهما تعرضت للكوارث ، واحد اهم الادلة الحاسمة على صحة ما نقول اننا نرى ان البعث ورغم انه فقد اكثر من 160 الف شهيد وتعرض لما لم يتعرض له اي حزب اخر نهض بقوة وبسرعة ارهبت من غزاه ولفتت نظر كل العالم ، فالبعث الذي كان يفترض انه دفن الى الابد – كما روج نغول الغزو - عاد ثانية الرقم الاصعب والاهم في المعادلة العراقية والاقليمية والذي لايمكن تجاهله او مواصلة انكار دوره الحاسم في العراق فسقط الاجتثاث عمليا تحت اقدام البعثيين خصوصا شهداءهم ، واخذت اغلب القوى العراقية والعربية والاقليمية والعالمية تعيد النظر في موقفها منه وتمد الجسور اليه بعد ان ادرك الجميع ان العراق وبوجود طليعته البعثية ورغم كل كوارث الاحتلال بقي عصيا على التقسيم والرضوخ للاحتلال وكان ذلك السبب الرئيس لاجبار كافة الاطراف على قبول الامر الواقع . وربما يجب التذكير بواحدة من ابرز الحقائق التي اثبتتها تجربة ما بعد الاحتلال وهي ان البعث انفرد من بين كافة القوى العراقية وطنية وغير وطنية بانه الوحيد الذي يضم في صفوفه كل العراقيين بكل مكوناتهم الاثنية والدينية والمناطقية ففيه الكردي والعربي والتركماني وفيه المسيحي والمسلم – الشيعي والسني - والصابئي واليزيدي وهؤلاء يشكلون داخل البعث بستان العراق الزاهر ونجومه المضيئة ومصدر قوته التي لاتقهر ، بوجود البعث اطارا جامعا لكل العراقيين اصبح الاب الروحي لكافة ابناء العراق وعزز واقعه بصفته احد اهم دعائم وحدة العراق وحمايتها في مواجهة محاولة تقسيمه الى طوائف واعراق ومناطق وعشائر كما اراد الاحتلال وثبته في دستوره القائم ، والان تجد البعثي يقاتل في جنوب العراق مثلما يقاتل في الوسط والشمال من اجل عراق واحد حر مستقل ناهض وقوي ، فاضيف للعوامل التاريخية التي فولذت وحدة شعب العراق العضوية عامل وجود التنظيم الوطني الشامل لكل العراقيين وبلا اي استثناء ليكون السيف البتار ليد كل من يفكر بتقسيم العراق . وهذا هو مصدر قوة خطاب الرفيق عزة ابراهيم وتأثيره غير المحدود على ابناء العراق .