|
| الحاج أُسطه زاير الرشيد رائد صناعة الخراطة في مدينة العمارة- العراق تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 17 أيار 2016 20:14 3 C | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61370 مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009 الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
| موضوع: رد: الحاج أُسطه زاير الرشيد رائد صناعة الخراطة في مدينة العمارة- العراق تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 17 أيار 2016 20:14 3 C السبت 21 مايو 2016 - 20:57 | |
| الحاج أُسطه زاير الرشيد رائد صناعة الخراطة في مدينة العمارة- العراق د.محمد زاير / السويدالحاج أُسطه زاير الرشيد رائد صناعة الخراطة في مدينة العمارة- العراق
أهدي مقالي إلى والدي الذي علمني الصدق والإيمان والإخلأص والكفاح في الحياة وإحترام الرأي ألأخر
مات أبوه وهو في بطن أمه, ثم ماتت أمه وهو طفل رضيع, فكفلته أخته نوره سلطان (أم عاشور) واعتنت به فنشأ يتيم الأبوين. تكلف برعايته أخوه الأكبر محمد جعفر الذي كان ميسور الحال يتعاطى مهنة تجارة الحبوب في مدينة العمارة, محلة المحمودية قرب سوق الدجاج, فاعتنى به وأدخله إحدى كتاتيبها (مله بابي).مله بابي: تعلم فيها القراءة والكتابة والحساب وحفظ القرآن الكريم. كانت تقع في جامع النجارين بمدينة العمارة, خرابه مفروش قسم منها بالحصران والبواري حيث الأطفال يجلسون على الأرض ومله بابي جالس والعصا بيده يضرب الفلقه إذ اقتضى الأمر ويعيد الدرس على الأطفال الذين يرددون ما يقوله. لم تكن هناك دفاتر أو أقلام بل يوجد مع كل طفل صفيحة (تَنَكْ) وحبر أسود يكتب فيها بقصبة هي القلم, وبعد الانتهاء من الدرس يذهبون ويغسلون ما كتبوه في مياه موجودة في القرب منهم. ولم تكن هناك مراحيض "بيوت الراحة" عندهم وإذا أراد الطفل أن يتبول عليه أن يرفع إصبعه الصغير,أوأراد التغوط عليه أن يرفع إصبعه الكبير طالبا الاستئذان من مله بابي لكي يسمح له فيخرج إلى الدربونه القريبة لقضاء حاجته. لقد أبدى الوالد ذكاءً واهتماما في تعلم القراءة والكتابة والحساب, وحينما شب وكبر أراد الالتحاق في المدرسة النظامية الرسمية الوحيدة آنذاك في مدينة العمارة, لكن طلبه رُفض لأن المدرسة كانت مقصورة على أبناء الذوات و أبناء الأتراك الموجودين في المدينة, وحينما بلغ أشده أخذ يساعد أخاه محمد جعفر في علوة الحبوب فكان مسؤولا عن حسابات البيع والشراء والطلبات الأخرى الإنتقال الى بغداد في بداية القرن العشرينلا ندري ماهي الأسباب المباشرة التي جعلته يترك أخاه ومدينته العمارة. قد يكون السبب هو أنه سئم تلك الحياة وأراد أن يشق الطريق بنفسه بعد أن اشتد ساعده وقوى وأصبح شابا يقرأ و يكتب مملوء بالطموح والتفاؤل والأيمان بالله وعظمته. أخذ "المركب النهري" في أوائل القرن العشرين ولا ندري في أية سنة بالضبط ولكنها قد تكون سنة 1906 ويمم شطر بغداد التي كانت خاضعة إلى نفوذ الأتراك في عصر انحطاطهم حدثنا عن بغداد القديمة فقال: كانت مجموعة من الدرابين الضيقة والبيوت أكثرها من الطين, ولم يكن هناك شوارع معروفة. وأول شارع أُفتتح ببغداد هو شارع النهر الذي شقه ناظم باشا في عام 1910. أما شارع الرشيد فقد بدأ العمل بشقه في شهر مايس سنة 1916. أفتتحه الوالي خليل باشا يوم 23 تموز سنة 1916 فسُمًي خليل باشا جادة سي . لم يكد الإنكليز أن يحتلوا بغداد في 11 آذار سنة 1917 حتى بدأوا يبلطون الشارع لتسهيل نقلياتهم ولاستعراض الجيوش البريطانية الغازية, فأطلقوا عليه اسم الشارع الجديد الذي أبدلته أمانة العاصمة الى شارع الرشيد. كما كان يتذكر بقايا السور الذي فجًره الأتراك (باب الطلسم) أثناء الحرب العالمية الأولى حيث كان مستودعا للسلاح, ولم يبقى منه إلا قطعة صغيرة أقيم فيها متحف الأسلحة الحاضر. وأخبرنا عن بيت الوالي وبغلته المرابطة أمام الدار القريب من ساحة الوثبة حاليا. وبالمناسبة فقد قيل أن بغلة الوالي إنتقلت إلى رحمة الله فشيعتها جموع الشعب البغدادي إلى مثواها الأخير راجية الله العلي القدير أن يُدخلها جناته ويرحمها برحمته الواسعة وبعد فترة من الزمن مات الوالي فلم يُشيعه أحدا !
وصل الوالد بغداد ليجرب حظه وطموحه. اشتغل حوالي الثماني سنوات في بغداد: في معمل للثلج يملكه هنود وكان مقره الرسمي في محلة المصبغة فأتقن صنعته في الاعتناء بالمكائن وتشغيلها فحصل على ثقتهم وأعطوه لقب (أُسطه) الذيلازمه طيلة حياته. ثم اشتغل في بعض المعامل الصغيرة (تورنات) التي كانت موجودة بصورة بدائية فأتقنها وأبدى ميلا كبيرا للاستمرار فيها لتصبح فبما بعد حرفته واختصاصه. من أقرب أصدقائه في تلك الفترة المرحوم أوسطه إبراهيم بربوتي الذي افتتح معمله بعد ذالك (تورنه) في بداية الشارع المقابل الى جامع سيد سلطان علي وبقى صديقا مخلصا وفيا له طيلة الحياة. الإنتقال الى كربلاء:أرسله الهنود إلى مدينة كربلاء لتأسيس معمل للثلج هناك, لدرايته في أعمال النصب والتشغيل والتصليح للمكائن بكفاءة ودراية, فأقام فيها خلال فترة الحرب العالمية الأولى. كان يتذكر بألم وحزن أصدقائه الذين بقوا في بغداد وكيف أن جندرمة الأتراك أحاطوا بهم في وقت النفير العام (سفر بر) سنة 1914 فسفروهم على عجل إلى جبهات القتال في القفقاس وماتوا هناك غرباء بعيدين عن أهلهم ووطنهم. تعلم الفارسية في كربلاء فأجادها, وكان قبلها يتكلم الكردية بطلاقة لظروف ساعدته لذاك, ومن طموحاته ورغبته أنه تعلم كتابة وقراءة الحروف الإنكليزية في بغداد بمساعدة مدرس خصوصي بأجر كان من أصدقائه المسيحيين لكن تطور الأوضاع آنذاك خلال الحرب العالمية الأولى حالت دون تعلمه هذه اللغة, فندم وتحسر كثيرا. .