هل تودع تركيا العلمانية وتعود لتطبيق الشريعة ؟
الخميس 28 ـ 04 ـ 2016
أثارت دعوة رئيس البرلمان التركي إلى إسقاط العلمانية من الدستور جدلا سياسيا يعكس ،
حسب مراقبين ،إنقساما داخل المجتمع التركي ، مما قد يحبط مساعي
الحزب الحاكم لتغيير الدستور وإلغاء العلمانية .
فهل تنجح الكمالية أم الإردوغانية ؟
تفترض خبيرة الدراسات الإسلامية كاثرين إديث من جامعة هاله الألمانية أنْ يحل محل
" الفصل بين الدولة والدين مبدآن أساسيان " وهما أنْ " يصبح الإسلام السني دين الدولة
وأحكام الشريعة الإسلامية أساس بعض القوانين" التركية مستقبلا .
مدير مكتب مؤسسة فريدرش ناومان في إسطنبول يعتقد بدوره أنّ المبادرة المعلنة منْ قبل رئيس
البرلمان التركي إسماعيل كهرمان بمثابة كرة سياسية تجريبية لجس النبض ،
ويقول هانس غيورغ فليك " يوجد داخل الحزب الحاكم ( في تركيا ) قوى تتطلع
ليس فقط إلى فرض توجه إسلامي للحزب ، بل في تركيا ككل " .
ويعتقد فليك أن الغالبية داخل حزب العدالة والتنمية الحاكم لا تريد إثارة هذا النقاش
في الوقت الذي تُطرح فيه قضايا أخرى على جدول الأعمال .
وقد أثار رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان خلال مؤتمر في إسطنبول بطلبه
تعديلا دستوريا إسلاميا جدلا قويا ، وقال : " نحن بلد مسلم ، ولذلك نحن بحاجة إلى دستور ديني " .
وبهذا التصريح أثار كهرمان حفيظة الكماليين في البلاد المؤمنين بالعلمانية ، وخرق بذلك موضوعا
كان يُعد من التابوهات هانس غيورغ فليك من مؤسسة فريدريش ناومان ،
ففي ديباجة الدستور يرد أنْ " المشاعر الدينية المقدسة لا يجب أنْ تلعب دورا في قضايا الدولة والسياسة " .
وفي هذا تتمثل إحدى أسس الجمهورية التي أسسها كمال أتاتورك في 1923 .
الدولة التركية الفتية نفذت في الثلاثينات والأربعينات مبادئ العلمانية بلا هوادة ،
بحيث أنّ شعيرة الحج إلى مكة والعلوم الدينية مُنعت ، وتم حظر الحجاب في الحياة العامة للناس .
وإلى حد الآن يعتبر الفصل بصرامة بين الدولة والدين غير قابل للمساس .
الإسلام عوض العلمانية :
ويبدو أن رئيس البرلمان التركي إسماعيل كهرمان يرى أن الفرصة متاحة لتحفيز الدين على الساحة السياسية .
فبعد حصول حزب العدالة والتنمية الحاكم خلال الانتخابات البرلمانية في نوفمبر منْ العام الماضي
على الأغلبية الساحقة ، يطالب الرئيس رجب طيب أردوغان وأنصاره بتعديل للدستور.
رياح سياسية معاكسة :
الانتقاد جاء تلقائيا من زعيم المعارضة كمال كليتشداروغلو الذي كتب في تدوينة عبر تويتر:
" العلمانية مبدأ للسلم الاجتماعي " ، وأضاف : " ليس عجبا أن أولائك الذين يستهدفون منذ مدة
سلمنا الاجتماعي يتجاهلون هذا المبدأ " ، وحتى داخل الحزب الحاكم قوبل إقتراح إسماعيل كهرمان
مباشرة بالرفض ، فعضو حزب العدالة والتنمية ورئيس لجنة الدستور مصطفى سينتوب أعلن
أنّ مشروع الدستور الجديد سيُبقي في طياته على العلمانية كمبدأ ، وقال :
إنّ " رئيس البرلمان مستقل ، وهو لا يتحدث باسم الحزب " .
مظاهرة احتجاج ضد رئيس البرلمان التركي
الطريق إلى " تركيا الجديدة " :
قصر رئاسي على الطراز العثماني ، وآنتشار أقل لمشروبات الكحول وتوسع لارتداء الحجاب
في الحياة العامة التركية ـ الإسلام يعود بتحسب إلى الواجهة في تركيا .
وهل سيتم تثبيت هذا التحول الثقافي الآن في الدستور؟
مدير مكتب مؤسسة فريدرش ناومان هانس غيورغ فليك يعتبر أنّ " الكثير من ناخبي
حزب العدالة والتنمية يؤمنون بأن الدولة يجب أنْ تحترم التجذر الديني لمواطنيها " .
وأضاف فليك : " إذا قال إسماعيل كهرمان بأنّ في تركيا شعبا متدينا وهي تحتاج بالتالي إلى دستور
يرقى فيه الطابع الديني ، فإن ذلك بالتأكيد ليس خطأ " ، ولكن هذا لا يعني ،
كما يؤكد فليك أنّ هناك تطلعا لتفريغ نظام الدولة الكمالي .
" انقسام عميق في المجتمع " :
توجهات صقل الحياة إسلاميا ، كما يقول فليك موجودة في كافة المجالات الاجتماعية .
فما بدأ تدريجيا عام 2012 بإلغاء حظر الحجاب للطالبات والبرلمانيات والمحاميات
تطور بفرض قوانين مشددة لبيع الكحول والتبغ وتشييد المساجد وتأسيس المدارس القرآنية .
وتعتبر خبيرة العلوم الإسلامية كاثرين إديث أنّ هذا التطور ينطوي على مخاطر ليست هينة .
وحتى لو أنه من المستبعد أنْ تتحول تركيا إلى جمهورية إسلامية على نموذج إيران ،
فإن إديث تحذر من الاستقطاب : " أرى انقساما عميقا في المجتمع بين طبقة اجتماعية ذات توجهات غربية
وهي موجودة اليوم على ما يبدو في موقف دفاعي وغالبية منْ المجتمع تطالب بطراز حياة إسلامي تقليدي " .