في نقطة تفتيش تقع في الطريق السريع الذي سُميَّ مرة "شارع الموت "يامر العميدَ ماجد الزبيدي قافلته المتكونة من عربات الهمفي بالتوقف ويقفز خارجا لتَفتيش القوات العراقية التي ستتولى المسؤوليةَ الامنية في واحدة من اكثر المدن العراقية تفجرا. وتم ايقاف حركة المرور على الجانبين لمنع حدوث هجمات محتملة. وقام العميد بتفحص اسلحة القوة ووبخ ضابطا لأنه حمل معه مجلة ما. وتكرر هذا المشهد في نقاط التفتيش الاخرى حيث كان الجنرال الزبيدي يكتشف بعض العيوب في فرقة الشرطة الاتحادية شبه العسكرية التي ستلعب دورا رئيسيا في معركة العراق مع المقاتلين. وفي مناطق مثل هذه المدينة الشمالية ستواجه القوات العراقية اقسى اختبار لها فيما تقوم الولايات المتحدة بخفض عديد قواتها. وبقي من القوات الاميركية 52,600 جندي ستكون مهمتهم رسميا تقديم المساعدة والنصح. وسيتولى المدنيون القيام بالمهام الاميركية في العراق بدلا من العسكريين. في شمال العراق، الذي توجد فيه سبع محافظات يقطنها نحو تسعة ملايين ونصف المليون ساكن، قام الجيش الاميركي بغلق او نقل 26 قاعدة من قواعده البالغة 50 قاعدة. وانخفض عديد قواته من اثنين وعشرين الف عنصر في تشرين الثّاني (نوفمبر) الماضي ليصل الى عشرة الاف مع تولي القوات العراقية المسؤولية الامنية الاساسية. وحتى الان فان محافظة نينوى التي تقع الموصل فيها تمثل بعضا من اسوأ التحديات التي لا تعد ولا تُحصى التي تواجه العراق فيما تواصل الولايات المتحدة خططها بالانسحاب العسكري الذي سيكتمل بنهاية 2011. وكانت الموصل حاضنة التمرد السني منذ الاحتلال الاميركي للعراق عام 2003. وكان نجلا صدام، قصي وعدي، لوحقا وقتلا في الموصل في تلك السنة. وتعد الموصل مركزا لتمويل القاعدة في العراق. ونينوى هي ملتقى طرق التجارة التي تربط سوريا وتركيا وايران. وكانت طريق تهريب ومرور وتدفق المقاتلين الاجانب. ويضاف لكل ذلك فانها النقطة المركزية في التوتر الخطير بين العرب والاكراد حول الاقاليم المتنازع عليها. وهي القضية التي منعت محافظها العربي من السفر الى مناطق المحافظة الواقعة تحت السيطرة الكردية. وبالنسبة للكثيرين فان هذه التوترات ترقى لمستوى العنف الطائفي الذي يشكل تهديدا خطيرا لاستقرار العراق. وقد تسببت الامراض المنتشرة في ارجاء البلد مثل الفساد وقلة التطوير باثارة القلاقل، لكن الموصل عمليا تحت الحكم العرفي. ومنذ انتشار الشرطة الاتحادية في المدينة قبل عامين، قُتِل مئة وستون من رجالها واصيب حوالي الفي رجل بجروح، ما تسبب في خفض الفاعلية الى خمسين بالمئة من القدرة الاصلية . اذ يبلغ عدد القوة الموجودة حاليا 3400 رجل فقط. والاشارات على الصراع كثيرة في الموصل، ابتداء من هيكل العمارة التي دمرتها شاحنة مفخخة وصفوف البيوت التي ثقّب الرصاص جدرانها وصولا الى اكياس الرمل التي تُتَخذْ مواقعا لاطلاق النار من على شرفات الشقق المهجورة. وبينما كان العميد الزبيدي يقوم بتفتيش رجاله فانه يتفاخر ان "شارع الموت" اصبح