ومن أصدقائه الكربلائين مهدي أبو أخشوم الذي أصبح مطوفنا الخاص ومن بعده أبنه سيد محمد حيث كانوا يستقبلون عائلتنا أثناء زيارة الأضرحة المقدسة في كربلاء. وفي النجف الأشرف صديقه هادي الخرسان الذي أصبح مطوفنا الخاص. مدينة النجف: كانت صغيرة ومحاطة بسور قديم ووسائل السفر بينها وبين كر بلاء وبغداد هي العربات التي تجرها الخيول ولم تكن السيارات معروفة آنذاك وكانت هناك الكَاريات التي أنشأها الوالي مدحت باشا في القرن التاسع عشر كواسطة للنقل بين النجف الأشرف والكوفة, وكذالك بين بغداد والكاظمية. تأسيسه أول معمل للخراطة بالعمارة بالإشتراك مع زميله المسيحي يوسف بُنّيأسس الوالد في بداية العشرينيات من القرن الماضي أول معمل للخراطة في مدينة العمارة بالاشتراك مع زميله المسيحي يوسف بُنّي والد الدكتور يعقوب. كان المعمل صغيرا يقع في إحدى الدرابين الفرعية القريبة من السوق الكبير من جهة نهر دجلة. بعثة دراسية الى الهند لمدة سنة: سافر سنة 1928 بمساعدة أصدقائه الهنود فأخذ الباخرة (الميل) إلى مدينة بومباي الهندية على الساحل الغربي وبقى هناك حوالي السنة تدرب فيها على بعض المكائن والتورنات واطّلع على آخر المستجدات في ذالك الحقل. وقد ولدت ابنته (منارس) عند زيارته إلى مدينة (بنارس) الهندية. كان معجبا بالمعامل التي زارها وبالتطور العلمي السائد آنذاك في الهند, فاشترى بعض ماكان يحتاجه إلى معمله. وقد تعلم الكثير من اللغة الهندية أثناء مكوثه هناك لمدة سنة, فسخ الشراكة مع يوسف بني وتأسيسه معمل التورنة لوحده:لاندري متى تم ذالك ولكن الأرجح قد يكون بعد عودته من سفرته الى الهند فانتقل لوحده مع التورنات إلى مكان أكبر و أوسع مقابل السجن المركزي القديم الملاصق الى بيت شيخ مطلكَ السلمان الملاصق الى جامع الأنصاري الحالي, في الشارع الذي سمي لاحقا بشارع بغداد, كانت العرصة هذه تعود إلى فايق عرب كرلي المعروف بامتلاكه الموتور سيكل مع الدوبه, الوحيد في ذالك الوقت في مدينة العمارة. إيجار العرصه 8 (ثمانية) دنانير شهريا وهو مبلغ كبير في ذالك الوقت. نستطيع القول بأن الوالد يعتبر المؤسس لأول معمل للخراطة في مدينة العمارة في فترة كان الجهل والتأخر يضرب إطنابه في العراق والصناعات والمعامل محدودة العدد وبدائية التكوين.تورنة أوسطه زاير في شارع بغداد:أشبه بالجامعة التي يتخرج منها الطلاب المتدربين ليأخذوا دورهم في الحياة لتطوير البلد إلى حالة أفضل خاصة وأن الجهل والتأخر ضرب إطنابه في ذالك الوقت. أما الناس فيأتون بأطفالهم راجين إدخالهم إلى المعمل الذي يعتبر بمثابة المعهد الوحيد لكي يجربوا فيه حظهم في الحياة العملية وليحصلوا على شغل يؤمن رزقهم وحياتهم في تلك الفترة القاسية من تاريخ بلادنا الحبيبة. وبرنامج العمل يقضي آنذاك أن يبدأ الطفل حياته الأولى بالمساعدة في التنظيف وجلب الأدوات وإطاعة مرؤسيه, والذهاب أحيانا إلى السوق لشراء ما يحتاج إليه من مبارد ومناشير لقص الحديد, يتدرج الطفل بالعمل والتدريب وقد يأخذ ذالك سنينا طوال, يحصل في النهاية على لقب "أوسطه" ومنهم أوسطه عاشور وأوسطه جميل إبراهيم, وأوسطه جابر وأوسطه جاسم وأوسطه احسين, وأوسطه ياسين, وأوسطه صادق وآخرون كثيرون. منهم من يحصل على ألقاب إضافية أمثال أوسطه فلان الأعور وأوسطه فلان الأعرج, وذيبان اللحيمجي, ومحمد اجنازه لإنه كان بطيئا في عمله. هذا والزائرون إلى معمل التو رنة أنفسهم لم يسلموا من الألقاب الغريبة, فهناك التاجر عبد الحسين الأبكَع, وسائق السيارة حامد الأطرش, والأفنص, والأشرم والأعمى, والأشرح والشلولو, وأبو قنبوره,..الخ. كان الوالد صريحا جدا في تقيم قدرتهم ومستقبلهم, يجربهم ويختبرهم ثم يقول بصراحة تامة: إبني إنته هاي الشغله متوالمك, شوفلك غير شغله أحسن", أما الشخص المناسب فكان يلاقي كل التشجيع والسند.محتويات المعمل: (أُنظر خريطة المعمل):
كان السقف عبارة عن جملون كبير مصنوع من الجينكو يغطي معظم أرجاء المعمل لكي يقيه الحر صيفا والأمطار شتاء, وفي الطابق الأعلى من جهة الشارع تسكن عائلة يهودية لهم بابـهم الخاص.المشتغلون في المعمل كانوا يتبدلون بمرور الزمن وفي نهاية الثلاثينيات اشتغل أوسطه عاشور على التورنة الكبيرة وأوسطه جميل إبراهيم على التورنة الوسطانية والوالد له التورنة الصغيرة لكنهم كانوا يبدلون أماكنهم أحيانا تبعا إلى نوع الشغل وأهميته. أما الوالد فهو المخطط لسير العمل وإدارته. كان يرسم خرائط البساتن والبوشات مع القياسات بنفسه ويرسلها إلى صديقه أوسطه نافع ألتكمجي (السباك) في ألعباخانه ببغداد وأبنه أوسطه توفيق, وأحيانا يرسل الخرائط والتعليمات إلى صديقه أوسطه مصطاف في ألبصره فيسبكون (إيصبّون) هذه الطلبات مسترشدين بالخرائط المرسلة ومستعملين الآهين (نوع من الحديد), فيقوم الوالد وعماله بخراطتها (جرخها) وتهيئتها لكي تعوض التلف الحاصل في المكائن المتضررة التي تحتاج إلى تصليح. يكتب بنفسه قوائم الحسابات لتكاليف التصليح والمواد المطلوبة للعمل ويرسلها إلى الزبائن, فمنهم من يدفع التكاليف عن رحابة صدر ومنهم من يماطل ويحاول التهرب لشهور أوسنين. وأذكر مرة في بداية الأربعينيات خلال الصيف. أرسلني وأنا بملابس الشغل الملطخة بالدهن الأسود إلى بيت شيخ حاتم الصيهود في شارع بغداد قريبا من جسر الكحلاء ففتحت الباب حسناء هيفاء أشبه بالراقصة المتغنجة فنادت على شيخ حاتم الذي كان آنذاك شابا وسيما أنيقا, مشهورا عنه الكرم, سلّمته قائمة الحساب فوعدني خيرا والدفع عن قريب مع السلام على الوالد. ملأحظة: أدناه خريطة معمل الوالد مع المحتويات وكذلك تصاوير إلى التورنات والرنده والمزرف والماكنة التي هي نسخة طبق الأصل إلى معمل الوالد حصلت عليها أثناء زيارتي إلى متحف في جنوب السويد كان ومايزال نسخة طبق الأصل إلى معمل والدي والفرق الوحيد هو أنه يحتوي على ثماني تورنات مقارنة بمعمل الوالد ثلأثة تورنات, تأسس هذا المعمل السويدي للسباكة والخراطة سنة 1886 وتحول الى متحف وطني سنة 1966 بعد أن تناقلته أربعة أجيال من نفس العائلة. وهكذا في الوقت الذي يحتفظ فيه الغربيون ويعتزون بروادهم ومآثرهم وذكراهم نقوم نحن العراقيون بطمس كل معالمهم وإبداعاتهم وذكراهم. فقد بيع كل محتويات معمل الوالد بعد وفاته سنة 1971 رحمه الله وأسكنه فسيح جناته. كم أتمنى لو أن الله يطيل عمري ويساعدني على تتبع مكان التورنات بعد بيعها واسترجاعها الى مكانها الأصلية في شارع السوارية وجعلها متحفا وطنيا نفتخر به ونُذكّر الأجيال القادمة بعظمائنا الذين كافحوا رغم الظلام والتحديات والتخلف. وعسى أن تتحقق هذه الأمنية في المستقبل وقل إعملوا فسيرىا الله عملكم والله المعين!! !