تبت أيديكم تلك التي غمستموها بدمائنا د. مثنى عبدالله
كاتب الموضوع
رسالة
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61346مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
موضوع: تبت أيديكم تلك التي غمستموها بدمائنا د. مثنى عبدالله الثلاثاء 12 أبريل 2016 - 3:01
تبت أيديكم تلك التي غمستموها بدمائنا
د. مثنى عبدالله
April 11, 2016
آخر قطرة غيرة عربية سقطت من النظام الرسمي العربي، مرت ذكراها قبل أيام. إنه التاسع من أبريل 2003، يوم احتفلوا باحتلال بغداد. لم يكن الحدث ابن تلك اللحظة، ولم يأت من فراغ. كان حصيلة خيبة عبدالله الصغير يوم أضاع الاندلس، وكل الخيبات التي تلت على أيدي عبيدالله الصغار الذين أتوا من بعده. كان الحدث أكبر نخوة عربية وفزعة مُضرية، شارك فيها بعض العراقيين والعرب ، الأمريكان والانكليز والآسيويين والأفارقة، في اغتصاب العراقيين رجالا ونساء وأطفالا. كان أعظم سباق تاريخي لوضع بصمة في حملة بوش وبلير، إلى الحد الذي شاركت فيه دولة أفريقية بجندي واحد، كي تُحسب لها مشاركة، واعتذرت دولة عربية عن إرسال قوات، فشاركت بمجموعة من القرود كي تُفتح بهم حقول الألغام، التي زرعتها القوات العراقية على الحدود مع الكويت لإعاقة تقدم قوات الغزو، كي لا يفوتها شرف المشاركة في قتل العراقيين واحتلال بلدهم، وفُتحت الأجواء العربية والمياه الإقليمية، وأزيلت السواتر الترابية التي وضعها الأشقاء على حدودنا قبل الغزو، وأعلنوا عن إطفاء ديونهم لكل من يشارك. أما المعارضة العراقية فقد أقسم بعضها أن يُعيد تاج وصولجان كسرى إلى مدائن بغداد، وآخرون جلسوا حول موائد المخابرات المركزية الامريكية ليضعوا اللمسات الاخيرة لحل الجيش العراقي، وتوقيع عقود النفط طويلة الأجل برخص التراب. وطرف ثالث يسمون أنفسهم جنرالات خانوا شرف العسكرية وهربوا إلى أحضان الاعداء، وأبوا إلا أن يؤكدوا خيانتهم فأطلوا من على شاشات الفضائيات، يتوسلون الاعداء بتعديل إحداثيات القصف الجوي كي يقتلوا منا أكثر، ويدمروا كل ما على الارض من إنسان وجماد وحيوان. الاشقاء فتحوا خزائنهم بكرم عربي معروف لكل من يغرف، وأرسلوا كل ما لدى مخابراتهم من معلومات صحيحة ومفبركة عن العراق إلى الحلفاء، وتطوع زعماء وملوك وأمراء عرب بوضع ما لديهم من معلومات، عرفوها عندما كانت علاقاتهم متينة مع العراق. بعضهم كان حتى تلك اللحظة يأخذ نفطا عراقيا على شكل هبات كي لا يجوع، لكنه أبى إلا أن يشارك الآخرين ذاك الجُرم، فأرسل قواته الخاصة لتتوغل في الأراضي العراقية رفقة قوات النخبة الأمريكان، لغرض الاستطلاع قبل الغزو. أما الغرباء فقرروا منح جنسياتهم لكل من يشارك في الحملة العسكرية، من المرتزقة والمجرمين والباحثين عن اللجوء، لأن احتلال العراق كان عملا مقدسا وأكبر اختبار لحسن النوايا بما يفوق قسم الولاء. كان عرسا وحشيا رقص فيه الجميع حول النيران، وتلذذوا برائحة شواء الأجساد العراقية، التي كانت تذوب بآخر ما أنتجته المصانع الحربية من تكنولوجيا القتل والدمار. كانت أمنية كبرى للبعض فنذروا النذور لها وأوقدوا شموع الفرح، إلى الحد الذي أقسم فيه أمير عربي، كان يمثل بلاده في الولايات المتحدة، أن لا يحلق ذقنه الا بعد أن يسمع باحتلال العراق، وعندما غادر مكتب بوش منتصف ليلة الغزو قال له، أنا ذاهب أصلي لقواتكم كي تحقق النصر. أمير آخر جاء بغداد في اللحظات الاخيرة ما قبل الغزو