تقرير امريكي : محتال بريطاني باع ألعاباً بلاستيكية للعراق تسببت بقتل الآلاف !
الثلاثاء 05 ـ 07 ـ 2016
بعد مقتل أكثر من 200 شخص في هجوم انتحاري لتنظيم " داعش " في منطقة الكرادة وسط العاصمة العراقية بغداد ،
في الثالث من تموز 2016 ، صب العراقيون غضبهم على أحد رموز الفساد الحكومي
وفشل الدولة في حمايتهم، وهي " الأجهزة المزيفة للكشف عن المتفجرات " .
تشبه تلك الأجهزة العصا ، وهي ليست سوى هوائي معلق على مقبض من البلاستيك ،
وما زال تستخدم على نطاق واسع في عمليات التفتيش في البلاد حتى بعد سنوات من القبض
على البريطاني المخادع الذي قام ببيعها ، وقيام بريطانيا بحظر تصديرها نهائياً ،
وفقاً لتقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية .
وتقول الصحيفة أن تلك الأجهزة تستخدم عند مداخل السفارات ، والمجمعات السكانية ، والوزارات الحكومية ،
كما تستخدمها قوات الأمن في نقاط التفتيش مثل تلك التي تقع في شارع الكرادة التجاري ،
والذي استهدفه التفجير الانتحاري الأخير صباح الأحد 3 ـ تموز ـ 2016 ،
والذي استُهِدف أكثر من مرة سابقاً ، مبينة أن التفجيرات ضربت
مراكز التسوق المزدحمة بالمنطقة ، ليحترق من بداخلها حتى الموت ، إلا أن العراقيين لجأوا
إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتنفيس عن غضبهم حول هذه الأجهزة المزيفة .
واشارت الصحيفة الى أن المغردين سخروا عبر موقع " تويتر " من سخف تلك الأجهزة
التي يستخدمها الأمن للبحث عن المتفجرات ، بينما اختُرِق موقع وزارة الداخلية ، ووُضِعت صورة لرضيع قتيل ،
مع صورة لجهاز الكشف عن المتفجرات يحمل شعار داعش .
فقد رغب المخترق في القول بأن تلك الأجهزة المزيفة لم تساعد سوى من يرغبون في قتل الأبرياء ،
وكتب المخترق في رسالته " لا أعرف كيف تنامون الليل ، لقد ماتت ضمائركم " .
ومع تزايد حالة الغضب ، أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي مساء الأحد عن توقف قوات الأمن بالكامل
عن استخدام تلك الأجهزة في نقاط التفتيش ، وأنه ينبغي على وزارة الداخلية
فتح تحقيق جديد حول الصفقات الفاسدة لشراء تلك الأجهزة .
وبحسب الصحيفة فأنه ، على الرغم من ذلك ، استُخدِمت تلك الأجهزة في صباح اليومي التالي ،
وسط غموض حول موعد تنفيذ قرار إيقافها .
وتنقل الصحيفة الامريكية عن مقداد التميمي ، وهو ضابط بأحد نقاط التفتيش شمال بغداد ،
والذي مازال يستخدم أحد تلك الأجهزة حالياً قوله :
" لم نتلقَّ الأوامر بعد ، نحن نعرف أنها لا تعمل ، الجميع يعرف ذلك ، والرجل الذي صنعها
في السجن حالياً ، ولكني لا أملك خياراً آخر" .
ولفتت الصحيفة الى أن العراق حصل على الجهاز الذي يحمل اسم أي دي إي 651 عن طريق شخص
يدعى [ جيمس ماكورميك ] ، وهو بريطاني حصل على حكم بالسجن لعشر سنوات في بلاده بعدما أدين
في عام 2014 بتهمة الغش .
وأُلقِي القبض على ماكورميك في 2010 بعد حظر تصدير الجهاز من قِبل الحكومة البريطانية .
وتشير التقارير إلى أن ماكورميك قد ربح ما يزيد عن 80 مليون دولار من مبيعات الجهاز لدول مثل العراق ،
إذ زعمت شركته أن لديها أجهزة بإمكانها الكشف عن الممنوعات مثل المخدرات والمتفجرات
من بعد يصل إلى كيلومتر، ويشير دليل الجهاز أنه باستخدام بطاقات الكشف عن المواد ،
يمكن للجهاز حتى التقاط العملات المزورة ، أو أسنان عاج الفيل .
وفي تحقيق أجرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC ، أشار التحقيق إلى أن الجهاز لا يمكنه اكتشاف أي شيء .
وبحسب سيدني ألفورد ، خبير المتفجرات بالجيش البريطاني ، فقد وصف بيع ذلك الجهاز
بأنه أمر " غير أخلاقي على الإطلاق " .
وفي منتصف تسعينات القرن الماضي ، أثار مكتب التحقيقات الفيدرالي الشكوك حول جهاز مماثل ،
حيث صدر في تلك الفترة جهاز يدعى Gopher ، يفترض أنه يقوم بإيجاد كرات الغولف ،
إلا أنه لم يكن ناجحاً في ذلك ، إذ يتحرك الهوائي كرد فعل على أي حركة صغيرة تُحدِثها يد المستخدم .
وبلغ سعر الجهاز الواحد في تلك الفترة 69 دولاراً .
إلا أن ماكورميك تمكن من بيع جهازه مقابل آلاف الدولارات للقطعة الواحدة ، بحسب ما ذكرته تقارير إخبارية .
وعلى الرغم من إثبات أن تلك الأجهزة مزيفة ، لا يزال الاعتماد عليها مستمراً في الشرق الأوسط ،
وقد تسبب ذلك في زيادة تساؤلات العراقيين
حول كيفية استمرار الاعتماد على تلك الأجهزة حتى بعد أن ثبت زيفها .
وفي كتابه " الصراع من أجل مستقبل العراق " ، يروي الكاتب زيد العلي عن الأسابيع
التي تلت قرار المحكمة البريطانية بإدانة ماكورميك ، عندما شهد العراق عدة تفجيرات تسببت
في مقتل عشرات العراقيين بالعاصمة بغداد .
حينها عقد رئيس الوزراء العراقي آنذاك ، نوري المالكي ، مؤتمراً صحفياً ،
حيث سُئل خلاله عن السبب وراء استمرار استخدام تلك الأجهزة .
يقول علي : إن رد رئيس الوزراء تركه " مصعوقاً " ، إذ قال المالكي إنه شكّل لجاناً عديدة للتحقيق
في الادعاءات المتعلقة بأن الأجهزة كانت مزيفة ،
وإن النتيجة أوضحت أنّ الأجهزة تعمل بنسبة 20-54% بعد أن عرف الجنود كيفية تشغيلها بصورة صحيحة .
كما أضاف المالكي حينها ، أنه على الرغم من زيف بعض الأجهزة ، فإن البعض الآخر لم يكن مزيفاً .
وذكر علي في كتابه أنه كان ثمة طريقتان وحسب لتفسير ما قاله رئيس الوزراء " فإما أنه كان يؤمن بما قاله
( مما قد يعني أنه لم يكن قادراً على استيعاب كم المعاناة التي كانت واضحة لأي شخص آخر) ،
أو أنه كان يتعمد تحوير الحقيقة
( مما قد يعني أن الأمن والعراقيين كانوا أولوية ثانية أمام الأولوية الأهم بالنسبة له ، وهي حماية سمعته ) .
وقد علق علي ذلك الأمر قائلاً إنه " مثال توضيحي متكامل على أن السبب الحقيقي وراء مشكلات العراقيين
ليس الدين والعرق ، بل سوء الحكم " .
وقد استمر إستخدام أجهزة الكشف هذه منذ تولي العبادي لمنصب رئيس الوزراء عام 2014 .
وفي مقابلة على إحدى القنوات التلفزيونية الحكومية ، قال وزير الداخلية العراقي ، محمد الغبان ، إنه ورث تلك المشكلة ،
وإنه ينبغي تشكيل أحد اللجان للكشف عما إذا كانت تلك الأجهزة تعمل بالفعل .
كما وصف مشكلة أجهزة الكشف عن المفرقعات بأن حجمها " أكبر من وزارة الداخلية " .
بيد أن إبراهيم العبادي ، وهو متحدث باسم الوزارة ، قال إن ثمة تحقيقاً جرى عام 2011 ،
وقد سافر حينها مسؤولوا وزارة الداخلية إلى المملكة المتحدة ، واستنتجوا أن تلك الأجهزة كانت مزيفة .
وأوضح قائلاً "كنا نفكر في سحبها من نقاط التفتيش ، لكن المشكلة أنه ليس هناك بديل " .
كما أضاف أنها يمكنها أن تخيف أي شخص يحمل متفجرات أو أي أغراض مهربة ،
ليتمكن أفراد الأمن الموجودون بنقاط التفتيش من استكشافها .
وكشف أن أحد مديري وحدة مكافحة المتفجرات بوزارة الداخلية حكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات
عام 2012 بسبب شراء تلك الأجهزة ، وقد أضيفت سنتان أخريان إلى تلك المدة بسبب حكم آخر
في عام 2015.
ويقول أوس ياسين ( 35 عاماً ) ، وهو أحد المتظاهرين الذين تجمعوا بالقرب من مشهد التفجير
مساء الأحد " الناس تنتظر في نقاط التفتيش وتتحمل حرارة الجو خلال أوقات الانتظار،
لكنهم يمرون من نقاط تفتيش تعمل بأجهزة مزيفة ليست سوى ألعاب في الحقيقة " .
وتوجه المتظاهرون نحو منزل أسرة العبادي الكائن بالمنطقة ونعتوه بالسارق ،
كما اتهموه بالتسبب في قتل أهل كرادة .
يقول عباس ياسين ، البالغ من العمر 45 عاماً " إن كان لديه ذرة من الكرامة ، فعليه أن يستقيل حالاً " .
وقد كافح العبادي ، الضعيف سياسياً ، من أجل تطبيق إصلاحاته السياسية المحدودة .
ولم تتضح خطط الحكومة المتعلقة بما سيحل محل الأجهزة المزيفة ، لكن العبادي أمر بالإعلان
عن أنّ أجهزة رابسيكان الأميركية للكشف والتفتيش ، في طريقها إلى بغداد .
ويبقى أنْ يشاهد المتابعون ما إذا كانوا في نهاية المطاف سيشهدون إنهاء إستخدام تلك الأجهزة المزيفة أم لا .
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية ، إنه توقع أن تُسحب تلك الأجهزة تدريجياً
بعد الأوامر التي صدرت من رئيس الوزراء .
وعند نقطة التفتيش ، قال التميمي ، ضابط الشرطة ، إنه يأمل أنْ تصل الأجهزة غير المزيفة لكي تحمي الناس .
كما أوضح قائلاً " قُتل كثير منْ الأشخاص بسبب تلك القطعة البلاستيكية " .