كانت عرصة المعمل كبيرة (أنظر خارطة المعمل) لها مدخل باب واسع تستطيع فيه عربات الدفع المرور منه إلى داخل المعمل لتفريغ حمولتها أو أخذها بعد تصليحها. وفي المدخل عن جهة اليسار تقع غرفة الإدارة (ألأوفيز) وفيها كراسي وقنفات مع منضدة كبيرة تتكدس عليها الدفاتر والأوراق من الحسابات والخرائط والرسائل, وعلى الحيطان آيات قرآنية معلقة هنا وهناك مع تقويم (يسمى روزنامه) فيه التاريخ الهجري والغربي الميلادي). وكانت تحيات الداخلين والخارجين تسمع طيلة النهار بكلمة " السلام عليكم…عليكم السلام..صبحكم الله بالخير..مساكم الله بالخير….هنيئا (إذا شرب أحدهم الماء)….بعد سلامه….الله أيوفقكم وينصركم…..(حينما يغادر أحد الجالسين مكانه ليفسح المجال للقادمين الجدد) ". أما الوالد فكان مشغولا بعمله في المعمل, يأتي بين الفينة والأخرى لاستقبال الزوار والتعرف على حوائجهم. من هؤلاء الناس بعض الفقراء, منهم من وضع على رأسه عمامة بيضاء أو سوداء بيده مسبحة ينطق بكلمات التسبيح والشكر لله والدعاء بأن يحفظ الله أوسطه زاير وعائلته. ساعد هؤلاء الفقراء المحتاجين وأعطى كل ذى حق حقه دون أن يظهر ذلك للملأ. ومن الوافدين الكثار أتذكر مله عباس المشهور يرتدى السيديه وهو المسؤول عن نقل توابيت الموتى الفقراء (الأمانة) إلى النجف الأشرف أثناء فترة زيارة (مرد الروس) فيدور على التجار والمتمكنين من الناس لجمع الأموال اللازمة.كانت اللغة العلمية المتداولة عند العمال في المعمل خليط عجيب غريب من الإصطلاحات والأسماء المشتقة من لغات متعددة: فاالجاكوج (ألمطرقه) والجراخه والتكمخانه والتكمجي كلمات تركيه, والبنطه والسنتر والشفت,الولف, الوكم, البستن والبوش, إكلأتور, الرنكَ وجمعها رنكَات: كلمات إنكَليزية, والمزرف وهناك الكثير من الكلمات المتعددة الأخرى التي لأأغرف شيئا عن مصدرها: كَجم بيم, قلأوز, دايس, برغي والجمع براغي, صمونه يطغ, كرنك. أفلاوين, منكَنه, تزكَاه, إكَزوز, ياغدان, ..الخ. المعمل أشبه بسوق عكاظ:بالإضافة إلى كون المعمل الجامعة التي يتخرج منها العمال المهرة لخدمة البلد وتطويره الصناعي, كان أيضا أشبه بسوق عكاظ مفتوح بابه لكل الأجناس والطوائف دون تميز في الدين أو أللغه, فقد كان يزخر بالأعداد الكبيرة من الناس كل يأتي بوقته الذي تعود عليه, فبائع اللوبيه والسميط واللوزينه والشاي والشربت والحلاوة والدوندرمة يأتون في الصباح والمساء. وهناك من يدخلون ويسلمون ويتكلمون ويجادلون بالأحداث السائدة آنذاك خاصة أثناء الحرب العالمية الثانية ومنهم حسن روله سائق الروله العائدة إلى البلدية, يحلل الأمور تحليلا ألماكنة تُذكّرني بماكنة البلوكي في معمل الوالد القوايش تدور في السقف تماما كما كانت تدور في معمل الوالد علميا دقيقا, ومن قوله المعروف إن الحرب القادمة سوف يسموها بالحرب الكونية وليس العالمية.كما كانت علاقة الوالد بالطوائف والأديان الأُخرى حسنة تقوم على الإحترام والحوار والمصالح المتبادلة, مكرراً قوله: "الدين شي شخصي بينك اوبين ربّك, ولا إكراه في الدين! فمن الطائفة المندائية (الصابئة) كان حمد الصُبّي بلحيته الطويلة ووجهه الضحوك, يزور الوالد باستمرار فهو يسافر إلى البصرة كثيرا ويجلب معه الأدوات والاحتياطات لبيعها على طالبيها كالبوريات والجاين والأسبستوس والبراغي والواشرات, يقص علينا نحن الأطفال المجتمعين حوله بعض القصص والأخبار. ولا أنسى أنه قص علينا ذات مرة في نهاية عقد الثلاثينيات موضوع الأهواز وكيف أن شاه أيران بمباركة الإنكليز غدر بالشيخ خزعل في إمارته, فقد كانت الحادثة مازالت حديثة العهد يتناقلها الناس في البصرة. والصابئ الآخر من أصدقاء الوالد هو أوسطه عامر بقامته الطويلة وثوبه الأبيض والوجه الضحوك كان هو الآخر يشتغل في تصليح بعض المعدات في بيته ويزور الوالد للمناقشة وأخذ الرأي والنصيحة. وهناك إسعيّد الصبّي المشهور بتصليح الوراور (المسدسات) وقد فقد بعض أصابع يديه نتيجة حادث, دكانه يقع في محلة السرية, يقوم أحيانا بتصليح بعض المعدات الصغيرة التي كان الوالد يرسلها إليه. وكذاك حربي الصبّي الذي كان يقوم بإصلاح العطب في المكائن في حدود اختصاصه ويزور الوالد بين الحين والآخر. أما علاقة الوالد بالمسيحيين فهي قائمة على الاحترام المتبادل واشتباك المصالح ومنهم بيت بني (سلومي وتوماس) حيث كان يصلّح مكائنهم لجرش الحبوب. وبيت حنا الشيخ الذين يملكون المراكب المتنقلة بين بغداد والبصرة وكذالك بيع البنزين والنفط, يصلّح بواخرهم ومكائنهم وهناك لويس برجوني في العمارة ممثلا للشركة الإنكليزية لبيع مكائن ضخ المياه للمزارع المشهورة وهي مكائن " رستون, وروبسن, فلدنك, وبلاك ستون " التي كان يسميها الوالد بلاك سيان لرداءتها, محله يقع على الشط قريب من مدخل السوق وأمام البانزينخانه في ذالك الوقت. أما جان بحوشي أخو لويس الساكن في بغداد فكان الوالد يزوره في بغداد لأمور عمله. حدث