قائلا، سلموا بغداد للامريكان فهو الخيار الافضل. وقبل كل ذلك كانت الأبواق تصرخ بهستيريا عن خطر العراق المزعوم، وكانت الأقلام المأجورة تُسطّر المقالات عن شرق أوسط جديد يعُم فيه الامن والسلام بعد تمزيق العراق. وها هو العراق الجديد علم ودستور وبرلمان كل عن المعنى الصحيح مُحرّف، وخريطة تشظّت بعشرات الحدود والخنادق الطائفية والقومية والعشائرية، وشعب بات الجميع يطلق عليه تسمية سنة وشيعة وكرد وتركمان، ولم يعد أحد يصفه بهويته الوطنية، لأن زعاماته السياسية لا تحمل هذه الصفة، بينما يُقتل العشرات من ابنائه يوميا بتفجيرات إجرامية أو لحسابات طائفية. فبيان بعثة الامم المتحدة في العراق يشير إلى مقتل وأصابة 2680 عراقيا خلال شهر مارس الماضي. أما النازحون من مناطقهم داخل العراق، فتشير التقديرات إلى 3.2 مليون نازح، يرافق كل هذا انحدار كارثي في مستوى الخدمات الأساسية، في حقول الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية. فهل صان العرب أمنهم القومي عندما شاركوا في جريمة احتلال العراق؟ وهل تحقق لدعاة القيم الإنسانية الغربيين العالم الآمن الذي كانوا ينشدونه بغزو البلد؟ وأي دور يلعبه العراق اليوم؟ يقينا لقد ارتكب النظام الرسمي العربي جريمة أخرى لا تقل كارثيتها عن جريمة ضياع فلسطين، وها هم يجلدون ذواتهم بعد فوات الأوان. فأحدهم اعترف علنا بأن الامريكان قدموا العراق على طبق من ذهب إلى إيران، ومؤخرا اعترف آخر بأن المنطقة لم تعرف الطائفية إلا بسبب احتلال العراق. إن أعترافاتهم الصريحة والعلنية تلك هي تعبير واضح عن حجم التهديد الذي لمسوه وباتوا محاطين بمخاطره. فالحدود الايرانية انتفخت حتى لامست حدودهم من جهة العراق، ولم تعد جغرافيته عازلة للخطر الايراني عنهم، كما بات مُصدّرا للميليشيات، حسب قول وزير وقيادي عراقي، حين قال بأن العراق لا يحتاج إلى مقاتلين من دول أخرى للتصدي لتنظيم الدولة، لانه بات يُصدّر المقاتلين. يضاف إلى ذلك المحاولات المستميتة لسلخ الشعب العراقي عن عروبته، من خلال تجريم هذه الرابطة والصاق التهم بها، وتغليب الصفات الطائفية والمذهبية. كل هذه النتائج جعلت العراق التهديد الأكبر للأمن القومي العربي. أما على الصعيد الدولي فغاب دوره المعتاد في المنظمات الدولية والإقليمية، وبات مختبرا كبيرا تصنع فيه كل عوامل التهديد للامن والسلم الدوليين، حتى أصبح العراقيون ممنوعين من زيارة الكثير من البلدان، وتلاحقهم الشبهات عند وقوفهم في نقاط الحدود للدول الأخرى. لقد نسي ولاة الامر بغداد التي كانت تقسم رغيف خبزها معهم، وتهب دماء أبنائها كي تحميهم ويزهر المستقبل في أقطارهم، وتفتح خزائنها كي تبني لهم طرقا وجسورا ومطارات وقصورا رئاسية. أسألوا عمان والقاهرة ونواكشوط والخرطوم وفلسطين ودمشق وصنعاء وغيرها، فمازالت حملات الإعمار التي قامت بها بغداد شاخصة لديهم. واحصوا القادة والزعماء العسكريين والمدنيين الذين تخرجوا في جامعاتها المدنية والعسكرية، ولم يدفعوا قرشا واحدا لأن كل خدماتها مجانية للعرب. لا منة في ذلك، بل هو واجب الاخ الكبير والغني والشريف، لكن أنظروا اليوم إلى بغداد والكوفة والبصرة التي هي حواضركم، ستجدون خرابا فعلته أيديكم أيها الاشقاء. أنظروا إلى أهلكم وأطفالكم وأشقائكم وشقيقاتكم في العراق، واحصوا الوجع البادي على وجوههم واسألوا أنفسكم. أهذا هو جزاؤهم ؟ ٭ باحث سياسي عراقي د. مثنى عبدالله