ما يسمى ( قانون حظر البعث ) الذي تبناه ما يسمى البرلمان في بغداد خطوة منبثقة من مخطط الاحتلال الاصلي ودعما له ولهذا من الضروري عرض ملاحظات اساسية حوله : 1- هذا القانون لن يكون اكثر فاعلية من سابقيه وهما قانون اجتثاث البعث وقانون المساءلة والعدالة فكلاهما تحول الى مجرد اداة فاشية سخرت لاضطهاد ملايين العراقيين وليس البعثيين فقط لكنهما عجزا عن قهر البعث او اضعافه بدليل توالي صدور القانون تلو القانون لمعالجة تحديات تعاظم النهوض الشعبي العام الذي يلعب البعث فيه دورا طليعيا ، فادى الى توسع الحزب وانتشاره وكسبه لملايين الناس في اجواء تفاقم عزلة الحكومة التابعة لاسرائيل الشرقية لهذا فان هذا القانون سيكون محفزا مضافا لزيادة تعظيم شعبية البعث والتفاف الشعب حوله وزيادة عزلة نغول اسرائيل الشرقية . 2- ان اصدار القانون جاء كمحاولة للرد على الانتفاضة الشعبية الوطنية خصوصا في الجنوب والوسط والتي هددت باسقاط العملية السياسية وطغت عليها شعارات البعث وكان للرفاق البعثيين الدور الاكثر تأثيرا فيها وفي توجهاتها الاساسية ، وما ارعب الطغاة هو ان هتافات الشعب في قلب المنطقة الخضراء كانت بحياة البعث والقائد عزة ابراهيم والقائد الشهيد صدام حسين ، لهذا صمم هذا القانون ليكون ردا مباشرا ومتعجلا على طغيان المطاليب التي تبناها البعث منذ الغزو وصارت مطالبا لكافة ابناء الشعب . 3- يأتي القانون وسط اسوأ صراع سلطة مقرونا بأخطر فشل في معالجة الازمات المتفاقمة خصوصا الخدمية والاقتصادية والامنية وطغيان الميليشيات على ما يسمى الجيش وقوى الامن ، لهذا طرح هذا الامر للتصويت في البرلمان في هذا الوقت بالذات لابعاد شبح التناقضات واشغال الاطراف المتصارعة بقضية تحد خارجي هو ( الخطر البعثي ) . 4- بعد ان وصلت معاناة العراقيين ذروة لا تطاق بسبب تهجير ملايين العراقيين وجعلهم يواجهون عيشا رهيبا في الصحراء او الاماكن المكشوفة الخالية من الخدمات وحرمانهم من الغذاء والدواء وتعرضهم للاختطاف والقتل الدوريين ...الخ ، ولتطويق الخسائر البشرية الهائلة التي اصابت الحشد الصفوي في معارك الانبار خصوصا معارك الفلوجة تحاول السلطات اشغال الناس بخطر وهمي هو خطر البعث وتحميل البعث مسؤولية الضحايا ونقل رد الفعل من التمركز على الميليشيات في الحشد الصفوي والحكومة والاحزاب التابعة لايران الى البعث والقوى الوطنية فكان اصدار القانون هو تغطية على العدد الضخم من الضحايا من جهة وتحريضا على طرف اخر اتهم بانه مسؤول عن الكارثة التي تسبب بها الغزو من جهة ثانية . 5- ان تصاعد الدعوات لاجل وضع حد للكوارث التي تطحن ابناء الشعب العراقي وانهاء المأساة ووصول الكثير من الناس الى حالة العجز عن تحمل ضغوط تلك الكوارث وظهور حالات انهيارات في مواقف كتل سياسية او اجتماعية وتراجعها عن الموقف الوطني الرافض للاحتلال ولبرنامجه الاصلي ، خصوصا اهم اهدافه وهو تقسيم العراق على ان يبدأ بالفدرالية ونظام الاقاليم القائمان على المحاصصات الطائفية والعرقية وقبول البعض الفدرالية او نظام الاقاليم الطائفية ، ان ذلك كله كان تطورا خطيرا جدا هدد بشق ابناء الشعب الملتفين حول الموقف الاصلي والصائب من الاحتلال وهو رفض اهم واخطر اهدافه وهو التقسيم المبني على الفدرالية والاقاليم . لهذا كان مطلوبا من القوى الوطنية الرافضة للاحتلال وفصائل المقاومة العراقية التصدي لبوادر الانهيارات في الموقف الشعبي العام والمحافظة على تماسكه بتبني مطاليب مرحلية رأت فيها بعض الجماهير المعذبة حلا سريعا يوقف انهار الدم والتهجير والجوع وهتك الاعراض وتدمير كافة مظاهر الحياة الطبيعية ، ومنها مطلب المصالحة الوطنية الشاملة ، ولكن هذا المطلب انفعالي لانه مغمس بانهر الدم والكوارث ولذلك ينطوي على لغم خطير وهو ان المصالحة ما لم تستند على ثوابتنا الوطنية التي قاومنا الغزو قبل وقوعه من اجلها وواصلنا مقاومته بعد حصوله فانها قبول باهم اهداف الاحتلال وبذلك تذهب تضحيات ملايين العراقيين ادراج الريح وتضيع مكاسبنا الوطنية والتحررية ونعود الى عصر الاستعمار والتحكم الاجنبي بنا ، لهذا كان على القوى الوطنية وفصائل المقاومة ان ترمي الكرة في ملعب الاطراف المعادية التي خططت لغزو العراق وتقسيمه وتقاسمه فكيف يمكن ذلك ؟ ان ان بقاء الجماهير تحت خيمة القوى الوطنية والمقاومة هدف لا غنى عنه لان انفضاضها من حول القوى الوطنية والمقاومة يفضي حتما الى زوال القوى الوطنية لهذا كان يجب المحافظة على الصلة بالجماهير العراقية الاساسية ومنع تشرذمها ووقوعها في مناطق تأثير من دعم الاحتلال او خطط له رغبة منها في حل سريع مهما كانت عيوبه ، مما دفع القوى الوطنية والمقاومة الى تبني مشروع مصالحة وطنية مدروس وايجابي يبتعد عن العواطف ويقوم على الثوابت الوطنية المعروفة التي واجهت بها القوى الوطنية والمقاومة الغزو اصلا ومنها المحافظة على وحدة العراق وهويته الوطنية والقومية وتثبيت مبدا المساواة التامة بين كافة العراقيين وانهاء المحاصصات الطائفية والعرقية والغاء اجتثاث البعث وحظره وتبني نظام التعددية الحزبية وتبادل السلطة بوسائل ديمقراطية وانهاء النفوذ الاجنبي بكافة اشكاله وتعزيز الحكم الذاتي لمنطقة كردستان العراق وتطويره في اطار وحدة العراق وحصر المحاسبة لمن ارتكب جرائم بمؤسسات قانونية وحل الميليشيات الخ ، وهكذا قدمت القوى الوطنية والمقاومة مشروعا يتجاوب مع اهم مطاليب الناس ولكنه يحميهم من الانزلاق في منحدرات التراجعات الفوضوية الاجبارية عن الثوابت الوطنية ووضعت لهم خارطة طريق واضحة تضمن حلا جذريا لازمات العراق وكوارثه لو التزمت بها كافة الاطراف ،فاسقط تكتيك اجبار الجماهير على قبول ما كانت ترفضه نتيجة عدم تقديم القوى الوطنية مشروعا عمليا ومدروسا للمصالحة ورفضها اي نوع من انواع الحل السلمي . ولاجل اكمال الصورة كانت القوى الاقليمية والعربية والدولية تطرح حلا يقوم على مصالحات في العراق وتضغط من اجله وتحاول عزل القوى التي ترفضه فكانت الجماهير تزداد حيرة كلما زادت كوارثها وتفاقمت ازماتها المعيشية والامنية وتجد نفسها مضطرة للتراجع عن ثوابتها المعروفة والتقرب من مشاريع اقليمية وعربية ودولية اغلبها كاذبة وهدفها استقطاب الجماهير والمثقفين والكتل السياسية وزيادة تشرذمها وحيرتها بطرح مشاريع غير قابلة للتطبيق عمليا لكنها تطرح لالهاء النخب العراقية وشيوخ عشائر وكتل سياسية وشخصيات بارزة بتلك المشاريع الوهمية والتي هدفها سرقة الوقت وزرع اليأس تدريجيا . فكان الحل السليم هو ان تبادر القوى الوطنية والمقاومة وتمسك بزمام الامور بطرح مشروعها للمصالحة الوطنية الشاملة لقطع الطريق على اللعب وسرقة الوقت وضمان عدم تشتيت الناس والنخب وايجاد قاسم مشترك مقبول ممن يريد فعلا مصالحة وطنية حقيقية وشاملة وجذرية ونهائية وليس ممن يبغي المماطلة والخداع والتضليل . 6- طرحت القوى الوطنية مشروعها للمصالحة الوطنية الشاملة داخل العراق وخارجه ووصل الى دول الاقليم غير العربية والى دول العالم خصوصا الامم المتحدة وامريكا والاتحاد الاوربي وجرت اتصالات مع اغلب هذه الاطراف من اجل الاتفاق على مصالحة في اطار المشروع الذي طرحته القوى الوطنية والمقاومة ، وجرت نقاشات ولقاءات وعقدت مؤتمرات وطرحت مبادرات طوال السنوات الثلاثة الماضية وكلها تتحدث عن حل سلمي ومصالحات وطنية شاملة ولكن ماذا حصل ؟ هل نجحت خطة المصالحة ؟ الجواب هو كلا بل بالعكس فمن كان يجب ان يشعر بالعار لانه جاء مع الاحتلال داعما له ومشاركا في تكريسه مرتكبا جرائم اضافية منها السرقات وافقار العراق واضافة عذابات الفقر والامية والحرمان من الخدمات والامن الى عذابات الاحتلال وجرائمه وجدناه يرفض المصالحة في نهاية المطاف بعد ان تظاهر في البداية بقبولها رغم انه اكثر من يحتاج اليها على الاقل لتخفيف نتائج جرائمه بينما القوى الوطنية اظهرت استعدادا صادقا للمصالحة ولكن ضمن الثوابت الوطنية ، اما القوى الدولية والاقليمية والعربية فقد تراوحت مواقفها بين القبول الشكلي بالمصالحة وبين اشتراطات تعجيزية تنسف الثوابت الوطنية التي وضعتها القوى الوطنية وفصائل المقاومة ، فكيف ظهرت المواقف الاقليمية والعربية والدولية من المصالحة وساهمت في اجهاضها ؟ أ- امريكا كانت ومازالت تدعو لمصالحة في اطار مشروعها التدميري الاصلي وهو يقوم رسميا وبأصرار على تطبيق الفدرالية ونظام الاقاليم والمحاصصات الطائفية والعرقية والاسوأ انها تطلب من القوى الوطنية تغيير اسماءها وبرامجها ! لذلك كانت كافة المشاريع التي طرحت بدفع امريكي تقوم على الفدرالية ونظام الاقاليم وتبقي المحاصصات وهو ما يتناقض مع الثوابت الوطنية ويفضي حتما الى تقسيم العراق فاصبح الفهم الامريكي للمصالحة مساويا لقبول نتائج الاحتلال وتكريسها والتوقف عن مقاومتها ، فسقطت المشاريع الامريكية التي كلفت بطرحها عناصر عراقية . والسبب هو ان امريكا عندما غزت العراق وقبله عندما شنت عليه العدوان الثلاثيني في عام 1991 وفرضت الحصار لم تكن تريد فقط اسقاط االنظام الوطني بل كانت تريد ما بعد ذلك وهو اشعال الفوضى الهلاكة ونشر التشرذم والصراعات الطائفية والعرقية حتى يصل شعب العراق الى حالة نفسية يجبر فيها على المطالبة بالتقسيم وليس الفدرالية فقط ، على ان يبدأ ذلك بخطوة لابد منها وهي نظام الاقاليم . فكيف تقبل امريكا مصالحة وطنية حقيقية تعيد اللحمة العراقية وتضمد الجراح وتحافظ على السلامة الفكرية للشعب وتحمي وحدة العراق وهويته ؟ ب- اما اسرائيل الشرقية فهي الاخرى لا يمكن ان تقبل بالمصالحة الوطنية الا اذا اكملت سيطرتها على العراق بكافة قواه ومناطقه ، وهي عملت بتخطيط بعيد المدى على انشاء ميليشيات مسلحة وسياسية تدعم الوجود الايراني في العراق كي تحولها تدريجيا الى حرس مشابة للحرس الايراني يسيطر على العراق كله وينهي حتى الجيش الذي شكله الاحتلال ، فكيف تقبل بحل الميليشيات وابعاد النفوذ الاجنبي عن العراق رغم ان ذلك يعني نسف المشروع الاستعماري الايراني في العراق ؟ المصالحة ضمن الثوابت الوطنية تتناقض جذريا مع المخطط الايراني لذاك كان طبيعيا رفضها واجهاضها مباشرة او بصورة غير مباشرة . ج- اجتثاث البعث مشروع اممي لكافة القوى المعادية للامة العربية لانه مصمم ليس للقضاء على حزب البعث فقط بل للقضاء على الهوية العربية للعراق وتدمير القومية العربية ، فكل من لديه خطة معادية للعرب يجد في اجتثاث البعث خير غطاء لتنفيذ اهدافه ولهذا لم تكن صدفة ولا نتيجة خطأ اضطهاد ملايين العراقيين من غير البعثيين تحت غطاء اجتثاث البعث والسبب الوحيد لاجتثاثهم هو انهم عرب والمطلوب انقاص عدد العرب في العراق وزيادة غير العرب فيه بالتهجير المنظم للملايين العربية وبجلب ملايين من غير العرب ومنحهم الجنسية العراقية . فكيف يمكن قبول البعث شريكا في حكومة عراقية تنبق عن مصالحة حقيقية وهو هدف رسمي للتصفية الجسدية والعقائدية ؟ د- المصالحة ضمن الثوابت الوطنية تقوم على اساس لا يمكن الغاءه وهو اعادة اموال العراق المسروقة وهي تبلغ اكثر من ترليوني دولار وتعويض ابناء العراق عن الاضرار التي لحقت بهم خصوصا اسر الشهداء والمعوقين جسديا ونفسيا ومن فقد داره وماله وتعرض لسنوات من الحرمان والتجويع والتشرد ، فهل يمكن تصور ان اللص يقبل باعادة ما سرقه سواء كان فردا او حكومة او حزبا ؟ ان الكتل المشاركة في العملية السياسية كلها متورطة في النهب وسرقة اموال العراق ونشر الفساد فكيف يمكن لهؤلاء ان يكونوا جزء من مصالحة وطنية تجردهم من سرقاتهم وتعاقبهم عليها ؟ في ضوء ما تقدم يمكننا نا نرى الاسباب الحقيقية لصدور قانون حظر البعث مثلما نرى ان القوى الوطنية والمقاومة حينما طرحت مشروع المصالحة كانت تريد ان تقنع ابناء شعبنا بان من شارك في العملية السياسية وبسرقاتها وتبعيتها للغزاة الدوليين والاقليميين لا يمكنه ومهما ادعى ان يكون جزء من مصالحة وطنية حقيقية ولهذا رأينا هؤلاء يدعمون مشروع القانون ويحولونه الى قانون سوف يطبق على ملايين العراقيين سواء كانوا بعثيين او مستقلين خصوصا وانه فضفاض وبالامكان تفسيره حسب مشيئة اللجنة غير القانونية التي شكلت لتطبيقه وتفسيره وتحديد من يحال للقضاء بموجبه . وبناء عليه لابد من ملاحظة ما يلي : 1- ان من ايد القانون من اعضاء مجلس النواب يتحمل كافة النتائج المترتبة على تطبيقه من اضطهاد وقتل وتصفيات وسجن وليس الحكومة فقط وسيدفع ثمن ذلك حتما مهما طال الزمن وقائمة اسماء من وقع تأييدا له لدينا . 2- لقد رأى الشعب العراقي بنفسه وهو في ذروة محنته ان من يعرقل انهاء معاناته وكوارثه عبر مصالحة وطنية شاملة وحقيقية ليس القوى الوطنية ولا فصائل المقاومة بل الفئات المشاركة في العملية السياسية التي وافقت على القانون واقرته وهو يعني حرفيا رفض مشروع المصالحة واستمرار الكوارث ، وبالتأكيد فان امريكا واسرائيل الشرقية تقفان وراء اقراره ، كما ان كل طرف عربي او اقليمي او دولي لم يرفع صوته ضد تبني هذا القانون الفاشي يتحمل ما سيترتب عليه من نتائج كارثية ، فالكرة الان في ملاعب كل هؤلاء . لقد سقطت كافة الاقنعة والادعاءات الكاذبة حول الحرص على العراق وامن شعبه والرغبة في انهاء معاناته واخذ الشعب يرى بعد سقوط التضليل من يطرح مشاريع حل لازمة العراق على انه دمية تقف وراءها امريكا او اسرائيل الشرقية. اما البعث فهو كما كان وكما سيبقى : عملاق الماضي وامل المستقبل وحامل امانة الهوية وحاميها وصاحب مشروع تحرير العراق .