ذات مرة أن زاره وهو محتاج إلى بعض المال فسأل لويس عن إمكانية الاقتراض ووعده بإرجاع المبلغ حالما يعود إلى العمارة, فما كان من جان إلا وسلم الوالد مفتاح القاصة وطلب منه أن يأخذ أي مبلغ يحتاجه دون كتابة أي تعهد ملزم, فرفض الوالد وأصر على كتابة تعهد لذاك لأنه كما قال: " هاي دنيه حياة ممات, وما أريد آكل حرام ". ومن اليهود كان إفرايم كاشي, يملك محل لبيع الأدوات الاحتياطية قريب من دائرة الشرطة وعند مدخل دربونة بيت الحسوا. وكذاك أبن القالبجي الذي كان له دكان صغير جدا يقع في السوق الكبير قريب من مدخل دربونة بيت أبو القاسم, يبيع المبارد (جمع مبرد) والمناشير التي تقص الحديد فكنا نحن الصناع الصغار نذهب لشرائها والعودة إلى المعمل. ومن اليهود صاحب مخزن أحذية " باتا " في السوق يعرفه الوالد, وما أن يقترب حلول العيد السعيد, أذهب مع أخي الصغير محمود قائلا: " عمي باتا, أبويه إيسلم عليك وأيكَول اختاروا الشي اللي إتريدونه " فيرحب بنا ويساعدنا لاختيار مانريده. وهناك العائلة اليهودية التي تسكن الطابق العلوي من المعمل في شارع بغداد لاحقا, وما زلت أتذكر رئيس العائلة الذي يلبس الفينة الحمراء, له شارب سميك أبيض يغطي فمه و كلما يقابل والدي يسلم عليه باديا الإحترام. وهناك الكثير من الناس على اختلاف مراكزهم ووظائفهم وطوائفهم يدخلون ويخرجون من المعمل للزيارة والترفيه أو لقضاء حاجاتهم واستفساراتهم أو طلب الإرشاد والنصيحة والمساعدة الممكنة. وفي المدخل على جهة اليمين قسم السباكة بأشراف أوسطه عمران التكمجي الذي كان يعرج في مشيته ومساعده أوسطه جميل ألتكمجي الأعور الذي كانت إحدى عينيه زجاجة ثابتة تشبه العين, وأحيانا يتردد أوسطه هوبي التكمجي للنقاش والمساعدة وعيونه كانت توحي بإصابتها بمرض التراخوما. كان له دكانا خاصا للسباكة يقتات عليه يقع في سوق الدجاج, كانت الرمال في قسم السباكة تغطي مكانا كبيرا لأنها مهمة في صنع القوالب المطلوبة لسبك ما يراد لتصليح العطب الحاصل في المكائن. وهناك منفاخ يدار بالقايش الذي يدار مع القوايش الأخرى بواسطة ماكينة ألتانجي حيث يساعد على إدامة النار لصهر المعادن المطلوبة في السباكة. وبعد هذا المدخل ينتصب كوز الماء الكبير (حِبْ) له حنفية في أسفله ومغطى بغطاء من الخشب فوقه طاسة الماء المصنوعة من المعدن والملطخة بالدهن الأسود من كثرة استعمالها. وكوز الماء هذا ملك مشاع لكل العطاشى سواء العاملين في المعمل أو المارين في طريقهم لإطفاء ظمأهم. وبعد كوز الماء باتجاه اليسار تنتصب التورنة الوسطانية وبعدها بمسافة تأتي التورنة الكبيرة. وينتهي خط اليسار هذا بزاوية تظم المرحاض (بيت الراحة) ذو مساحة لا تتعدى الثلاثة أمتار تفتقر إلى الشبابيك والضياء, لهذا فالظلام دامس والروائح كريهة تكزم الأنوف. دخلت ذات مرة فيه فطمست في الغائط المنتشر. أما الزوار القادمين لاستعماله فعليهم أن بأخذوا بطل الماء الفارغ من المرحاض ويملؤه بالماء من حنفية قريبة من كوز الماء قبل دخولهم بيت الراحة. نعود إلى كوز الماء وباتجاه اليمين تنتصب الرنده الكبيرة وبعدها التورنه الصغيرة. أما في وسط المعمل فيوجد المزرف اليدوي والكوسره التي تدار بالقايش, وبعدها تأتي ماكينة ألتانجي والبلوكي,وينتهي المطاف بالتزكَاه وهو عبارة عن طاولة كبيرة تنتصب فيها عدد من الماسكات (منكَنات) حيث تمسك بالأشياء التي يراد بردها بالمبرد أو قصها بالمنشار. إضافة إلى ما ذكرنا هناك الكثير من السكراب والشفتات والمكائن القديمة والمهشمة والبوشات والبساتن القديمة منتشرة هنا وهناك وفي الغرف الأخرى الموجودة في الجوانب عند الحائط.لِباس العمال أثناء العمل: (البنطلون), أما الوالد فكان إلى نهاية الثلاثينيات يلبس البنطلون أثناء عمله مع جراويه بغدادية كبيرة. أما خارج المعمل أو في البيت فكان لباسه العربي: العقال واليشماغ والزبون مع الحياصه والبالطو مع الجيوات, وأحيانا يستعمل نظاراته أثناء العمل, إشتراها في بغداد أثناء إقامته هناك في بداية القرن العشرين وقد اشتراها كما قال بعد أن وقف عند البائع في سوق بغداد وأخذ يجرب بنفسه المقياس المطلوب, بعض الأدوات والأشياء المستعملة في معمل التورنة1-ألجاكوج (المطرقة) : بمختلف الأحجام.2-السبانة : بمختلف الأحجام. 3-ألمزرف مع البرينة (الجمع براين) : لثقب المعادن, يدوي صغير وكبير يدار باليد, وأخر كهربائي صغير.4-ألبنطة : تستعمل لتحديد المكان الذي سيزرف في المعدن, ولأشياء أخرى.5-ألدايس: لصنع تسنن خارجي في البوريات والشفتات.6-ألقلووز: لصنع تسنن داخلي في البوريات أو داخل بعض الأجزاء المعطوبة في المكائن أو الآلات الأخرى.7-بركَال ظهر: لقياس القطر الخارجي للبستن أو ألبوش أو أي شيء آخر, وبركَال بطن لقياس القطر الداخلي. وهناك جهاز صغير يستعمل لقياس ثخن بعض الأشياء التي يراد إصلاحها. 8-ألدرنفيس: بمختلف الأحجام.9-المبرد: بمختلف الأحجام والأشكال.10-المنشار: لقص الحديد, على أحجام مختلفة.11-ألمنكَنه: (الماسكة): لمسك الأشياء التي يراد قصها أو بردها أو تصليحها.12-ألياغدان: إبريق دهن ألمكائن لتغذية التورنات والمكائن بين حين وآخر.13-السندان: الذي تطرق عليه الأشياء, واحدا كبيرا وأخر صغيرا.14-البكرة: لرفع الأشياء الثقيلة من الأرض وإلى سطح التورنة كالبستن والبوش.15-أقلام حديد للخراطة و أقلام تحفير لليطغات.16-كاغد سمباده مع الكَراين لتجفيت اليطغات.17- كان العمال ينظفون أيديهم من الدهن الأسود بواسطة قطع من القماش البالية (خِرَكَْ), يذهب أحد العمال الصغار لشرائها من السوق, وهي عبارة عن بقايا ملابس قديمة أو لحفان متشققة أشبه بالنفايات.