توارث الشعب العراقي من سلطاته المتنوعة، سلسلة من نكبات وكوارث متصاعده في خسائرها ونتائجها الكارثية، بدءا ً من عام 1958 وصولا ً لعام 2016 الضاج بالأزمات والإحتجاج والفوضى والفساد، ما جعل أصوات غالبية الشعب تتحد لأجل مشروع التغيير والخلاص من نظام الفساد السياسي الحالي، وتترقب ما سيأتي، كما صار الحديث صريحا ً في الدول صاحبة القرار بالشأن السياسي العراقي. أزمة النظام السياسي العراقي ليست وليدة حكومة المحاصصة الطائفية والعرقية المتشكلة تحت الإحتلال الأمريكي في 2003، إنما هي أزمة بنيوية تاريخية تعود لبداية تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، إذ فشلت الحكومات المتعاقبة على تأسيس نظام حكم وطني ينشأ نواة وطنية صلبة، وينتهج ثقافة وسلوكيات مواطنية تؤكد بعمق وحدة الترابط الوطني بدلا ً عن عوامل الترابط المذهبي أو العرقي أوالطائفي، ومن هنا فأن الأنظمة المتنوعة نجحت بإنشاء سلطة، وفشلت في إنتاج دولة مواطنة، كما في اليابان أو فرنسا أو امريكا وغيرها من الدول، إذ تتعايش في كنفها عشرات ومئات المكونات الدينية والقومية والمذهبية في ظل دولة المواطنة. لقد شكا ملك العراق فيصل الأول عام 1921، غياب صورة الشعب ووجود جماعات بشرية لاتجمعها مشتركات وطنية بل مختلفة عرقيا وقبليا وطائفيا، ولم تنجح مرحلة النظام الملكي في تأسيس نواة وطنية وثقافة وطنية للشعب العراقي، كما فشلت المدرسة اليسارية – الشيوعية { 1958-1963} في إنتاج مشروع وطني عراقي، حين ترابطت بالهوى الفكري الشيوعي الأممي دون الأخذ بخصوصيات الشعب وتنوع انتماءاته الطائفية والدينية، وحين جاءت مرحلة حكم حزب البعث (1968- 2003) أهملت مشروع الدولة الوطنية، وحشدت الطاقات والجهود العملاقة لبناء دولة قومية عربية، في ضرب من الوهم الذي جعل حكومة البعث تتهاوى امام الإحتلال الأمريكي، عبر بوابات الدول العربية طبعا ً، وعلى نحو صادم للعالم أجمع...! أخيرا ً جاءت مرحلة نظام الإسلام السياسي 2003 في رعاية امريكية، وتحت يافطة الديمقراطية، فأنتج حكومة محاصصة طائفية-عرقية، أتسمت بالفساد والإحتراب الداخلي والتشرذم ونسف كل ماهو جميل ومورث وطني مع تدمير واضح وصريح للثقافة الوطنية وروافدها من فنون وآداب، حكومة لصوص ومافيات، وشعب مهجر ومأزوم بكل شيء. وضع صار يهدد وجود دولة العراق. بأختصار نقول ان العراق ضحية المدارس السياسية الثلاثة الماركسية والقومية والإسلامية، في حقب دموية متواصلة، ومن هنا فلا غرابة ان تتجه انظار الشعب وبعض النخب الوطنية الى رسم ملامح نظام سياسي لزعيم وطني شجاع وقوي وصارم لأنقاذ العراق، بعض المراقبين يجدوا الحل الأمثل بوجود دكتاتور وطني عادل يتبنى مشروع الدولة الوطنية المدنية، تختفي فيها النعرات الطائفية والدينية ويؤسس لدولة موحدة يتكافئ بها الجميع على اساس المواطنة بلا تمايز عنصري أو ديني أو طائفي، ذلك حلم الخلاص من الكارثة الراهنة.
May 05, 2016 العراق: تاريخ خاسر، دكتاتور منتظر...! فلاح المشعل