الوثيقة عبّر فيها عن دعمه للمصالح الأمريكية في إيران
طهران - الخليج أونلاين (خاص) :تسبب التقرير الذي نشرته "بي بي سي" مؤخراً عن وثائق أمريكية تكشف العلاقة السرية بين مؤسس نظام ولاية الفقيه "الخميني" والولايات المتحدة الأمريكية، في هزة كبرى في إيران، فقد سارع المرشد الإيراني، علي خامنئي، إلى استنكار التقرير، نافياً وجود أية اتصالات سابقة بين الطرفين، مدعياً أنها تقارير مختلقة ولا أساس لها من الصحة.
وكانت "بي بي سي" كشفت عن وثائق رُفعت عنها السرية مؤخراً، تُظهر أن ثمة وجوهاً أخرى، لم تكن معروفة في السابق، للعلاقات بين إيران وأمريكا؛ فقد قدم التقرير الوجه المختلف للخميني الذي لطالما انتهج سياسات ظاهرية متشددة حيال الولايات المتحدة، والذي لطالما كان يتهجم على أمريكا ويُطلق عليها اسم "الشيطان الأكبر".
وحتى يخفي المرشد الحالي الفضيحة، ادعى أن أهداف إيران والولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط متعارضة تماماً، وأن طهران لن تتعاون بتاتاً مع واشنطن وبريطانيا "الشريرة" حول القضايا الإقليمية، رغم أن أغلب الملفات الحالية في العراق وسوريا وأفغانستان متوافقة مع السياسة الإيرانية.
وتكشف الوثيقة حقيقة رسالة مرشد الثورة الإيرانية السابق للرئيس الأمريكي جون كنيدي، التي عبّر فيها عن دعمه للمصالح الأمريكية في إيران.
وذكرت الوثيقة التابعة لجهاز الاستخبارات الأميركي "CIA"، أنه قبل نصف قرن، تواصل أحد رجال الدين بمدينة قم بشمالي طهران، مع الحكومة الأمريكية من محبسه بعيداً عن أعين رجال "السافاك".
المرجع الديني الذي خاطب الولايات المتحدة الأمريكية لم يكن من أهم المراجع في قم، ولكنه كان من أشد المعارضين للثورة البيضاء التي أطلقها شاه إيران محمد رضا بهلوي.
والثورة البيضاء عبارة عن برنامج إصلاحي اقتصادي واجتماعي أثار الجدل بإيران، وقد رأى الخميني أنها تمثل خطراً على الدين الإسلامي، بحسب "BBC" النسخة الفارسية.
وللتعبير عن غضبه على الثورة البيضاء، أعلن الخميني في عيد النوروز عام 1963 حداداً عاماً إزاء خطط النظام في مساواة حقوق المرأة مع الرجل، بعد عام من هذه الخطبة شديدة اللهجة التي أدت إلى اعتقال صاحبها، وفيها شكك الخميني في إيمان الشاه ووصفه بعميل "إسرائيل"، لكنه لم يتكلم ضد الداعم الرئيسي له وهي الولايات المتحدة.
وبعد اعتقاله أرسل الخميني رسالة إلى حكومة الرئيس الأمريكي، جون كيندي، بهدوء، من محبسه بمنطقة قيطرية بطهران سنة 1963، أشار فيها إلى عدم إساءة تفسير تهجمه اللفظي لأنه يؤيد مصالح أمريكا في إيران.
وتعتبر هذه الوثيقة فضيحة كبرى لقائد الثورة الإيرانية، الذي لطالما تهجم على الولايات المتحدة في خطاباته عقب الثورة، واصفاً إياها بـ"الشيطان الأكبر"، فقد أكدت الوثيقة وجود اتصالات سرية بين الخميني والمخابرات الأمريكية، كما كشفت مدى رغبته في دعم المصالح الأمريكية في إيران في حالة إسقاط نظام شاه إيران.
لا تزال الوثيقة التي فضحت الخميني وصدرت من السفارة الأمريكية في طهران وتحتوي على المتن الكامل لرسالة الخميني، في الأرشيف الوطني الأمريكي محاطة بسرية، لكن خلاصة هذه الرسالة جاءت في مستند "الإسلام في إيران".
الوثيقة أتت في سياق تقرير بحثي مكوّن من 81 صفحة لـ"CIA"، بتاريخ شهر مارس/آذار لعام 1980، وفيه تم ذكر رجال دين آخرين مثل آية الله خوئي، وآية الله شريعت مداري.
وفي عام 2005 خرجت الوثيقة من إطار السرية، وتم ذكر بعض الفقرات المتعلقة برسالة آية الله الخميني، إلا أن بعض الأجزاء تم حجبها، وفي عام 2008 نشرت مكتبة الرئيس جيمي كارتر، نسخة رقمية من المستند، التي لم تحجب فيها الفقرة المتعلقة برسالة الخميني، ولكنها ظلت بعيدة عن أعين المؤرخين والمحققين.
وتنص الوثيقة على شرح الخميني في رسالته أنه لم يعارض المصالح الأمريكية في إيران، على العكس فإنه اعتقد بأن الوجود الأمريكي "كان ضرورياً لإحداث توازن ضد الاتحاد السوفييتي والنفوذ البريطاني المحتمل، كما شرح اعتقاده في التعاون الوثيق بين الإسلام وبين أديان العالم، خصوصاً المسيحية".
ووصلت الرسالة إلى واشنطن يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني 1963، لكن لا يعلم هل قرأ الرئيس الأمريكي هذه الرسالة أم لا، إذ توفي كيندي بعد أسبوعين من تعرضه لعملية اغتيال في تكساس.
كما أرسل الخميني مرة أخرى رسالة لإدارة الرئيس جيمي كارتر، وفقاً لمستند يعود تاريخه إلى 19 يناير/كانون الثاني 1979؛ أي قبل انطلاق الثورة الإيرانية بأسابيع، والتي وعد فيها الرئيس الأمريكي بعدم قطع إيران للنفط عن الغرب، وعدم تصدير الثورة إلى دول المنطقة، وإقامة علاقات ودية مع الولايات المتحدة.
ونصت الرسالة الثانية للخميني على تأكيدات لكارتر أنه لن يعادي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قال فيها: "سترون أنه لا يوجد عداء خاص بيننا وبين أمريكا، وسترون أن الجمهورية الإسلامية المبنية على الفلسفة والقوانين الإسلامية لن تكون إلا حكومة إنسانية، تسعى للسلام ومساعدة البشرية".
رسالتان من الخميني إلى رئيسين للولايات المتحدة الأمريكية يؤكد فيهما رعاية المصالح الأمريكية؛ إحداهما قبل الثورة في وقت اعتقاله وقبل نفيه إلى العراق، والأخرى بعد الثورة الإيرانية وكلتاهما تؤكدان حماية المصالح الأمريكية، لكن الخميني لم يف بتعهداته بعد ذلك، خاصة في نقطة تصدير الثورة وتهديد دول المنطقة، إلا إذا كان هذه التهديدات بتصدير الثورة وتهديد دول المنطقة من ضمن الاتفاق السري بين الخميني وأمريكا، والأيام كفيلة بكشف مزيد من الوثائق التي ربما تحتوي على مزيد من الحقائق الصادمة.