عمله في الأهوار: كان يخرج إلى الأهوار في فترة العشرينيات والى منتصف الثلاثينيات, مع مساعديه وجنطة خشبية سوداء كبيرة فيها كل الأدوات التي يحتاجها للتصليح ولنصب مكائن ضخ المياه الكبيرة فكان يقال: " أوسطه زاير راح للعرب " وهو الذي نصب أكثر المكائن المنتشرة في المجر الكبير (شيخ مجيد) وفي أمسيعيده (شيخ محمد العريبي), ومكائن صديقه المقرب سيد جواد في البتيره وكاظم السدخان بصدور المجر ومناطق أخرى عديدة مازال أكثرها موجودة إلى يومنا هذا تشتغل وتضخ المياه في أماكنها. كانت له طريقته الخاصة لنصب المكائن الكبيرة رغم الإمكانيات المحدودة, فيقوم في بداية الأمر بصب الأسمنت في المكان الذي ستستقر عليه الماكينة الضخمة بعد أن تأخذ القياسات وتوضع الأستدات (ألبراغي) الكبيرة داخل الصبة الكونكريتية وبصورة متساوية, وتُترك لمدة قد تطول أسبوعا أو أكثر لكي تقوى وتتصلب, وبعد جفافها يتعاون الجميع من رهط القوم وبمساعدة البكرات (ألعتلات) من رفع جسم الماكينة الثقيل لكي يستقر فوق الصبة بين الابتهالات إلى الله والرسول والأئمة الطاهرين, يقوم بعدها بتركيب الآلات العائدة إلى الماكينة وقد تأخذ أياما, وما أن تنتهي عملية النصب يقوم الوالد بتشغيل الماكينة بين الهلاهل والهوسات المناسبة وهنا يقوم الشيخ صاحب الماكينة بذبح الذبائح كفدية وقربانا إلى الله عز وجل.دقته وإخلاصه بالعملصادف في العشرينيات أن بيت هداية كانوا يملكون بساتين في العمارة فاشتروا ماكينة "بلاك أستون" لضخ المياه وأتى معها خبير إنكليزي لنصبها في البستان ولتشغيلها ولكن بعد محاولات عديدة ولمدة ثلاثة أيام لم يتمكن الخبير الإنكليزي من ذاك فأخبروه بوجود فني عراقي لعله يتمكن من تشغيلها, لكن الإنكليزي استكبرالأمر فرفض في البداية, ثم رضخ للواقع فأتى الوالد وهو في ملابسه العربية مع العقال واليشماغ والصاية والبالطو مع الحياصة والجيوات فاستكثر الإنكليزي الأمر وأخذ ينظر للوالد من فوق والى أخمص قدميه غير مصدق عينيه. أشار الوالد عليه أن يدير الفلاوين (العجلة الكبيرة) ففعل .. يمنه يسره وهنا سألنا الوالد: " ليش انته ما فرّيت (أدرت) الفلاوين؟ " فأجاب: " خفت ليكَول بأن صاحبكم هو خرّب الماكينة " وبعد الجهد استطاع الوالد تشغيل الماكينة. وهناك الكثير من القصص المعروفة التي تثبت كفاءته وخبرته ودقته وإخلاصه في العمل. ففي إحدى المرات تعطلت مكائن الطحين والجرش العائدة إلى بيت سيد مصطفى الواقعة على شاطئ دجلة فجلب لها سيد مصطفى أحسن الأسطوات ولم يفلحوا في تصليحها وبعدها استنجد المذكور بالوالد الذي اكتشف العطل إذ أن جزءا من أجزائها رُكّب بصورة غير صحيحة مما سبب كسر في بعض الأجزاء فتم تصليحه وتشغيل المكائن. أخبرنا الوالد من أنهم دعوه مرة إلى ماكينة كبيرة لضخ المياه, تشتغل لفترة قصيرة بصورة طبيعية ثم تتوقف عن الدوران. فقام الوالد بفحص الماكينة بصورة دقيقة دون أن يعثر على سبب العطل. ثم فكر طويلا, طلب بعدها من المساعدين حفر الأرض المحيطة بأنبوب النفط الموصل بين مخزن النفط (ألتانكي) والماكينة نفسها فاستغربوا لذاك لكنهم أطاعوا, وبعد جهد جهيد إكتشف قطعة كبيرة من القماش في أنبوب النفط تعرقل وصوله, وبعد التحقيقات اعترف سائق الماكينة بذاك لأنهم طردوه من عمله. طعام الوالد وإسلوب حياته:كان الوالد يتجنب الدهنيات واللحوم في طعامه, اعتبرها زفر تضر صحة الجسم وكذاك الحلويات والأملاح, لكنه يأكل السمك والدجاج أحيانا, ويكثر من تناول الحليب والخبز خاصة في طعام العشاء. أما طعام الغداء فالرز مع المرق والخضروات دون لحم الذي يكون من حصتنا نحن الأطفال حيث كنا نتناول الطعام سوية, وأحيانا يُحمل طعام الغداء على صينية إلى معمل التورنة من قبل الصناع الصغار حيث يتناول الطعام في غرفة الإدارة بعد أن يصلي ويدعو الله, وفي فترات متعددة يأتي بنفسه إلى البيت وقد وضع العباءة على رأسه تجنبا لحرارة الصيف وكنت وأنا الطفل أحيانا ممسكا بيده أُصاحبه إلى البيت حيث نتناول طعام الغداء سوية, وبعدها ينام الظهر أثناء الصيف الحار وسمومه اللهابة في الوقت الذي نتناوب فيه نحن الأطفال على تحريك المروحة (ألمهفه) لتبريد الجو. ومن عادته المنتظمة إذا ما حل الربيع يتناول دهن الخروع كمسهل ينظف جهاز الهظم من الأوساخ المتراكمة خلال السنة. كان يدخن كثيرا ويكرر نصيحته بالقول: " لا تبلشون بالتدخين لأنه مضر وصعب تركه ". سألناه مرة في شهر رمضان حينما كان صائما في عزة الصيف: " شنوا أصعب شي عليك بالصيام " فأجاب: " التدخين! ". تعرفه على جميع الشيوخ بحكم عمله:طبيعة عمله جعلته يتعرف على كل الشيوخ المعروفين الذين هم بأمس الحاجة إلى هذه الخبرة الميكانيكية التي انفرد بها لوحده في تلك الفترة, لتصليح مكائنهم إذا تعطلت (أو كما يقولون رفست المكينه أو طارت عواره) خاصة أثناء الصيف اللهاب حيث يقع الشيوخ في اضطراب كبير خوفا من تلف المزارع فيهرعون لزيارة والدي في المعمل وأحيانا في ألبيت راجين الإسراع بتصليح المكائن بأسرع وقت, الأمر الذي يتطلب الشغل نهارا وليلا حيث تضاء الأضواء الكهربائية في المعمل لتصليح العطب بأسرع وقت ممكن. كان من هؤلاء الشيوخ :شيخ محمد العريبي, شيخ مجيد الخليفة, شيخ فيصل, شيخ مطلكَ السلمان الذي كان يقرأ و يكتب وهو شيء نادر جدا في ذلك الوقت, إذ كان أكثر الشيوخ في العراق أُميين لا يقرؤون أو يكتبون وأخرون كثار. بالأضافة الى تصليحه مكائن ضخ المياه في البساتين وعند الشيوخ كان الوالد أيضا مسؤلا عن تصليح أكثر المكائن المنتشرة داخل مدينة العمارة كمكائن الكهرباء ومكائن طحن الحبوب, أو صناعة الثلج. بالأضافة الى تصليحه مكائن ضخ المياه في البساتين وعند الشيوخ كان الوالد أيضا مسؤلا عن تصليح أكثر المكائن المنتشرة داخل مدينة العمارة كمكائن الكهرباء ومكائن طحن الحبوب, أو صناعة الثلج بالأضافة الى تصليحه مكائن ضخ المياه في البساتين وعند الشيوخ كان