اللغة الآراميَّة إحدى اللغات الساميَّة ، واللغات الساميَّة مجموعة لغات ميّتة وحيّة من طرف
سمير يوسف كاكوز في الإثنين أغسطس 09, 2010 8:42 pm
+----
-نرى في ماضي البشريَّة ، وتاريخها السحيق ، حضارات عديدة ، لكلٍ منها مجموعة من الأفكار والنظم السياسية ، ومستوى من العيش المادي والتقني ، وطاقات على الإنتاج ، وقدرة على تأمين العلاقات الاجتماعية على اختلاف مظاهرها الدينيَّة ، والفكريَّة ، والفنيَّة
ومن هذا المنطلق فالتاريخ بمفهومه الحقيقي ، استحضار للماضي بكلِ مظاهره وواقعه ، فعلينا إذن أن نصفَ بدقةٍ المظاهر الحياتيَّة والمكانيَّة ، كما يجب علينا أن ندرسَ المؤثرات التي تفاعلت بها هذه الحضارات وانفعلت
اللغـة الآراميـة
اللغة الآراميَّة إحدى اللغات الساميَّة ، واللغات الساميَّة مجموعة لغات ميّتة وحيّة ، متقاربة في المفردات ، والاشتقاق ، والتركيب ، وأساليب التعبير ، مما يدلّ على تحدّرها من أرومة واحـدة . وتنقسم هذه اللغات إلى شعبتين رئيسيتين
شماليَّة : وتشمل البابليَّة والآشوريَّة ، والعبريَّة ، والفينيقيَّة ، والآراميَّة التي نحن بصددها
وجنوبيَّة : وتضمّ العربيَّة بفرعيها : العدناني ( الشمالي) ، والقحطاني (الجنوبي) ، وما إليها من لهجات عديدة ، والحبشيَّة ، وما إليها من لهجات
أمّا الآراميَّة فمصطلحٌ لغويٌ يشمل عدَّة لهجات متقاربة . وقد كانت مواطن الآراميَّة قديماً تمتد من منابع دجلة والفرات شمالاً ، إلى تيماء في شمالي الحجاز ، ومن الشاطئ السوري اللبناني غرباً إلى صحراء سورية ، وبلاد الأنباط (شرقي الأردن وحوران ) شرقاً . وقد وُجِد في جزيرة الفيلة ، جنوبي مصر ، وثائق مكتوبة على البردي يرجع عهدها إلى القرن السادس والقرن الرابع ق.م حيث كان هناك مستعمرة يهوديَّة بقيت إلى زمن البطالسة . وكانت الآراميَّة ، بعد انقراض سُلطان العبران السياسي لغة العبران العامَّة . وزمن الحكم الفارسي ، كانت اللغة الرسميَّة في جميع المقاطعات الواقعة غربي الفرات ، لأنَّ الفرس ، كورثة للمملكة الآشوريَّة ، اعتبروا الآراميَّة لغة رسميَّة . لأنَّ سواد الناس في فتوحاتهم الجديدة كانوا يتكلمون الآراميَّة ، ولأنَّ للآراميَّة نظاماً كتابياً حسناً ، ولأنها كانت لغة التجارة والفكر آنذاك
وقد تقدم أن قبائل آراميَّة كانت منتشرة في سورية الجغرافيَّة حوالي القرن الخامس عشر ق.م ولكنَّها لم تكوِّن دولة متَّحدة بل كانت دويلات ، ويذكر الكتـاب المقدس عدَّة دويلات آراميَّة أهمها " آرام دمشق " في منطقة الشام ، و " آرام صوبة " في البقاع ، و " آرام معكة " في سفوح جبل حرمون ( جبل الشيخ ) ، و " آرام نهراي م" أي العراق القديم . ويجب ألا يغرب عن بالنا أنَّ لا ذكر لسورية في الكتاب ، إنما هو يذكر آرام . ولكن الإغريق أطلقوا على آرام اسم سورية ، وسمّوا أهلها سريان ، ولغتهم السريانيَّة . غير أنَّ العرب ، في العصور المتوسطة ، فرَّقوا بين سورية كوحدة جغرافيَّة وبين سريان وسريانيَّة كاسم لأقليَّة دينيَّة لغويَّة .ولكنَّه تاريخيَّا ، لا فرق بين سريان وسوريين ، وسريانيَّة ولغة سورية القديمة ، أي الآراميَّة
أما اللَّهجات التي تندرج تحت هذا المصطلح اللغوي الشامل فهي
أ - آراميَّة الكتاب
أي الفقرات والفصول التي كُتبت بلهجة آراميَّة والتي كان أهل فلسطين يتكلمونها ، وذلك في سفر عزرا ودانيال
ب - آراميَّة الترجوم
