منْ ألقى حبل النجاة لأردوغان هذه المرة ؟
الأثنين 18 ـ -7 ـ 2016
عاشت تركيا قبل يومين ، عدة ساعات عصيبة ، كتم العالم أنفاسه خلالها ،
مذهولاً في حالة أشبه ما تكون بتهاوي برجي التجارة العالمي في 11سبتمبر،
فقد أدت محاولة الإنقلاب على سلطة العدالة والتنمية - أردوغان من قبل ضباط كبار
في الجيش التركي إلى زلزلة مراكز القرار الدولية التي استثمرت مليارات الدولارات
في صراع الشرق الأوسط بشراكة كاملة مع نظام أردوغان الذي زعزعته الحركة الانقلابية .
الانقلاب ليس بفعل أردوغان :
تحدثت الكثير من المصادر عن إحتمالية أنْ يكون الانقلاب مخطط له من قبل أردوغان
ليتخذ منه ذريعة للتوغل في صفوف الجيش التركي ويصبح الآمر الناهي فيه ،
حاله مع باقي مؤسسات الدولة الأخرى ، خاصة وإنّ أبواب الجيش بقيت مغلقة
في وجهه منذ آستلامه السلطة عام 2002 وكان على رأس مروجي هذه الاحتمالية
فتح الله غولن ، شريك أردوغان السابق وخصمه اللدود حاليا والمتهم الاول من قبل أردوغان بتدبير الانقلاب !
من البديهي إنّ أردوغان إفتعل العديد من التمثيليات ، لعب فيها أدوار عنيفة ، لكن هذا لايعني إنه إفتعل الانقلاب
والذين يقولون بهذا ، يُلبسون الرجل ثوباً أكبر منه ويضفون عليه من دون دراية المزيد الهيبة ،
هيبة لا يستحقها منْ وقف ليلة الانقلاب يستفسر حراسه الشخصيين عما يجري من حوله ،
حالة الفزع والضياع التي ظهر بها في الساعة الثانية للانقلاب وآستجدائه لقوى الأمن والمواطنين
بالتصدي للجيش الارهابي على حـدّ قوله لا تعني إلا إنه آخر منْ كان يعلم بهكذا أمر.
كذلك في الساعة الثانية من الانقلاب صدر وحسب سكاي نيوز نقلا عن مصدر أمريكي ،
إنّ أردوغان يفكر باللجوء إلى ألمانيا وإنّ دلّ هذا على شيء فإنما على يأسه .
كيف لأنقلاب خطط له قادة القوى الجوية والبرية أنْ يفشل ؟
بغض النظر عنْ نجاح جميع الانقلابات العسكرية في تركيا رغم عدم توفر شروط النجاح
التي توفرت لهذه المحاولة فإنّ أسئلة كثير تطرح نفسها حول غموض ماجرى ! .
بعيداً عن الاحصائيات الدقيقة فإن القوات البرية التركية تعتبر من أضخم القوات
في حلف النيتو وعموم منطقة الشرق الأوسط ، وهي القوة البرية الوحيدة في المنطقة
التي لم تُستهلك قواها ولم تدخل منذ عقود في حروب حقيقية .
ولم تمتلك الدور المنهك في حرب الدولة التركية في صراعها مع حزب العمال الكوردستاني ،
أي إنّ القوات البرية التركية لازالت في كامل جهوزيتها العسكرية ورغم ذلك فشلت
في السيطرة على المرافق الرئيسية في تركيا وبالأخص في أنقرة واستنبول .
هل هذا منطق ؟ !
الطرف الرئيسي الآخر في قيادة الانقلاب كانت القوات الجوية وهذا ما يزيد الطين بلّة ، كيف يُعقل
أنْ تفشل القوات الجوية التركية في فرض حظر طيران في أجواء أنقرة واستنبول ،
ثم منْ أين أتت الطائرات الحربية التي اسقطت المروحيات التي كانت تقصف
مقرات الأمن العام والقوات الخاصة والبرلمان ؟
هل يمكن تفسير ذلك بأن قسماً منْ القوات الجوية خرجت عن طاعة قائدها العام ،
وإذا كان ذلك صحيحا فبأمر منْ قامت بتلك الطلعات ، خاصة وإنّْ قائد الأركان
ومعظم مساعديه كانوا في قبضة الانقلابيين ؟
الذي حصل وبدون أدنى شك هو تدخل قوات مجهولة الهوية لصالح أردوغان لاجهاض الانقلاب
وكانت بعض المصادر الاعلامية تحدثت عنْ تنفيذ طائرات ف 16 تابعة للنيتو
لمهمة إسقاط مروحيات الانقلابيين وهذا التفسير ، هو الأقرب للتصديق .