الوالد أيضا مسؤلا عن تصليح أكثر المكائن المنتشرة داخل مدينة العمارة كمكائن الكهرباء ومكائن طحن الحبوب, أو صناعة الثلج ومن أصدقائه المقربين سيد جواد, شيخ له مقاطعة صغيرة في البتيره وشيخ كاظم السدخان وشيخ عبد الكريم الجوي الذي كان نائبا عن العمارة رغم أنه كان يطنطن في كلامه فيقول " تنهي ويقصد شنهي. والحاج أُسطه سوزه الجيزاني: من أقرباء الوالد وصديقه المقرب الذي هو الآخر يُعتبر المؤسس لصناعة جرش الحبوب والطحين فى مدينة العمارة. وهناك شيوخ صغار كثار أو عوائل تملك مقاطعات صغيرة أو بعض البساتين المنتشرة خارج المدينة و هناك شيخه اسمها طاكَه, قصيرة ذات حدبه (قمبوره) تلبس ملابس الرجال مع جرغد أسود يلف رأسها على شكل عمامة, وفي إحدى الأيام في الأربعينيات جاءت إلى بيتنا لزيارة الوالد لأمر يخص تصليح الماكينة في مقاطعتها, وما أن اقتربت من بيتنا أحاطها الأطفال من كل جانب لغرابة منظرها و أخذوا يضربونها بالحجارة ويرددون الأهزوجة المعروفة عند الأطفال: " هذه الياكلنه هذه.. آو هذه الياكلنه هذه…". ولكنها هرعت خوفا ودخلت بيتنا دون أن تطرق الباب فخرجنا وأمي معنا التي صاحت على الأطفال وأنبتهم على هذه التصرفات المشينة. الشيوخ لهم موكب رهيب وغريب فالشيخ يسير ومعه وخلفه الحوشيه (ألحاشية) يأتي بسيارته المفخمة وهي آخر مود يل, يلبس الملابس الغالية من صاية أو زبون مع البالطو والعقال مع اليشماغ والعبائة, لكن أكثرهم في الثلاثينات حفاة لا يرتاحون إلى لبس الأحذية, يدخلون المعمل بهذا الموكب خلال الصيف يسلمون و يستفسرون, بينما العمال الصغار وأنا أحدهم, نسأل الشيخ قائلين: "محفوظ انريد بخشيشنه " فيجيبنا: " تامرون, بعد ما أتخلصون تصليح الأغراض", يعطونا في النهاية مبلغ لا بأس به قد يصل إلى الدرهم لكل واحد منا وهو مبلغ كبير في ذالك الوقت. إصابته في ظهره أثناء عمله:أصيب الوالد في سنة 1936 بحادث أثناء عمله سبب له أوجاعا شديدة في ظهره وأرجله طيلة حياته. أخبرنا بأنه أثناء ضغطه الشديد على السبانه وبينما كان محني الظهر شعر بطرقة وألم شديد في الظهر لم يستطيع الحركة بعدها فحملوه إلى السرير للراحة والعلاج, لم يستطيع الوالد بعد هذا الحادث الإستمرار في نصب المكائن, وقد راجع أشهر الأطباء في بغداد وعلى رأسهم عميد كلية الطب آنذاك الدكتور الإنكليزي "سندرسن", وكذاك الدكتور هاشم ألوتري, وجاك عبودي وآخرون ولكن كل هذه المحاولات باءت بالفشل ولم تفده العلاجات والأدوية في وقتها. أما حالته حسبما عرفتها أنا بخبرتي الطبية لاحقا, هي حالة انزلاق الدسك الضاغط على العصب يتطلب عملية جراحية لرفعه من مكانه لكن العلاج لم يكن متطورا إلى هذا المستوى آنذاك فعالجوه بالدهونات والأدوية المسكنة. كانت الأوجاع شديدة عليه لكن إيمانه بالله وإرادته كانت قوية جدا حينما كان يردد القول كثيرا: " المشتكى إلى الله, هذه إرادته و لا إعتراض عليها ". بعد أن يأس من علاج الأطباء المختصين, إتجه إلى طب العرب البدائي الذي كان يمارسه بعض البدو والدجالين, فقاموا بكيه عدة مرات, وجرّب بعض النباتات الحارة التي وضعها على أماكن الأوجاع حيث تركت بصماتها من تلف في الجلد (فركَاسات), ثم تفتقت عبقرية أحدهم فاقترح ذبح صخل في بيتنا ثم إدخال الوالد في جلد الصخل الحار بعد ذبحه. جرى ذالك في أوائل الأربعينات فأجتمع الأطفال من كل حدب وصوب وامتلأ البيت منهم ومن المارة الفظولين, ثم قام البدوي بذبح الصخل وأدخل الوالد المريض في جلده حيث أخرج يديه ورجليه من الفتحات في الوقت الذي أخذ البدوي يسأل الوالد:" ها اشلونك إرتاحَت؟ " وبالطبع فان حرارة الجلد خففت بعض الأوجاع التي عادت بعدها كما كانت. وبالمناسبة فأن الوالد كان يرتاح كثيرا حينما نقوم نحن الأطفال بالمشي على ظهره وهو ممدد على بطنه, وهي طريقة مشابهة للطريقة المستعملة حاليا في العلاج بالوسائل الطبيعية وتسمى Articulation and Manipulation”".أشرف على الموت أثناء عمله: حدث ذالك في بدابة الأربعينيات, حينما حاول تبديل مسار القايش للتورنة الكبيرة لتغير السرعة, وفجأة التحق ساعده الأيسر لينحصر بين القايش والتورنة نفسها دون استطاعته الإفلات من هذه القبضة المحكمة. ومن حسن الحظ كان العامل حسن جاره ابن فانوس ابنة عمتي أم عاشور واقفا أمامه من الجانب الأخر الذي استطاع أن يمسك بالقايش ويتعلق به فسحبه الى فوق ولكنه وبثقل جسمه العضلي أوقف دوران القايش مع الصياح وطلب النجدة, فأسرع العمال الآخرين وأنقذوا الموقف. ومرة أخرى بالأربعينيات ألقى بقطعة حديد كبيرة على كومة السكراب للتخلص منها, ولسوء الحظ أدت الى تطاير شظايا صغيرة متعددة من السكراب أصابت إحداها قاعدة أنفه فأحدثت شقا عميقا أخذ الأشهر الطويلة لالتحامه, فلم يكن البنسلين معروفا ولكنه كان يضع صفار البيض عليه ويحافظ على نظافته.إنتقال المعمل الى شارع السوارية سنة 1940
إندلاع الحرب العالمية الثانية:اندلعت الحرب العالمية الثانية يوم 1أيلول 1939. كان الوالد بتفكيره البعيد قرر نقل المعمل من عرصة فايق عرب كرلي في شارع بغداد الى مكان آخر يملكه بنفسه لكي يتجنب الإيجارات التي ستزداد باستمرار في فترة الحرب, فاخذ يخطط لذاك. لم يكن لديه المال الكافي لكن صديقه المخلص سيد جواد قدم المساعدة بعد أن رهن والدي حلي الذهب (ألحجول والقلادة) العائدة لعائلتنا. قرر الانتقال, بعد الاتكال على الله , في ربيع سنة 1940, وهي عملية مرهقة شاقة ومكلفة تأخذ الأشهر الكثيرة لإنجازها.