والترجوم كلمة عبريَّة من أصل آرامي معناها التفسير . والترجوم هو ترجمة أسفار الكتاب العبريَّة إلى لهجة فلسطين العاميَّة ، التي كانت الآراميَّة ، وليس الكلدانيَّة ، كما يظن خطأ ، وذلك لأنَّ عامَّة العبران تخلَّوا في حياتهم اليومية عن العبريَّة ، واستعاضوا عنها بالآراميَّة ، لأنها كانت اللغة الشائعة
ج - لهجة مسيحيّي فلسطين
فإنَّ لدينا ترجمة للأناجيل ترجمها مسيحيوا فلسطين في القرن الخامس للميلاد ، ولا تختلف عن آراميَّة الترجوم
د - آراميَّة السامريين
فإنهم ترجموا كتابهم المقدس ، أسفار موسى الخمسة إلى لهجة آراميَّة . وذلك عندما أصبحت الآراميَّة اللغة الرسميَّة الشائعة في جميع أنحاء الشرق الأدنى القديم
هـ - آراميَّة التلمود
والتلمود كلمة عبريَّة معناها التعليم والإرشاد ( من فعل تلمد ، ومنها تلميذ بالعربيَّة ) وهناك تلمودان : اورشليمي ، ويرجع عهده إلى القرن الرابع ق.م ، وبابلي ، ويرجع عهده إلى القرن السادس ، والتلمودان مكتوبان بلهجة آراميَّة مشوَّبة بالعبريَّة
و - آراميَّة تدمر
فإن جميع النقوش التي بين أيدينا مكتوبة بلهجة آراميَّة . وقد يكون التدمريون من أصل عربي ، ولكن لغتهم لم تكن العربية بل الآراميَّة ، كما تدل النقوش الكتابيَّة التي وصلت إلينا من تدمر
ز - الأنباط
وتمتد من حوران إلى البتراء ، وكان الأنباط من قبائل عربيَّة غير أن لغتهم الرسميَّة واللغة التي ابقوا لنا منها آثاراً عديدة فإنها كانت آراميَّة مشوَّبة ببعض المفردات العربيَّة
ح - وأخيراً وأهمها جميعاً آراميَّة ( الرها ) أو ( أوديسا )
كما كان يسميها الإغريق ( مدينة أورفا الحالية ) وهي التي تُعـرف في يومنا هذا بالسريانيَّة ولا تزال حيَّة تتكلم بها أقليات دينيَّة وتقام بها الطقوس ، وكان أهل الرها يدعون انهم أوَّل من تنصَّر ، وذلك زمن ملكهم " ابجر الأسود بن معن " . وقد قيل أنَّ ابجر تنصَّر حالاً بعد موت المسيح . وقد تُرجم الكتاب المقدس إلى لهجتهم ، وسُميت ترجمته بـ " الترجمة البسيطة " . وعندما تنصَّر أهل الرها تخلَّو عن اسمهم القديم ( آراميين ) وتسمّوا بالسريان ، أي السوريين ، وذلك لأن لفظة آرامي أصبحت إذ ذاك ، مرادفة للفظة وثني ، ولفظة سرياني مرادفة للفظة مسيحي ، ولم يبق منهم على الوثنيَّة سوى مدينة حـرَّان التي ظلَّت تُباهي بوثنيتها إلى زمن الإسلام
أما الخط الآرامي ، رغم ما يظهر من تباين بالنسبة إلى المناطق التي كانت موطن الآراميَّة ، فمشتق من الخط الفينيقي الذي هو أبٌ لكلِّ هجاءٍ تال . ومن هذا الخط الآرامي اشتق فيما بعد ، وفي عصور متأخِّرة ، الخط العربي
أما اللغة الآراميَّة القديمة فلا نعرف عنها الكثير ، ولم يتجمَّع بعد عند علماء اللغات الساميَّة مادة لغوية تكفي لوضع كتاب في قواعدها وأحكامها وأساليب التركيب فيها . وقد وصل إلينا رُقَمٌ عديدة من مناطق متباينة ومن عصور مختلفة . ولكن هذه الرُقَم جاءت خلواً من الحروف المصوَّتة ، على ما هو معروف لدى خبراء الخط السامي عامَّة . فكان علماء الساميَّات ، الذين عَنوا بها ، يستعينون بالسريانيَّة والعبرانيَّة على قراءتها وفهمِها
واتَّهم بعضهم الآراميَّة بأنها لغة بدائيَّة فقيرة بالمفردات جافَّة في أساليب التركيب ، ضيّقة في الاشتقاق ، محدودة في النتاج الأدبي . ولكن نولدكه ، في مقاله الرائع عن اللغات الساميَّة ( والذي تُرجم إلى الموسوعة البريطانيَّة ) ينفي عنها هذه التهمة ، ويؤكِّد أنها كانت لغةً حيةً ناميةً متطورةً ، وسَّعت الفكر الهيليني في عهد ازدهارها . وما أدرانا أن يكون الآراميون قد أنتجوا أدباً جميلاً ، ولكنَّه لم يصلنا منه شيء
منقولة الدراسة من كتاب الدراسات السريانية
نقلا عن موقع العائلة المقدسة