ما الذي يمكن ان يعلّمنا موقف القاضي الذي لا يستحي والغير العادل تجاه المرأة اللجوجة والمزعجة له بشأن العدالة والدفاع عن الحق في ملكوت الله؟ يسرد يسوع هذا المثل ليعطي الرجاء والثقة لتلاميذه. ففي هذه الحياة يمكننا ان نتوقع المحن والصعوبات، لكن لا يجب ان نفقد الرجاء والثقة بالله.
إن مثل القاضي الجائر هو درس بليغ جداً بشأن المداومة على الصلاة والثقة بالذي نقدم له تضرعنا. وهو يصيغ أيضاً ملَخصاً عن تعليم يسوع بشأن السهر الذي يتردد في الآيات السابقة (17: 23-26). هذه المقارنة التي يعملّها يسوع ما بين الله والقاضي الظالم، تجعل المسألة أوضح. أي وإن كان هذا الشخص غير عادل إلا انه يمنح العدالة للذي يتوسل له بشأن قضيته، فكيف بالأحرى إلهنا الذي له وفرة العدالة، كيف لا يصغي لصلواتنا وتضرعاتنا ويقدم لنا خلاصه المجاني.
وإن كنا نؤمن بأن إلهنا لا يُخفى عليه شيء، فهو يعرف ما نحن بحاجة إليه، فلماذا نصلي إذاً؟
1- إننا نصلي أولاً وقبل كل شيء لأننا مؤمنين. فالصلاة هي بالحقيقة الإعتراف بمحدوديتنا وإتكالنا: فنحن نأتي من الله، وننتمي إليه وبالتالي لا نرجع إلا إليه! فلا يمكننا إلا ان نسلّم ذواتنا له، فهو خالقنا وربنا. لذلك، الصلاة هي فعل تأملي وشعور بالتواضع والأمتنان، وهي أيضاً موقف الثقة وتسليم الذات له الذي يعطينا حياة الحب. الصلاة هي حوار سري لكن حقيقي مع الله، هي حوار الثقة والحب.
2- مع ذلك، نحن مسيحيون وعلينا ان نصلي كمسيحيين. تمنح الصلاة للمسيحي ميزة خاصة، إذ تغير طبيعته وقيمته العميقة. المسيحي هو تلميذ المسيح، فهو الشخص الذي يؤمن حقيقة بأن يسوع هو الكلمة المتجسد، أبن الله الذي اتى وسكن معنا. إن حياة يسوع كإنسان، كانت كلها صلاة مستمرة، وكانت فعل عبادة وحب مستمر للآب. لأنها بالنسبة له كانت فعل تضحية وتقديم الذات الذي تجسد على الصليب، والذي مثله قبل ذلك من خلال العشاء الفصحي، والذي نجسده نحن كل أحد وكل يوم ايضاً على مذابح العالم على مدى القرون. لذلك، فالمسيحي يعرف بأن صلاته هي صلاة مع يسوع، فكل صلاة يجب ان تبدأ بيسوع، لأنه هو الذي يصلي فينا ومعنا ومن أجلنا. كل الذين يؤمنون بالله يصلون؛ إلا ان المسيحي يصلي من خلال يسوع المسيح: لأن المسيح هو موضوع صلاتنا بالذات!
3- أخيراً، إننا نصلي، لكوننا ضعفاء وخطأة. علينا ان نكون متواضعين وواقعيين بتمييزنا ما نحن عليه، اي كوننا مخلوقات فقيرة ولديها أفكار عشوائية ومجربة من قبل الشرير، إننا مخلوقات ضعيفة وهشة بحاجة مستمرة إلى القوة والعزاء الداخلي. إن الصلاة تعطي العمق للأفكار العظيمة وتساعد على صقل الإيمان والمحبة والنقاء والسخاء. تعطي الصلاة الشجاعة للخروج من نكسة الإهمال والخطيئة إن كان شخص ما قد وقع في حبال التجربة والضعف البشري. تمنحنا الصلاة النور لنرى ونتمعن الأحداث التي في حياتنا وتاريخنا من وجهة نظرة الله الخلاصية. لذلك، ليس علينا ان نتوقف عن الصلاة! لنجعل كل يوم من حياتنا لا يعبر بدون ان تكون فيه ولو صلاة قصيرة! الصلاة واجبة لكن بنفس الوقت هي فرح عظيم لا يوصف، لأنها حوار مع الله من خلال يسوع المسيح!
في النهاية يطرح علينا يسوع سؤالاً: هل سيجد أبن البشر إيمان عند الناس على الأرض؟ هل سيكون لدينا أنا وأنت إيمان؟ إنه يقصد إيمان الذي يثبت إلى المنتهى من خلال مثابرته على البقاء رغم المحن والصعوبات. يريد منا يسوع ان نغذي هذا الإيمان من خلال كلمة الله ونسأل الرب نفسه كي يزيدنا إياه "يارب زدنا إيماناً" (لوقا 17: 5). إنه يجمع في تعليمه ما بين المثابرة على الصلاة والثبات على الإيمان: أي ان الإيمان والصلاة يمشيان جنب إلى جنب. يقول القديس أوغسطينوس: "حتى نصلي، يجب ان نؤمن؛ ولكي لا يضعف إيماننا، علينا نصلي. فالإيمان يساعد على نمو الصلاة، وعندما تنمو الصلاة تجعل من الإيمان يتقوى شيئاً فشيئاً .
حبيب حنا حبيب عضو فعال جداً
الدولة : الجنس : عدد المساهمات : 21916مزاجي : تاريخ التسجيل : 25/01/2010الابراج :
شكراً استاذنا العزيز * أبو فرات * على نقلك لنا هذه القصّــــة الرّائعــــة * للأب جزيل الإحترام القس ريمـــون سـركيس !!! خالص تقديرنا وآحترامنــــا ...