أشترى والدي العرصة التي تقع في مدخل شارع السوارية من جهة الشط قريبة من معامل الثلج العائدة إلى بيت أبي القاسم وعلوة سعد العرس. وهي عرصة كبيرة لكنها أصغر من المكان السابق في شارع بغداد. بدأ الوالد في ربيع سنة 1940 بترقيم الدعامات المتعددة والجملون الكبير (السقف), الذي كان يغطي أكثر المعمل فصاحبته وأنا الطفل عدة مرات حيث صعدنا إلى سطح المعمل بعد الاستئذان من العائلة اليهودية الساكنة هناك في الطابق العلوي من جهة الشارع وكان لهم باب إلى الخارج مع سلم إلى سطح الدار, وحينما صاحبته إلى سطح المعمل كان بيده فرشاة مع علبة صغيرة لصبغة (بوية) بيضاء, فقام بترقيم الدعامات وما يقابلها من مكان الجملون بحروف إنكليزيه A,B,C…etc كل في مكانه لكي يتسنى بناؤه مرة أخرى بعد تفكيكه ونصبه في مكانه الجديد. كان صيف 1940 مؤلما ومرهقا. ففي الوقت الذي كان فيه الحر على أشده بدأت عملية الانتقال بعد الدعاء والاعتماد على الله. فبدأت عرباين الدفع المتعددة تنقل الأشياء التي تتحملها بين الصياح والاحتياط وعرق الجبين وذكر الله وطلب رحمته. أما التورنات الثقيلة فنقلت بطريقة بدائية بعد أن وضعوا تحتها بوريات تتحمل ثقلها وبدؤوا بدحرجتها ببطأ بين صيحات التكبير والاستعانة بذكر الله ورحمته. وفي خضم هذه الأحداث المرهقة والحر الشديد مرضت أختي فريحه وهي في السنة العاشرة من عمرها, فقد أصيبت بداء التيفويد ولم يكن البنسلين ومشتقاته معروفا حينه, فساءت صحتها واعترتها غيبوبة فوضعوها على الأرض وأداروا رأسها باتجاه القبلة. وفي الوقت الذي صارعت فيه الموت, أصيب الأخ حامد في مرض الجدري الذي تفشى آنذاك فكانت المصيبة مصيبتين أكثرها وقعا على الوالد الذي كان مشغولا ومنهمكا في عملية الانتقال, لكن رباطة جأشه وأيمانه المطلق بالله وقدرته وأرادته جعلته يعالج الأمور بتعقل وروية وإيمان. كانت السلطات الصحية تجمع المصابين في مرض الجدري في الكرنتينه القريبة من المقبرة حيث ينتظرهم الموت المحقق لعدم وجود علاج ناجع أو نظافة مهمة في مثل هذه الأحوال, لهذا أخفوا أمره ونقلوه إلى بيت خالتي جميلة (أم إسماعيل) الواقع في شارع بغداد والقريب من مدخل السوق وهو بيت قديم تتوسطه نخلة فيه غرف قديمة متعددة : لا زلت أتذكر الغرفة المظلمة التي رقد فيها الأخ حامد وكانت تسكنها حية سابقا فكنا نحن "الأطفال" نشاهد قطعا من جلدها الذي تتركه بين الحين والآخر, نزور الأخ حامد عن بعد لا نقترب إليه ولا نكلمه أو نعانقه, وصوت الخالة جميلة وأمي يؤكدان علينا ألا نذكر ذاك إلى أي أحد وإلا فانهم سيأتون ويأخذونه إلى موت محقق. امتثلنا للأمر ولم ننبس ببنت شفه, وبقدرة قادر تحسنت صحته وشفى شفاء تاما من هذا المرض الوبيل. كان ذاك في وقت انتقلت فيه الأخت إلى رحمة الله تغمدها برحمته الواسعة. أحدث موتها صدمة قوية لي فلأول مرة عرفت معنى الموت وبكيتها بكاءً مريرا, أما الوالد فقد حافظ على رباطة جأشه وأعصابه ذاكرا الله وأرادته وطالبا العون والرحمة والغفران مرددا القول: "كل نفس ذائقة الموت ".:توقفت عملية الانتقال لمدة ثلاثة أيام حدادا وجلس الوالد مع المعزين والمواسين بينما استمرت تعازي النساء في بيتنا.
عدل سابقا من قبل Dr.Hannani Maya في السبت 21 مايو 2016 - 21:00 عدل 1 مرات | |
| | | Dr.Hannani Maya المشرف العام
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 61370 مزاجي : تاريخ التسجيل : 21/09/2009 الابراج : العمل/الترفيه : الأنترنيت والرياضة والكتابة والمطالعة
| موضوع: رد: الحاج أُسطه زاير الرشيد رائد صناعة الخراطة في مدينة العمارة- العراق تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 17 أيار 2016 20:14 3 C السبت 21 مايو 2016 - 20:59 | |
| المعمل الجديد في شارع السوارية:كان المعمل الجديد أصغر من القديم لكنه كافيا لإستيعاب جميع التورنات وملحقاتها مع ماكينة اللحيم التي كان يشتغل عليها "ذيبان أبو غانم" أو كما كانوا يسمونه (أبو قانم) وهو من أهالي البصرة إنسان نزيه ضحوك, بسيط التصرف, محبوب من الجميع. كان في المعمل نخلة مثمرة في نهاية المدخل, فاقترح أكثر أصدقائه بإزالتها لأنها قد تعيق المرور, لكن الوالد رفض ذاك رفضا باتا وأصر على بقائها لأنها كما قال:" هي رمز الخير والعطاء وإزالتها نذير شؤم وفقر وشر". وقد بنى الوالد ثلاثة غرف عند مدخله, اثنان على اليمين وواحدة على اليسار احتوت ماكينة اللحيم. أما الغرفة الأولى على جهة اليمين استعملت للإدارة (ألأوفيز) واحتوت قنفات بيتنا القديمة مع الساعة القديمة المعلقة على الحائط اشتراها الوالد في بداية القرن العشرين أثناء اشتغاله في بغداد. أما الغرفة الثانية على اليمين فقد استعملت مخزنا إلى الأدوات الميكانيكية والبوريات,يبدأ العمل صباحا عند شروق الشمس وينتهي عند الغروب, وكان مشهدا لافتا للنظر حينما ينتهي العمل, يخرج الوالد يحيطه العمال الكبار والصغار يسيرون مسافة في شارع السوارية, يتفرقون بعدها بالتدريج كل يذهب إلى بيته ونحن "الأطفال" نلعب في الشارع قرب بيتنا مقابل جامع الحاج سالم وما أن نرى الموكب المتبقي مع الوالد قد اقترب من نهايته, نركض مرحبين ومحيطين به نمسك يديه ونصاحبه إلى داخل البيت فيقوم بنزع ملابس العمل ويغتسل ثم يرتاح وبعدها يذهب للصلاة في جامع بيت أبي القاسم حيث كنت أصاحبه أيام الصيف فنذهب أولا إلى المقهى الكبيرة عند مدخل السوق الكبير من جهة الشط. كان يصادفنا في الطريق على الجانب الآخر بعض الحانات التي تبيع الخمر, وقد حذرني مرارا من أضرارها. وما أن تغيب الشمس, نأخذ طريقنا إلى الجامع حيث الصلاة والدعاء, أما في ليلة العيد المبارك فكان يذهب لوحده إلى بيت عبد الغفار الأنصاري المرجع الديني في المدينة للتأكد من رؤية الهلال, فكنا ننتظره بفارغ الصبر لمعرفة حلول العيد أو عدمه. وفي الخمسينيات إستغنى عن الماكنتين وأدخل الموتور الكهربائي الى المعمل لمواكبة التطور العلمي الذي بدأت رياحه تهب في تلك الفترة من تاريخ بلادنا الحبيبة.