ماذا يعني رحيل أردوغان ؟
أعلنت الولايات المتحدة الامريكية بعد آنهيار برجي مركز التجارة العالمي 2001 حرباّ لا هوادة فيها
على الارهاب المتمثل في التطرف الاسلامي في الوقت الذي كانت فيه تركيا قد سبقتها بسبعة عقود
حين أسس أتاتورك الجمهورية وقد كان أول ظهور للاسلام السياسي في تسعينيات القرن الماضي
ولكن ما لبث أنْ انتبه الجيش التركي لخطر أربكان على تركيا وبضغط منْ قادة الجيش
تم إستبعاده من الحياة السياسية دستوريا ، كان هذا هو موقف تركيا الأتاتوركية من الاسلام السياسي
قبل إعلان امريكا الحرب على الارهاب الاسلامي فكيف صعد أردوغان
إلى سدة الحكم في عام 2002 ؟
قادماً من المجهول ليقود تركيا لزعامة العالم الاسلامي ( المتطرف ) ؟
الرجل لم يخفي ميوله الاسلامية منذ توليه السلطة وعمل على أسلمة كافة مناحي الحياة
في البلاد ، وعدل في الدستور مرارا ليتمكن منْ ربط تركيا بتاريخها العثماني وكل ذلك تحت انظار أمريكا .
لم يكتفي أردوغان بعثمنة تركيا ، بل طمح في أنْ يسترد سلطة العثمانيين في كثير
منْ دول الجوار وضخ أموالا هائلة في سبيل تحقيق هذا الحلم .
لم يجري كل ذلك بليونة سياسية وإنما بالترغيب والاكراه ، فمن ناحية سخر الازدهار الاقتصادي ( المجهول ) ،
لشراء أصوات مواطنيه وبناء جيوش مختلفة تحت مختلف المسميات مهمتها القتل .
ولا شئ سوى القتل لازالة أي عائق في طريق طموحاته فعرفت المنطقة عشرات القوى الاجرامية ،
ومنْ أشهرها القوات الخاصة وجبهة النصرة وداعش وفتح الاسلام وكان لأردوغان جيوشه الخاصة
تحت كل تلك المسميات المسلحة التي عرفتها المنطقة وكان المورد الرئيسي لها
بالمال والرجال والسلاح وكل ذلك تحت أنظار المجتمع الدولي .
أردوغان وضع العالم على شفير حروب عالمية أكثر منْ مرة
أدت سياسات أردوغان في المنطقة إلى خطر إشتعال حروب كبيرة في المنطقة
لولا تحاشي الاطراف الاخرى التورط معه في حروب مدمرة
وكان أهمها التصعيد ضد روسيا على إثر اسقاط الطائرتين الروسيتين فوق الاراضي السورية ،
كما إن إثارته لجميع دول الجوار كان فيها الكثير من التحدي العدواني ،
كما ولم تسلم أوروپا منْ شره بسلاح المهاجرين ،
هذا اضافة إلى حرب داخلية مجنونة يخوضها ضد الشعب الكوردي
في شمال كوردستان منذ أكثر منْ عام .
كل ذلك ليس سببا كافياً لشركاء أردوغان ( المجهولين ) يدفعهم للتخلي عنه ،
لأن دوره لم ينتهي بعد ! لقد تم الدفع بمنطقة الشرق الأوسط إلى المجهول لغايات لازلنا نجهلها وأردوغان
لاعب أساسي في هذا المخطط المجهول حتى بالنسبة له ،لأنه يتلقى كغيره تماما أوامر الخطوة القادمة فقط
ومن المهم أنْ يحتفظ بالسلطة المطلقة حتى لا يعرقل أحد ما تنفيذ الخطوة القادمة .
إنها المرة الثانية خلال عام تقريب ، إنها المرة الثانية خلال عام تقريبا يسقط أردوغان
ويتم إنتشاله من السقوط بالقوة ، قوة لا يمتلكها هو ، إنما مجهولة تتدخل لانقاذه وقت الحاجة !
ففي آنتخابات العام الماضي خسر أردوغان أغلبيته البرلمانية وقبول النتيجة كان يعني
فقدانه لدوره المطلوب ، جرى عرقلة تشكيل أي حكومة مشتركة وتمت إعادة الانتخابات
فحصل أردوغان بالقوة على الغالبية المطلقة التي تمكنه منْ حكم تركيا بمفرده .
بعد حوالي عام منْ ذلك سعى العسكر للإطاحة به لكن شيئاً ما حال دون نجاحهم
في ذلك ، فما هو ذلك الشئ ؟
الإعلام يحاول إقناع الأغبياء بأنّ الشارع منع العسكر ، الشارع يحاول إقناع نفسه
بأنّ أردوغان محمي بقوة إلهية ، بينما الحقيقة في مكان آخر تماما ، بيد جهات غير معلومــة ! .