مهجورا قبل ان ينتشر رجاله فيه. ويقول ان قواته اخرجت المتطرفين منه. ورغم انه، في مكتبه، وصف الحالة بانها اصبحت سيئة. ويقول "انا لااعرف لماذا. ولكن من المحتمل ان السبب هو انسحاب القوات الاميركية". ويتدخل ضابط اخر في الحديث ويقول ان سكان الموصل قد يبدون تعاونا اكثر بعد انسحاب الاميركان. لكن العميد الزبيدي يقول ان فرقته من الشرطة الاتحادية تفضل بقاء القوات الاميركية ويتساءل "هل سمعت ان جنديا اميركيا قُتِلْ؟ ان الذي يُقتلْ هم الجنود العراقيون". ومايزال الضباط الاميركيون يشيرون الى تحسن القوات الامنية العراقية وتحسن الوضع الامني. ويقولون ان المتطرفين تلقوا ضربات قوية عن طريق اسر المقاتلين والتضييق على شبكات التمويل المتأتية من تهريب النفط والابتزاز. وان الهجمات انخفضت بنسبة 70% مقارنة بالسنة الماضية. ولكن لا تزال هناك بحدود عشر هجمات في كل اسبوع. ويقول العقيد براين لوك وهو قائد اميركي في الموصل ان المدينة متخلفة عن باقي اجزاء العراق بسنتين. ويضيف "بصراحة، هناك الكثير الذي يجب القيام به. فالولايات المتحدة وظفت بحدود عشرة ملايين دولار، لكن مردودها لايزال صغيرا. وستستغرق عمليات تحسين البنى التحتية واكمال كل اعمال الاصلاح عشر سنوات." لكنه، على أية حال، يمتدح قدرة القوات الامنية العراقية ويقول "انهم سيكونون رائعين تماما". ويقول العقيد لوك عن الانسحاب الاميركي "انه استغرق فترة اطول مما اعتقدت. ويمكن للمرء ان يستمر بالحديث دائما عن الذي تم انجازه بحل الجيش العراقي. لكن هناك اختلافات مثيرة عما كان قبل 2004". وستواصل القوات الاميركية نصح وتَدريب نظيرتها القوات العراقية. وستدير نقاط تفتيش في المناطق المتنازع عليها سوية مع القوات المركزية والكردية. وعلى اية حال فان الموتى والجرحى من الشرطة الاتحادية في الموصل لم يتم تعويضهم ببديل. واستغل المتمردون في الموصل انعدام الثقة والتنسيق الضعيف بين افراد الوحدات العسكرية في المدينة وبين وحدات الشرطة، حسبما يقول مسؤولون اميركيون. وتم نشر قوة شرطة منتظمة في الموصل، لكنها لا تمثل سوى 40% فقط من الحاجة ولم تتم الاستجابة الى طلبات ارسال ثمانية الاف عنصر اضافي اخر. وهي قضية أخرها مأزق تشكيل الحكومة الجديدة. ويتفق الضباط العراقيون والاميركان علن ان السياسيين المتشاحنين هم من يحمل مفتاح مستقبل الموصل. ويقول العقيد لوك ان "السياسة هي الشيء الوحيد الذي يمكنه تهشيم التقدم". ويقول المقدم كرستوفر غاريت الذي إشتركَ في الجهود الاولى لتعزيز الجيش العراقيِ في 2004 ان اراء الجنود الأميركيين ستتفاوت كلما انخفض عديد القوات. ويضيف "وفقا لاعتقادي الشخصي فاننا قمنا بعمل رائع. لكننا لانريده ان يبقى معلقا. ونامل ان يكون هناك في السنة القادمة اغلاق مسؤول. وعلى الحكومتين ان تقرر ابقاءنا هنا. وذلك ما يجب ان يكون". ترجمة عبد علي سلمان عن صحيفة الفايننشال تايمز
الموصل (اندرو انجلند) :
العنف انخفض بنسبة 70% بالموصل لكن هناك 10 هجمات اسبوعيا