وهناك الكثيرون الذين تعاقبوا بعد تركي مدينة العمارة سنة 1949 وجدت أسمائهم في بعض المفكرات القديمة التى سجل فيها الوالد ملاحظاته, أذكر بعضهم: قاسم محمد, شاكر حبيب, صبيح ياسين, صبيح عبد الزهره وجعفر واسماعيل وسيد علي وعبود علي وآخرون كثاروخزعل ويحي من بغداد أرسلهم صديقه إبراهيم بربروتي. بعض من مبتكراته وطرق عمله في التورنة 1-صنع في الخمسينيات ماكينة صغيرة بحجم ماكينة الخياطة, تشتغل بالنفط ويمكن إيقافها بعد وضع اليد عليها بقوة. كانت غايته إشباع هواية التفكير, وقد فُقدت بمرور الزمن.2- في منتصف الأربعينيات ألغي مكان التنور في بيتنا وأستبدل المكان ببناء حمام صغير للعائلة, فقد كنا قبلها نذهب إلى حمام السوارية القريب من بيتنا. وقد ابتكر الوالد جهازا خاصا يقوم بتسخين الماء وأرضية الحمام بطريقة سريعة. ومازلت أتذكر الدوي الهادر مع الضغط والنار تخرج من فوهة هذا الجهاز إلى داخل الفراغ الموجود تحت أرضية الحمام لتسخينه والماء, وكانت كلفة الجهاز آنذاك هو خمسة دنانير (أنظر الرسم 1).3-كان في مرات متعددة يقف ويشتغل على التو رنة الصغيرة, فيستعمل طريقته الخاصة لتثبيت قطعة الحديد في " العينة" العائدة إلى التورنة والتي فيها مماسك (تسمى لقم) تمسك قطعة الحديد لخراطتها. طريقته الخاصة هذه تتلخص بأن يضع "قوطية الجيكاير" المعدنية الفضية تحت قطعة الحديد فتساعد بأنعكاس الضوء. ويدير العينة بصورة بطيئة تعطي انعكاسات للضوء بصورة مختلفة, فيقوم بتحريك اللقم بصورة مضبوطة, تنتهي بإمساك قطعة الحديد في مكانها الصحيح. وقد سألت الأخ محمود بعد رجوعه من أسكتلنده عن هذه الطريقة فأجاب بأنه شاهد ما يماثلها هناك أثناء دراسته تسمى Rays Reflection Method” " وهي طريقة ناجحة وحديثة العهد.4-كان يرسم خرائط البساتن والبوشات بنفسه, فيستعمل الفرجال (بركال ظهر وبركال بطن) مع المسطرة والقلم, فيلبس النظارات التي اشتراها من بغداد, لتدقيق الخرائط وكذاك يستعملها أثناء التدقيق لحالات عويصة مستعصية. يرسل هذه الخرائط إلى صديقه أوسطه نافع وابنه توفيق في بغداد لسباكتها.5-كان اعتماده على الله كبيرا ليس له حدود وكذاك ثقته بالنفس, فيستمر الساعات الطوال بعمله دون ملل أو كلل, وأذكر مرة جاءه أوسطه ناجي المسؤول عن ماكينة بيت الجبير (بلاك استون) ومعه طرمبة النفط المعطوبة, فقرر الوالد إخراج كرة صغيرة (دعبله) معطوبة محصورة بمسمار (بيم) لايمكن معرفة نهايتيه لوجود التسنن. قام الوالد بالفحص الدقيق وقرر إخراجهاوأبدالها بكرة جديدة. أخذ المطرقة والبنطة وأخذ يدق على البيم لأخراجه من مكانه وهو في كامل الثقة بالنفس, وهنا صاح ناجي: " إستادي هاي متصير, اتروح السنون تخرب". لم يجبه الوالد وتجاهله فسكت ناجي لأنه كان يكن الاحترام للوالد, ولكنه أعاد الكرة قائلا: " أستادي السنون راح تخرب", والوالد لا يجيب أو يعلق على كلامه. وبعد فترة استطاع الوالد أن يخرج الكرة المعطوبة ويبدلها بأخرى جديدة ويعيد المسمار (ألبيم) إلى مكانه الطبيعي, فخجل أوسطه ناجي ولاذ بالصمت (أنظر الرسم 2).6-إبتكر طريقة خاصة لخراطة "ألكرنكات" الكبيرة المتآكلة. تتم الخراطة بواسطة قاصة (كَاصوصة) أسطوانية الشكل,معدنية ذات قطعتين تحتوي سكاكين مثبتة (أقلام خراطة) في سلايدات موزعة في أربعة مناطق في دائرة الأسطوانة, يمكن تصغير المسافة أو تكبيرها (Adjustment) حسب الحاجة بواسطة براغي مثبتة بصورة منفردة لكل سكين (قلم خراطة) (أنظر الرسم 3).7-إبتكر جهازين لتنعيم البساتن والبوشات Grinding )), فما يخص جهاز تنعيم البساتن الذي فيه حجر خاص فأنه يثبت في سلايد التورنة, الذي يقوم بتنعيم ألبستن الدائر حول محوره والمثبت بواسطة العينة والسنتر العائد إلى التورنة. أما جهاز تنعيم البوش فهو مثبت في محور مثبت طرف منه في العينة والطرف الآخر في سنتر التورنة, أما البوش فهو مثبت على سطح السلايد العائد الى التو رنة, وهكذا يدور المحور داخل البوش المثبت لتنعيمه. 8-قامت شركة نمساوية ببناء جسر على نهر دجلة في العمارة سنة 1956-1957 والذي مازال يسمى "الجسر الجديد", وقد اعترضتهم مشكلة في العمل أدت إلى توقفه, فاحتاروا في أمرهم. جاؤا إلى الوالد ومعهم مديرهم طويل القامة بعد أن سألوا عن أحسن ميكانيكي في المدينة. كانت مشكلتهم هي احتياجهم إلى " قلووز مع دايس " بقياس معين غير متوفر في العمارة أو عند الوالد. أقترح عليهم الوالد أن يجلبوا برغي بنفس القياس يستعملوه كقلووز, ونت (صموتة) يستعملوها كدايس, فحُلت المشكلة, وعلى أثرها عاد مديرهم الطويل وعرض على الوالد أن يكون مستشارهم في العمل براتب مغرى يقرره بنفسه, ولكنه رفض ذالك رفضا باتا. 9- كانت هناك ثلاثة دفاتر سميكة كبيرة طولها حوالي الأربعين سنتمترا وعرضها 25 سم يحتفظ الوالد فيها دوما في الأوفيز. يحتوي الكتاب الأول كل قوائم الحسابات للمكائن التي قام بتصليحها بأسماء أصحابها فكان سجلا حافلا لهذه الأسماء التاريخية سواء كانت من الشيوخ أو الناس العادين. أما الكتاب الثاني فكان حافلا بخرائط البوشات والبساتن والمكائن الأخرى التي رسمها بنفسه. والكتاب الأخير كان يحتوي رسوما لحالات خاصة مع التعليقات. وقد صُدِمْتُ كثيرا وتألمت حينما سمعت بأنها فُقدت, وحينما سألت الأخ محمود عنها أنكر وجودها وقال إنها موجودة عند الأخت رتبة التي أنكرت ذالك بإصرار وأقسمت بأنها موجودة عند الأخ محمود الذي كان ناظرا وقساما شرعيا في الوصية التي تركها الوالد, وهكذا بين حانه اومانه ضاعت لي عانه والله هو المعين وبه نستعين وإنا إليه لراجعون.
بغض الملأحظات التي سجلها في مفكراته المتعددة
| |
| | | | الحاج أُسطه زاير الرشيد رائد صناعة الخراطة في مدينة العمارة- العراق تم إنشاءه بتاريخ الثلاثاء, 17 أيار 2016 20:14 3 C | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |